الثلاثاء، 12 مايو 2020

تاسعا شرح الأبيات 320 - 356 الجيلي يروي سيرته الروحية الجزء الثاني .كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية

تاسعا شرح الأبيات 320 - 356 الجيلي يروي سيرته الروحية الجزء الثاني .كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية

تاسعا شرح الأبيات 320 - 356 الجيلي يروي سيرته الروحية الجزء الثاني .كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية

كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع عين على العينية العارف بالله عبد الكريم الجيلي شرح معاصر للقصيدة العينية د. سعاد الحكيم 

تاسعا الأبيات من ( 320 ) إلى ( 356 ) الجيلي يروي سيرته الروحية  الجزء الثاني

(320) جرى أشهب الألفاظ بي في بيانها  .....   بمضماره حتّى علون منافع

(321) سألوي عنآن القول نحو مكانه  .....  لتطلق فيه عن قيود شرآئع البلاقع .

(322) فلمّا نزلت الأرض ماء حياتها   .....   وأثمرني أصل هنالك يانع

(323) وكان إذا أنمت بحبّ غصونها.....   أرزّا ، فصدّق أنّني لمطالع

(324) وساق القضا تلك الحبوب فغذّيا  .....   بها ، أبواي الأطهران جوامع

(325) وحلّ مزاج الحبّ في الجسم مادة   .....   وتمّت لكيموس دم ونجائع

(326) فلمّا دنا آن البروز تجامعا   .....   بعقد حلال ، نعم ذاك التّجامع

(327) ولمّا تلاقى منه ماء بمائها   .....   وابدع بالتّركيب نشوي بادع

(328) وكان اقتضاء النّشو أنّي روحه  .....   وتعبير نفخ الرّوح عن ذآك واقع 

(329) فصوّر شخصي باليدين مصوّري   .....   لتطبع بالضّدّين فيّ طبائع

(330) وأخرجني من بعد تكميل هيكلي   .....   إلى العالم الأرضيّ من هو صانع

(331) ففي أوّل الشّهر المحرّم حرمة .....   ظهوري بالسّعد العطارد طالع

(332) لستّين مع سبع إلى سبعماية   .....   من الهجرة الغرّا سقتني المراضع

(333) ومذ كنت طفلا فالمعالي تطلّبي   .....   وتأنف نفسي كلّ ما هو واضع

(334) ولي همّة كانت وها هي لم تزل   .....   على أن لي فوق الطّباق مواضع

(335) وقد كنت جمّاحا إلى كلّ هيئة .....   فخضت بحارا دونهنّ فجائع

(336) وكلّ الأماني نلتها وهي إن علت   .....   بها  بعد نيل القصد  ما أنا قانع 

(337) إلى أن اتتني من قديم عناية   .....   أياد لها ، مذ كنت ، عندي صنائع

(338) وهبّ نسيم الجود من ذلك الحمى   .....   وصبّ سحاب بالتّعطّف هامع

(339) وأحيا الحيا أرض الفؤاد فاعشبت   .....   وغنّت على عود الوصال سواجع

(340) فهمت من المعنى معاني أحبّتي   .....   فهمت معنّى بالصّبابة والع

(341) أتيت إليها راغبا في مرادها  .....   وما لي في شيء سواها مطامع

(342) وفرّغت مشغول الفؤاد عن السّوى   .....   فما أنا في غير المحبّ مطالع

(343) فلمّا أضاءت في الحشا جذوة الهوى   .....   وأومض من سفح المحبّة لامع

(344) سقاني الهوى كأس الغرام ولم يكن   .....   على ساحة  الوجدان للكرم مانع 

(345) فقاطعت ندماني ، وواصلت لوعتي   .....   وهاجرت أوطاني ، فبانت مرابع

(346) تركت لها الأسباب شغلا بحبّها   .....   ووجدا بنار قد حوتها الأضالع

(347) وأشغلني شغلي بها عن شواغلي  .....   وفيها ، فإنّي للعذار مخالع

(348) خلعت عذاري في الهوى وزهدت في   .....   مكاني وإمكاني وما أنا جامع

(349) وألقيت إنساني فألفيت منيتي .....   وجافيت نومي ، بل جفتني المضاجع

(350) وسلّمت نفسي للصّبابة راضيا   .....   بحكم الهوى تحت المذلّة خاضع

(351) وفوّضت في أمري هواها توكّلا   .....   ليقطع في حكمي بما هو قاطع

(352) وأنزلني من أوج  عزّي ذلّة    .....    فلي  بعد ذاك الاقتدار تواضع

(353) غنيت ، فأغناني غناي بحبّها.....   وعندي افتقار نحوها وضرائع

(354) طرحت على أرض الهوان رياستي   .....   لها نعمة ، طرحا لقدري رافع

(355) لبست لباس الوجد فيها خلاعة ،   .....   لباس الهوى في الحبّ ما أنا خالع

(356) ومذ أودعتني تربة الذّل والشّقا.....   فروحي وروحي راحل وموادع

 

شرح الأبيات :-

( 320 ) جرى أشهب الألفاظ بي في بيانها   .....   بمضاره حتّى علون منافع

المفردات :

أشهب : أبيض . جرى أشهب الألفاظ : استخدم الجيلي هنا صورة الفرس وشبّه اللغة بالمطية التي تنطلق نحو البيان ، وهذا التشبيه مألوف عند الكتاب والشعراء .

في بيانها : في بيان معاني هذه الحقائق . بمضاره : المضمار هو الموضع الذي تضمر فيه الخيل . وهنا بمضماره تعني بمضمار الحق ، وليس إلا أصوله الشرعية .

حتّى علون منافع : حتى ارتفعت فظهرت للناس منافعها .

المعنى :

يستخدم الجيلي هنا صورة الفرس ، فنراه يركب فرس الألفاظ وينطلق به نحو بيان معاني الحقائق والأصول الشرعية ؛ وفي انطلاقه ترتفع الألفاظ فتظهر بالتالي منافعها للناس .

 

( 321 ) سألوي عنآن القول نحو مكانه   .....   لتطلق فيه عن قيود شرآئع

المفردات :

سألوي عنان القول : تعبير بمعنى سأطوّع الألفاظ . نحو مكانه : نحو مكان القول ، بمعنى اتجه بالألفاظ نحو معانيها المقصودة . لتطلق فيه عن قيود وشرائع : حتى تتحرر الشرائع من قيودها اللفظية .

المعنى :

يقول الجيلي هنا واعدا السامع بالبيان ؛ سألوي عنان القول ، وأطوّع اللفظ الجامع حتى يتجه نحو معناه المقصود .

ومتى اتحد اللفظ بمعناه تحرّر المعنى من قيد اللفظ ، كذلك الشريعة الإلهية عندما يتحدّ جوهرها بمظهرها أي حقيقتها بشريعتها ومعناها بلفظها ، تتحرر من قيود الظاهر اللفظي وتنطلق في عوالم الجوهر .

 

( 322 ) فلمّا نزلت الأرض ماء حياتها   .....   وأثمرني أصل هنالك يانع

المفردات :

فلما نزلت الأرض : فلما نزل الجيلي للظهور والخلق في الأرض .

أثمرني : أظهرني غصن يانع ثمرة له .

المعنى :

يخبرنا الجيلي هنا عن بدايات خلقه ، يقول ؛ فلما تنزلت للظهور والخلق في الأرض ، كنت للأرض ماء حياتها .

وذلك لأن الإنسان هو حياة الأرض وروحها ، بدليل أن الأرض تبقى مدة بقائه فيها ، وبموته تطوى صحيفتها وتنشر صحائف الآخرة ، تبدأ أيام الحشر والنشر والحساب والجنة والنار.

 

 ( 323 )وكان إذا أنمت بحبّ غصونها   .....   أرزا ، فصدّق أنّني لمطالع

المفردات :

أرزا : هذا الحبّ هو الرز . أنني لمطالع : إنني - أي الجيلي - طالع من الحبّ ، أي مفارق لعالم النبات .

المعنى :

يصرح الجيلي هنا عن نفسه بأنّه من أهل العناية الإلهية الذي أشار إليهم في البيت رقم ( 313 ) ، وها هو لا يتردد بين نبت وتراب متراجعا بينهما ، بل يسارع للخروج من كرة التراب إلى عالم الشهادة والوجود الإنساني.

 

 ( 324 )وساق القضا تلك الحبوب فغذّيا   .....   بها ، أبواي الأطهران جوامع

المفردات :

القضا : القضاء الإلهي . تلك الحبوب : أي الرز . الأطهران جوامع : الطاهران كلاهما .

المعنى :

ساق القضاء الإلهي حبوب الأرزّ التي سبق ذكرها ، ليتغذّى بها أبوا الجيلي الطاهران كلاهما لأنه سبق العلم الإلهي بأن يخلق بدنه من هذين الأبوين الطاهرين .

 

( 325 ) وحلّ مزاج الحبّ في الجسم مادة   .....   وتمّت لكيموس دم ونجائع

المفردات :

مادة : أي أصبح الحبّ مادة . لكيموس : الكيموس هو الطعام إذا انهضم في المعدة ، قبل أن ينصرف عنها ويصير دما .

المعنى :

وتحلل هذا الحبّ أي الرز الذي تناوله أبوا الجيلي في جسم الأبوين ، وتحوّل إلى مادة ، ثم إلى كيموس ، ثم إلى دم ونجائع.

 

 ( 326 )فلمّا دنا آن البروز تجامعا   .....   بعقد حلال ، نعم ذاك التّجامع

المفردات :

دنا آن البروز : اقترب موعد بروز الجيلي وظهوره في العالم .

تجامعا : تجامع أبوا الجيلي ، تزوجا . بعقد حلال : بزواج شرعي .

نعم ذاك التجامع : يثني هنا الجيلي على لقاء وزواج أمه بأبيه .

المعنى :

فلما حان بروز الجيلي وظهوره في عالم الشهادة ، تزوج أبواه بعقد زواج شرعي ، ونعم هذا التجامع !

 

 ( 327 )ولمّا تلاقى منه ماء بمائها   .....   وابدع بالتّركيب نشوي بادع

المفردات :

منه : من أبي ، أي من والد الجيلي . بمائها : بماء أمي ، أي أم الجيلي .

نشوي : نشأتي وتسويتي ، وفي ذلك إشارة إلى ترتيب النشأة البشرية في رحم الأم .....تكون مضغة ثم علقة الخ …. وذلك قبل نفخ الروح فيها .

بادع : اللّه هو المبدع الخالق للإنسان في رحم أمه .

المعنى :

لما تلاقى ماء أبيه بماء أمه ، بدأت نشأة الجيلي . ثم أخذت هذه النشأة تتقلّب في أطوار التكوين الجنيني .

ويذكّر الجيلي هنا ، بأن هذا التقلّب للنشأة الإنسانية لا يكون لها من ذاتها بل إن اللّه عزّ وجلّ هو الذي يبدعها في رحم الأم .

 

( 328 ) وكان اقتضاء النّشو أنّي روحه  .....   وتعبير نفخ الرّوح عن ذآك واقع

المفردات :

وكان اقتضاء النشو أني روحه : اقتضت هذه النشأة البدنية أن أكون أنا - أي الجيلي - روحها .

وتعبير النفخ عن ذاك : عبّر القرآن الكريم عن ذاك الاقتضاء ، بمعنى نفخ الروح . قال تعالى :فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي[ الحجر: 29].

واقع : أي واقع في القرآن الكريم .

المعنى :

يرى الجيلي أن كل نشأة بدنية تقتضي تخصيصها بروح مستقلة . وقد اقتضت نشأته البدنية أن يكون هو بالذات روحها . وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا التلازم بين النشأة والروح ، بأنه حين تتم تسوية النشأة تنفخ فيها الروح . يقول تعالى :فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي[ الحجر : 29 ] .

 

( 329 ) فصوّر شخصي باليدين مصوّري   .....   لتطبع بالضّدّين فيّ طبائع

المفردات :

فصوّر شخصي : إشارة إلى قوله تعالى :وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ[ غافر : 64 ] . باليدين : إشارة إلى خلق الإنسان باليدين ، قال تعالى :ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ[ ص : 75 ] .

مصوري : خالقي . لتطبع بالضدين فيّ طبائع : التصوير باليدين إشارة إلى انطباع الإنسان بالضدين .

المعنى :

بعد أن أبدع الحق تعالى تركيب نشأة الجيلي ونفخ فيه الروح ، صور شخصه بيديه تعالى ، ونلاحظ هنا كأن كل إنسان هو آدم ، وكل مولود هو استمرار لآدم ، جنس خلقه اللّه بيديه ....

وبما أنّ الجيلي يرى في اليدين إشارة إلى الضدين ، فكل إنسان مخلوق باليدين هو مطبوع بالضدين بالقابليتين ، مفتوح على الفجور والتقوى ،

قال تعالى :وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها   .....   فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها[ الشمس : 7 و 8 ] .

 

( 330 ) وأخرجني من بعد تكميل هيكلي  .....  إلى العالم الأرضيّ من هو صانع

المفردات :

وأخرجني : إشارة إلى ولادة الجيلي وخروجه إلى عالم الدنيا . من بعد تكميل هيكلي : أي بعد تكوينه في رحم والدته ، وبعد تصويره ، وبعد نفخ روحه .

من هو صانع : أي اللّه عزّ وجلّ ، لقوله تعالى :هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ[ غافر : 67 ، التغابن : 2 ] .

المعنى :

أكمل الحق تعالى تكوين الجيلي في رحم والدته .... أتمّ تصويره ، ونفخ فيه من روحه ، وألهم نفسه فجورها وتقواها . ومن بعد ذلك كله أخرجه إلى الدنيا .

 

( 331 ) ففي أوّل الشّهر المحرّم حرمة   .....   ظهوري بالسّعد العطارد طالع

المفردات :

ففي أول الشهر المحرم حرمة : في الأول من شهر محرم .

ظهوري بالسعد العطارد طالع : وكان برجي عطارد ، وطالعي السعد .

المعنى :

حدثت ولادة الجيلي في أول محرم ، وكان برجه عطارد ، وطالعه السعد.

 

( 332 ) لستّين مع سبع إلى سبعماية  .....  من الهجرة الغرّا سقتني المراضع

المعنى :

ولادة الجيلي عام 767 من الهجرة .

 

( 333 ) ومذ كنت طفلا فالمعالي تطلّبي   .....   وتأنف نفسي كلّ ما هو واضع

المفردات :

تطلبي : مطلبي . وتأنف نفسي : ترفض وتترفع . واضع : وضيع ، حقير .

المعنى :

ومنذ كان الجيلي طفلا ، تطلب نفسه المعالي ، وتأنف من كل ما هو وضيع .

 

( 334 ) ولي همّة كانت وها هي لم تزل   .....   على أن لي فوق الطّباق مواضع

المفردات :

ولي همة : الهمة هي صورة عالية من صور الإرادة في الفكر الصوفي ، وهي قوة عظمى كامنة في الإنسان تنوّله كل مطلوب ، وتغيّر له كل الوقائع والأحداث . الطباق : السماوات السبع الطباق . مواضع : جمع موضع ، أي رتبة ومكانة .

المعنى :

يخبرنا الجيلي أنه منذ بدايات حياته يملك همة عالية . . . ويبلغ من اقتدارها أنه في وسعها أن تحمله إلى رتبة ومكانة تعلو السماوات السبع الطباق .

 

( 335 ) وقد كنت جمّاحا إلى كلّ هيئة   .....   فخضت بحارا دونهنّ فجائع

المفردات :

جمّاحا : مسرعا لا يرد عني شيء . هيئة : كل ما يتهيأ لي عظيما مهيبا .

بحارا : البحار هي رمز الصعوبات التي تعترض السالك . فجائع : جمع فجيعة وهي المصيبة .

المعنى :

ويتابع الجيلي تصوير شخصيته منذ البداية ، وبعد الهمة العالية يكلمنا على شجاعته ، فيقول ؛ وقد كنت انطلق مسرعا إلى كل عظيم مهيب ، لا يخيفني هول ولا يرد عني طيف مصيبة ....

وقد خضت بحار المجاهدات والرياضات ؛ ويا لها من بحار دونها أهوال عظام !

 

( 336 ) وكلّ الأماني نلتها وهي إن علت  .....  بها بعد نيل القصد ما أنا قانع

المفردات :

بعد نيل القصد : بعد نيل المراد ، والأماني ، ما أنا قانع : لا أقنع بها.

المعنى :

يتابع الجيلي روايته ، وإن همّته أوصلته إلى كل ما تمنى ، ولكن كل ما وصل إليه بجهده ونشاطه لم يرضه ، يقول ؛ وقد نلت كل ما تمنيت ، وكل ما سعيت

إلى طلبه .

ولكن هذه الأماني وإن كانت عالية ، فإنها لم تشبع همتي ، ولم توصلني إلى الاكتفاء بها ، والركون إليها ، والبقاء فيها .

 

( 337 ) إلى أن اتتني من قديم عناية   .....   أياد لها مذ كنت عندي صنائع

المفردات :

أياد لها عندي صنائع : أياد لها فضل علي ، أياد بمعنى ألطاف . مذ كنت : منذ وجدت .

المعنى :

وبينما كان يخالط نفس الجيلي شعور بالنقصان ، حيث أنه نال كل ما تمنّى ، ولم يطمئن ولم يركن....

أتته ألطاف العناية الإلهية التي لها أفضال عليه منذ وجد في العوالم .

 

 

( 338 ) وهبّ نسيم الجود من ذلك الحمى   .....   وصبّ سحاب بالتّعطّف هامع

المفردات :

الجود : الكرم الإلهي . الحمى : المكان المحمي ، وهنا المقصود من عند ربّ العالمين . هامع : هاطل .

المعنى :

وهبّ على الجيلي نسيم الكرم الإلهي من عند رب العالمين الكريم ، وصبّ سحاب العطف والرحمة على فؤاده المتوتر من عدم نوال ما يرضيه .

 

( 339 ) وأحيا الحيا أرض الفؤاد فاعشبت  .....  وغنّت على عود الوصال سواجع

المفردات :

الحيا : السحاب الممطر . فأعشبت : فأنبتت وأزهرت . . الوصال : القرب والوصل . سواجع : طيور تسجع .

المعنى :

وأحيا السحاب الممطر تعطفا ، أرض فؤاد الجيلي الجرداء ، فأخضرّت وأزهرت ، وعلت فيها غصون القرب والوصال ، وسمع غناء الطيور السواجع على عودها .

 

( 340 ) فهمت من المعنى معاني أحبّتي   .....   فهمت معنّى بالصّبابة والع

المفردات :

فهمت : من الفهم ، بمعنى أدركت وعلمت . من المعنى : من معنى الغناء .

فَهِمتُ : من هام يهيم هياما . مُعَنّى : متعبا .

 المعنى :

عندما غنت الطيور السواجع على غصون الوصال في فؤاد الجيلي ؛ أدرك وفهم من معاني الغناء صفات محبوبه ، فخرج عن ذاته ، وهام متعبا والعا صبابة وعشقا .

 

( 341 ) أتيت إليها راغبا في مرادها   .....   وما لي في شيء سواها مطامع

المفردات :

أتيت إليها : توجهت إلى الحضرة الإلهية . راغبا في مرادها : راضيا بما ترضى .

 المعنى :

عندما فهم الجيلي من سجع الطيور صفات محبوبه وهو الحق تعالى ، توجه إليه تعالى راضيا بما يرضى ، غير طامع بشيء سواه .

 

( 342 ) وفرّغت مشغول الفؤاد عن السوّى   .....   فما أنا في غير المحبّ مطالع

المفردات :

مشغول الفؤاد : ما يشغل من الفؤاد ، وهو وجه القلب وتوجّه نظره .

عن السوى : عن كل ما سوى اللّه . مطالع : ناظر .

المعنى :

يخبرنا الجيلي هنا بأنه أزاح عن وجه قلبه كل الآخرين ، أي كل ما سوى اللّه عزّ وجلّ ، فلم يعد قلبه ينظر إلى غير المحبوب .

 

( 343 ) فلمّا أضاءت في الحشا جذوة الهوى  ..... وأومض من سفح المحبّة لامع

المفردات :

وأومض : ولمع . لامع : برق لامع .

المعنى :

بعد أن فرّغ الجيلي قلبه عن كل ما سوى الحق عزّ وجلّ ، أضاءت جذوة الهوى في الأحشاء ، والتمع من المحبة بوارق ولوامع .

 

( 344 ) سقاني الهوى كأس الغرام ولم يكن  ..... على ساحة الوجدان للكرم مانع

المفردات :

ولم يكن على ساحة الوجدان : ولم يكن في وجداني . للكرم : أي لما ينتج الكرم ، وهو الخمر . مانع : ما يمنع الخمر من احتلالها ساحة الوجدان .

المعنى :

بعد أن فرّغ الجيلي قلبه عن كل ما سوى اللّه عزّ وجلّ ، وأضاءت جذوة الهوى في الحشا ، بدأ في الشرب ، وسقاه الحبّ كأس الغرام ؛ فاحتلت الخمر ساحة وجدانه ، واختالت فيه لا يمنعها مانع .

 

( 345 ) فقاطعت ندماني وواصلت لوعتي  ..... وهاجرت أوطاني فبانت مرابع

المفردات :

ندماني : ج . نديم وهو الجليس . فبانت مرابع : فظهرت مرابع القرب الإلهي .

المعنى :

يخبرنا الجيلي أنه بعد أن احتلت الخمر ساحة وجدانه ، انقطع عن جلّاسه وصحبه كلهم ، وجالس غرامه وصحب لوعته ، ثم هجر مكانه ، وترك كل ما حوله ، ومن حوله ، فظهرت له عندها مرابع القرب الإلهي وتجلّت بيّنة.

 

( 346 ) تركت لها الأسباب شغلا بحبّها   .....   ووجدا بنار قد حوتها الأضالع

المفردات :

تركت لها : للحضرة الإلهية . الأسباب : الدنيا . بحبها : بالحب الإلهي .

المعنى :

يتابع الجيلي قصة تقرّبه ، ويخبرنا أنه بعد أن تجلت له مرابع القرب الإلهي ، ترك الدنيا انشغالا بحبه للحضرة الإلهية ، ووجدا بالنار المشتعلة في أضالعه .

 

( 347 ) وأشغلني شغلي بها عن شواغلي   .....   وفيها فإنّي للعذار مخالع

المفردات :

شغلي بها : شغلي بحب الحضرة الإلهية . شواغلي : عما يشغلني من الدنيا .

للعذار مخالع : خلع العذار في الحب هو تعبير شعري وصوفي ، يقال حين يلتهب سلوك الصبّ بنار وجد الأعماق ، ويخرج بالتالي عن القيد العقلي والاجتماعي .

المعنى :

يتابع الجيلي وصف حاله في العشق فيقول ؛ وأشغلني حبي للحضرة الإلهية عن كل شواغل الدنيا والتهب وجد أعماقي فخلعت العذار ، وخرجت بحبها على كل ما هو مألوف ومعقول عند الناس .

 

( 348 ) خلعت عذاري في الهوى وزهدت في  .....  مكاني وإمكاني وما أنا جامع

المفردات :

وزهدت في مكاني : الزهد في المرتبة . وإمكاني : الزهد في القدرات والممتلكات . وما أنا جامع : وما يمكن أن أجمع من أسباب الدنيا .

المعنى :

يتابع الجيلي وصف عشقه الذي أخرجه عن كل ما يهتم به الناس ؛ ويخبرنا هنا عن زهده في كل شيء ، في الماضي والمستقبل ، يقول ؛ تركت في الحب كل مقوماتي الشخصية ....

زهدت في رتبتي ومرتبتي أمام الناس ، زهدت في قدراتي الباطنة وفي ممتلكاتي الظاهرة ، وفي كل ما يمكن أن أجمع من أسباب الدنيا وزينتها .

 

( 349 ) وألقيت إنساني فألفيت منيتي   .....   وجافيت نومي بل جفتني المضاجع

المفردات :

وألقيت إنساني : رميت إنساني . وعندما يشير الواحد منا إلى إنسانه فكأنما يقول : الأنا التي تعيش في أعماقه . فألفيت : فوجدت . منيتي : موتي . بل جفتني : بل هجرتني . المضاجع : جمع  مضجع ، وهو المرقد .

المعنى :

بعد أن بيّن لنا الجيلي زهده في كل ما سوى محبوبه ، يبدأ الآن ببيان موقعه من محبوبه ، وبيان خضوعه وذلته ، يقول ؛ ألقيت إنسان وجودي ورميته في بحر الحب الإلهي ، فلقيت موتي....

وهجرت النوم ، لا بل إن المضاجع هي التي هجرتني .

 

( 350 ) وسلّمت نفسي للصّبابة راضيا  .....  بحكم الهوى تحت المذلّة خاضع

المفردات :

وسلمت نفسي للصبابة : إشارة إلى تسليم العاشق للعشق الإلهي ؛ والتسليم من مقولات الصوفيين الأساسية التي تقضي بأن يسلّم العبد لمولاه ، في كل أمر وقضاء ، ويرضى بما يقضي اللّه عليه . بحكم الهوى : بما يحكم الهوى .

المعنى :

يتابع الجيلي تصوير مكانته من محبوبه ، وخضوعه ، يقول ؛ لقد خرجت عن كل ما تطلبه نفسي وتريده ، وسلّمتها راضيا للعشق الإلهي ؛ يتحكم بها الحب وهي خاضعة لكل ما يحكم ، حتى لو كان مذلة .

 

( 351 ) وفوّضت في أمري هواها توكّلا   .....   ليقطع في حكمي بما هو قاطع

المفردات :

وفوضت في أمري هواها : أسلمت لحكم هواها جميع أموري .

المعنى :

إن قصيدة الجيلي هذه غنية بأمور دقيقة ، لا يقولها إلّا من كابد التجربة الصوفية في قمة إبداعها وإنسانيتها . وهنا نرى إحدى هذه الإرشادات المبدعة .

فقد ربط الجيلي التسليم بالتوكل ، وهما مقولتان تتداخلان لتسكّن إحداهما قلق الأخرى وخوفها .

وذلك لأن التسليم من شروطه الرضى بكل ما يحكم المحبوب .

والتوكل يفترض أن يراعي الموكّل إرادة موكله ، بكلام آخر عندما أسلّم أموري إلى اللّه عزّ وجلّ أرضى بما يرضى لي وهذا هو التسليم .

ولكن عندما أتوكل عليه تعالى انتظر أن يجد لي مخرجا ، لأن من توكل عليه فهو حسبه . فالتوكل يشعر بمطلب وإرادة يريد الموكل تحقيقها ، والتسليم يشعر بفناء إرادة المسلّم فهو لا يطلب شيئا ، ويرضى بكل ما يقضيه محبوبه ....

والجيلي هنا عندما تكلم أولا على التسليم أتبعه بالتوكل ، حتى يسكّن خوف عشقه من حدوث ما يكره .

ففي جمع التسليم مع التوكل في مقولة واحدة إمكانية أكبر لحدوث ما يحب العاشق ، وبالتالي ليرضى بحدوث ما يحب وهو مسلّم .....

وبعد أن قدّمنا بهذا الربط بين التسليم والتوكل ، يصبح كلام الجيلي واضحا ، يقول ، وأسلمت جميع أموري للحب الإلهي ، وتوكلت على محبوبي ، ومن توكل عليه كفاه ، فليقض عليّ بما يريد من أحكام .....

باختصار كأن الجيلي يخاطب محبوبه قائلا : أنت القاضي بما تريد على عبدك ، وأنت الوكيل عنه . . . أنت القاضي والوكيل .

 

( 352 ) وأنزلني من أوج عزّي ذلّة   .....   فلي بعد ذاك الاقتدار تواضع

المفردات :

وأنزلني : أنزلني الهوى والحب الإلهي . ذاك الاقتدار : تلك الرفعة والمكانة . تواضع : ضعة .

المعنى :

يتابع الجيلي وصف موقعه من محبوبه ، يقول ؛ أنزلني العشق الإلهي

من أوج عزّي الماضي إلى ذلي الحاضر ، فأنا الآن وضيع ذليل بعدما كان لي من اقتدار ....

والاقتدار الذي يشير إليه الجيلي هنا هو ما سبق أن أخبرنا عليه في بداياته ، فهو منذ كان طفلا ومطلبه المعالي ، وله همة تحمله إلى ما فوق السماوات السبع ، وكان جمّاحا إلى الصعاب . ( راجع  الأبيات 333 ، 334، 335 )..

 والآن ، ومن بعد كل هذا الاقتدار ، نزل من أوج عزّه تذللا لمحبوبه ، فهو بعد أن كان زاهيا مفتخرا بالهمة والاقتدار مباهيا الناس بذلك ، يستكين أمام محبوبه ذليلا .

 

( 353 ) غنيت ، فأغناني غناي بحبّها   .....   وعندي افتقار نحوها وضرائع

المفردات :

غنيت : استغنيت عن كل ما سواها . فأغناني : أغناني من الآخرين .

غناي بحبها : كوني غنيا بالحب الإلهي . وضرائع : تضرّع .

المعنى :

يتابع الجيلي متحديا المستنكر لتذلله في العشق ، قائلا : استغنيت عن كل ما سوى حبي للّه عزّ وجلّ ، فأغناني هذا الاستغناء عن كل الآخرين . . . فلا افتقر إلا إليه ، ولا أتضرّع إلّا له تعالى.

 

( 354 ) طرحت على أرض الهوان رياستي   .....   لها نعمة ، طرحا لقدري رافع

المفردات :

طرحت : ألقيت . الهوان : الذل . رياستي : مركزي ومكانتي عند الناس .

طرحا لقدري رافع : هذا الطرح للرياسة يرفع قدري عند اللّه .

المعنى :

يخبرنا الجيلي بأنه على الرغم من اقتداره ومن عزّه الماضي ، فقد طرح مركزه وعزّه أمام محبوبه على أرض المذلة والهوان ...

وليس هذا الطرح استهتارا منه بالمركز والعز لأنهما من النعم الإلهية ، ولكن من تواضع للّه رفعه ، وكذلك الجيلي تذلل للّه عزّ وجلّ فارتفع قدره عنده تعالى.

 

( 355 ) لبست لباس الوجد فيها خلاعة  .....   لباس الهوى في الحبّ ما أنا خالع

المفردات :

لباس الوجد : الوجد عند الصوفي يظهر في صورة الخلاعة ، لأن الواجد يخرج عن امتلاكه لسلوكه الإرادي . ما أنا خالع : لن أخلع لباس الهوى .

 المعنى :

يتابع الجيلي وصف وجده في الهوى ، قائلا ؛ أظهرني العشق والوجد يمظهر الخليع في أعين الآخرين ؛ وذلك أنهما أخرجاني عن امتلاك سلوكي الإرادي ، فاندفع يتمايل مني البدن ، وكلما ذكر المحبوب اهتاج كسكران أخرجه السكر عن صحو العاقلين ، ولا يظنن أحد أنني سأترك لباس الهوى وأخلعه مهما تزايد الوجد في الأعماق واشتعل ، ومهما تمكّن مني مظهر الخلاعة وعليّ اقتدار.

 

( 356 ) ومذ أودعتني تربة الذّل والشّقا   .....   فروحي وروحي راحل وموادع

المفردات :

أودعتني تربة : دفنتني في تربة . والشقا : والشقاء . فروحي : الروح ، طيب الرائحة . وهنا المراد نفسي الطيب . راحل وموادع : ذاهب.

 المعنى :

يخاطب الجيلي محبوبه وهو مدفون في تربة الذل والشقاء ، قائلا ؛ ومنذ دفنتني وديعة في تربة الذل والشقاء ، وهما ذل العشاق وشقاء المحرومين ، رحل عني طيب أنفاسي ، وودعني روحي .

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: