الأربعاء، 20 مايو 2020

المقالة الثالثة والأربعون في صفة وادي الحيرة الأبيات من 3779 - 3919 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري

المقالة الثالثة والأربعون في صفة وادي الحيرة الأبيات من 3779 - 3919 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري

المقالة الثالثة والأربعون في صفة وادي الحيرة الأبيات من 3779 - 3919 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري

كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري

المقالة الثالثة والأربعون في صفة وادي الحيرة الأبيات من 3779 - 3791

بعد ذلك يأتيك وادي الحيرة ، وفيه تصاب بالعمل المتواصل والألم والحسرة . وهنا يكون كل نفس سيفا مصوبا إليك ، وهنا تحمل كل لحظة الأسى إليك ،

وفيه تكثر الآهات والحركة والآلام ، ويكون النهار والليل لا ليلا ولا نهارا كذلك ، وفيه يتخيل الشخص أنه يقطر دما ، لا من السيف ، ولكن من جذر كل شعرة ، ويا للعجب !

والنار تؤلم رجل هذا الوادي ، فيحترق في الحيرة من آلام هذا الوادي ، وعندما يصل الرجل الحيران إلى هذه الأعتاب ، يظل في حيرة ويضيع منه الطريق ، كما يضيع منه كل ما حصلته روحه من توحيد .

وإذا قيل له : أأنت موجود أم لا ؟

ألا يليق بك أن تقول ، أموجود أنت أم لا ؟

أأنت بين الخلق أم خارج عنهم ، أم تتخذ منهم جانبا ؟

أأنت خفي أم ظاهر ؟

أأنت فان أم باق ، أم كلاهما معا ؟

أم أنك لست الاثنين ؟

أأنت أنت ، أم أنك لست أنت ؟

فإنه يقول : إنني - في الحقيقة - لا أعرف كنهي .

كما أنني لا أعرف نفسي ، إنني عاشق ، ولكن لا أعرف من أعشق .

ولست مسلما ولا كافرا . فماذا أكون ؟

ولكنني لست عالما بعشقي ، ولا أعرف أقلبي مليء بالعشق أم أنه خلو منه . 

المقالة الثالثة والأربعون حكاية 1

الأبيات من  3792 - 3871

ذلك الملك الذي كانت الآفاق تحت إمرته ، كانت لديه فتاة جميلة كالقمر تعيش في بلاطه ، كانت كملاك رائع الجمال في الحسن ، أو كالربيع والسرو في الملاحة والحسن ،

وكم جرحت مئات القلوب بطرتها ، فكل شعرة منها عرق ترتبط به روح ، ووجها يبدو كالفردوس ، كما يبدو حاجبها وكأنه القوس ،

ولما كانت السهام تنطلق من هذا القوس ، فقد أقبل قاب قوسين مثنيا عليها ، أما عينها الشبيهة بالنرجسة الثملة المحاطة بأهداب شوكية ،

فقد أردت الكثيرين من أهل الحجا والعقل ، ووجه الشبيهة بالعذراء هذه ، في جمال شمس الفلك ، بل إنه يفوق في الحسن بدر الفلك ، ودرها وياقوتها وهما قوت الروح ،

قد جعلا روح القدس في دهشة على الدوام ، وإذا تبسمت شفتاها ، مات ماء الحياة صاديا ، وطلب الإحسان والإنعام من شفتيها ،

وكل من أدام النظر إلى ذقنها ، سقط منكس الرأس في قعر نونها ، وكل من أصبح أسير وجهها القمري ، سرعان ما تردى في نونها بلا رسن . .

أخيرا مثل أمام السلطان غلام في جمال البدر ، ليتولى الخدمة ، وما كان يتمتع به هذا الغلام من الجمال ،

قد أصاب الشمس والقمر بالمحاق والزوال ، وفي بسيط عالمه لا قرين له ، وفي الحسن الفتان لا مثيل له ، ومئات الألوف من الخلق في السوق والمحلة ، قد بهرهم ذلك الوجه كالشمس .

وقضاء وقدرا رأت تلك الفتاة ذات يوم وجه غلام السلطان ، ففقدت السيطرة على قلبها وغاصت في الأحزان ، وتوارى عقلها وراء الحجب ،

لقد ذهب العقل واشتد بها العشق ، وأصيبت روحها بالمرارة والألم ، وتملكها التفكر والتدبر وقتا من الزمن ، وفقدت في النهاية الراحة والاستقرار .

وذابت شوقا ، كما احترقت بألم الفراق ، وغص قلبها بالألم بسبب الذوبان والحرقة والاشتياق ، وكان لها عشر مطربات من الجواري الحسان ، وكن على مرتبة عالية في ترديد الأغاني ،

فكن في العزف كالبلبل الصداح ، ولحنهن الداودي كان يسعد الأرواح ، فشرحت لهن حالها في التو والحال ، وأقرت بفناء الاسم والشهرة والروح ، فكل من يتضح له عشق الأحبة ، كيف تستطيع روحه الاستقرار في موضعها ،

وقالت : إن أفصح للغلام عن عشقي ، يكن خطأ كبيرا ، لأن هذا بعيد عن الصواب .

كما أن الحشمة تصيبني بالكثير من المضار ، وأنى لهذا الغلام أن يصل من مثلي ؟ وإن لم أفصح عن قصتي ، أمت خلف الحجب متألمة متأوهة ، لقد قرأت زهاء مائة كتاب أملا في الصبر ! فماذا أفعل ؟ لقد نفذ صبري كما أصبحت عاجزة .

وما أبغيه من سروي القد ، أدرك أنه لا علم له به ، فإن يتم تحقيق مقصودي هذا ، فإن أمر روحي يكون وفق مرادي .

عندما سمعت المطربات هذا القول ، قلن لها : لا تحزني !

بالليل نحضره خفية أمامك ، ولن يكون لديه أي خبر عن ذلك .

وأخيرا ذهبت إحداهن متخفية أمام الغلام ،

وقالت : الآن أقدم له الخمر والكأس وأضع في الخمر دواء مذهبا للعقل ، فلا جرم أن يسري في أوصاله فقدان الشعور .

ما أن احتسى الغلام ذلك الخمر ، حتى فقد صوابه ، وهكذا كلل سعي تلك الجارية الفاتنة بالنجاح ، وظل الغلام الفضي الصدر ثملا لا يعرف شيئا عن كلا العالمين ، وذلك طوال اليوم حتى المساء .

ما أن أقبل الليل حتى جاءت الجواري صوبه في حذر واضطراب ، ثم وضعنه في فراشه ، وحملنه خفية إلى تلك الفتاة ، وبسرعة أجلسنه على عرش ونثرن عليه ماء الورد والمسك .

وفي منتصف الليل عندما بات الغلام نصف مفيق ، فتح عينيه الشبيهتين بالنرجسة عن آخرهما ، فرأى قصرا يشبه الفردوس في روائه ، ورأى عرشا ذهبيا يحيط به ،

وقد اشتعلت عشر شموع عنبرية أكثر مما تشتعل أعواد الحطب ، وشغلت الفتيات بالطرب والإنشاد ، حتى ودع العقل الروح ، وودعت الروح الجسد .

وكانت الفتاة تجلس وسط الجمع كأنها الشمس بفعل نور الشمع ، فجلس الغلام يتملكه السرور والفرح ، وفقد نفسه أمام طلعة الفتاة ،

وظل حائرا فاقدا العقل والروح ، بعيدا عن إدراك هذا العالم أو ذاك ، وامتلأ قلبه عشقا ، وعجز لسانه عن النطق ، وأدركت روحه الحال من الذوق ، وتعلقت عيناه بوجه الفتاة وأنصتت أذناه إلى صوت الألحان ، وتنسمت مشامه رائحة العنبر .

وأخيرا خرجت أنفاسه أكثر لهيبا من النار ، فأسرعت الفتاة وأعطته كأس خمر في الحال ، كما جعلت القبلة نقل الشراب

"" كما يقول الشاعر العربي :

وشربنا من المدام كئوسا * وجعلنا التقبيل نقل الشراب ""

 ، فظلت عينه معلقة بطلعتها ، ودهمته الحيرة من التطلع إلى وجهها ، ولما لم ينطق لسانه بكلمة ، ذرفت الفتاة الدمع ، وحكت رأسها جزعا ،

وهكذا ظلت الفتاة الفاتنة تذرف الدمع غزيرا منسابا على وجنتيها ، كما كانت تقبله قبلة كالسكر أحيانا أو تضع الملح في القبلة بلا شفقة أحيانا ،

وأحيانا تداعبه بطرتيها المضطربتين ، وأحيانا تفقد نفسها في عينيه الساحرتين .

ظل الغلام الثمل أمام الفتاة الجذابة محدقا عينيه ، لكنه ليس في صحو ولا غيبة ، وظل الغلام على هذه النظرة ، حتى أقبل الصبح بإشراقة تامة .

وما أن أقبل الصبح وهبت نسائم الصباح ، حتى فقد الغلام كل وعيه مما به من سكر ، وما أن نام الغلام العالي المنزلة ، حتى أسرعن بحمله إلى مكانه مرة أخرى .

ما أن ثاب الغلام الفضي الصدر إلى رشده آخر الأمر ، حتى تملكه الاضطراب ولم يعلم حقيقة ما حدث له ، وكيف حدث ما حدث ،

ولكن أي جدوى له من الاضطراب ؟

وعلى الرغم من أنه لم يصب بأي آلام أو مضرة ، فقد تصبب عرقا من الرأس إلى القدم ، فضرب بيده ثوبه ومزقه ، واقتلع شعره ، ونثر التراب على رأسه ،

فسألوه عن القصة فقال : إنني لا أستطيع ترديد ما حدث ، لأن ما رأيته وأنا ثمل نشوان ، لا يمكن أن يراه في منامه أي انسان .

وتلك الأمور التي تركتني في وحدتي حيران ، لا أعلم أنها حدثت لإنسان ، وما رأيته لا أستطيع التعبير عنه ، ولا يوجد سر أعجب مما حدث .

فقال الجميع : ثب إلى رشدك في النهاية .

واذكر ولو قليلا من الكثير الذي رأيته .

فقال : لقد ألم بي العجز كأي مضطرب ، ولا أعلم هل رأيت كل ذلك ، أم رأيت شيئا آخر ؟

كما أنني لا أعلم هل رأيته مما بي سكر ،

أم سمعته وأنا في صحو ورشد ؟

وهل سمعت كل شي أم لم أسمع شيئا ؟

وهل رأيت كل شي ، أم لم أر شيئا ؟

فقال له أحد العقلاء : لقد رأيت حلما ، فلم يتملكك الاضطراب والجنون ؟

قال : لا أعلم إذا كان ما رأيته في عالم الوهم أو في عالم اليقظة ، ولا حال أعجب من هذا في الدنيا ، فهذه حالة لا واضحة ولا خفية ، ولا أستطيع القول ، كما لا أستطيع الصمت ، وأنا في دهشة بين هذا وذاك .

ولن يمحى ذلك الزمان من روحي ، كما أنني لا أجد ذرة تدلني عليه ، لقد رأيت صاحبة جمال ، لا يضاهيها أحد في كمالها بأي حال ،

وليست الشمس أمام طلعتها إلا ذرة ، واللّه أعلم بالصواب ، وكيف أتكلم أكثر من هذا وأنا لا أعرف حقيقة ما حدث ،

وعلى الرغم من أنني قد وأيتها من قبل ، ولكن لا أعلم هل رأيتها أو لم أرها ؟

وها أنذا مضطرب بين هذا وذاك !

المقالة الثالثة والأربعون حكاية 2

الأبيات من   3872 - 3884

كانت إحدى الأمهات تقف على قبر ابنتها تبكيها ، فنظر إليها أحد السالكين ، وقال : لقد أحرزت هذه المرأة السبق على الرجال ، إنها ليست مثلنا ،

بل إنها تعرف تمام المعرفة من الذي افتقدته وأصبح بعيدا عنها ، ومن الذي سبب لها هذا الجزع الشديد .

إنها موفقة لأنها تدرك حالها ، وتدرك من أجل أي شي يجب البكاء .

أما أنا فقد اعتراني الهم ، وقد جلست أكابد الأحزان طول الليل والنهار ، ولا أعلم لماذا يتملكني الغم ، وعلى من أبكي وأذرف الدمع .

ولست أعلم شيئا ، لذا وقعت في الحيرة ، ولا أعلم عن من ابتعدت ، وأصبحت روحي واهنة .

إن هذه المرأة لها السبق على ألف من أمثالي ، لأنها تعرف جيدا من افتقدته ، أما أنا فلا أعلم شيئا ، وهذا يسبب لي الحسرة ، بل يكاد يقضي علي ويقتلني بالحيرة.

في مثل هذا المنزل لا يظهر أثر للقلب ، بل إن المنزل لا يظهر هو الآخر كذلك ، وقد أصيب العقل بالزوال، ومنى التفكير بالاضمحلال،

ومن يصل إلى هنا يدركه الفناء ، ويفقد أطرافه الأربعة ، وإذا أدرك أحد طريقا هنا ، فقد أدرك سر الكل في لحظة واحدة .

المقالة الثالثة والأربعون حكاية 3

الأبيات من 3885 - 3898

كان أحد الصوفية يمضي في طريق ، فسمع صوت شخص يقول :

لقد فقدت مفتاحا ، فمن ذا وجد مفتاحا في هذا المكان ؟

إن الباب مغلق ، وقد جلست على تراب الطريق .

ماذا أفعل ، لو ظل الباب موصدا أمامي ؟

وكيف أتصرف ، لو استمرت هذه الآلام ؟

فقال له الصوفي : من قال لك ابتئس ؟

فما دمت تعرف الباب ، فامض إليه ، وقل : لتظل مغلقا .

فإن تكثر الجلوس أمام الباب المغلق ، فسيفتحه شخص ما بدون أدنى شك ، أن أمرك يسير ، أما أمري فعسير ، لأن روحي تشتعل من التحير ،

وليس لأمري بداية ولا نهاية ، ولا باب له ولا مفتاح على الإطلاق .

ليت هذا الصوفي قد أسرع ، ووجد بابا مغلقا أو مفتوحا ، فليس للآدميين سوى الخيال ، وليس لأي انسان أن يعلم حقيقة هذا الحال .

كل من تردى في وادي الحيرة ، تردى كل آونة في مائة عالم من الحسرة ، فإلام أتحمل الحسرة والاضطراب ؟

وإذا كان هؤلاء قد ضلوا الطريق ، فكيف أدركه أنا ؟

ولا أعلم وليتني أعلم !

فإن أعلم أسقط في الحيرة ، وهنا يحق للرجل أن يستعذب الشكاية ، فقد صار الكفر إيمانا ، وصار الإيمان كفرا .

المقالة الثالثة والأربعون حكاية 4

الأبيات من  3899 - 3912

أصابت الآلام الشيخ نصر آباد ، وقد حج أربعين حجة متوكلا على اللّه ، فما أعظمه من رجل ! وبعد ذلك ابيض شعره ونحل جسده ،

ثم رآه أحد الأشخاص عاري الجسد إلا من إزار ، حيث كان قلبه مفعما بالحرقة ، وروحه غاصة باللهيب ، فعقد الزنار ،

وبسط كفه ، وأقبل متخليا عن كل كذب ورياء ، وانهمك في الطواف حول معبد النار .

فقال ذلك الشخص : يا عظيم العصر ، أي فعلة هذه تبدر منك ؟

ألا يتملكك الخجل في آخر الأمر ؟

لقد أديت فريضة الحج كثيرا ، وحزت أسباب السعادة ، فهل يكون الكفر هو النهاية ؟ إن هذا العمل لا يتم إلا عن جهالة ،

وبسببك أصيب أهل القلوب بسوء السمعة ، وأي شيخ طاف بهذا الطريق ؟

ألا تعلم أن هذا هو معبد النار ؟

فقال الشيخ : لقد اشتد بي الحال ، وأصابت النار جسدي وكل ما أملك ، وأسلمت النار كل حصادي للريح ، كما أسلمت إليها كل شهرتي وسيرتي ،

وتملكتني الحيرة والوله من أمري ، ولا أعلم حيلة لما اعتراني .

وإذا كانت تلك النار قد سيطرت على روحي ، فكيف يبقى لي اسمي وشهرتي لحظة واحدة ؟

وعندما أصبحت أسير هذا العمل ، مللت كل من الكعبة والكنيسة ، وإن تصبك ذرة من الحيرة هكذا ، فستصاب بمئات الحسرات مثلي !

"" الشيخ نصر آباد : اسمه إبراهيم بن محمد بن محمويه ، ولد في نيسابوري وأقام بها ، وكان شيخ زمانه في الحقائق وعلوم التصوف.

تتلمذ على إبراهيم الشيباني ، ورأى الشبلي والواسطي ، وصادق كلا من أبي علي الرودباري والمرتعش وأبي بكر طاهر الأبهري ، وفي نهاية عمره رحل إلى مكة واستقر بها حتى فاضت روحه هناك عام 371 هـ.

(انظر نفحات الأنس طبعة طهران ص 230 ) .""

المقالة الثالثة والأربعون حكاية 5

الأبيات من 3913 - 3919

كان لمريد حدث قلب وضاء كالشمس ، فرأى شيخه ذات ليلة في منامه ،

فقال له : لقد سيطر الحزن على قلبي من الحيرة ، فخبرني كيف مضى أمرك هناك ؟ لقد احترق قلبي لفراقك ،

واحترقت من الحسرة لبعادك ، وأصبحت من حسرتي أبحث عن السر ، فخبرني كيف يكون أمرك هناك ؟

فقال الشيخ : لقد بقيت حائرا ثملا ، وأعض أناملي غيظا ، وما أكثر ما وقعنا في قعر هذا السجن والبئر ،

فنحن في هذا المكان أكثر حيرة منكم وذرة واحدة من الحيرة في العقبى ، تكون عندي أكبر من مائة جبل في الدنيا .

الموضوع التـــــــالي .... الموضوع الســـابق
التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: