الاثنين، 11 مايو 2020

سادسا شرح الأبيات 141 - 159 من مظاهر التوحيد الجزء الثاني .كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية

سادسا شرح الأبيات 141 - 159 من مظاهر التوحيد الجزء الثاني .كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية

سادسا شرح الأبيات 141 - 159 من مظاهر التوحيد الجزء الثاني .كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية

كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع عين على العينية العارف بالله عبد الكريم الجيلي شرح معاصر للقصيدة العينية د. سعاد الحكيم 

سادسا شرح الأبيات من ( 141 ) إلى البيت ( 159 ) : ظهور الحق عزّ وجلّ في كل شيء    الجزء الثاني

وفيما يلي من الأبيات [ من البيت رقم 141 إلى البيت رقم 153 ] ، سيفصل الجيلي ظهور الحق عزّ وجلّ في كل شيء ابتداء من العرش والكرسي ووصولا إلى الجسم والدم .

وعلى الناظر ألا ينحجب بصورة العرش مثلا عن رؤية أن الحق عزّ وجلّ هو هويته ، وكذا في كل شيء .

 فاللّه عزّ وجلّ هو الظاهر في الأشياء وهو عين ظهورها ، والأشياء كلها عدم محض وصور لا تقوم بنفسها لحظة واحدة .

(141) هو العرش والكرسيّ والمنظر العلى  .....   هو السّدرة الّلاتي إليها المراجع

(142) هو الأصل حقا ، والهيولى مع الهبا   .....   هو الفلك الدوّار ، وهو الطبائع

(143) هو النّور والظّلماء والماء والهوا   .....   هو العنصر الناريّ ، وهو البلاقع

(144) هو الشمس والبدر المنير هو السّها    .....   هو الأفق وهو النّجم وهو المواقع

(145) هو المركز الحكميّ والأرض والسّما   .....   هو المظلم المقتام وهو اللّوامع

(146) هو الدّار وهو الحيّ والأثل والغضى.....   هو النّاس والسّكان وهو المرابع

(147) هو الحكم والتّأثير والأمر والقضا   .....   هو العزّ والسّلطان والمتواضع

(148) هو اللفظ والمعنى ، وصورة كلّ ما  .....   يخال من المعقول أو هو واقع

(149) هو الجنس وهو النّوع والفصل إنّه   .....   هو الواجب الذّاتيّ وهو الممانع 

(150) هو العرض الطاري نعم وهو جوهر.....   هو المعدن الصلدي وهو الموائع

(151) هو الحيوان الحيّ وهو حياته   .....   هو الوحش والإنسيّ وهو السّواجع

(152) هو القيس بل ليلاه ، وهو بثينة   .....   أجل بشرها ، والخيف وهو الأجارع

(153) هو العقل وهو النّفس والقلب والحشا   .....  هو الروح وهو الجسم والمتدافع

(154) هو الموجد الأشياء وهو وجودها   .....   وعين ذوات الكلّ وهو الجوامع

(155) بدت في نجوم الخلق أنوار شمسه   .....   فلم يبق حكم النّجم والشمس طالع

(156) حقائق ذات في مراتب حقّه   .....   تسمّى باسم الخلق والحقّ واسع

(157) وفي فيه من روحي نفخت كفاية .....   هل الرّوح إلا عينه يا منازع

(158) ونزّهه عن حكم الحلول فما له   .....   سوى وإلى توحيده الأمر راجع

(159)  فيا أحديّ الذّات في عين كثرة   .....   ويا واحد الأشياء ذاتك شائع


شرح الأبيات :-
( 141 ) هو العرش والكرسيّ والمنظر العلى  .... هو السّدرة الّلاتي إليها المراجع

المفردات :

العرش : مظهر العظمة الإلهية ، وهو فلك محيط بجميع الأفلاك المعنوية والصورية ، شامل لجميع أنواع الموجودات .

ويرى الجيلي أن العرش في الوجود الكوني هو نظير الجسم في الوجود الإنساني ، من حيث أن الجسم جامع لجميع ما تضمنه وجود الإنسان من روح وعقل وقلب وأمثال ذلك [ الإنسان الكامل ، 2 / 4 - 5 ] .

الكرسي : مظهر الاقتدار الإلهي ، ومحل نفوذ الأمر والنهي ، منه يبرز الأمر الإلهي في الوجود ، فهو محل فصل القضاء [ الجيلي ، الإنسان الكامل ، 2 / 5 ] .

المنظر العلى : يرى الجيلي أن العرش هو المنظر الأعلى [ الإنسان الكامل ، 2 / 4 ] .

السدرة اللاتي إليها المراجع : يقول الجيلي في [ الإنسان الكامل ، ج 2 / ص 7 ] : “ سدرة المنتهى ، هي نهاية المكانة التي يبلغها مخلوق في سيره إلى اللّه تعالى . . . ولا يمكن البلوغ إلى ما بعد سدرة المنتهى لأن المخلوق هناك مسحوق ممحوق ومدموس مطموس ملحق بالعدم المحض “ .

المعنى :

يخاطب الجيلي الناظر إلى الكثرة بقوله ؛ لا تنحجب أيها الناظر بصورة العرش والكرسي والمنظر العلى وسدرة المنتهى ، فالحق عزّ وجلّ هو حقيقة كل ما نذكر . . . وهكذا يفصّل الجيلي الصور المقيدة للجمال المطلق المتجلي ، ابتداء من

هذا البيت ووصولا إلى البيت رقم 153 ، لذلك سنكتفي في أكثر الأحيان بشرح مفردات هذه الأبيات فقط .

 

( 142 ) هو الأصل حقا والهيولى مع الهبا  .....  هو الفلك الدوّار وهو الطبائع

المفردات :

هو الأصل حقا : يراد بالأصل هنا اللوح المحفوظ ، ويشرحه الجيلي قائلا [ الإنسان الكامل ، 2 / 6 ] : “ إن اللوح المحفوظ عبارة عن نور إلهي حقي متجل في مشهد خلقي ، انطبعت الموجودات فيه انطباعا أصليا ، فهو أمّ الهيولي لأن الهيولي لا تقتضي صورة إلا هي منطبعة في اللوح المحفوظ .

 والهيولى : الهيولى هي المادة الأولى غير المتعينة .

الهبا : الهباء عند المتصوفة ، هو المادة المحدثة التي خلق اللّه فيها صور العالم ، هو الجوهر المظلم الذي قبل صور أجسام العالم . جوهر يقبل المعاني . [ را . المعجم الصوفي للشارحة مادة : الهباء ] .

الفلك الدوار : إشارة إلى الأفلاك المحيطة بالموجودات ، والتي تسبح الموجودات ضمن مجالها .

يقول الجيلي [ الإنسان الكامل ، 2 / 67 ] : “ إن جملة الأفلاك التي خلقها اللّه تعالى في هذا العالم ثمانية عشر فلكا .

الفلك الأول : العرش المحيط ،

الفلك الثاني : الكرسي ،

الفلك الثالث : الأطلس وهو فلك سدرة المنتهى ،

الفلك الرابع : الهيولى ،

الفلك الخامس : الهباء ،

الفلك السادس : العناصر ،

الفلك السابع : الطبائع . . . الخ . . . ثم لكل موجود في العالم فلك وسيع يراه المكاشف ، ويسبح فيه ، ويعلم ما يقتضيه ، فلا تحصى الأفلاك لكثرتها .

قال اللّه تعالى :كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ[ الأنبياء : 33 ]

الطبائع : إشارة إلى الطبائع الأربعة وهي : الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة .

 

( 143 ) هو النّور والظّلماء والماء والهوا  ..... هو العنصر الناريّ وهو البلاقع

المفردات :

البلاقع : ج . بلقع ، وهي الأرض القفراء الخالية ، وهنا الإشارة إلى عنصر التراب .

المعنى :

إن اللّه عزّ وجلّ هو حقا عين العناصر جميعها : النور والظلام ، الماء والهواء ، النار والتراب .

 

( 144 ) هو الشمس والبدر المنير هو السّها ... هو الأفق وهو النّجم وهو المواقع

المفردات :

البدر المنير : يقول الجيلي [ الإنسان الكامل ، 2 / 60 - 61 ] : “ إن القمر جرم كمودي لا ضياء له في نفسه من حيث هو ، بل إنه إذا قابل الشمس بنصفه أخذ منها النور ،

فلا يزال نصفه منيرا ونصفه الذي لم يقابل الشمس يكون مظلما ، ولهذا لا يرى نور القمر إلا من جهة الشمس أبدا بخلاف بقية الكواكب السيّارة ، فإن كل كوكب منها يقابل الشمس في جميعها .

فمثلها ( أي الكواكب ) مثل البلورة الشفافة إذا وقع فيها النور سرى في ظاهرها وباطنها ، بخلاف القمر فإنه كالكرة المعدنية المصقولة لا تقبل النور إلا في مقابلة الشمس ولهذا ينقص نوره في الأرض ويزيد ، بخلاف بقية الكواكب.

"السها : كويكب صغير خفي الضوء ، والمراد هنا : جنس الكواكب .

المواقع : أي مواقع النجوم ، وقد أقسم بها رب العالمين .

المعنى :

إن اللّه عزّ وجلّ هو - حقا - الشمس والقمر ، هو الكواكب وآفاقها ، هو النجوم ومواقعها .

 

( 145 ) هو المركز الحكميّ والأرض والسّما  .... هو المظلم المقتام وهو اللّوامع

المفردات :

المركز الحكمي : مركز الأحكام ج . حكم . قال تعالى :إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ[ الأنعام : 57 ، يوسف : 40 ، 67 ] . المقتام : الشديد السواد .

المعنى :

إن للّه عزّ وجلّ الأحكام في الأرض والسماء ، وهو - حقا - الأرض والسماء . وسبق أن أشار الجيلي في البيت رقم 143 إلى أن اللّه عزّ وجلّ هو - حقا - الظلام والنور ، وهنا يقول إن اللّه هو - حقا - المظلم المنير .

فاللّه عزّ وجلّ هو - حقا - النور والظلام وهو كل منير ومظلم .

 

( 146 ) هو الدّار وهو الحيّ والأثل والغضى ..... هو النّاس والسّكان وهو المرابع

المفردات :

الحي : مجموع الدور . والأثل : نوع من الشجر . الغضى : شجر ، واحدته غضاة .

المعنى :

إن اللّه عزّ وجلّ هو - في الحقيقة والشهود - الدار بل هو الحي ومجموع الدور كلها ، وهو تعالى الشجر والناس والسكان والمكان .

 

( 147 ) هو الحكم والتّأثير والأمر والقضا   .....   هو العزّ والسّلطان والمتواضع

المفردات :

والمتواضع : القريب من العباد ، وظهور الحق عزّ وجلّ في مجالي القرب نجد دليله في أكثر من حديث قدسي .

المعنى:

ورد في الخبر ؛ أنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : يا عبدي مرضت فلم تعدني .

فيقول : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين .

فقال : يا عبدي ، أما علمت أنّ عبدي فلانا مرض فلم تعده ، أما إنك لو عدته لوجدتني عنده .

 

( 148 ) هو اللفظ والمعنى وصورة كلّ ما   .....   يخال من المعقول أو هو واقع

المفردات :

كل ما يخال : كل ما يتصور ، وهو الممكن عقلا .

المعنى :

إن اللّه عزّ وجلّ هو - في الحقيقة والباطن - اللفظ وهو معناه ، وهو تعالى - الظاهر - فيما هو موجود واقع ، وما هو ممكن الوقوع ، معقول.

 

 ( 149 ) هو الجنس وهو النّوع والفصل إنّه ....  هو الواجب الذّاتيّ ، وهو الممانع

المفردات :

الجنس : هو اللفظ الكلي المقول على الكثرة من الأنواع التي تشترك فيما بينها بصفة واحدة أو أكثر . أو هو اللفظ الجامع لنوعين فصاعدا ، حيوان مثلا هو جنس بالنسبة لنوع الإنسان ولنوع الثعلب .

النوع : لفظ كلي يطلق على الحقيقة المشتركة بين جزئيات متكثرة بالعدد فقط في جواب ما هو ، كالإنسان مثلا هو نوع بالنسبة إلى سقراط وسقراط هو واحد من أعداد نوع الإنسان .

الفصل : المقول على الشيء في جواب أي شيء هو في ذاته ، أي ما يفصل النوع عن غيره من أنواع جنسه ، كالنطق للإنسان يفصله عن غيره من أنواع الحيوان .

الواجب الذاتي : الواجب الذاتي هو اللّه واجب الوجود بذاته لا بغيره .

الممانع : الذي يمتنع وجوده . وهو المحال .

المعنى :

إن اللّه عزّ وجلّ هو - في الحقيقة والشهود - الظاهر في الجنس في كل ما

يحويه من أنواع وفصول ، وهو تعالى واجب الوجود بذاته وهو الممتنع الوجود في صورة تحصره وتحدّه .

 

( 150 ) هو العرض الطاري نعم وهو جوهر .....هو المعدن الصلدي وهو الموائع

المفردات :

العرض الطاري : الطارىء ، بمعنى الحادث الذي يطرأ ويزول .

جوهر : القائم بنفسه الحامل لغيره ، أي الحامل للأعراض . أو هو الذي لا يفتقر وجوده إلى شيء آخر .

المعدن الصلدي : الصلب القاسي .

الموائع : ج . مائع ، هو السائل .

المعنى :

إن الحق عزّ وجلّ يظهر في الجوهر الثابت وفي الأعراض الزائلة ، كما يظهر في الصلب وفي السوائل .

 

( 151 ) هو الحيوان الحيّ وهو حياته  ..... هو الوحش والإنسيّ وهو السّواجع

المفردات :

الحيوان الحي : أي كل حي يتحرك ، تمييزا له عن النبات .

الوحش : الحيوان . الإنسي : الإنسان . السواجع : الطيور ، لأنها تسجع .

المعنى :

إن الحق عزّ وجلّ هو الظاهر في كل حي متحرك بل هو حياة كل حي ، وهو تعالى يظهر بما يليق به من التنزيه في الوحش والإنس والطير .

 

( 152 ) هو القيس بل ليلاه وهو بثينة  .....  أجل بشرها والخيف وهو الأجارع

المفردات :

القيس : هو المحبّ العاشق ، أو جنس العشّاق . وقد تفرد قيس لجنونه من بين العشاق بحيث أصبح اسمه علما على العشاق المهيّمين الوالهين .

ليلاه : هي المحبوبة ، وهنا كذلك المراد : جنس المحبوبة مطلقا

والخيف : المكان من الجبل مرتفع عن السيل .

الأجارع : ج . أجرع ، وهو المكان السهل المنبسط ، ولعل الجيلي أراد هنا بالخيف والأجارع أماكن لقاء أو سكنى العشاق والمعشوقين .

المعنى :

إن اللّه عزّ وجلّ يظهر في العاشق والمعشوق ، هو قيس وليلاه هو بثينة وبشرها . . . هو السكان وهو المكان ، كذاك هو العشاق وهو أماكن لقاهم وسكناهم .

 

( 153 ) هو العقل وهو النّفس والقلب والحشا .... هو الروح وهو الجسم والمتدافع

المفردات :

والمتدافع : المدفوع دفعا ، ونفهم إشارة الجيلي هنا على أنها الدم المتدافع في العروق .

المعنى :

بعد أن تجوّل نظر الجيلي في السماوات والأرض وشهد أن اللّه عزّ وجلّ هو عين كل شيء ، هو العرش والكرسي ، هو الشمس والقمر ، هو الأحياء وحياتها ، هو الشجر والناس والمكان ، هو الكلمة ومعناها ؛ باختصار أينما ولّى الجيلي وجهه شهد الحقّ ظاهرا في كل مرأى . . . وكما في الآفاق كذلك في الأعماق .

وهنا ينظر الجيلي إلى أعماقه ، إلى ذاته ، ويشهد أنّ الحق عزّ وجلّ كذلك هو عين وجود عقله ونفسه وقلبه وحشاه وروحه وجسمه ودمه.

 

 ( 154 )هو الموجد الأشياء وهو وجودها  .....   وعين ذوات الكلّ وهو الجوامع

المعنى :

إن اللّه عزّ وجلّ هو الذي أوجد الأشياء جميعها ، وقد تجلّى فيها حين أوجدها .

فهو تعالى موجد الأشياء وهو وجودها ، أي عين لذواتها.

 

(155)بدت في نجوم الخلق أنوار شمسه ..... فلم يبق حكم النّجم والشمس طالع

المعنى :

إن الصورة التقليدية التي تجمع بين الشمس والنجوم وردت في قول الشاعر ( النابغة )

فإنّك شمس والنجوم كواكب   .....   إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب

ومعناه ، إن نور الشمس إذا بدا خبت من سطوعه أنوار النجوم ، بكلام آخر ، الفارق بين نور الشمس ونور النجم والكوكب هو فارق في شدة الضياء وضعفه .

ولكن الجيلي هنا يفارق هذه الصورة التقليدية ويرى أن النور البادي في النجوم صفته الأساسية أنه ليس ذاتيا ، بل هو نور مستعار يرجع في أصله إلى الشمس ؛ 

وإن الفرق بين نور الشمس وبين نور الكواكب هو كالفرق بين ما هو ذاتي وما هو معار .

 وكيف للإنسان أن ينسب للنجم نورا ، والشمس - الذي وهبته نوره - طالعة ؟!

ولا حكم للجزء أو المظهر وهو النجم ، عند ظهور الأصل وهو الشمس  (حاشية رقم 144 . شرح لفظ “ بدر).

فيكون معنى هذا البيت ، أن الخلق هم كالنجوم ، نورهم معار من الشمس ، وتظهر فيهم أنوار شمس الحق ، لذلك حين تطلع شمس الحق في أفق الكون لا يبقى للخلق حكم .

 

( 156 ) حقائق ذات في مراتب حقّه   .....   تسمّى باسم الخلق والحقّ واسع

المفردات :

مراتب : ج . مرتبة ، والجيلي يبني جوانب كثيرة من نظريته في الخلق والكون والإنسان على الذات الواحدة والمراتب المتعددة .

فالذات عند الجيلي هي حقيقة دائما وتتمتع بوجود حقيقي ، على حين أن المرتبة هي حقيّة ولكن وجودها معار .

تسمى : أي تتسمى ، والمقصود حقائق ذات تتسمى

 المعنى :

كل ما هو كونيّ إنساني عند الجيلي فهويته الحقيقية أنه مرتبة وليس ذاتا ؛ وعلى سبيل المثال ، فالإنسان حين يتصف بالعلم لا يمتلك العلم إمتلاكا ذاتيا ، بل يظل علمه مرتبة معرضة للزوال في كل حين . والعالم ذاتا لا رتبة هو اللّه عزّ وجلّ فقط .

وهكذا كل صفة من صفات الخلق هي مرتبة وكل صفة من صفات الحق عزّ وجلّ هي ذات.

فإن ظهرت في إنسان صفة إلهية ، كالعلم أو الحياة أو القدرة أو السمع أو البصر أو غيرها ، فظهورها يظل في الواقع ظهور مرتبة ولا يبلغ جوهر الذات ؛ أي ظهورا عرضي وليس ظهورا جوهريا ذاتيا .

فيكون معنى هذا البيت ، أنّ حقائق الذات أي الصفات الإلهية عندما ظهرت وتنزلت في مراتب الكائنات ، تسمّت في مظاهرها باسم الخلق ، ولكن هي أسماء فقط ، لأن الحق عزّ وجلّ هو أوسع من أن تحصره رتبة أو يحده مظهر .

 

( 157 ) وفي “ فيه من روحي نفخت “ كفاية   .....   هل الرّوح إلا عينه يا منازع

المفردات :

وفي “ فيه من روحي نفخت “ : وفي آية :فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ[ الحجر : 29 ] .

كفاية : دليل كاف . يا منازع : يا مجادل في الحق .

المعنى :

يخاطب الجيلي المنازع بقوله ؛ يا من تنازع وترفض أن تشاهد الحق في المرائي ، لك في الآية الكريمة :فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ[ الحجر : 29 ] دليل كاف .

فالحق عزّ وجلّ نفخ من روحه في آدم عليه السّلام ، وهل الروح إلا العين؟!

 

 ( 158 ) ونزّهه عن حكم الحلول فما له   .....   سوى ، وإلى توحيده الأمر راجع

المفردات :

الحلول : القول بأن اللّه عزّ وجلّ يحل في الإنسان ، “ اللاهوت يحل في الناسوت “ . راجع حاشية البيت ( رقم 203 ) .

سوى : غير يشاركه الوجود .

المعنى :

يقول الجيلي ؛ ولا تظن أيها السامع ، أنّني أقول بحلول الحق عزّ وجلّ في المخلوقات ، بل العكس ؛ إنني أقول بتنزيه الحق عن الحلول بمخلوق .

 ونقول : إن مقولة الجيلي تغاير مقولة الحلول ، لأن الحلول يفترض إثنينية في الكون ، يفترض حالّا ومحلا يتشاركان الوجود ويتشاطرانه ، والجيلي لا يرى - عقلا وعقيدة - سوى الحق ، ولا يرى - شهودا - سوى الحق .

هذا هو التوحيد الذي يثبته الجيلي ويدافع عنه عقلا وشهودا .

فالتوحيد في نظره يستوجب تنزيها للحق ، والتنزيه هو ألّا يشاركه في الوجود سواه .

فإن لم يتمكّن الإنسان من شهود هذا التنزيه فعليه أن يؤمن به قلبا ، أو يقتنع به عقلا .

 

( 159 ) فيا أحديّ الذّات في عين كثرة   .....   ويا واحد الأشياء ذاتك شائع

المفردات :

فيا أحديّ الذات : الأحدية اسم لصرافة الذات المجردة عن كل اسم أو صفة [ الإنسان الكامل ، 1 / 25 - 26 ] .

ويا واحد الأشياء : الواحدية اسم للذات التي تظهر فيها الأسماء والصفات ، ولكن ظهور الأسماء والصفات في الواحدية يكون بحكم الذات ، لذلك كل اسم هو عين الاسم الآخر ، فالمنعم هو عين المنتقم وهكذا .

ذاتك شائع : واحديتك شائعة في المخلوقات .

المعنى :

الجيلي هنا يناجي ربّه مناجاة عارف لم تضله تجليات الحق المتنوعة في صور الكائنات ، فهو يشهد من خلف الكثرة أحدية ذات الأحد ، ويعلم حقا أنه مهما تنوعت تجليات الحق وشاعت في المظاهر المخلوقة ، فهو أبدا واحد من خلف حجب الأشياء.

بكلام آخر ، يجول الجيلي بعينه وينظر إلى صور الكائنات ، ويشهد تجلي الحق في الصور ، ولكن قلبه المقيم على شهود الواحد من خلف حجب الصور ، يناجي ربه قائلا : واحد أحد .

 العودة إلى الفهرس    


واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: