الأربعاء، 20 مايو 2020
المقالة الخامسة والأربعون والأخيرة في سلوك الطير الطريق صوب السيمرغ الأبيات من 4104 - 4423 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري
المقالة الخامسة والأربعون والأخيرة في سلوك الطير الطريق صوب السيمرغ الأبيات من 4104 - 4153
وبعد سماع هذا الكلام كله ،
سارعت جميع طيور الوادي، بتنكيس الرؤوس في دماء الأكباد ، وعلمت جميعها ، أن هذه
القوس الصعبة،
لا تقوى عليها سواعد حفنة من
العجزة ، ولم تجد أرواحهم الاستقرار بسبب هذا القول ، وما أكثر الذين ماتوا من
العجز في ذلك المنزل ،
وأما الطيور الأخرى التي
اندفعت إلى المسير ، فبفعل ما سيطر عليها من تحير ، قضت سنوات متنقلة بين مرتفع
ومنخفض ،
وقضوا في طريقهم عمرا مديدا ،
وكيف أستطيع شرح وتفسير كل ما وقع لهم في المسير ، فإن تسلك الطريق ذات يوم ،
فستلاحظ عقباته واحدة واحدة ،
وستعلم ما فعله الطير ، وسيتضح لك كيف تحملت الآلام والهموم .
في النهاية استطاع نفر قليل من بين ذلك الحشد قطع الطريق إلى الحضرة ، فقد وصل نفر قليل من كل أولئك الطير ، فهناك يصل واحد من بين كل عدة آلاف .
لقد غرق البعض
في البحر ، كما أصيب البعض بالفناء ، وأسلم البعض الأرواح عطشى ، وذلك على قمم
الجبال من شدة الحرارة والآلام ، وأصيب البعض من وهج الشمس باحتراق الأجنحة وشواء
الأرواح ،
وأصيب
البعض بالذلة والمهانة ، مما بالطريق من أسود ونمور ، ومات البعض من التعب في صحراء
صادية الشفة ،
وقتل
البعض أنفسهم كالفراشة ، من أجل تعلقهم بالحبوب ، وأصاب الألم البعض وكذا الوهن ،
مما دهمهم بالتخلف والهجران ،
وتوقف
البعض أمام عجائب الطريق ، فلزم كل منهم موقعه ، وأسلم البعض أجسادهم للطرب وكفوا
بعد ذلك عن الطلب . .
وأخيرا
لم يتقدم إلى هناك إلا نفر قليل من بين مئات الألوف .
وذلك
الجمع الغفير من الطير لم يصل منه إلا ثلاثون طائرا .
وصل
الثلاثون وقد عدموا الأجنحة والريش ، وألم بهم التعب والوهن .
وصلوا
محطمي القلوب فاقدي الأرواح ، سقيمي الأجساد ؛ فرأوا الحضرة دون وصف أو صفة ،
رأوها تسمو على الإدراك والعقل والمعرفة ،
وما أن
أضاء برق الاستغناء حتى أحرق مائة عالم في لحظة واحدة ، ورأى الجميع عددا وفيرا من
الشموس المعتبرة ،
ورأوا
عددا كبيرا من الأقمار والنجوم الزاهرة ؛ فوقعوا جميعا في حيرة ، وظلوا كذرة
مضطربة حائرة ،
وقالوا
جميعا :إذا كانت الشموس تبدو كذرة
فانية بجانب ذلك السلطان الأعظم ، فكيف نبدو نحن في هذه الأعتاب ؟
يا
للحسرة على ما تحملناه من آلام بالطريق !
لقد
قطعنا الأمل من أنفسنا ، ولكن لم نقطع الأمل من الهدف المنشود ،
وإذا
كانت مئات العوالم مجرد ذرة من تراب هناك ، فأي خوف إن وجدنا ، أو أصابنا العدم؟
عندما جاءت تلك
الطيور منهوكة القوى ، جاءت كطائر نصف ذبيح ، وقد أصابها الفناء والمحو ، وظل يحيط
بهم حتى ذلك الوقت
.
وأخيرا جاء حاجب
العزة ، من الأعتاب العلية فجأة ، فرأى أمامه ثلاثين طائرا غاية في العجز ، وقد
أصبحت مجرد ريش وأجنحة بلا أرواح ،
كما أصاب الهزال
أجسامها ، وتملكتها الحيرة من أولها إلى آخرها ، ووقفت خائرة القوى شديدة الوهن ،
فقال : أيها القوم ، ثوبوا إلى رشدكم ، ومن أي مدينة أقبلتم ، ومن أجل أي شيء
إلى هذه الأعتاب جئتم ؟ وأنتم أيها الجهلة ،
ما أسماؤكم ؟
وأين تكمن راحتكم ؟
وبم يصفكم الإنسان في
الدنيا ؟
وأي فعل يمكن أن
يتأتى من حفنة من العجزة ؟
قال الجميع : إننا حضرنا إلى هذا المكان ، ليكون السيمرغ
لنا السلطان ،
ونحن جميعا حيارى في
هذه الديار ، وقد أصبحنا عاشقين لا يقر لنا قرار ، لقد انقضت مدة مديدة حتى جئنا
من هذا الطريق ،
ووصلنا إلى الأعتاب
ثلاثين بعد أن كنا آلافا ، وقد جئنا من طريق بعيد وكلنا رغبة في أن نحظى بالحضور
في هذه الحضرة ،
فمتى يرضى السلطان
عما كابدناه من تعب ، حتى يرعانا في النهاية بالعطف والحدب ؟
قال حاجب الحضرة : أيها العجزة ، يا من تلوثتم بدماء القلب
كالوردة ، إن تكونوا أو لا تكونوا في العالم ، فهو السلطان المطلق الدائم ، ومائة
ألف عالم مليئة بالجند والحشم ،
ليست إلا نملة على
باب هذا السلطان الأعظم ، ولن ينتج عنكم في النهاية إلا الألم والزحير ، فعودوا
أدراجكم ، أيها الجمع الحقير
. .
يئس كل واحد من هذا
القول ، وأصبحوا بلا حراك كالموتى ،
وقال الجميع : كيف ينعم علينا هذا السلطان المعظم بالذل في نهاية الطريق ؟ فليس لأحد أن يحظى بالذل منه مطلقا ، ولو حدث هذا ، فليس الذل منه سوى عز وسؤدد .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 1
الأبيات من 4154 - 4163
قال المجنون : إن
يمدحني الجميع على وجه الأرض كل لحظة ، فأنا لا أريد مدح أحد مطلقا ، بل لتجعل يا
إلهي مدحي ، هو هجاء ليلى لي فقط ،
فقدح واحد منها يفضل
مائة مدح ، واسمها كذلك أفضل من كلا العالمين ،
ولقد قلت لك مذهبي ،
أيها العزيز ، فإن كانت ترغب في إذ لالي ، فلها ما أرادت
. .
وقال : عندما يظهر
برق العزة ، يلحق الدمار بالأرواح كلها ، وأي جدوى من إحراق الروح بكثرة الآلام ؛
وأي جدوى من العزة
والذلة في تلك الآونة ؟
ثم قال ذلك الحشد
المضطرب : لقد اشتعلت أرواحنا
وكذا النار ، فمتى تنفر الفراشة من النار ؟ إنها في حضور على الدوام مع النار . .
مع أننا لا نحظى بالوصال مع الحبيب ، فهو يحرقنا ، وما أعظم هذا من صنيع ! وإن لم يتم الوصل إلى أعتاب الحبيب ، فليس من سبيل إلا تقبيل الأرض . .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 2
الأبيات من 4164 - 4175
جميع طيور الزمان ،
كانت لها قصة مع تلك الفراشة ،
حيث قالت جميعها
للفراشة : أيتها الضعيفة إلام
تخاطرين بروحك الشريفة ؟
ما دمت لا تحققين مع
الشمعة أي وصال ، فلا تخاطري بروحك جهلا ، ما دام هذا محالا
.
ثملت الفراشة بهذا
الكلام وانتشت ، وأجابت على الطير بسرعة ،
حيث قالت : يكفيني أنا الولهانة على الدوام ، أن أصل
إلى المعشوق وأدور حوله على الدوام ، وإذا كان الجميع يصيبهم الموت في عشقه ،
فقد أقبلوا وهم غرقى
في الآلام ، ومع أن الاستغناء يفوق كل إحصاء ، فإن لطفه كان ذا جدة كذلك ، فقد جاء
حاجب اللطف ،
وفتح الباب ، وأزاح
في كل لحظة مائة حجاب ، فظهرت الدنيا بلا حجاب ، ثم واصلت الظهور في نور النور .
ثم أجلس الحاجب
الجميع على مسند القربة ، أجلسهم على سرير العزة والهيبة ، ووضع رقعة أمام الجميع
،
وقال اقرءوها كلها عن آخرها ! وما أن علم القوم ما بهذه الرقعة ، حتى تملك الاضطراب أحوالهم . .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 3
الأبيات من 4176 - 4232
يوسف الذي أحرقت
الأنجم البخور من أجله ، قد باعه أخوته العشرة.
وعندما اشتراه ملك
مصر ، طلب منهم وثيقة ، وأن يشتريه بثمن بخس ، وقد أخذ الوثيقة من هؤلاء القوم ،
حتى يكون معه الدليل ضد الأخوة العشرة
. .
ما أن اشترى عزيز مصر
يوسف ، حتى كان الحظ في ركاب يوسف ، وفي النهاية بعد أن أصبح يوسف عزيز مصر ، جاء
أخوته العشرة إلى مصر ،
ولكن لم يتعرفوا على
وجه يوسف ، مع أنهم مثلوا أمامه ، وطلبوا لأنفسهم أسباب الحياة ، ورفعوا نقاب
الحياء طلبا للخبز
. .
فقال يوسف الصديق : أيها الرجال ، إن لدي وثيقة خطت بالعبرية
ولم يستطع أحد من حاشيتي قراءتها ، فإن تقرءوها أمنحكم خبزا وفيرا . .
وكان الأخوة كلهم
يعرفون اللغة العبرية ، فوافقوا بسرور ،
وقالوا : أحضر الوثيقة أيها السلطان .
أعمى اللّه قلب ذلك
الذي هيأ له الغرور ، ألا يسمع قصته وهو دائم الحضور
.
أعطى يوسف وثيقتهم
إليهم ، فارتعدت جميع أوصالهم ، وما استطاعوا قراءة لفظة من الوثيقة ، كما لم
يقدروا على النطق بأي كلمة ، وسيطر عليهم الغم وانخرطوا في تقديم الأسف ،
وظلوا مهمومين لما
ارتكبوه مع يوسف ، لقد خرست ألسنتهم جميعا ، وضاقت الحال بأرواحهم جميعا . .
فقال يوسف : لم
تملكتكم الدهشة ؟
ولم لزمتم الصمت
أثناء قراءة الوثيقة ؟
فقال الجميع له : الموت أفضل من قراءة هذه الوثيقة ،
وكذلك ضرب العنق وعندما نظر الثلاثون طائرا الضعاف في خط هذه الرقعة النفيسة ،
وجدوا أن كل ما كانوا قد فعلوه ، قد سطر فيها عن آخره .
وحين أمعن هؤلاء
الأسرى النظر ، وجدوا كل ما ارتكبوه من أخطاء ، فقد كانوا قد مضوا وشقوا طريقهم ،
ثم ألقوا بيوسف نفسه في البئر ،
وأحرقوا روح يوسف بما
ألحقوا بها من ذلة ، ثم باعوه بثمن بخس
.
"" بعض الطبعات تجعل نهاية الحكاية عند هذا الحد وتضع عنوانا جديدا لبقيتها وهو : ذهاب الطير صوب السيمرغ ، ومثول السيمرغ بتلك الحضرة "" .
ألا تعلم ، أيها المسكين عديم المروءة
، أنك تبيع يوسف في كل لحظة ؟ وعندما يصبح يوسفك سلطانا ، فسيصير رائدك في هذه
الأعتاب.
أما أنت فتصبح في النهاية
شحاذا جائعا ، وستمثل أمامه عاريا .
وإذا كان أمرك سيشرق بفضله ،
فلم حق لك بلا ثمن بيعه ؟
فنت أرواح تلك الطيور فناء
محضا ، وذلك من الحياء والخجل ، كما أصبحت أجسادهم زرقاء كالتوتيا ،
وما أن تطهرت جميعها من كل
الكل ، حتى وجدوا أرواحهم جميعا من نور الحضرة ، فعادوا عبيدا للروح الجديدة ،
وتملكتهم حيرة من نوع جديد ،
وانمحى من صدورهم كل ما صنعوه
وما لم يصنعوه ، وأضاءت من جباههم شمس القربة ،
فأضاءت أرواح الجميع من هذا
الشعاع ، وفي تلك الآونة رأى الثلاثون طائرا طلعة السيمرغ في مواجهتهم ،
وعندما نظر الثلاثون طائرا على
عجل ، رأوا أن السيمرغ هو الثلاثون طائرا .
فوقعوا جميعا في الحيرة
والاضطراب ، ولم يعرفوا هذا من ذاك ، حيث رأوا أنفسهم السيمرغ بالتمام ، ورأوا
السيمرغ هو الثلاثون طائرا بالتمام ،
فكلما نظروا صوب السيمرغ
، كان هو نفسه الثلاثين طائرا في ذلك المكان ، وكلما نظروا إلى أنفسهم ،
كان الثلاثون طائرا هم ذلك
الشيء الآخر ، فإذا نظروا إلى كلا الطرفين ، كان كل منهما السيمرغ بلا
زيادة ولا نقصان . .
فهذا هو ذاك ، وذاك هو هذا ،
وما سمع أحد قط في العالم بمثل هذا .
وأخيرا غرقوا جميعا في الحيرة
، وانخرطوا في التفكير بلا عقل ولا بصيرة ، ولما لم يدركوا شيئا من هذا الحال ،
سألوا صاحب الحضرة بلا حروف
سؤالا ، حيث طلبوا كشف هذا السر القوي ، وطلبوا معرفة الأنية والأنتية .
جاءهم الخطاب من الحضرة قائلا
بلا لفظ ، إن صاحب الحضرة مرآة ساطعة كالشمس ، فكل من يقبل عليه يرى نفسه فيه ،
ومن يقبل بالروح
والجسد ، ير الجسد والروح فيه
ولأنكم وصلتم هنا ثلاثين طائرا ، فقد بدوتم في هذه المرآة ثلاثين طائرا وإذا حضر
أربعون أو خمسون طائرا فإنهم يرفعون الحجب عن أنفسهم .
وإن تردوا إلى هنا أكثر عددا ،
فإنكم ترون أنفسكم ، وها قد رأيتم أنفسكم .
ليس لعديم المروءة أن تدركنا
عينه ، وكيف تدرك عين النملة نور الثريا ؟
وهل رأيت نملة حملت سندانا ؟
وهل رأيت بعوضة حملت بين فكيها
فيلا ؟
كل ما أدركته وما رأيته أنت
ليس هو ذلك الشيء ، وما قلته وما سمعته أنت ، ليس هو ذلك الشيء ، وتلك الأودية
التي كان كل منكم قد سلكها ،
وهذه الرجولة التي كان كل منكم
قد أبداها ، قد تمت كلها من أجلنا ، وهكذا كنستم وادي الذات والصفة .
ولما أصبحتم ثلاثين طائرا
حائرا ، بقيتم بلا قلوب عديمي الصبر ، فاقدي الأرواح .
نحن السابقون إلى السيمرغ
، لذا فنحن الجوهر الحقيقي للسيمرغ ، فامحوا أنفسكم فينا بكل عز ودلال ، حتى تجدوا
أنفسكم فينا .
وهكذا انمحوا فيه على الدوام ،
كما ينمحي الظل في الشمس والسلام . .
كنت أتكلم ، ما داموا يسلكون ، ولكن ما أن وصلوا ، حتى لم يعد للقول بداية ولا نهاية ، فلا جرم أن نضب معين الكلام هنا ، حيث فنى السالك والمرشد والطريق . .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 4
الأبيات من 4233 - 4240
قيل إنه عندما أشعلت النار في
الحلاج ، واحترق عن آخره ، أقبل عاشق يحمل عصا في اليد ، وجلس على كومة الرماد ،
ثم أخذ يتحدث
وقد اضطرب كالنار ، حتى جعل
الرماد يموج ويثور ، فكان يقول في تلك الآونة : قولوا الحق ، أين من نطق بقولة (
أنا الحق ) ؟
كل ما قلته وكل ما سمعته ،
وكذا كل ما عرفته وكل ما رأيته ، لا يعدو أن يكون كله خرافة ، فامحه كله إذا لم
يكن مكانه هذه الخرابة .
يجب أن يكون الأصل هو الاستغناء والتطهر، ولا خوف إن وجد الفرع أو انعدم ، فوجود الشمس حقيقة قائمة على الدوام، حيث لا بقاء للذرة أو الظل، والسلام .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 5
الأبيات من 4241 - 4262
عندما مضى أكثر من مائة ألف
قرن ، كانت قرونا بلا بداية ، ولا نهاية ، ولا زمن ، وبعدها أسلمت الطير أنفسها
إلى الفناء الكلي بكل سرور .
وما أن غاب الكل عن رشدهم ،
حتى ثابوا ثانية إلى رشدهم ، فقد وصلوا إلى البقاء بعد الفناء ، وليس لأحد قط من
المحدثين أو القدماء ،
أن يتحدث عن ذلك الفناء وذلك
البقاء .
وهذا الأمر بعيد بالنسبة لك عن
مجال النظر ، لأن شرحه بعيد عن الوصف والخبر ، ولكن في طريق مثل طريق أصحابنا هل
يمكن شرح البقاء بعد الفناء ؟
وأين يمكن إتمام ذلك ؟
إن هذا يلزمه كتاب جديد ، ولكن
من ذا الذي يدرك أسرار البقاء ؟
ومن ذا يكون جديرا بها ؟
وأنت ما دمت موجودا في حيز
الوجود والعدم ، فكيف تستطيع التقدم خطوة في هذا المحتدم ؟
وإذا عدم هذا وذاك البقاء في
طريقك ، فكيف يطيب النوم أيها الأبله لك ؟
أنظر ماذا تكون البداية
والنهاية ، وإن تعرف النهاية، فأي جدوى من تلك النهاية؟
فالبداية كانت نطفة تربت وسط
عز ورعاية ، حتى أصبحت هذا العاقل وذلك الموفق ، ثم منحه الوقوف على أسراره وأيده
بالتعرف على أموره ،
والنهاية أن يصبيه الموت
وينمحي كل شيء ، فينحدر من أوج العزة إلى هاوية الذلة ، بعد ذلك يتحول إلى تراب
بالطريق ،
وهكذا فنى إلى ذرات ، ووسط هذا
الفناء قيلت له مئات الأسرار ، قيلت له ولكنها قيلت بدونه ، بعد ذلك منح البقاء
كله ، كما نال العزة بدلا من الذلة . .
ما ذا تعرف حتى تملك ما يوجد
أمامك ؟
فثب إلى رشدك ، وفكر مليا في
نهايتك !
وإن لم تصبح روحك في خدمة
السلطان ؛ فكيف تكون في هذه الأعتاب مقبولا من السلطان ؟
وإن لم يصبك النقصان في الفناء
، فلن ترى السلامة مطلقا في البقاء . وفي الطريق تدمغ بالذلة في البداية ، ثم
ترتقي فجأة بالعزة ، فامض إلى العدم حتى تدرك الحياة في إثر ذلك ، ولكن ما دمت
موجودا ، فكيف تصل الحياة إليك ؟
وإن لم يصبك المحو في الذلة والفناء ، فكيف يصلك من العز إثبات البقاء ؟
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 6
الأبيات من 4263 - 4423
كان هناك سلطان ، العالم كله
ملك له ، والأقاليم السبعة كلها تحت إمرته ، وكان شبيها بالإسكندر في حكمه ، وتمتد
من قاف إلى قاف جيوشه ،
وكان جاهه للقمر خدين ، كما
وضع القمر وجهه على الأرض إكراما لهذا السلطان ،
وكان لهذا السلطان وزير عظيم ،
حيث كان عالما بدقائق المسائل ، حصيف الرأي .
كما كان لهذا الوزير ذي الفضل
فتى ، حسن العالم كله وقف على وجهه ، فلم ير إنسان قط في مثل جماله ،
ولم ير أحد قط جميلا ذا عزة
مثله ، وما استطاع أحد مطلقا النجاة والخلاص من جمال وجهه الجذاب !
إذا بدا هذا البدر ذات يوم ،
ثارت في الحال مائة قيامة ، ولن يوجد من بين البشرية من يكون محبوبا أكثر منه إلى
الأبد ؛ فلهذا الفتى وجه كالشمس ،
ولطرته لون المسك الأزفر وكذا
رائحته ، ومظلة شمسه كانت من المسك ، وماء الحياة صادي الشفة بلا شفته ، ووسط وجهه
الفتان الشبيه بالشمس ،
فم دقيق في دقة الذرة ، وهذا
الفم قد فتن الخلق كلهم ، وقد أطبق على ثلاثين نجمة بداخله ، فكيف تظهر نجمة في
الدنيا ، وقد اختفت ثلاثون نجمة داخل فمه الدقيق كالذرة ؟
أما الطرة فقد انسدلت على ظهر
رفيع القدر ، انسدلت على ظهره في رفعة وتكبر ، وكل طية في طرة ذلك الفضي الصدر ،
قتلت في لحظة واحدة مئات
الأرواح من بني البشر ، وكثيرا ما انسدلت طرته على وجهه ، فكانت في كل شعرة منها
مائة تحفة .
وكان له حاجب على شاكلة القوس
، ومن ذا يقدر على استخدام هذا القوس ؟
وله في مجال الحب عين ساحرة ،
وقد صنع كل هدب مائة لون من ألوان السحر ، وشفته أصل عين ماء الحياة ،
وهي حلوة كالسكر ، وأكثر نضارة
من النبات ، ومن ذا الذي لم يصب بالجنون من أسنانه ؟
ومن ذا الذي حظى من اللّه بمثل
هذه الجواهر ؟
ومسك خاله نقطة جيم الجمال ،
وبسببه يصبح الماضي والمستقبل أسيري الحال ، وإن أوقف عمري كله على جمال هذا الفتى
الجذاب ،
فأنى لي أن أصل إلى الإحاطة به
؟
وأخيرا ثمل السلطان به ،
وأصابه العجز من بلاء عشقه ، ومع أن السلطان كان عالي القدر والمقام إلا أنه أصبح
نحيلا كالهلال لما تحمل من هموم مبعثها ذلك البدر ،
وهكذا أصبح مستغرقا في حب
الفتى ، ولم يعد يدرك شيئا من وجوده ، وإن لم يمثل الغلام لحظة أمامه ؛ أصاب
الاضطراب قلبه الوله ،
ولم يعد يقر له قرار بدونه
لحظة ، ولا صبر له على هذا الجنون لحظة ،
وما استراح لحظة بدونه بالنهار
أو بالليل ،
حيث كان مؤنسه الدائم بالنهار
وبالليل ، فكان يجلسه طوال النهار حتى المساء إلى جواره ، ويحكي لهذا القمري الوجه كل أسراره ،
وإذا ما نشر الليل الظلام ، لم يكن يقر للسلطان قرار أو ينام ، أما الغلام فكان ينام أمام السلطان ؛ فكان السلطان يرنو إليه بكل إمعان ، وهكذا كان ينام ذلك الفتان طوال الليل على ضوء الشموع في حراسة السلطان . . .
أما السلطان فكان يديم النظر إلى ذلك القمري الوجه ، وهو يذرف الدموع دما طوال الليل ، وكان أحيانا ينثر الورد على وجهه ، وأحيانا ينفض الغبار عن شعره ، ومن شدة عشقه ذرف دمعا كمطر منهمر على وجنتيه . .
كان السلطان يقيم أحيانا مجالس
للطرب مع ذلك البدر ، ويشرب الأقداح ، وهو متطلع إلى وجهه ، كما كان لا يتركه لحظة
واحدة يغادر مجلسه ؛
حيث أصبح وجوده ضرورة له ،
فكان الغلام يداوم الجلوس خوفا مما للسلطان من بأس ، فإذا غادر جواره لحظة ،
فصل السلطان رأسه عن جسده من
الغيرة ، وكم كانت أمه وكذلك أبوه يريدان رؤية وجه ابنهما ولو للحظة ، ولكن لم تكن
لديهما القدرة خوفا من بطش السلطان . .
ظل الحال كذلك حتى وصلت القصة
إلى ذروتها حيث كانت تجاور الحاكم فتاة لها وجه الشمس ، وكأنها التمثال فأصبح
الغلام عاشقا لطلعتها ، كما أصبح كالنار مضطربا في أمرها .
وذات ليلة جلس معها ، فبدا
المجلس جذابا كطلعتها ، جلس معها خفية من السلطان ، حيث ثمل في تلك الليلة السلطان . .
وفي منتصف الليل عندما أصبح
السلطان بين الصحو والسكر ، قفز من مكانه شاهرا الخنجر ، فبحث عن الغلام ولم يجده
،
وأخيرا أسرع إلى حيث وجده ،
ورأى فتاة تجالس ذلك الفتى ، وقد شغف كل منهما بالآخر عشقا وهياما ،
فما أن رأى السلطان ذو الشهرة
ذلك الحال ؛ حتى سيطرت عليه نار الغيرة في التو والحال .
سيطر الجنون على السلطان العاشق الثمل ، إذ كيف يتواجد معشوقه مع
آخر ؟
وحدث السلطان نفسه
قائلا : إنني السلطان ؛ فكيف يختار من هو مقرب منّي آخر ؟
إن ما فعلته من أجله
لا يمكن أن يفعله من أجله شخص آخر ، فهل يجازيني بهذا العمل ؟
حقا لقد فعل ، كما فعلت شيرين مع محطم الجبل ، لقد كانت مفاتيح الكنوز بيده ، كما كان سادة العالم أدنى مرتبة منه ، وكان لي الصديق والرفيق معا وكان لي الداء والدواء معا ، ثم يجلس في الخفاء مع هذه التافهة ، سأخلص الحياة منهما في هذه الساعة . .
"" محطم الجبل كناية عن فرهاد ، وتحكي الأساطير الإيرانية القديمة أن فرهاد هذا أقدم على هدم أحد الجبال أملا في الظفر بقلب شيرين معشوقته ، وبعد أن نجح في تحطيم الجبل ، حنثت شيرين بوعودها وتخلت عن فرهاد ، مما دفعه إلى أن يضرب رأسه بنفس الفأس التي إستخدمها في تحطيم الجبل ، وكانت النتيجة أن أسلم الروح دون أن يحظى بمعشوقته .""
قال هذا ، ثم أمر بإحكام وثاق الفتى ، ومرغ
جسده في تراب الطريق ، حتى أصبح في زرقة النيل من ضرب السلطان ، بعد ذلك أمر
السلطان بصلبه على الأعواد ، وتعليقه وسط السوق ،
وقال : ليسلخ جلده أولا ، ثم يصلب منكسا على
الأعواد ثانيا ، لأن من أصبح أهلا للسلطان ، لا يحق له أن ينظر إلى آخر حتى نهاية
الزمان .
سحبوا الفتى بعنف
وذلة ، ليعلقوا رأسه الثمل على المقصلة ، وعلم الوزير بحال ولده ، فوضع التراب على
مفرقه ،
وقال يا روح الوالد : أي خذلان اعترض طريقك ؟
وأي قضاء جعلك عدو
سلطانك ؟
كان عشرة من غلمان السلطان قد توجهوا في تلك الأونة للقضاء عليه ، فأقبل الوزير بقلب مفعم بالألم والحسرة ، وأعطى كل فرد منهم درة براقة ،
وقال لهم : إن السلطان الليلة ثمل ، ولم يرتكب هذا
الغلام أي ذنب ، فإن يفق السلطان العظيم من سكرته ، فسيندم على فعلته ، ولن يبقي
بلا ريب على أي فرد من قتلته
.
قال الغلمان كلهم في
تلك الآونة : إن يقبل السلطان ولا
يجد أحدا قط ، فإنه يسفك دماءنا
!
وأخيرا أحضر الوزير سفاحا من السجن ، وسلخ جلده كالثوم ، ثم نكسه ورفعه على المقصلة ، وهكذا تحول التراب طينا من دمه ، وأصبح أحمر اللون كالوردة ، وأخفى الوزير فتاه ، حتى يستطيع أن يعيش متخفيا في الدنيا . .
وما أن أفاق السلطان
في اليوم التالي ، حتى كانت كبده تحترق مما سيطر عليه من غضب ، ثم استدعى السلطان
أولئك الغلمان ،
وقال لهم : ماذا فعلتم مع هذا الكلب من تعذيب وجفاء ؟
فقال الجميع : لقد عاملناه بكل شدة وقسوة، ورفعناه على
الأعواد وسط السوق ، وسلخنا جلده عنه ، وهو مصلوب الآن على المقصلة.
ما أن سمع السلطان
هذه الإجابة ، حتى تملكه السرور مما قاله هؤلاء الغلمان العشرة ، وأنعم على كل
واحد منهم بخلعة فاخرة ، وحاز كل منهم منصبا ورفعة
ثم قال لهم السلطان : اتركوه هكذا ذليلا ضائعا على المقصلة إلى
ما لا نهاية ، حتى يعتبر خلق الزمان من فعلة هذا الوقح الجبان . .
عندما سمع أهل
المدينة هذه القصة ، عمهم الحزن من أجله ، وحضر جمع كبير من النظارة ليروه ، ولكن
لم يتعرف عليه أحد قط ،
فقد رأى الجميع لحما
غريقا في دمائه ، وقد نكس بعد أن سلخ جلده . ومن رآه على هذه الصورة ، عظيما كان
أم حقيرا ؛ ذرف الدموع دما ؛
ولكن في الخفاء ، واستمر مأتم ذلك البدر من الصباح حتى المساء ؛ وقد عمت الأحزان جميع البلاد ، كما زادت الحسرات عليه وكذا الآهات . .
ولكن بعد عدة أيام
قضاها السلطان بلا معشوقه ، تملكه الحزن والأسف من فعلته ، وضعف غضبه واشتد به
العشق ، وأصبح الشبيه بالأسد في ضعف النملة من شدة العشق ، فقد كان يجالسه طوال
الليل والنهار ،
وكان مع الشبيه بيوسف غاية في السرور، كما كان
ثملا على الدوام من شراب الوصل ، فكيف يعرف الآن الاستقرار في خمار البحر؟
وهكذا لم يعد يطيق
الفراق لحظة ، وتفاقم الأمر ، واحترقت روحه من ألم الفراق ، وأصبح عديم الصبر لا
يقر له قرار من الاشتياق ،
كما سيطر النوم
والأسى عليه ، وامتلأت عيناه بدمع دموي ، ونثر التراب على رأسه ، وأخيرا صنع ثوبا
أزرق وارتداه ،
وسيطرت الأحزان
والهموم على دنياه ، ولم يعد يستسيغ طعاما بعد ذلك أو شرابا ، كما تطاير النوم من
عينيه جزعا واضطرابا
. .
وعندما أقبل الليل
خرج السلطان قاصدا المقصلة وقد تخلى عن الكل ، فقد ذهب وحيدا إلى مقصلة الغلام ،
فهاجته ذكرى ذلك الغلام ،
وما أن هاجته ذكرى
حاله معه واحدة واحدة ، حتى أطلقت كل شعرة منه صيحة وآهة ، وقد سيطر على قلبه ألم
بلا نهاية ،
حتى كان يعقد مأتما
جديدا في كل لحظة ، وكم كان يئن ويتوجع على روح الفقيد وكم اكتسى وجهه بالدم من
الألم والكمد ،
وكان يلقي بنفسه وسط
تراب الطريق ، كما كان يعض من الغيظ ظهر كفه ، وإذا قدر وأحصى شخص ما ذرف من دمع ،
لكان أكثر غزارة من مائة مطر منهمر ، وظل يقضي ليلة بأكمله وحيدا حتى الصباح ،
وكان كالشمعة يعيش بين الدموع والاحتراق
. .
وكلما هبت نسائم
الصباح ، توجه السلطان صوب أسيره ؛ فكان يمضي بين الرماد والأتربة ، وتنهال
المصائب عليه في كل لحظة ،
وما أن انقضت على هذا
الحال أربعون ليلة ويوما ، حتى أصبح السلطان العالي القدر نحيلا كالشعرة ، فقبع
على نفسه مشغولا بحاله ،
وأصبح عليلا من فرط
عنايته بأمر معشوقه ، ولم يؤت أحد القدرة طوال الأربعين نهارا وليلة ، على محادثة
السلطان بلفظة ،
ولكن بعد انقضاء
الأربعين ليلة بلا شراب أو طعام ، رأى السلطان ذلك الفتى ذات لحظة في المنام ، رآه
وقد غرق وجهه القمري في الدموع ،
كما غرق في الدماء من
الرأس إلى القدم ،
فقال له السلطان : أيها الرفيق المنعش للقلب ، لماذا غرقت
هكذا في بحر الدماء من الرأس إلى القدم ؟
قال : لقد غرقت في الدماء من مودتك ، كما أصابني
هذا من عدم وفائك ، لقد سلخت جلدي دون ذنب أو عصيان ،
فهل هذا هو الوفاء
أيها السلطان ؟
وهل هذا ما يفعله
الحبيب في النهاية ؟
كم أكون كافرا إن
يقدم كافر على هذه الفعلة ؟
ماذا فعلت حتى تصلبني
؟
وماذا فعلت حتى تقطع
رأسي وتنكسني ؟
والآن أشيح بوجهي
بعيدا عنك ، وأطلب ديتي حتى يوم القيامة منك ؟
وإذا ما انعقدت
المحكمة الإلهية من أجلي ، فسيأخذ اللّه منك حقي
. .
ما أن سمع السلطان
هذا الخطاب من الشبيه بالقمر ، حتى نهض من النوم ، وقلبه مفعم بالهم ، وسيطر الحزن
على روحه وقلبه ، وتفاقمت في كل آونة همومه ومشكلته ، وألم به الجنون وفقد زمام
نفسه ، وزاد نحوله ، وتضاعف غمه وانخرط في النحيب بكل شدة وحرقة ،
وقال : يا روحي ، ويا قلبي ،
ها أنذا خالي الوفاض ، لقد دمى قلبي وروحي بسبب ما ألم بك من اضطراب ،
ويا من قتلت شرقتلة
بسببي ، ومن بقيت في الشدائد بفعلتي ، من ذا حطم نفسه بنفسه مثلي ؟
ومن ذا صنع بيده ما
اقترفت من فعل ؟
لم قتلت معشوقي
وأصبحت جديرا بالأحزان والهموم ؟
فانظر ما أصابني في
النهاية أيها الفتى ، ولا تقطع صلات الود والمحبة ، أيها
الفتى ، ولا تفعل السوء ، وذلك لأنني ارتكبت مع نفسي كل هذا السوء .
وهكذا تملكتني الحيرة والغم
بسببك ، كما وضعت التراب على رأسي بسببك ، فأين أبحث عنك يا حبيبي ؟ لتكن رفيقا
بقلبي المضطرب .
إن كنت قد رأيت جفوة مني أنا عديم
الوفاء ، فكن وفيا معي ، ولا تسلك طريق الجفاء ، وإن كنت قد أرقت دم جسدك بجهالة ،
أيها الغلام ، فما أكثر ما تسفك دماء روحي ، أيها الغلام .
لقد ثملت ، فبدر مني هذا الخطأ
، فماذا أفعل وقد قدر القضاء عليّ هذا الخطأ ؟
فإن مضيت من أمامي على الدوام
، فكيف أحيا بدونك في هذا العالم ؟
وإن كنت لا أقوى لحظة على
فراقك ، فلن أستطيع الحياة أكثر من لحظة أو لحظتين بدونك ، لقد بلغت روح السلطان
شفته لفراقك ،
وذلك لكي ينثر روحه دية لدمائك
، وأنا لا أخشى الموت والتخلي عن جسدك ، ولكن ما أخشاه هو جفوتك .
حتى ولو ظلت روحي خالدة تطلب المعذرة ، فلن تستطيع إيجاد العذر لتلك الجريرة ، فيا ليت حلقي قطع بالسيف ، لتقلّ هذه الآلام والأسى من قلبي .
أيها الخالق ، لقد احترقت روحي
في هذه الحيرة ، كما احترق جسدي كله من الحسرة ، لا طاقة لي ولا قدرة على هذا
الفراق ،
وما أكثر ما احترقت روحي من الاشتياق
، فلتنعم عليّ يا إلهي العادل ، بقبض روحي حيث فقدت الطاقة للتحمل .
قال هذا ، ثم لزم الصمت ، وفقد
العقل في هذا الصمت ، وأخيرا أدركه رسول العناية ، فأخذ يلهج بالشكر بعد الشكاية ،
فما أن فاقت آلام السلطان كل حد ،
حتى أسرع الوزير بالاختفاء في
تلك الآونة ، وأظهر ذلك الغلام خفية ، ثم أرسله أمام سلطان الدنيا ،
فخرج من خلف الحجاب كما يخرج
القمر من بين السحاب ، ومثل أمام السلطان
يحمل
كفنا وسيفا ، وسقط على الأرض أمام السلطان وبكى بكاء مرا ، وتساقطت دموعه كالمطر .
عندما رأى سلطان الدنيا ذلك
البدر ، لا أعلم ماذا أقول في هذا الزمان ، فقد وقع السلطان على الأرض ، كما تدرج
الغلام في الدم ،
ولا يعلم أحد قط ، كيف وقعت
هذه العجائب. فكل ما أقوله بعد ذلك لا يصح قوله ، فإذا كان الدر في القاع ، لا
يمكن ثقبه،
وما أن أدرك السلطان من فراقه
الخلاص ، حتى ذهبا سويا إلى الإيوان الخاص ، وبعد هذا لم يقف أحد قط على الأسرار ،
لأن ذلك المكان ليس موضعا للأغيار ؛ فأنّي للأعمى أن يرى وللأصم أن يسمع ما كان
ينطق به أحدهما ، وما ينصت إليه الآخر ؟
ومن أكون أنا حتى أستطيع شرح
ما حدث ، وإن أشرح ذلك ، أسبب الآلام لروحي ، إذ كيف أشرح ما لم أقف عليه ؟
لذا يلزمني الصمت ، حيث أصابني
العجز في ذلك ، وإن يسمح لي سادتي بشرحه فليأمروني بسرعة شرحه ، ولقد أتممت في هذا
الوقت الكلام ، والآن جاء وقت العمل ، لأنني كثيرا ما أتكلم ، والسلام .
مواضيع ذات صله :
اشترك في قناتنا علي اليوتيوب
المشاركات الشائعة
-
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
-
كتاب عقلة المستوفز الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي
-
كتاب إنشاء الدوائر الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي
-
مقدمة كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع في شرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية د. سعاد الحكيم
-
المقالة الخامسة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 2966 - 3023 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري
-
ثانيا شرح الأبيات 17 - 29 من القصيدة العينية .إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية
-
مقتطفات من الباب 559 من الفتوحات المكية .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية
-
الفصل الثالث في بيان رموز هذه الشجرة وما في ضمن الدائرة المذكورة من التنبيه على الحوادث الكونية . كتاب الشجرة النعمانية للشيخ الأكبر ابن الع...
-
الهوامش والشروح 1116 - 1488 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
-
كتاب العظمة . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2020
(579)
-
▼
مايو
(163)
- 21 - باب ترجمة الوهب .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 20 - باب ترجمة السيادة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 19 - باب ترجمة الإنائية .كتاب تاج التراجم الشيخ ال...
- 18 - باب ترجمة الموعظة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 17 - باب ترجمة الرحمة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 16 - باب ترجمة الباطن .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 15 - باب ترجمة الإستواء .كتاب تاج التراجم الشيخ ال...
- 14 - باب ترجمة التقديس .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 13 - باب ترجمة الجمع .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 12 - باب ترجمة الوجود .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 11 - باب ترجمة الغيرة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 10 - باب ترجمة المنة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 09 - باب ترجمة التعظيم .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 08 - باب ترجمة العدل .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 07 - باب ترجمة الثبات .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 06 - باب ترجمة التعريف .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 05 - باب ترجمة الإجابة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 04 - باب ترجمة الفتح .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 03 - باب ترجمة الكبرياء .كتاب تاج التراجم الشيخ ال...
- 02 - باب ترجمة أنا معك أين كنت .كتاب تاج التراجم ا...
- 01 - باب ترجمة القهر .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- مقدمة كتاب تاج التراجم .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل . الشيخ الأكبر اب...
- كتاب العظمة . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحات...
- كتاب المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات . الشيخ ...
- كتاب منزل المنازل الفهوانية . الشيخ الأكبر ابن الع...
- كتاب شق الجيب بعلم الغيب بكن ويكون ودرّ الدر . الش...
- تنبيه وإشارة لإيضاح حقائق الأمور . كتاب الشجرة الن...
- الفصل الثالث في بيان رموز هذه الشجرة وما في ضمن ال...
- الفصل الثاني في معرفة تلك المفاتيح وتمييزها . كتاب...
- الفصل الأول في معرفة المفاتيح الغيبية . كتاب الشجر...
- مقدمة الشارح صدر الدين القونوي ومقدمة المصنف . كتا...
- مقدمة محقق الشجرة النعمانية . كتاب الشجرة النعماني...
- خاتمة الكتاب الأبيات من 4424 - 4474 .كتاب منطق ال...
- المقالة الخامسة والأربعون والأخيرة في سلوك الطير ا...
- المقالة الرابعة والأربعون في صفة وادي الفقراء والف...
- المقالة الثالثة والأربعون في صفة وادي الحيرة الأبي...
- المقالة الثانية والأربعون في وصف وادي التوحيد الأب...
- المقالة الحادية والأربعون في وصف وادي الاستغناء ال...
- المقالة الأربعون بيان وادي المعرفة الأبيات من 3456...
- المقالة التاسعة والثلاثون في وصف وادي العشق الأبيا...
- المقالة الثامنة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة السابعة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة السادسة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الخامسة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الرابعة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الثالثة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الثانية والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الحادية والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 2575 – 2...
- المقالة التاسعة والعشرون سؤال طائر آخر الأبيات من ...
- المقالة الثامنة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة السابعة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة السادسة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة الخامسة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة الرابعة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة الثالثة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة الثانية والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 1...
- المقالة الحادية والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 1...
- المقالة العشرون عذر طائر آخر الأبيات من 1885 – 193...
- المقالة التاسعة عشرة عذر طائر آخر الأبيات من 1794 ...
- المقالة الثامنة عشرة عذر طائر آخر الأبيات من 1708 ...
- المقالة السابعة عشرة اعتذار طائر الأبيات من 1629 –...
- المقالة السادسة عشرة في قطع الطير للطريق الأبيات م...
- المقالة الخامسة عشرة اتفاق الطير على السير إلى الس...
- المقالة الرابعة عشرة سؤال الطيور للهدهد في قطع الط...
- المقالة الثالثة عشر ذكر الطير جميعاً الأبيات من 10...
- المقالة الثانية عشرة عذر الصعوة الأبيات من 1001 – ...
- المقالة الحادية عشرة عذر البومة الأبيات من 979 – 1...
- المقالة العاشرة عذر مالك الحزين الأبيات من 950 – 9...
- المقالة التاسعة عذر الصقر الأبيات من 915 – 949 .كت...
- المقالة الثامنة عذر الهما الأبيات من 887 – 914 .كت...
- المقالة السابعة عذر الحجلة الأبيات من 846 - 886 .ك...
- المقالة السادسة عذر البطة الأبيات من 823 - 845 .ك...
- المقالة الخامسة عذر الطاووس الأبيات من 795 - 822 ....
- المقالة الرابعة عذر الببغاء الأبيات من 778 - 794 ....
- المقالة الثالثة عذر البلبل الأبيات من 725 - 777 ....
- المقالة الثانية حديث الهدهد مع الطيور في طلب السيم...
- المقالة الأولى في اجتماع الطير الأبيات من 593 - 65...
- خطبة العطار لمنظومة منطق الطير الأبيات من 001 - 59...
- مقدمة المحقق والتمهيد لكتاب منظومة منطق الطير .كتا...
- تاسعا شرح الأبيات 495 - 535 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 449 - 494 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 403 - 448 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 357 - 402 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 320 - 356 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 282 - 319 الجيلي يروي سيرته الرو...
- ثامنا شرح الأبيات 235 - 281 وصايا وحكم صوفية الجزء...
- ثامنا شرح الأبيات 186 - 234 وصايا وحكم صوفية الجزء...
- سابعا شرح الأبيات 160 - 185 نظرية الجيلي في الجمال...
- سادسا شرح الأبيات 141 - 159 من مظاهر التوحيد الجزء...
- سادسا شرح الأبيات 127 - 140 من مظاهر التوحيد الجزء...
- خامسا شرح الأبيات 113 - 126 عن المقام المحمدي .كتا...
- 109 - شرح تجلي ذهاب العقول المعارضة للشيخ الأكبر ك...
- 108 - شرح تجلي فناء الجذب المعارضة للشيخ الأكبر كت...
- 107 - شرح تجلي المعارضة للشيخ الأكبر كتاب التجليات...
- 106 - شرح تجلي نكث المبايعة للشيخ الأكبر كتاب التج...
- 105 - شرح تجلي التقرير للشيخ الأكبر كتاب التجليات ...
- 104 - شرح تجلي الأماني للشيخ الأكبر كتاب التجليات ...
- 103 - شرح تجلي الحظ للشيخ الأكبر كتاب التجليات الإ...
-
▼
مايو
(163)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق