الخميس، 28 مايو 2020

مقدمة كتاب تاج التراجم .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

مقدمة كتاب تاج التراجم .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

مقدمة كتاب تاج التراجم .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي 

كتاب تاج التراجم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن على ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

مقدمة كتاب تاج التراجم

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على النبي وآله وسلم 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم و به أستعين وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.

اعلموا يا اخواننا من أصحاب الهمم والترقي في الدرجات العلى وإياكم أخاطب ومعكم اتكلم على طريق التذكار والتنبيه لا على طريق التعليم .

أن المنازلات التي بين حقائق الأسماء الإلهية وبين الحقائق الإنسانية في الإنسان الكامل امرأة كان أو رجلا تتعدد بتعدد التوجهات والأسماء .

وما عدا هذا الصنف الإنساني فليس له هذا التعميم لعدم كمال الصورة فيه .

فمنازلة الحقائق الإنسانية للطلب بالذلة والافتقار خلو محلها عن الفكر وهذا هو الاستعداد العزيز المطلوب الذي لم يقدر عليه أكثر العقلاء حتى أنكره بعضهم.

أعني أنكر أن يكون له نتيجة وأقر بها بعضهم وسماها الفيض والروح لكن عجزوا عن التوصل إليها لغلبة الفكر وعدم استعمال العبادات المشروعة على ألسنة الأنبياء عليهم السلام.

وإن كانت لهم عبادات ومناجاة ورهبانية ابتدعوها غير أنها لم تقم على ساق التوحيد ولا بناء صدق فلهذا لم يشموا منه رائحة من الإلهيات ولا كانت لهم منازلات خارجة عن طور العقول .

فإن الهمم تعلقت منهم بما في العالم العلوي والعقل الأول والنفس الكلية والعقول من الأسرار واللطائف فوكلهم الله لما اعتقدوه وربطهم بما قصدوه فحرموا السعادة الأبدية والكشف والمشاهدة وخالص التوحيد .

فلم يكن لهم تلك الهمة القوية وصار الخطاب لهم من خلف وراء حجاب الكون فلم يسمعوا منه وكيف يسمعون منه وهم محجوبون بما اعتقدوه وما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب .

فما دام المخاطب ينطلق عليه اسم البشر ولم يتجرد عن بشريته فإن الخطاب له على غير العين ولما لم يكن في العالم فاعل على الحقيقة إلا الله الذي له الاقتدار التام الكامل كان هو المخاطب عباده المحجوبين وغير المحجوبين ويقع التفاضل في الطائفتين على حسب ما تعطيهم مقاماتهم ولهذا قال "وكلم الله موسى تكليما" [النساء: 164] . إشارة إلى فضله على غيره بخطاب مخصوص على رفع الحجاب لم يسمعه من ذلك المقام غيره .

فإذا تبين لك أن المنازلات إنما تحصل بامتثال أمور الشرع على أتم الوجوه وتجريد التوحيد والدخول في الحضرات بأوصافك لا بأوصافه والتلقي منه بما يناسب الصورة المقدسة منك فينبغي لك إن كنت عاقلا أن تتجرد لهذا الطلب على هذا الحد.

واعلم أن صاحب الكتاب كاليهودي والنصراني إذا وفي أمر كتابه الذي أنزل عليه قبل نسخه بشرعنا وتجرد كما وصفه أهل طريقنا أدرك من هذه المنازلات والواردات ما شاء الله .

بخلاف من عبد عقله واتبع رأيه وإن ركب اعظم المشقات في ذلك لأنهم اتخذوا قربة ما لم يجعلها الله تعالی قربه بل شرعوا ذلك على حسب ما تعطيه حقيقة الذي يطلبون منه أعني من الوسائط الذين نصبوهم شرکاء الله تعالی کالكواكب وغيرها فتوسلوا إليها بأذكار ودعوات تعطيها حقائقها حملتهم عليها العادات .

وما ربط الله فيها من الحكم فمنهم من عبد الملائكة لما كانت عندهم أقرب إلى الله تعالی بمنزلة الوزراء من الملوك فقاسوا فأخطأوا وفكروا فما أصابوا ولله في خلقه مكر خفي واستدراج لطيف .

قال الله تعالى : "زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون" [النمل: 8] . وقال تعالى : "ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون" [النمل: 50] . وقال تعالى : " سنستدرجهم ممن حيث لا يعلمون . وأملي لهم إن كيدي متين" [القلم: 44، 45 ]. وقال تعالى : "أفمن زين له سوء عمله، فرآه حسنا" [فاطر: 8] . وقال تعالى : " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" [الكهف : 104].

وأودع الله أسراره في العالم العلوي والسفلي فالعالم كله رفيع وليس بين حقائق العالم مفاضلة فيقال هذا أشرف من هذا من جهة الحقائق والذوات .

فالعالم كله رفيع بلا اتضاع وذلك أن كل حقيقة في العالم مربوطة بحقيقة الإلهية هي حافظته .

فكله فاضل شريف رفيع بلا ضد فالشرف والاتضاع إنما هو أما العرف أو ما قرره الشارع فمن هناك نقول شريف وأشرف ووضيع و أوضع فمن فهم ما أشرنا إليه استراح في العالم وعرف أنه خير محض محسن لأنه صنعة حكيم لا شريك له فعل ما ينبغي كما ينبغي لما ينبغي.

 وأما صور تلقيات الموحدین الخطابية فهو أن تنبعث اللطيفة الإنسانية مجردة عن الفكر طالبة ما لا تعلم ممن لا تعلم منه إلا نسبة الوجود إليه بتقييدها به .

فإذا نزل هذا العقل بحضرة من الحضرات نزل إليه بحكم التدلي أو برزله أو ظهر له اسم من الأسماء الحسنى بما فيه من الأسرار فيهبه بحسب تجريده وصحة قصده وعصمته في طريقه .

فيرجع إلى عالم كونه عالما بما القى إليه من علم ربه بربه أو من علم ربه بضرب من كونه .

ثم ينزل نزولا آخر هكذا أبدا "وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلى" [الأحقاف: 9] .

وهو خير البشر وأكثرهم
عقلا و اصحهم فكرة  وروية .

فأين الفكر هنا هيهات تلف أصحاب الأفكار والقائلون باکتساب النبوة والولاية كيف لهم ذلك والنبوة والولاية مقامان وراء طور العقل ليس للعقل فيهما کسب بل هما اختصاصان من الله تعالی لمن شاء .

وليس العجب عندي إلا من القائلين بهذا المذهب مع قولهم أن العقل ليس بمادة ولا في مادة وأنه مستحيل عليه الفكر وإن له إقبالا على موجده بطريق الذلة والعجز والافتقار للمواهب الإلهية.

وله إقبال بطريق العزة والسلطان والإفادة على غيره وهنا سر غاب عنهم لو عرفوا كيفية تلقي العقل من الله تعالى المعارف التي عنده لرأوا أمرا عظيما .

فانظروا فقره إلى موجده فقرا ذاتيا والله المؤيد بالعصمة والفاتح باب الرحمة.

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: