الاثنين، 11 مايو 2020

ثامنا شرح الأبيات 186 - 234 وصايا وحكم صوفية الجزء الأول .كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية

ثامنا شرح الأبيات 186 - 234 وصايا وحكم صوفية الجزء الأول .كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية

ثامنا شرح الأبيات 186 - 234 وصايا وحكم صوفية الجزء الأول .كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية

كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع عين على العينية العارف بالله عبد الكريم الجيلي شرح معاصر للقصيدة العينية د. سعاد الحكيم 

ثامنا الأبيات من ( 186 ) إلى ( 234 )  وصايا وحكم صوفية    الجزء الأول

(186) فبع منك نفسا بالإله وكنه إذ   .....   تكون كما إن لم تكن وهو صارع

(187) ودع عنك أوصافا بها كنت عارفا   .....    لنفسك فيها للإله ودائع

(188) وشاهد بوصف الحقّ نفسك أنت هو   .....   ولا تلبسن للخلق ما أنت خالع

(189) وكن باليقين الحقّ للخلق جاحدا   .....    وجمعك صله إنّ فرقك قاطع

(190) ولا تنحصر بالاسم فالرّسم دارس   .....   ولا تفتقر للعين فالعين تابع

(191) وإيّاك جزما ، لا يهولك أمرها  .....     فما نالها إلا الشّجاع المقارع

(192) حنانيك واحذر من تأدّب جاهل   .....    فيا ربّ آداب لقوم قواطع

(193) وكن ناظرا في القلب صورة حسنه   ..... على هيئة المنقوش يظهر طابع

(194) فقد صحّ في متن الحديث : تخلّقوا   .....   بأخلاقه ، ما للحقيقة مانع

(195) فها هو سمع بل لسان أجل يد   .....   لنا هكذا بالنّقل أخبر شارع

(196) فعمّ قوانا والجوارح كونه   .....    لسانا وسمعا ثمّ رجلا تسارع

(197) ولسنا سوى هذي الجوارح والقوى   .....   هو الكلّ منّا ، ما لقولي دافع

(198) ويكفيك ما قد جاء في الخلق أنّه .....   على صورة الرحمن آدم واقع

(199) ولو لم يكن في وجه آدم نوره .....    لما سجد الأملاك وهي خواضع

(200) ولو شاهدت عين لإبليس وصفه.....    على آدم ، لم يعص وهو مطاوع

(201) ولكن جرى المقدور فهو على عمى   .....   عن العين إذ حالت هناك موانع

(202) فلا تك من إبليس في شبه ستره .....    ودع قيده العقليّ ، فالعقل رادع

(203) وغص في بحار الاتّحاد منزّها   .....   عن  المزج بالأغيار إن  أنت شاجع 

(204) وإيّاك  والتّنزيه  فهو  مقيّد   .....   وإيّاك  والتشبيه  فهو مخادع  

(205) وشبّهه في تنزيه سبحات قدسه.....   ونزّهه في تشبيه ما هو ضارع

(206) وقل هو ذا بل غيره وهو غير ما   .....   عرفت وعين العلم فالحقّ شائع

(207) فلا تك محجوبا برؤية حسّنه    .....  عن الذّات أنت الذّات أنت المجامع

(208) فعينك شاهدها بمحتد أصلها   .....   فإنّ عليها للجمال لوامع

(209) أنيّتك اللّاتي هي القصد والمنى   .....   بها الأمر مرموز وحسنك بارع

(210) ونفسك تحوي بالحقيقة كلّ ما   .....   أشرت بحدّ القول ، ما أنا خادع

(211) تهنّ بها واعرف حقيقتها فما   .....   كعرفانها شيء لذاتك نافع

(212) فحقّق وكن حقّا ، فأنت حقيقة   .....   بحقّك ، والمخلوق بالذّات جامع

(213) ووحّده في الأشياء فهو منزّه   .....   وخلف حجاب الكون للنّور ساطع

(214) ولا تطلبن فيه الدّليل فإنّه   .....   وراء كتاب العقل تلك الوقائع

(215) ولكن بإيمان وحسن تتبّع   .....   إذا قمت ، جاءتك الأمور توابع 

(216) فإن قيّدتك النفس فاطلق عنانها   .....   وسر معها حتّى تهون الوقائع

(217) وبرهن لها التّحقيق عقلا مؤيّدا   .....   بنقل ، به جاءت إليك الشّرائع

(218) وثمّ أصول في الطّريق لأهله   .....   وهنّ إلى سبل  النّجاة ذرائع

(219) تمسّك بها تنج ، وزن كلّ وارد   .....   بقسطاسها عدلا ، فثمّ قواطع

(220) ودع ما تراه مال عن خطّ عدلها   .....   إلى أن تفاجيك الشّموس الطّوالع

(221) فذاك سبيلي رده إن ترد العلا   .....   ولا تعد عنه ، تعتريك القواطع

(222) وإيّاك فاصبر لا تملّ ، فإنّما   .....   بصبر الفتى جاءت إليه المطامع 

(223) وهوّن على النّفس ارتكابا لهولها.....   فغير محبّ من دهته الفجائع

(224) ورد كلّ حوض للرّدى فيه مورد   .....   وردّ إذا ما العقل جاء يدافع

(225) وشمّر ببذل النّفس ساق عزيمة   .....   على قدم الإقدام ، فالعجز مانع

(226) ودع عنك علّ أو عسى ولربّما .....   وسوف ، إذا نوديت قمت تسارع

(227) فليس لنفس غير حالة وقتها    .....   وقد فات ماضيها وغاب مضارع

(228) وجدّد مع الأنفاس صدق إرادة   .....   وداوم على إقبال ما أنت تابع

(229) وجرّع حشاك السّمّ في طاعة الهوى ..... فما خاب من للسّم في الحب جارع 

(230) وعدّ على اللحظات أنفاسك التي   .....   على غفلات قد صدرن زوامع

(231) وغضّ عن الآلام جفن مطالع ،   .....   إلى تعب في الحبّ نفس تقارع 

(232) ولا تنتظر أيّام صحّتك الّتي   .....   تمنّيك نفس ، فالأماني خدائع 

(233) وسر فوق نيران الغرام مهرولا   .....   إليها ، ففي قصد السّلام مصارع

(234) فكلّ البلا إن خضته في بلائها   .....   هوانا  فللأسوآ عليك صنائع

 

شرح الأبيات :-


( 186 ) فبع منك نفسا بالإله وكنه إذ   .....   تكون كما إن لم تكن وهو صارع

المفردات :

فبع منك نفسا بالإله : اجعل وجودك خالصا للّه ، لا توجد لنفسك بل للحق فقط . وكنه : وكن هذا الوجود المخصوص الخالص للّه .

وهو صارع : يمعنى أن الحق عزّ وجلّ يصرع ويفني هويّة المخلوقات فتكون كأنها لم تكن.

المعنى :

الفناء في هذا البيت يطابق معناه معنى الفناء عند الجنيد ، شيخ الطائفة ، يرى الجنيد أن الإنسان يبلغ كمال وجوده حين يفنى ، أي حين يكون كما كان قبل أن يوجد في هذا العالم المشهود ، حين أخذ اللّه عزّ وجلّ الميثاق على بني آدم بقوله : ألست بربكم . فقالوا : بلى .

فالإنسان هنا في هذا المشهد أي في مشهد الميثاق هو فان ، وبالتالي غير موجود لنفسه وغير واع لوجوده ، بل هو موجود للّه فقط ، يسمع عنه ويجيبه .

والجيلي هنا يطلب من السالك أن يبيع نفسه ووجوده ، لأنها الثمن الوحيد لتجلي الوجود الإلهي فيه .

فالحق عزّ وجلّ عند الصوفية وعشاقهم لا يقبل شريكا يشاطره قلب محبّه وعاشقه وطالبه ، وهو لا يتجلّى تعالى في قلب يشغله غيره .

لذلك نظّر الصوفيون ودافعوا عن فكرة أن الإخلاص والوفاء للّه تكون بتخلية القلب عن كل شيء .

وهنا يدعو الجيلي السالك العاشق للّه ، إلى أن يبيع وجوده ، ويترك إحساسه به ، ولا يلتفت إلى أي شيء تتعلق به نفسه ، حتى يكون عبدا خالص العبودية للّه ؛ ومتى تخلّص قلب الإنسان من كل ما سوى اللّه ؛ تجلى اللّه عزّ وجلّ فيه وأفناه ، فأصبح كأنه غير موجود .

لأن الحق عزّ وجلّ إن تجلى على عبد يصرع هويته ويفنيها ، فيكون موجودا غير موجود.

 

( 187 ) ودع عنك أوصافا بها كنت عارفا   .....   لنفسك فيها للإله ودائع

المفردات :

عارفا لنفسك : أي عالما صفات نفسك ، وهنا يشير الجيلي بمفردعارفا “ إلى علم اليقين الذي لا اضطراب فيه عند الصوفية .

فيها للإله ودائع : أي أن هذه الأوصاف التي عرفت بها نفسك هي ودائع الحق في النفس .

المعنى :

أشار الجيلي في البيتين رقم ( 92 و 93 ) من هذه القصيدة إلى أن الحجر الأسود هبط من السماء ، وإلى أنه مستودع الأسرار وفيه للحق عزّ وجلّ ودائع ، كما أشار كذلك إلى أن الحجر وودائعه يوازيان النفس البشرية ولطيفتها .

فاللطيفة الإنسانية هي التي قبلت أمانة صورة الرحمن وتحلت بالأوصاف الإلهية ، وكان فيها ودائع للحق عزّ وجلّ .

والجيلي هنا يدعو السالك لأن يترك كل الأوصاف النفسية البشرية التي لوّنت لطيفته الإنسانية ، ليرى ما أودع اللّه فيها من جمال أوصافه تعالى .

 فاللطيفة الإنسانية فيها ودائع إلهية صفاتية ، يراها السالك إن أزال عن عين شهوده حجاب الصفات الخلقية .

 

( 188 ) وشاهد بوصف الحقّ نفسك أنت هو   .....   ولا تلبسن للخلق ما أنت خالع

المفردات :

وشاهد بوصف الحق : إشارة إلى مقام “ عين اليقين “ عند الصوفية

ويبلغه الإنسان عندما يشاهد عينا ما كان يعتقده يقينا في مرحلة سابقة ، مثلا يعلم كل إنسان يقينا - أي علما لا يتغير ولا يتحول - وجود الموت ومعناه ، ولكنه متى عاين ملائكة الموت وصل إلى عين اليقين .

ولا تلبسن للخلق : أي ولا تتزين أمام المخلوقات بصفات سبق أن خلعتها .

المعنى :

بعد أن نبّه الجيلي السالك ، في الأبيات السابقة ، إلى أن أوصافه الإنسانية هي حجاب على نفسه البشرية يمنعه من رؤية الودائع الإلهية المودعة فيها ؛ يدعوه هنا لأن يشهد بعين بصيرته مضمون هذا القول .

أي يدعوه لأن يشهد فناءه ، ويشهد أوصاف الحق فيه . وبعد أن يرى الإنسان فناءه ويخلع عن نفسه أوصافه البشرية ، ينصحه الجيلي بألا يتزين أمام المخلوقات بالصفات التي سبق أن خلعها للّه .

 

( 189 ) وكن باليقين الحقّ للخلق جاحدا   .....   وجمعك صله إنّ فرقك قاطع

المفردات :

باليقين الحق : إشارة إلى “ حق اليقين “ ، وهو عبارة صوفية تشير إلى مرتبة متقدمة من مراتب اليقين .

يجعل الصوفية اليقين على مراتب أربع هي علم وعين وحق ثم حقيقة .

فعلم اليقين هو الاعتقاد الذي لا يداخله شك ؛ وإذا شاهد الإنسان اعتقاده بالعين وصل إلى مرتبة عين اليقين .

وإذا تحقق بهذا الإعتقاد اليقيني وصل إلى مرتبة حق اليقين .

ونكمل المثل الذي أوردناه في البيت السابق فنقول ؛ متى عاين الإنسان ملائكة الموت وصل إلى عين اليقين ، ولكنه متى ذاق الموت فيكون قد وصل إلى حق اليقين . جاحدا : منكرا . جمعك صله : داوم على حال الجمع ، وحال الجمع هو رؤية الحق دون النظر إلى الخلق [ را . شروحات البيت رقم 2 ] .

إن فرقك : إن إقامتك في حال الفرق ، وهو رؤية المخلوقات [ را . شروحات البيت رقم 2 ] . قاطع : يقطع عن الحق .

المعنى :

ينصح الجيلي هنا السالك بأن يتذّوق عدم المخلوقات جميعا ، وأن يواصل رؤيته للحق عزّ وجلّ فقط ؛ لأن رؤية المخلوقات تقطع عن الحق .

 

  ( 190 )ولا تنحصر بالاسم فالرّسم دارس   .....   ولا تفتقر للعين فالعين تابع

المفردات :

فالرسم : الأثر ، الهيئة . دارس : زائل ، فان . ولا تفتقر للعين : ولا تتبع العين ، ولا تطلب العين .

المعنى :

ينصح الجيلي هنا السالك بألا يحصره اسم المخلوقات ، أو يشغله رسمها ، أي هيئتها ومظهرها ، لأن الهيئة فانية زائلة . . . بل يذهب إلى أبعد من ذلك ، وينصحه بألا يلتفت أيضا إلى عين المخلوقات بعد أن يترك اسمها ورسمها ؛ لأن عينها تابعة في الواقع للاسم والرسم في الفناء.

 

 ( 191 )وإيّاك جزما ، لا يهولك أمرها   .....   فما نالها إلا الشّجاع المقارع

المفردات :

وإيّاك جزما : حضّ على الجزم والحزم . لا يهولك : لا يخيفك .

أمرها : أمر المرتبة الأخيرة من اليقين ، أي حق اليقين . المقارع : المقاتل ، المقدام .

المعنى :

يخاطب الجيلي السالك قائلا ، إياك أن تتهيّب من عظمة ما تطلب ، اطلب الفناء في الحق ، واطلب تذوق فناء المخلوقات ، فلا ينال هذه المراتب إلا كل مقدام شديد شجاع .

 

( 192 ) حنانيك واحذر من تأدّب جاهل   .....   فيا ربّ آداب لقوم قواطع

المفردات :

حنانيك : دعاء بمعنى ، رحمك اللّه . تأدب جاهل : الأدب هو مجموعه السلوكيات المتعارف عليها بين قوم ، وللصوفية آداب في كل فعل وترك ، في السفر والحضر ، وفي الحياة والموت ، في العزلة والخلطة .

وهنا يحذّر الجيلي من إتّباع جهلة الصوفية المقلدين ، بل يحث على أدب ينبع من التجربة الذاتية ويكون سبيل ترق عرفاني .

قواطع : تقطع عليهم طريق الحق.

المعنى :

يحذّر الجيلي السالك قائلا ؛ رحمك اللّه ، إيّاك أن تتأدب بما تسمعه من أقوال أو بما تقرأه في الكتب ، بل أعبد اللّه عزّ وجلّ وأطلب اليقين فيه من ذاتك وليس تقليدا.

ولا تخف من طلب أعلى درجات اليقين في اللّه ، بل لا تخف من طلب أعلى درجات القرب ، وإياك أن تتبّع قوما من قواعدهم السلوكية أن يتأدب السالك في طلبه للّه ولا يطلب شيئا .

إذ كثير ما قطع هذا التأدب الجاهل على السالك طريقه إلى معرفة اللّه وإلى القرب الإلهي .

 

( 193 ) وكن ناظرا في القلب صورة حسنه  .....  على هيئة المنقوش يظهر طابع

المفردات :

في القلب : إشارة إلى الحديث الشريف : “ ما وسعني سماواتي ولا أرضي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن “ .

المعنى :

يطلب الجيلي من السالك هنا أن يداوم النظر إلى قلبه ، لأن القلب هو الذي وسع صورة الحسن الإلهي .

ويستعير الجيلي هنا صورة الطابع والمطبوع ، فالقلب أشبه بمطبوع تنتقش فيه صورة الحسن الإلهي ، فإذا نظرت أيها الطالب إلى قلبك عرفت مقام ربّك .

 

( 194 ) فقد صحّ في متن الحديث : “ تخلّقوا   .....   بأخلاقه “ ما للحقيقة مانع

المفردات :

ما للحقيقة مانع : لا شيء يمنع هذا التحقق .

المعنى :

جاء في متن الحديث الصحيح : “ تخلّقوا بأخلاق اللّه “ ، ولم يقم أي مانع شرعي أو عقلي يمنع من هذا التحقق .

 

( 195 ) فها هو سمع بل لسان اجل يد   .....   لنا ، هكذا بالنّقل أخبر شارع

المفردات :

فها هو : أي اللّه عزّ وجلّ . بالنقل : نقلا عن اللّه عزّ وجلّ . شارع : مشرّع ، صاحب الشريعة صلّى اللّه عليه وسلم .

المعنى :

يقول الجيلي ؛ ها هو الحق عزّ وجلّ سمع لنا ، نحن عبيده ، بل لسان لنا ، ويد لنا .

وهذه الأقوال لم أبتدعها على الحق عزّ وجلّ ، بل عرفتها نقلا عن صاحب الشريعة صلّى اللّه عليه وسلم حين أخبر عن ربه عزّ وجلّ في الحديث القدسي : “ ما تقرّب إليّ عبدي بشيء

أحبّ إليّ مما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها .

 

( 196 ) فعمّ قوانا والجوارح كونه   .....   لسانا وسمعا ثمّ رجلا تسارع

المفردات :

قوانا : ج . قوة وهي القدرة . الجوارح : الأعضاء . كونه : لكونه ، لأنه .

المعنى :

بعد أن أشار الجيلي في البيت السابق إلى حديث قرب النوافل الذي يبشّر اللّه سبحانه فيه من أحبّهم من عبيده بأنه لسانهم وسمعهم وبصرهم.

يخاطب السالك هنا ويساعده ليستنتج معه عقليا ، أنّه عندما يكون الحق عزّ وجلّ لسان العبد وبصره فهذا يعني أن اللّه عزّ وجلّ يعمّ كل أعضاء الإنسان الظاهرة وكل قواه الباطنة ، باختصار يعمّ الإنسان كلّه ظاهرا وباطنا .

 

( 197 ) ولسنا سوى هذي الجوارح والقوى   .....   هو الكلّ منّا ، ما لقولي دافع

المفردات :

دافع : منكر ، رافض .

المعنى :

بعد أن تقرر لدى الجيلي أن الحق عزّ وجلّ هو جوارح الإنسان وقواه ، يقول ؛ وهل نحن العبيد غير هذه الجوارح الظاهرة وهذه القوى الباطنة فيها ، فالحق عزّ وجلّ إذن هو الكل منا . ومن يتجرأ وينكر أقوالي هذه بعد أن سمع الحديث القدسي من الصادق الأمين .

 

( 198 ) ويكفيك ما قد جاء في الخلق أنّه   .....   على صورة الرحمن آدم واقع

المفردات :

في الخلق : في خلق آدم . إشارة إلى الحديث : “ خلق اللّه آدم على صورته “ .

المعنى :

يؤكد الجيلي في كل كتاباته على قيمة الإنسان في الكون ، وهنا بعد أن بيّن أن الحقّ عزّ وجلّ هو القائم في كل جوارح الإنسان وقواه .

يقول إن الإنسان خلق على صورة الرحمن ، بدلالة الحديث : “ خلق اللّه آدم على صورته.

 

( 199 )  ولو لم يكن في وجه آدم نوره   .....   لما سجد الأملاك وهي خواضع

المفردات :

نوره : نور الحق . الأملاك : الملائكة .

المعنى :

يقول الجيلي ؛ لو لم يظهر النور الإلهي في وجه آدم عليه السّلام ، لم تسجد الملائكة خضوعا للأمر الإلهي .

وهنا الإشارة إلى سجود الملائكة لآدم عليه السّلام

قال تعالى :فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ   .....   فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ[ الحجر : 29 و 30 ] .

 

( 200 ) ولو شاهدت عين لإبليس وصفه   .....   على آدم ، لم يعص وهو مطاوع

المفردات :

وصفه : وصف الحق عزّ وجلّ .

المعنى :

يتابع الجيلي تبيين الأسرار المخزونة في قصة خلق آدم ، فيقول ؛ لو شاهد إبليس وصف الحقّ على آدم عليه السّلام ، لسجد وأطاع الأمر الإلهي ، ولكنه انحجب عن هذه الرؤية بصورة نفسه وانيّته ،

فقال : أنا خير منه . . . وهذا الإنحجاب بالنفس أوصله إلى معصية ربّه عزّ وجلّ .

 

(201) ولكن جرى المقدور فهو على عمى   ..... عن العين إذ حالت هناك موانع

المفردات :

عن العين : عن عين الحق ، عن ذات الحق . موانع : حجب منعت الرؤية ، والمقصود هنا صورة آدم .

المعنى :

يتابع الجيلي سياق قصة آدم وإبليس ويبين للسالك خطر الإنحجاب بالصور ،

فيقول ؛ ولكن ما كان مقدّرا على إبليس من معصية فقد جرى ووقع ، وها هو قد حجب عن رؤية نور الحق في آدم لأنه نظر إلى صورته الظاهرة ، إذ قامت صورة آدم حجابا منع إبليس من رؤية حقيقته أي من رؤية نور الحق المتجلي فيه .


( 202 ) فلا تك من إبليس في شبه ستره   .....   ودع قيده العقليّ ، فالعقل رادع

المفردات :

في شبه : شبيها له . ستره : ما حجب عنه من معرفة الحق . قيده العقلي : إشارة إلى القياس العقلي الوارد في الآية الكريمة :قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[ الأعراف : 12 ].

رادع : مانع من معرفة الحقيقة .

المعنى :

يحذر الجيلي السالك قائلا ؛ إياك أن تشابه إبليس في انحجابه بصورة نفسه عن رؤية الحق .

ودع قياس العقل ، فها هو إبليس حين انقاد للقياس العقلي منع ، وقطع به ، وطرد من القرب .

 

( 203 ) وغص في بحار الاتّحاد منزّها   .....   عن المزج بالأغيار إن أنت شاجع

المفردات :

الاتحاد : شهود الواحد المطلق ، ويعرّفه الكشخانوي في [ جامع الأصول ص 54 ] بقوله : هو “ شهود الوجود الحق الواحد المطلق ، الذي الكل أي الوجود بكامله  موجود بالحق ، فيتحد به الكل من حيث كونه موجودا به معدوما بنفسه ، لا من حيث أن له أي للإنسان وجودا خاصا اتحد به أي باللّه عزّ وجلّ ، فإنه أي اتحاد الإنسان باللّه محال “ .

بالأغيار : بكل ما سوى اللّه عزّ وجلّ . شاجع : شجاع .

المعنى :

يشجّع الجيلي السالك على الفناء في التوحيد فيقول له ؛ غص في بحار شهود الواحد المطلق ، ولا تنظر إلى غير ، بل نزّه الحقّ عزّ وجلّ عن مزج بالكائنات ، فما ثمة غير في الوجود .

وفي الأبيات اللاحقة سوف يظهر تباعا علم التوحيد كما كشف عنه أفراد الصوفية .

 

( 204 ) وإيّاك والتّنزية فهو مقيّد   .....   وإيّاك والتشبيه فهو مخادع

المفردات :

وإياك والتنزيه : إحذر أن تقيد الحق عزّ وجلّ بالتنزيه المطلق فتكون من المعطلة . مقيد : ملزم بمعنى أن التنزيه يقيدنا بوجه واحد نضطر معه إلى التأويل فيما بقي من وجوه .

وإياك والتشبيه : احذر أن تقيد الحق بما ورد من صفات تقتضي تشبيهه


 

عزّ وجلّ بالكائنات ، فتكون من فرقة المشبهة أو الصفاتية .

مخادع : مضلّ .

المعنى :

يحذّر الجيلي السالك هنا من تشبيه دون تنزيه أو تنزيه دون تشبيه فيقول ؛ إياك أن تقيّد معرفتك للحق عزّ وجلّ بالتنزيه فتعطّل الصفات وتحرم بالتالي من معرفتها . . . وإياك أيضا أن تتصوّر تشبيهه عزّ وجلّ بالكائنات فتضلّ طريقك إلى معرفته تعالى .

 

( 205 ) وشبّهه في تنزيه سبحات قدسه   .....   ونزّهه في تشبيه ما هو ضارع

المفردات :

ضارع : مماثل ، مشابه . ونزهه في تشبيه ما هو ضارع : إذا تخايل لك مماثل له تعالى فسارع إلى التنزيه وقل : ليس كمثله شيء .

المعنى :

يعلّم الجيلي السالك عقيدته في التنزيه والتشبيه فيقول ؛ إيّاك أن تتقيّد بالتنزيه وحده أو بالتشبيه وحده ، بل شبّهه في تنزيه سبحات وجهه ، ونزّهه إذا ما تسارع خاطرك إلى تشبيهه بالكائنات .

فمعرفة الحق عزّ وجلّ لا تكمل إلا بتنزيه في تشبيه ، وتشبيه في تنزيه .

 

( 206 ) وقل هو ذا بل غيره وهو غير ما  .....  عرفت وعين العلم فالحقّ شائع

المفردات :

وعين العلم : وعين ما علمت .

المعنى :

يتابع الجيلي تعليمه للسالك العقيدة الحقة في اللّه عزّ وجلّ ، فيقول ؛ أيها المشاهد للوجود الواحد المطلق ، إياك أن تتقّيد بتنزيه أو بتشبيه ، وإياك أن تتقّيد بعرفان أو بجهل ، بل قل : الحق هو ما أشاهد ، وهو كذلك غير كل ما أشاهد .

الحق هو غير كل ما عرفت ، وهو كذلك عين كل ما عرفت . . . وسبحان من جعل معرفته في العجز عن معرفته .

 

(207) فلا تك محجوبا برؤية حسّنه   .....   عن الذّات أنت الذّات أنت المجامع

المفردات :

فلا تك . . . عن الذات : عن رؤية الذات .

المعنى :

يتابع الجيلي تفصيل عقيدته فيقول ؛ شاع حسن الحق عزّ وجلّ في الكائنات، ولكن لا تنحجب أيها المشاهد برؤية هذا الحسن الظاهر في الوجود وتقنع به، ولا تطلب معرفة الذات الإلهية المنزهة .

وإذا نظرت إلى نفسك أيها الإنسان تجد أنك جمعت في كونك الصورتين : الحق والخلق .

 

( 208 ) فعينك شاهدها بمحتد أصلها   .....   فإنّ عليها للجمال لوامع

المفردات :

بمحتد : بمصدر ، بأصل . لوامع : أدلة على الجمال ظاهرة تلتمع .

المعنى :

يدعو الجيلي الإنسان إلى النظر في ذاته بعد أن تجوّل معه في الكون ، ويقول ؛ انظر أيها المشاهد إلى ذاتك .

وشاهدها على أنها صنيعة الخالق ، عندها ستلتمع عليها شواهد الحق تنطق بأن جمالك المقيّد هو لمعة من الجمال الإلهي المطلق .

 

( 209 ) أنيّتك اللّاتي هي القصد والمنى   .....   بها الأمر مرموز وحسنك بارع

المفردات :

أنيتك : الأنيّة مشتقة من قولنا “ أنا “ ، وأنيّة الإنسان تعني وجوده المتعيّن الواقع الذي يميزه عن غيره . مرموز : خفي . بارع : ظاهر .

المعنى :

يخاطب الجيلي المشاهد السالك منبها إياه إلى حقيقة أنيته قائلا ؛ إن أنيتك هي سرّ إلهي ، خفي فيه صنع الخالق عزّ وجلّ ، وظهر فيه حسنك ووجودك المقيد .

 

( 210 ) ونفسك تحوي بالحقيقة ، كلّ ما   .....   أشرت بحدّ القول ، ما أنا خادع

المعنى :

يكمل الجيلي تعليمه للسالك فيقول ؛ إن نفسك تحوي كل ما بينته لك فيما سبق ، فالحق عزّ وجلّ يعمّ جوارحك وقواك ، وأنت على صورة الرحمن ، وفيك تجلّى الحسن والصنع الإلهي .

وأنا هنا أقول لك الحق ، ولا أخدعك.

 

( 211 )  تهنّ بها واعرف حقيقتها فما   .....   كعرفانها شيء لذاتك نافع

المفردات :

كعرفانها : كمعرفتها .

المعنى :

يدعو الجيلي هنا السالك لأن يتنعم بمعرفة ذاته ، فيقول له : تهنّ بنفسك ، وانتفع بمعرفتك أنّك على صورة الرحمن ، وأن الحقّ يعمّ قواك وجوارحك ، وأنك تجلي الحسن الإلهي .

 

( 212 ) فحقّق وكن حقا فأنت حقيقة   .....   بحقّك ، والمخلوق بالذّات جامع

المفردات :

فحقق : تحقّق بكل ما تعرف عن حقيقة نفسك . وكن حقا : فأنت حق إذا تحققت ، وهنا نلمس رؤية الجيلي الخاصة التي تقول ؛ بأن الإنسان خلق ولكنه يكتسب صفات الحق ، ويصبح حقا بقدر تحققه بالصفات الحقيّة .

فأنت حقيقية بحقك : فأنت أيها الإنسان تصبح حقيقة موجودة إذا حصّلت الصفات الحقية .

والمخلوق بالذات جامع : ذات المخلوق تجمع صفات الحق والخلق .\

المعنى :

يتابع الجيلي تعاليمه للسالك المشاهد فيقول ؛ تحقّق بكل ما عرفته عن حقيقة نفسك . فالإنسان ، وكل مخلوق ، هو خيال لا وجود حقيقي له ، ولكنه متى تحقّق بالصفات الإلهية يصبح حقيقة موجودة .

واعلم ، أن ذات المخلوق تجمع في استعدادها بين صفات الحق وبين صفات الخلق ، وأنّ الإنسان كلما ارتفع باتجاه التحقق بصفات الحق يصبح حقا ، وكلما انحدر باتجاه التحقق بصفات الخلق يظل خيالا ووهما .

 

( 213 ) ووحده في الأشياء فهو منزّه   .....   وخلف حجاب الكون للنّور ساطع

المفردات :

حجاب الكون : كون الأشياء هو الحجاب على النور الإلهي . للنور ساطع : للنور سطوع ، أي انتشار وظهور .

المعنى :

يتابع الجيلي تعاليمه العقائدية ، فيقول للسالك ؛ إذا نظرت إلى كثرة الأشياء لا تنحجب بها ووحّد اللّه عزّ وجلّ فيها ، لأنه منزّه عن الشريك في الوجود .

ولا تحجبك صور الأكوان ، فخلف حجاب الأكوان يسطع النور الإلهي .

 

( 214 ) ولا تطلبن فيه الدّليل فإنّه   .....   وراء كتاب العقل تلك الوقائع

المفردات :

فيه : في سطوع النور الإلهي خلف حجاب الكون .

المعنى :

يكمل الجيلي تعاليمه لطالب الجمال الإلهي فيقول ؛ لا تطلب الدليل على ظهور النور الإلهي في الأشياء ، فهذا الشهود هو مما لا يستطيع العقل أن يتصوره أو يحدّه .

 

( 215 ) ولكن بإيمان وحسن تتبّع   .....   إذا قمت ، جاءتك الأمور توابع

المفردات :

وحسن تتبع : تتبع للنبي صلّى اللّه عليه وسلم . إذا قمت : إذا قمت بحقوق الإيمان والاتباع . توابع : متتابعة .

المعنى :

الجيلي هنا يدلّ السالك على طريق اليقين ، بعد أن حذره من طريق الأدلة العقلية . فيقول ؛ إنّ شهود النور الإلهي في الأشياء يتجلى تباعا لناظريك ، إذا تمكنت في إيمانك ، وأحسنت اتّباعك للنبي صلّى اللّه عليه وسلم .

 

( 216 ) فإن قيّدتك النفس فاطلق عنانها   .....   وسر معها حتّى تهون الوقائع

المفردات :

فاطلق عنانها : حررها من قيودها ، وهي الشهوات والرغبات والأهواء . الوقائع : الأقدار ، البلاء .

المعنى :

يبدأ الجيلي ببيان طريق السلوك الصوفي للسالك فيقول ؛ إن قيّدتك النفس بالشهوات والرغبات والأهواء ، وحجبتك عن شهود الواحد المتجلي في الأكوان ، فحررها من هذه القيود كلها ، وسر معها إلى الحق فلا بدّ من أن يهون البلاء تباعا .

 

( 217 ) وبرهن لها التّحقيق عقلا مؤيّدا   .....   بنقل ، به جاءت إليك الشّرائع

المفردات :

وبرهن لها : وبرهن للنفس . والبرهان هو أن تساعدها بأنواع البيان حتى ترى ،

قال تعالى عن يوسف عليه السّلام :لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ[ يوسف : 24 ] .

التحقيق : أن يتحقق الإنسان بالصفات الإلهية . عقلا مؤيدا بنقل : برهانا عقليا تؤيده بما تنقله من آيات كريمة وأحاديث شريفة .

المعنى :

يتابع الجيلي نصائحه للسالك ويعلمه أسرار معاملة النفس قائلا ؛ إثبت لنفسك أهمية التحقق بالصفات الإلهية ومفارقة الصفات الخلقية ، واستخدم لإقناعها سبيل البرهان العقلي الذي يدعمه النص الشرعي .

  

( 218 ) وثمّ أصول في الطّريق لأهله   .....   وهنّ إلى سبل النّجاة ذرائع

المفردات :

لأهله : لأهل الطريق الصوفي . وهن : هذه الأصول . ذرائع : ج . ذريعة بمعنى وسيلة .

المعنى :

يكمل الجيلي تعليم السالك أصول الطريق ، فيقول ؛ وإذا اقتنعت نفسك بضرورة التحقق بالصفات الإلهية ، فاعلم أن أهل الطريق إلى اللّه عزّ وجلّ قد وضعوا أصولا ومناهج اختطت سبل النجاة .

 

( 219 ) تمسّك بها تنج ، وزن كلّ وارد   .....   بقسطاسها عدلا ، فثمّ قواطع

المفردات :

بها : بهذه الأصول . وارد : كل ما يرد على قلب السالك من خواطر وإلهامات ومعان . بقسطاسها : بقسطاس أو بميزان هذه الأصول .

عدلا : الوزن العدل هو الذي لا زيادة فيه ولا نقصان .

قواطع : ج . قاطع . وهو ما يقطع على السالك طريق الحق عزّ وجلّ .

المعنى :

إن كل ما يرد على قلب الصوفي من إلهامات ومشاهدات ومعان ، معرّض لمداخلة الوهم والخيال والشيطان .

وهذه قواطع تحرم السالك من الوصول ، لذلك ينصح الجيلي السالك بأن يزن كلّ وارد بميزان عدل ، هو أصول الطريق الصوفي .

وأهم أصول الطريق الصوفي تنحصر في محورين هما الكتاب والسنة ، ثم ضبط الأوقات وترك الرخص واتهام النفس .

 إلى غير ذلك من أصول

تختلف من طريق صوفي إلى آخر ، ولكن الطرق كلها تجمع على جعل “ الكتاب والسنةأصلا أولا .

 

( 220 ) ودع ما تراه مال عن خطّ عدلها   .....   إلى أن تفاجيك الشّموس الطّوالع

المفردات :

عدلها : استقامتها ، أي استقامة أصول الطريق .

المعنى :

يتابع الجيلي تعليم السالك أصول الطريق ، يقول ؛ دع كل وارد يخرجك عن استقامة أصول الطريق الصوفي ؛ وانتظر في الإستقامة حتى تأتيك الفتوحات والمشاهدات ، جلية غير ممزوجة بخفاء ، كأنها شموس طوالع ؛ ويلمع لك نور الحق في الكائنات قاهرا لكل الصور .

 

( 221 ) فذاك سبيلي رده إن ترد العلا   .....   ولا تعد عنه ، تعتريك القواطع

المفردات :

رده : فعل أمر من ورد ، بمعنى إسلكه واتبعه . إن ترد العلا : إن كنت تريد الرفعة وتطلبها . ولا تعد عنه : بمعنى إياك أن تحيد عنه . تعتريك القواطع : تعترضك الموانع .

المعنى :

من البيت رقم ( 215 ) إلى هذا البيت أي إلى رقم ( 221 ) يجمل الجيلي أصول طريقه الصوفي للسالك وتتلخص :

بإيمان يقيني ، وبحسن اتباع للنبي صلّى اللّه عليه وسلم ، وبمجاهدة النفس والهوى ، وبوزن الواردات بميزان الأصول ، ثم بانتظار الفتح والتجلي .

 ثم هنا يقول الجيلي للسالك ، ها قد بينت لك معالم طريقي في السلوك إلى الحق عزّ وجلّ ، فاسلكه إن كنت تطلب الرفعة والعلا ، وإياك أن تحيد عنه فتعترضك قواطع تمنعك من الوصول.

 

( 222 ) وإيّاك فاصبر لا تملّ فإنّما   .....   بصبر الفتى جاءت إليه المطامع

المفردات :

وإياك فاصبر : يحذره من الملل ، ويطلب منه الصبر . جاءت إليه المطامع : نال مراده .

المعنى :

إن الوصول إلى شهود الواحد عزّ وجلّ مطلب عزيز ، وقد يقع في زمن قصير وقد يطول دونه الزمان ، وذلك لإعتبارات متعددة كاستعداد السالك وقوة مجاهداته ، وحظه من الوصول .

لذلك يحذّر الجيلي هنا السالك من الملل ، وينصحه بالصبر والمتابعة ، حتى ينال مراده . . . والصبر من مقامات السالكين.

 

( 223 )  وهوّن على النّفس ارتكابا لهولها   .....   فغير محبّ من دهته الفجائع

المفردات :

لهولها : لمطالبها . دهته : أفقدته صوابه . الفجائع : ج . فجيعة ، وهي المصيبة .

المعنى :

يتابع الجيلي تعاليمه الصوفية للسالك فيقول ؛ وهوّن على نفسك كل ما تعانيه من وقع المصائب والبلاء حتى لا تسقطك عن شروط المحبة ، لأنه غير محبّ من أخافه البلاء وأبعده عن طريق محبوبه .

والمحبة أصل من أصول الصوفية ، وعليه يبنى كل حال ومقام .

 

( 224 ) ورد كلّ حوض للرّدى فيه مورد   .....   وردّ إذا ما العقل جاء يدافع

المفردات :

ورِد : واقصد . للردى : للموت . ورُدّ : وارفض ، وادفع بالحجة .

جاء يدافع : أي جاء يمنعك من أن تقصد موارد الردى .

المعنى :

يشجّع الجيلي السالك قائلا ؛ وسارع إلى كل مقام يجرّعك الموت ، وإذا قام العقل عندك يدافع عن النفس وموتها ، فادفع عنك حججه وتابع مجاهداتك .

 

( 225 ) وشمّر ببذل النّفس ساق عزيمة   .....   على قدم الإقدام ، فالعجز مانع

المفردات :

فالعجز مانع : إن الإحساس بالعجز يمنع الإنسان من الإقدام ، وبالتالي من الوصول .

المعنى :

يتابع الجيلي تشجيعه للسالك على اقتحام الطريق ، فيقول ؛ واعزم عزما أكيدا على بذل نفسك ، وأقدم على هذا البذل ، واقتحم مقامات موت النفس ؛

وإياك أن يداخلك إحساس بالعجز ، لأن العجز يطفئ وميض الهمّة ويقعد الإنسان عن الإقدام والوصول .


( 226 ) ودع عنك علّ أو عسى ولربّما   .....   وسوف ، إذا نوديت قمت تسارع

المفردات :

ودع عنك عل أو عسى ولربما وسوف : اترك كل التعليلات التي تبرر بها لنفسك أن تتخلف أو تتكاسل أو تتخاذل .

قمت تسارع : أي سارع بالقيام للإجابة .

المعنى :

يطلب الجيلي من السالك ، أن يسارع في الإجابة إذا ناداه الحق عزّ وجلّ ، ويترك كل التعليلات الداعية إلى الكسل والتخلف ، فلا يقول مثلا : علّ الغد يكون أكثر اتساعا ، وعسى صحتي أن تعينني غدا بشكل أفضل وهكذا.

 

( 227 ) فليس لنفس غير حالة وقتها   .....   وقد فات ماضيها وغاب مضارع

المفردات :

غير حالة وقتها : إشارة إلى الحال الحاضر .

وقد اهتم المتصوفون كثيرا بالوقت ، وهو عندهم الحال الحاكم على الإنسان ، وأقاموا علاقة بين الإنسان وبين أحكام الوقت ، فلكل وقت آداب وعمل ، والصوفي الصادق هو الذي يقوم بحق الأوقات ويكون بالتالي : ابن وقته .

وغاب مضارع : فالمستقبل غائب وغيب .

المعنى :

ينبّه الجيلي السالك إلى أهمية الوقت ، فيقول ؛ لا تعلل النفس بالغد وعمل الغد ، فليس للنفس إلا حالها الراهن ، لأن المستقبل غيب في علم اللّه وقد لا يأتي أبدا . ويخاف الصوفي كثيرا من فوت الوقت ، ولا يؤجل عبادة خوف أن يدركه أجل الموت فيرحل عن الدنيا مقصّرا .

 

( 228 ) وجدّد مع الأنفاس صدق إرادة   .....   وداوم على إقبال ما أنت تابع

المفردات :

وداوم على إقبال : استمر في التقدم لا تتراجع . ما أنت تابع : ما أنت متّبع ، الطريق الذي تتبعه .

المعنى :

يطالب الجيلي هنا السالك ، بأن يراقب إرادته ويتحرّى صدقها مع كل نفس من أنفاسه ، وبأن يداوم على تقدمه في طريق المجاهدات ومنازلة المقامات التي تمكّنه من قتل أهواء نفسه ونوازعها .

 والمراقبة مع الأنفاس والصدق في الإرادة هما من مقامات الصوفية .

 

(229) وجرّع حشاك السّمّ في طاعة الهوى  .... فما خاب من للسّم في الحب جارع

المفردات :

جارع : متجرع ، شارب .

المعنى :

إن للحبّ شروطا ولوازم ، أهمها أن المحب للحبيب مطيع ، وفي مرتبة أعلى ليس للمحبّ مع المحبوب إرادة ، ثم يرقى المحبّ في حبّه حتى لا يبقى له مع المحبوب وجود .

والجيلي هنا ينصح السالك بأن يجرّع نفسه السم إذا تجرأت وطالبت بوجود لها مع المحبوب .

 وما خاب من تجرّع السم في حبّه لمحبوبه .

والسمّ رمز لكل المذاقات القاتلة التي يتجرعها العاشق في هوى معشوقه .

 

( 230 ) وعدّ على اللحظات أنفاسك التي   .....   على غفلات قد صدرن زوامع

المفردات :

عدّ على اللحظات أنفاسك : أي راقب أنفاسك وعدّدها نفسا نفسا ، لحظة بلحظة ، فلا يصدر أحدها على غفلة ، وقد قال المتصوفون بأن عدّ الأنفاس مع اللّه سبحانه وتعالى هو أفضل العبادات . [ را . الرسالة القشيرية 1 / 262 ] .

صدرن زوامع : زمع بمعنى أسرع ، وهنا المراد بالضمير الأنفاس التي تصدر مسرعة ، وعلى عجل .

المعنى :

يتابع الجيلي تعليم السالك أصول المجاهدة ، فيقول ؛ انتبه إلى أنفاسك ، راقبها ، وعدّها نفسا نفسا ، ولحظة بلحظة ، وإيّاك أن يصدر منك على عجل نفس ، وأنت في حال غفلة عن اللّه عزّ وجلّ .

 

( 231 ) وغضّ عن الآلام جفن مطالع ،   .....   إلى تعب في الحبّ نفس تقارع

المفردات :

وغضّ عن الآلام جفن مطالع : أي لا تنظر إلى الآلام .

المعنى :

ينصح الجيلي السالك بأن يغضّ طرفه ولا ينظر إلى ما يعانيه من الآلام ، لأنّ النفس إن أحبّت حقا وصدقا تقدّمت لمنازلة ألوان المتاعب والبلاءات ، غير ملتفة إلى ما يصيبها من آلام .


( 232 ) ولا تنتظر أيّام صحّتك التي   .....   تمنّيك نفس ، فالأماني خدائع

المفردات :

أيام صحتك : الصحة هنا تشمل كل أنواع النعم من غنى وعافية وجاه ووقت .

التي تمنيك نفس : التي تعدك نفسك بقدومها .

خدائع : ج . خديعة .

المعنى :

ينبه الجيلي السالك إلى خدع النفس ويقول ؛ تعدك نفسك وتمنّيك بقدوم أيام النعم ، من غنى أو عافية أو وقت ولكن إيّاك أن تصدّق أماني النفس ، وأن تنساق إلى غفلة على أمل صحو الغد .

لأن هذه الأماني هي خدائع من النفس ، حتى تتمكّن من نوال شهواتها وتفرّ من محوها وموتها .

 

( 233 ) وسر فوق نيران الغرام مهرولا   .....   إليها ، ففي قصد السّلام مصارع

المفردات :

نيران الغرام : نار العشق الإلهي . إليها : إلى الحضرة الإلهية . قصد السلام : طلب النجاة والسلامة من نار الغرام . مصارع : مقاتل .

المعنى :

يشجع الجيلي السالك على الإقدام قائلا ؛ إسع بل هرول إلى الحضرة الإلهية ، وسر فوق نيران عشقك .

وإياك أن تطلب السلامة من نار العشق ، بل احترق بها ، فالموت عشقا هو الحياة وطلب السلامة هو الموت الحقيقي

 

 ( 234 ) فكلّ البلا إن خضته في بلائها   .....   هوانا ، فللأسوآ عليك صنائع

المفردات :

إن خضته في بلائها : إن أقدمت عليه من أجلها . هوانا : هينا .

فللأسوأ : الأسوآ . ج . سوء . صنائع : ج . صنيعة ، أي فضل ومعروف .

المعنى :

يوضّح الجيلي للسالك دور البلاء أو المصيبة في الترقي والسلوك ، فيقول ؛ كل بلاء إن أقدمت عليه من أجل محبوبك ، ونظرك يتبع محبوبك ، يهون عليك .

بل كل بلاء أو كل سوء يصيبك له عليك فضل ومعروف ، لأنه سيتيح لك فرصة أن تشكر اللّه أو أن تصبر ، وفي كلا الحالتين أنت تبرهن على صدق محبتك للّه عزّ وجلّ .

 فالبلاء إذن هو الموقف الذي تبيّن فيه صدق محبتك .

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: