الجمعة، 19 يونيو 2020

الباب الثالث عشر في سياسة القوّاد والأجناد ومراتبهم .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب الثالث عشر في سياسة القوّاد والأجناد ومراتبهم .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب الثالث عشر في سياسة القوّاد والأجناد ومراتبهم .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

الباب الثالث عشر في سياسة القوّاد والأجناد ومراتبهم


اعلم أيّها السيّد الكريم أنّ الأجناد هم الأعمدة الّتي يقوم عليها فسطاط الملك والأوتاد الّذين يمسكونه واعلم أنّ الملك بيت فلا بدّ له من أربعة أركان تمسكه وأنا أبيّنها لك إن شاء اللّه وهي أوصافك المحمودة وخلقك الرفيعة فلتصطف منهم أربعة خواصّ تدور عليهم أفلاك مملكتك ورحى سلطانك وما بقي من الأجناد فتحت أمر هؤلاء الأربعة فينحصر لك النظر فيهم وهم يدبّرون ملكك كلّ واحد بطائفة معلومة .

 

وإنّما جعلناها أربعة لأمرين الأمر الواحد أنّ الأربعة الأصل الثاني في البسائط العدديّة والبسائط أصل في تركيب الأعداد إلى ما لا يتناهى وذلك أنّ بسائط العدد من واحد إلى عشرة وليس في البسائط من يجمع العشرة إلّا الأربعة فإنّ الأربعة حقيقتها أربعة وفيها الثلاثة فكانت سبعة وفيها الثنتان فكانت تسعة وفيها الواحد فكانت عشرة وليس في العدد عدد يتضمّن العشرة غيرها .

 

فلهذا اصطفيناها لتضمّنها هذه الحكمة وحلّها قوى ما بقي بالقوّة فعلمنا أنّ الأربعة يقومون بالملك ولهذا كانت حملة العرش ثمانية .

كما قال تعالى وهم اليوم أربعة كذا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى لمّا وصف يوم القيامة "وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ. " فقال يومئذ يشير إلى يوم القيامة .

 

ووجدنا ملك هذا العالم الحيوانىّ وهو ملكك قد قام على أربع طبائع والعالم الكبير قد قام على أربعة عناصر وهذا باب الأربعين والأربع باب واسع يخرجنا إيراده لك عن المقصود في الفائدة.

 

وأمّا الأمر الآخر الّذي لأجله أمرناك أن تختصّ أربعة فلأنّ الجهات الّتي يدخل عليك الخلل منها ويفسد ملكك أربع جهات اليمين والشمال والخلف والأمام

فمن ثمّ يأتيك الخلل قال اللّه تعالى : " ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ " .

ولم يذكر أكثر ولا يصحّ فإنّه ما بقي إلّا اثنان الفوق والتحت فأمّا التحت فإليه يدعوك .

وأمّا الفوق فهو محلّ طريق التنزّل الإلهيّ فلا تقربه لئلا تهلك هو طريق القضاء والقدر اختصّ اللّه به فلا مدخل لمخلوق فيه .

فينبغي لك أيّها السيّد الكريم أن تنظر في هذه الجهات الأربع الّتي يدخل عليك الفساد منها وتجعل على كلّ جهة منها واحدا من هؤلاء الأربعة بأتباعهم وأجنادهم وهم يحمون الملك وتعيش هنيئا في عافية آمنا فإنّ عدوّك ختّار جبان لا يقوى على القتال وإنّما يطمع في الغدر .

 

فإذا جعلت المراقبة عطايا هؤلاء الأربعة صلح أمرك ومهما جاءك العدوّ من أيّ ناحية جاء وجد من يمنعه من الوصول إلى مراده فيك فلتجعل الخوف عن يمينك والرجاء عن شمالك والعلم من بين يديك والتفكّر من خلفك

فإذا جاء العدوّ عن يمينك وجد الخوف بأجناده فلا يستطيع معه دفاعا وكذلك ما بقي .

 

وإنّما رتبنا هذا الترتيب لأنّ العدوّ إنّما يأتي من هذه الجهات فخصّصنا الخوف باليمين وذلك أنّ اليمين موضع الجنّة والشمال موضع النار فإذا جاء العدوّ من قبل اليمين إنّما يأتي بالجنّة العاجلة وهي الشهوات واللذّات فيزيّنها لك ويحبّبها إليك فيعرض له الخوف فيدرأه عنها ولولاه لوقع فيها وبوقوعه يكون الهلاك في ملكك .

 

فلا يجب أن يكون الخوف إلّا في هذا الموضع ولا تستعمله في غيرها من الجهات فيقع اليأس والقنط .

 ومن الحكمة وضع الأشياء في مواضعها فالخوف للإنسان كالعدّة للجندىّ فلا يأخذها إلّا عند مباشرة العدوّ أو لتوقّى نزوله وإن أخذها في غير هذا الموطن سخر به وكان سخيفا جاهلا .

 

وإن أتاك العدوّ من جهة الشمال :

فإنّه لا يأتيك إلّا بالقنوط واليأس وسوء الظنّ باللّه وغلبة المقت ليوقع بك فتهلك  فيقوم لك الرجاء بحسن الظنّ باللّه عزّ وجلّ فيدفعه ويقمعه .

 

وكذلك إذا أتاك من بين يديك :

 أتاك بظاهر القول فأدّاك إلى التجسيم والتشبيه فيقوم لك العلم فيمنعه أن يصل إليك بهذا فتكون من الخاسرين

 

وكذلك إذا أتاك من خلفك :

 أتاك بشبه وأمور من جهة الخيالات الفاسدة فيقوم التفكّر فيدفعه فإنّك إن لم تتفكّر  وتبحث حتّى تعثر على أنّ تلك الأشياء شبهات وإلّا هلك ملكك

ولا سبيل للعدوّ في قتال هذه المدينة الّتي هي سلطانك إلّا من هذه الأربع جهات

فإذا رتّبت هؤلاء كما ذكرت لك امتنع بلدك واحتمى ولم يستطع العدوّ مدافعتهم فإن زدتّ ولا بدّ على هؤلاء فلا تزد على العشرة

 

يكونون في بساطك تلقى إليهم وإنّما جعلناها عشرة من أجل حفظ العقائد فإنّ الحدود عشرة الّتي هي رأس تنزيه الحقّ

وهي أمام وخلف ويمين وشمال وفوق وتحت وقبل وبعد وكلّ وبعض

فمن نزّه ربّه عن هذه الحدود الّتي مدار السلامة عليها وبقاء الملك في دار البقاء فقد نزّه ونال السعادة الأبديّة

 

فإن غرض العدوّ في هدم قاعدة من قواعدنا الّتي ذكرناها فاحذر واجعل تحت أيدي هؤلاء القوّاد من الأجناد ما تحتاج إليه وتخصّه بحدّ ما من هذه الحدود لكلّ حدّ أمير بأصحابه يقف عنده من أيّ بنقبائهم وعرفائهم فإذا جاء العدوّ سهل عليك المرام ونظرت من أيّ ناحية وصل فتدعو بالأمير الّذي في تلك الناحية وتأمره بالبروز فإنّه يكفيك همّه ،وهكذا في جميع النواحي.

 

فتحقّق أيّها السيّد الكريم ما رسمنا وحافظ على هذا الترتيب تسعد وتغتبط إن شاء اللّه تعالى وحده


.

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: