الأحد، 28 يونيو 2020

كتاب القربة .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب القربة .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

كتاب القربة .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي رضي الله عنه

كتاب القربة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه الحول والقوة

الحمد لله مخصص من شاء من عباده بخصائص علوم الإلهام والتجلي لهم في كل مشهد وموقف بحضرة الجلال والإكرام، والمسدي إليهم عوارف الآلاء ولطائف الأنعام، و مصرفهم في لطائف عوالم الأرواح و كثائف الأجسام بفنون التصرفات الإلهية وضروب الأحكام. ومقيمهم سبحانه على ما صرفهم فيه بين النقض والإبرام.

فأبرموا من الأمر ما كان منقوضا ما له من نظام، ونقضوا منه ما كان مبرما محكم الإبرام والالتحام، فصارت الكلمة عربية عرباء ذات سداد وقوام، بعدما كانت أعجمية خرساء ذات عوج ومیل ما له من قيام .

فقربت مأخذها على أهل البصائر والأفهام، وتسهل منها ما كان يتعسر عند الأفهام وانتقلت إلى مقام الإيضاح من مقام الإبهام، أكرم به من موقف عال وأعزز به من مقام مؤیدهم سبحانه في أحوالهم بالشواهد العزية القهرية القائمة الإعلام.

فهم المتبرزون المقامات المحمدية الجسام، المقول عليها بلسان القرآن "يا أهل يثرب لا مقام لكم" في صدر تشریف فارجعوا رحمكم الله إلى مناهج الإرشاد والإعلام فأنتم الملائكة البررة المشهودون في صور البشرية وأنتم السفرة الكرام.

وهم الطاهرون بنعوت العز الأحمي عند المبعوث بالتقريب والمخصوص بالكلام، المظهرون عيون الحقائق، وامتداد الرقائق بفنون دقائق المعارف في موارد العقول ومصادر الأوهام.

الأدباء عند نسبة الأفعال إلى حضرة العلي الخلاق العلام لما تقتضيه الأفعال من الممادح الوضعية و المذام.

فمنها ما هو خالص في باب الذم تام، كخرق السفينة فأردت أن أعيبها ولم يقل فأردت أن أخلصها، وإذا مرضت بتحكم سلطان الأوجاع والآلام، ومنها ما هو مشترك بما تعطيه قضية الإلزام.

کالمسألة المعروفة من قتل صاحب موسی علیهما السلام للغلام.

ومنها ما هو خالص للمدح كقوله:" فهو يشفين" [الشعراء: 80] .

وإقامة جدار کنز الأيتام، فهم المتنزهون البراء من تعدي الحدود الإلهية وارتكاب الآثام، الموصوفون بالغيرة على الإسرار فهم أهل السير والاكتتام، وهم الموسومون بالسطوة على الجبابرة العظام.

لما خصهم به سبحانه عند التجلي الذاتي بمنزل السلام، الموصوفة ذواتهم

في مقاصيرهم العزة فهن الحور المقصورات في الخيام، ولما كانوا على بينة من ربهم و تلاهم شاهد منهم رفعهم به إلى ما تعطيه واجبات الإحسانين الإيمان والإسلام.

وأيدهم بالقوة الإلهية فمكنهم من الستر على عيون الأنام بل على عيون الليالي والأيام، وإن كان قد خرج لهم التشريف بقدم محمدا صلى الله عليه وسلم دون سائر الإقدام.

فما منعهم عن ما ذكرنا من الهجوم والإقدام، لكن زادهم قوة إلى قوتهم في مواطن الإقحام والإحجام، فهم الأفراد الذين لا يعرفهم الأبدال ولا يشهدهم الأوتاد ولا يحكم عليهم الغوث والقطب والإمام وصلى الله على من هذه كلها بعض أنواره الساطعة المخصوص بالوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمحاميد المكتومة بالمقام المحمود وحالة الكمال والتمام، وعلى آله ما تاقت نفوس العلماء بالله وهم في قصورهم إلى الظل من الغمام، لا ما لاح نجم وناح حمام، فإنها حالة لها انقضاء وانصرام، وغرض العارفين ما يعطيه البقاء ويشهد له الدوام، وسلم تسليما كثيرة. .

أما بعد فإن الحقيقة العامة إذا تحكم سلطانها في العبد الكلي وبدت دلالاتها على شاهده وظهرت آیاتها وعجائبها على ظاهره شهد كل صديق من حيث صديقته بزندقته .

وكذلك الإمام صاحب النفوذ والأحكام، وذلك أنه أخذ من وجه الحق الذي منه ينظر إلى مبدعه وموجده .

ولذلك سموا أفرادا أي ليس لهم حكم العموم ولكن من هذا مقامه له قوة التستر عن أعين الخلق حتى لا يتسلط الخلق على فساد بنيته.

ومنهم من له هذا المقام ولكن أعطى من القوة من يحمله ولا تظهر أحكامه عليه كأبي بكر الصديق وغيره.

ولكن له مواطن يظهر فيها سلطان هذا المقام بحيث لا يشهد عليه لسان الإنكار إلا بغفلة ونسيان من المنكر ثم يرجع إلى حضوره مع علمه بهذا الموطن.

فيقوله بالحق وإن كان لا يعطيه شرعه كقصة موسى والخضر عليهما السلام .

و كقول عمر رضي الله عنه : «فما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق».

ومن هذا المقام قابل ومن هذا المقام حكم المجتهدين من علماء الإسلام إذا اجتهدوا يلوح لهم منه تجليات يعرفون بها الأحكام بتعريفها ولا يعرفونها فينسبونها إلى نظرهم بجهلهم بهذه المرتبة .

ثم إذا رأوها على من ليس بمجتهد وهو يحكم وقد أخذ ذلك بعينه من غير طريقة الاجتهاد المعلوم واختلفت الطريق واتحد الحكم أفتوا بقتله وشهدوا بزندقته

وقالوا: هذا لا يجوز ولا يحل ولو قيل لهم هذه الشروط التي وضعتموها للمجتهد في دين الله هل هي وضعكم أو نقلتموها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت عن وضعكم فلا كرامة لكم .

وإن کنتم نقلتموها عن الكتاب والسنة والإجماع على قول من يقول بها فهاتوا الدليل.

فإن قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كل مجتهد مصيب وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإذا أصاب فله أجران".

قلنا: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمهم مقالته لا غير ما اعترضنا عليكم

في المجتهد .

وإنما كلامنا في شروط المجتهد من نصبها لكم وسلمنا أن ما اشترطتموه في المجتهد.

فلنطالبكم بماذا حصرتم وجوه الاجتهاد في ذلك ثم نقول ذلك شروط المجتهد النقلي وللاجتهاد طريقة أخرى وهي تصفية النفس وتزكيتها وتحليتها بالحق الحميدة وتخلقها بالخلق الربانية وتهيؤها واستعدادها لقبول العلوم من الله .

فإذا صفى المحل بهذا النوع من التصفية لاح له علم الحق في مسألة من مسائل الأحكام مثل ما لاح للمجتهد عندكم فاختلف الطريقان واتحد الحكم فبأي وجه أخذتموه من الشافعي ولم تأخذوه مثلا من شيبان الراعي صاحبه .

والعلم الله ليس لكم وإنما لكم الاجتهاد والنظر ويخلق الله (العلم عنده) عقيبه إن كان في المعقولات والحكم إن كان في الظنيات .

كذلك صاحبنا له (الاجتهاد في) التصفية والتهيؤ بالفقر واللجأ إلى الله تعالی وصدق العزم في الأخذ وعدم الاتكال على قوته وحوله فيخلق الله العلم عنده عقيب هذا الفعل مثلكم.

فهل هذا إلا تعصب منكم قال به أحد من المجتهدين المتقدمين ولو انفرد به واحد منه ربما وجدتموه ثم إذا وجدتموه صار حقا عندكم بعدما كان باطلا وفسقا وما شهد لكم بعصمة ذلك الذي استندتم إليه وغايتكم أن تقولوا اجتهادنا أدانا إلى تصديق ذلك وتكذيب هذا وهو محل النزاع .

فالله يعفو عنا وعنكم ولقد ورد حديث مسند وإن لم يكن إسناده بذلك القائم أن النبي صلى الله عليه وسلم : أمر أن يجعل الحكم إذا لم يوجد له دليل شورى بین الصالحين فما حكموا به قبل.

ولكن لسنا ممن يتعرض للاحتجاج بمثل هذه الأخبار التي لم يتم إسنادها على ساق يقربه الخصم ولا بما يحتمل التأويل وشبه ذلك بل ما يعطي طريقنا مخاصمتكم .

وإنما أوردنا هذا تنبيها لغافلكم عسى ينصف ويرجع فإن الغالب علينا وما يعطيه حال هؤلاء الأفراد ترك التحكم في العالم بالصورة الظاهرة .

لكن لهم الهمم فإن المراد من القبول الذي يفتي المجتهد بقتله من كونه على حاله ويعطي لذلك في الشرع ولكن يمنع من قتله عزه وسلطانه .

فللمجتهد أن يفتي بقتله ولا يعظم عليه سلطانه وهذا أقوى ما عند علماء الرسوم وأصحابنا إذا أعطاهم وأرادهم بأن ذلك يجب قتله لم يمنعه منهم سلطانه ولا حصنه أحالوا عليه همتهم فعرض له عارض من ذاته أو من غيره فقتله .

فلا يحتاجون من هذا إلى الحكم بما ينكرونه عليهم ويسلمونه لكم، وإن تنبهتم فقد افدناكم وإلى طريق الحق أرشدناكم.

ولنرجع إلى أصحابنا ولنقل : يا أولياءنا وأصفیاءنا الأخفياء الأبرياء الغرباء الذين قصرت بهم الهمم عن هذه المراتب الفردانية أنصتوا وإذا أنصتم فلتسمعوا وإذا سمعتم فعوا وإذا وعيتم فاعملوا واتكلوا لعلكم تفلحون.

اعلموا أن كثيرا من أهل طريقنا كأبي حامد الغزالي وغيره تخيل أنه ليس بين الصديقية والرسالة مقام وأن من تخطى رقاب الصديقين وقع في النبوة وبابها مسدود عندنا دوننا .

فلا سبيل إلى تخطيهم لكن لنا المزاحمة معهم في صفهم هذا غايتنا، ولسنا نعني بالصديق أبا

 بكر ولا عمر ولا أحدا رضي الله عنهم 


فإن أبا بكر من جملة أحواله کونه صديقا وقد شاركه في هذا المقام غيره من الصديقين ولذلك قال تعالى: «أولئك هم الصديقون" [الحدید: 19] .

وقد فضل الصدیق بسر وقر في صدره أعطاه الله إياه وشهد له به رسول الله صلى الله عليه وسلم فعندنا بين الصديقية والرسالة مقام .

وهذا هو المقام الذي ذكرناه والذي أقول به أنه ليس بين أبي بكر رضي الله عنه وبين النبي صلى الله عليه وسلم رجل ولا نذكر الصديقية فأرفع الأولياء أبو بكر رضي الله عنه فاجتهدوا رضي الله عنكم في تحصيله وأنا انبهكم على العلامات التي تستدلون بها عليه.

وذلك أنكم إذا قمتم بشرائط الخلوة كما ذكرناها في كتاب الخلوة ورفعت لكم أعلام المشاهد وقطعتموها وشاهدتم وعاينتم وأطلعتم ونزهتم ووقفتم المواقف المقدسة وقلبتم العوارف العرفانية فأنتم من أهل الولاية العظمى والدائرة المحيطة الكبرى لا تتسلطوا في التحكم في العالم بالهمم أو بالصورة الظاهرة إن كانت لكم قوة سلطان أصلا لعلو المقام الذي أنتم عليه.

 فإن الله مستدرجكم فيه من حيث لا تعلمون وقد قال : " وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)" [الأعراف: 181 - 183].

ولم يقل من الدنيا فقد يملي لكم من هذه الصنف فإنه سبحانه يملى أنه يملى لكل طائفة من حيث ما تشتهيه وتتعشق به واستوى في ذلك أبناء الدنيا وأبناء الآخرة والاستدراج والمكر لهذه الطائفة أسرع وأنفذ من غيرهم من الطوائف .

فالله الله لا تنفذوا حكما ولا تتعدوا حدا من الحدود المعلومة عند أهل الرسوم وإن اختلفوا في ذلك وحرم الواحد عين ما حلله الآخر .

فلا تتقلد هذا الرسمي في شيء من ذلك ولا تخالفه واعمل ما توجه عليك في وقتك مما فيه سلامتك واشتغل بنفسك شغلا كليا واهرب إلى محل إجماعهم فإن لم تجد إجماعا فكن مع أكثرهم فإن لم تجد كثرة فكن مع أصحاب الحديث في تلك المسألة المطلوبة.

وقل أن يحتاج أهل الطريق إلى مثل هذا لأنهم قد زهدوا في الدنيا فقلت أفعالهم فقل الحكم عليهم .

فإذا بدت لكم وفقكم الله حضرة الأحكام وتنزلات الشرائع و رأیتم خازنها جبريل عليه السلام .

فذلك أول أعلام تحصيل هذا المقام فإن مد بين يديك هذا اللوح الذي يتضمن الأحكام فستعاين الأوضاع والشرائع الحكمية والنبوية وستعاين الأعصار والأماكن وستعاين الأحوال وستعاین توجه هذه الأحكام على الأحوال لقيامها بالأشخاص فينفذ الحكم في الشخص للحال لا لعينه فاحفظ ما تراه .

واعلم أن جبريل لا ينزل على غير رسول يوحي أبدا ولا ينسخ شريعة فتعمل هناك في وسيلة ورقيقة تكون من ذلك اللوح إلى قلبك إن أردت تحصيل هذا المقام .

فتسجد صورة جبريل وما هي بجبريل وهي مختصة بالأولياء فانظر إليها فإن رأيتها ناظرة إليك فاعلم أنك منهم وإن لم ترها ناظرة إليك فاعلم أنك غير مراد لذلك المقام فتأدب وانصرف وكن من الأولياء الذين ما لهم تصريف 


واجعل بالك إلى الحقيقة التي تراها على الصورة الجبرائيلية فسترى منها رقائق كثيرة ممتدة نافذة قد تجللتها تنزلات حکمية .

فأنزل معها بعينك نحوا لكون الأسفل فستراها متصلة .

منها ما هي بقلوب الأفراد ومنها ما هي بقلوب المجتهدين من علماء الرسوم فإذا عاينت هؤلاء الأشخاص آخذين منهم ما تعطيهم الأحكام بالأدب الكامل وسترى المجتهدين من علماء الرسوم عيونهم مصروفة إلى أفكارهم وأفكارهم حائلة في الوقائع .

ولك الرقائق تندرج لهم في الوقائع فتبدو لهم الأحكام من خلف حجاب رقيق فيقولون الحكم في هذه المسألة كذا .

فحقق الزمان والمكان والحال من جميع وجوهه فسترى تلك الواقعة بعينها عند ذلك المجتهد بعينه قد رجع من ذلك الحكم إلى حكم آخر .

فانظر إلى الرقيقة فتجدها تهب على حسب الزمان أو الحال أو المكان ولهذا اختلفت معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء وخرق العوائد عند أربابها بالمكان والحال والزمان.  

ثم انظروا وفقكم الله إلى تلك الحقيقة التي على صورة جبريل التي بيدها ذلك اللوح هي الملقية لجبريل ما يلقي على الرسل صلوات الله عليهم وجبريل هو على الحقيقة على صورتها.

وإنما عکسنا الأمر لمعرفتكم بجبریل دون معرفتكم بها، ولهذا ينقل عن بعض العارفين أنه يقول يتنزل جبريل على قلوب الأولياء للاشتراك في الصورة والإحساس بالتنزل .

ولكن ما أنصف ولا وفي صاحب هذا القول الحقائق حقها بل ما يقولها من له مثل هذا المقام ثم ارتفع بالنظر في هذه الحضرة عن النظر لهذه الرقائق وانظر مراتب القوم فيها فستجد مرتبة الرسل من كونهم عارفين .

فأولياء لا من كونهم رسلا فوق المراتب البشرية كلها ثم ترى مدرجتهم من ذلك المقام إلى ذلك اللوح إلى القبول إلى النزول بالحكم فتخلع عليهم خلع الرسالة عند هذا اللوح فينزلون بها .

فهم من كونهم أولياء عارفين أرفع من كونهم رسلا فإن الولاية والمعرفة تحصرهم في بساط المشاهدة في الحضرة المقدسة .

والرسالة تنزلهم إلى العالم الأضيق ومشاهدة الأضداد ومكابدة الأسماء الإلهية القائمة بالفراعنة الجبابرة فلا شيء أشد عليهم من مقارعة الأسماء بالأسماء، ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم بعد استعاذته من الأفعال والأحوال "أعوذ بك منك" لشدة سلطان هذا المقام.

وإذا شهدتم هذا يا إخواننا فانظروا إلى حظ الورثة من هذه الرسالة في قوله عليه السلام العلماء ورثة الأنبياء وقوله تعالى : " الأرض يرثها عبادي الصالحون" [الأنبياء: 105] .


فلهم الحكم فيها وإذا سمعتم لفظة من عارف محقق مبهمة وهو أن يقول الولاية هى النبوة الكبرى .

والولي العارف مرتبته فوق مرتبة الرسول فاعلم أنه لاعتبار الأشخاص من حيث ما هو إنسان فلا فضل ولا شرف في الجنس بالحكم الذاتي وإنما يقع التفاضل بالمراتب فالأنبياء صلوات الله عليهم ما فضلوا الخلق إلا بالمراتب، فالنبي صلى الله عليه وسلم له مرتبة الولاية والمعرفة والرسالة .


و مرتبة الولاية والمعرفة دائمة الوجود ومرتبة الرسالة منقطعة فإنها تنقطع بالتبليغ والفضل للدائم الباقي و الولي العارف مقيم عنده والرسول خارج وحالة الإقامة أعلى من حالة الخروج فهو صلى الله عليه وسلم من كونه وليا وعارفا أعلى وأشرف من کونه رسولا .

وهو الشخص بعينه واختلفت مراتبه، لأن الولي منا أرفع من الرسول نعوذ بالله من الخذلان.

فعلى هذا الحد يقولها أصحاب الكشف والوجود إذ لا اعتبار عندنا إلا للمقامات ولا تتكلم إلا فيها لا في الأشخاص.

فإن الكلام في الأشخاص قد يكون بعض الأوقات غيبة والكلام على المقامات والأحوال من صفات الرجال .

ولنا في كل حظ شرب معلوم ورزق مقسوم فاجتهدوا وفقكم الله في نيل هذا المقام وقد نبهتكم عليه وأظهرت لكم سبيله ونصبت لكم أعلامه .

وأقمت لكم معاذیر علماء الرسوم في أحكامهم ومن أين مأخذهم فلا تطعنوا عليهم ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا واشتغلوا بنفوسكم عما هم الخلق عليه حتى يأتي أمر الله تعالی.

فعند ذلك يقف العارف به عند حده والله المرشد لا رب غيره.

وانتهى بعض الغرض من هذا الكتاب في بيان هذا المقام وكنت ما رأيت أحدا من أصحابنا نبه عليه ولا ندب إليه .

بل منع ذلك أكثرهم لعدم الذوق فبقيت به وحيدا وبين أقراني فريدا لا أستطيع أفوه به من أجل منكريه إلى أن وفقت لأبي عبد الرحمن السلمي في بعض كتبه عليه نصة وسماه مقام القربة فسررت بالمساعد الموافق والحمد لله رب العالمين.

تم الكتاب على قدر الوقت لا على قدر الوارد وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،  يتلوه كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام إن شاء الله تعالی.


التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: