الخميس، 18 يونيو 2020

خطبة الشيخ الأكبر .كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر أبن العربي

خطبة الشيخ الأكبر .كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر أبن العربي

خطبة الشيخ الأكبر .كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر أبن العربي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

خطبة الشيخ :-

التصوف، صافاك الله ، أمره عجيب وشأنه غريب وسره لطيف، وليس يمنح إلا الصاحب عناية وقدم صدق، له أمور وأسرار غطى عليهن إقرار وإنكار.

وسقنا هذه المقدمة توطئة لعلوم التصوف على الإطلاق.

فإن الإنكار عليه شديد وشیطان المخالفة له مريد.

على أنا ما سقنا من هذه العلوم في هذا الكتاب إلا النزر اليسير في آخره وإشارات تتخلله.

فسقنا في هذه المقدمة لتلك الإشارات الشريفة، ومن أراد أن يقف من تواليفنا على جل أسرار هذه الطريقة الشريفة، فليطالع کتاب «مناهج الارتقاء إلى افتضاض أبكار البقاء المخدرات بخيمات اللقاء»؛ وبنيناه على ثلاثمائة باب وثلاثة آلاف مقام في كل باب عشر مقامات، كلها أسرار بعضها فوق بعض .

فرجونا وفقك الله في سياق هذه المقدمة في هذا الكتاب التي هي كالعلاوة عليه، أن يقف عليها السالك ابتداء ، فيكون له عصمة من الإنكار على كلام أهل الطريقة وما يقف عليه في داخل هذا الكتاب فيقع منه التسليم؛ فربما يفتح له قفل السر الذي وقف عنده وسلمه .

فلهذا ما أوردناها، جعلنا الله ممن حسن إسلامه وسلم ما لم يبلغه علمه آمین بعزته .

فاعلم شرح الله سبحانه صدرك أن مبنى لهذا الطريق على التسليم والتصديق، حتى قال بعض السادة القادة : «لا يبلغ الإنسان درجة الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق أنه زنديق".

یا رب جوهر علم لو أبوح به    ……. لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي     …….   يرون أقبح مايأتونه حسنا

فاشترط في إنكار هذا المعلق النفيس رجالا سماهم مسلمين قد وقفوا مع التخيل والتلبيس وكيف لا ينكر هذا الطريق وهل يبقى أثر للباطل عند ظهور الحق، "فماذا بعد الحق إلا الضلال" [يونس: 32]،"وقل جاء الحق وزهق الباطل" [الإسراء:81]. وقال الشاعر:

ألم تر أن الله أعطاك صورة   ……. تری کل ملك دونها يتذبذب؟

فإنك شمس والملوك كواكب    …….    إذا طلعت لم يبد منهن کوکب

"وقل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" [الأنعام: 91]، «حسنات الأبرار سيئات المقربين»، «إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائة مرة».

فانظر هذين الشيئين في عالم الحس الداخل تحت ذل الحصر، فكيف بعالم الملكوت .

فكل من تكلم في غير هذا المقام فإنه صاحب أضغاث أحلام.

ألم تر إلى قول الجنيد رضي الله عنه : «إن المحدث إذا قورن بالقديم لم يبق له أثر».

وشتان بين من ينطق عن درسه ونفسه وبين من ينطق عن ربه : "وما ينطق عن الهوى" [النجم: 3].

فإياك وطلب الدليل من خارج فتفتقر إلى المعارج، واطلبه في ذاتك تجد الحق في ذاتك.

أرأيت لما ثبتت نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقر في نفوس العقلاء أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الله تعالى لا عن هوى نفسه كيف دخلوا في رق الانقياد والتسليم.

وتصرفت عليهم وظائف التكليف، ولم يسألوا ما الدليل ولا ما العلة؟

ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون عن أشياء حتى نهوا عن ذلك في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" [المائدة: 101]، فقال الصحابة : نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فإن تعرض لك أيها الأخ المسترشد من ينفرك عن الطريق فيقول لك طالبهم بالدليل والبرهان، يعني أهل هذه الطريقة، فيما يتكلمون به من الأسرار الإلهية، فأعرض عنه.

وقل له مجاوبا في مقابلة ذلك : ما الدليل على حلاوة العسل؟

ما الدليل على لذة الجماع وأشباههما؟

وخبرني عن ماهية هذه الأشياء ، فلا بد أن يقول لك هذا علم لا يحصل إلا بالذوق، فلا يدخل تحت حد ولا يقوم عليه دليل.

 فقل له: وهذا مثل ذلك.

ثم اضرب له مثالا آخر وقل له : لو كان لك دار بنيتها بيدك وما اطلع عليها أحد غيرك، ففشا ذكرها واتصل بأسماع الناس خبرها، ثم اصطفيت أحدا من خواصك، فأدخلته إياها حتى عاينها وأحاط بما أطلعته منها عليه، وهو بمرأى الناس عند إدخالك إياه ، ثم خرج إليهم وقعد يصف لهم ما رأى فيها. هل يصح أن يقال له ما الدليل في ذلك المقام على ما تذكر أنه على هذه الصفة؟ هذا لا يصح.

ولو طالبه أحد بذلك حقه الناس وسخفوه، وقالوا هذا شيء لا يقوم عليه دليل . غايتنا أنا رأينا رجلا أدخله صاحب الدار وخرج فوصف ما رأي .

فمن حسن ظنه به وتبنت عنه العدالة صدقه في قوله، ومن لم يحسن ظنه فلا يلزمه ذلك، ولا يحسن من أحد أن ينكر عليه]") مقالته .

فإذا أردت أن تقف على ما ادعاه هذا الداخل فارغب إلى صاحبها يدخلك إياها فتشاهد ما شاهد وليس غير ذلك .

فكذلك يا أخي هذا العلم السني الذي هو نتيجة التقوى .

إذا رأينا رجلا قد اتقي الله سبحانه ووقف عند حدوده، واتصف بالزهد والورع وأشباه ذلك، ثم نطق بعد هذا بعلم لا تسعه عقولنا وهبه الله سبحانه إياه، فالواجب علينا التسليم والتصديق فيما ادعاه، وتحسين الظن به وترك الاعتراض عليه.

فإن الله تعالى يخص من يشاء من عباده بما شاء من علومه.

كما قال : "يؤتي الحكمة من يشاء من عباده " [البقرة: 269]، وقال : "وعلمناه من لدنا علما" [الكهف: 65].

ومسألة موسى والخضر عليهما السلام مقنع أعني في الاختصاص : "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" [الأنبياء: 23] .

هل صدر قط أو سمع عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما العلة على أن الظهر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، ولم أسر في بعض وجهر في بعض؟

ما سمعنا بهذا وإنما لم يكن ذلك لأنه قد ثبتت عصمته وبان صدقه ، وعلم أنه لا ينطق عن نفسه . فمهما رأيناك تطلب الدليل والعلم ممن ورثه ولازم التقوى التي تدل على صحة علمه كدلالة المعجزة على صدق الرسول، علمنا أن صفة الصدق ما استقرت الديك ولا تبدت قط إليك.

فسلم إليهم أحوالهم، ولا تنكر عليهم أقوالهم، "وقل رب زدني علما " [طه: 114].

عسى الله أن يفتح لك بابا من عنده تصل من ذلك ولا تنكر عليهم؛ وفقك الله النطق بالغيب مع إيمان بالمثال الظاهر المحسوس.

الذي نصب الله لك؛ ذلك أن المرآة إذا صقلت وجلي عنها الصدأ وتجلت صورة الناظر فيها أليس يرى المرء فيها نفسه حسنا أم قبيحا؟

فإن جاء أحد خلفه تجلت صورته في المرآة ؛ فعندما نظر إليها قال للحاضرين معه خلفي إنسان أو شيء على صورة كذا وكذا، حتى يستوفي ما رأي ، وهو لم يره بعينه الرؤية المعهودة، والتصديق بهذا واجب فإنه محسوس .

كذلك المعقول نظير المحسوس، فيعمد الإنسان إلى مرآة قلبه فيجلوها من صدأ

عنها كل حجاب يحجبها عن تجلي صور المعقولات والمغيبات بأنواع الأغيار.

ويميط الرياضات والمجاهدات، فإذا صفت وانجلت تجلى فيها كل ما قابلها من المغيبات، فنطق زعما شاهد ووصف ما رأي، ما كذب الفؤاد ما رأى [النجم: 11]؛ وهذا مقال على التقريب، ولولا خوف التطويل لتكلمنا على ضروب المكاشفة وأصنافها لكن يكفي هذا القدر .

فمن أراد أن يقف على أنواعها على الكمال من تأليفنا فليقف على «جلاء القلوب». ثم يا ليت شعري طالب الدليل على هذا العلم المشاهد هل أحاط علما بمعاني الكتاب والسنة حتى يقال له هو مثل كذا؟

هل أحاله دليل العقل؟

فغاية العاقل الذي حصل له عقل التكليف ووقف عند أحكامه من واجب وجائز ومستحيل أن يجعل ما نطق به هذا الصوفي من قبيل الجائز ، وإنما صار واجبة عندهم لا من حيث نفسه إلا من حيث العلم القديم بأنه سيكون.

فإذا أتي هذا الصوفي بالجائز أو بموافقات العقول، إذ النبوة والولاية فوق طور العقل، فالعقل إما أن يجوز أو يقف لأنه ما أتى بشيء يهد به ركن من أركان التوحيد، ولا ركن من أركان الشريعة.

فما جرم المستمع له في معرض الإنكار إلا قلة التصديق ؛ فالصفة راجعة إليه، والصوفي منزه عما نسب إليه .

فدارك يا أخي، دارك قبل حلول الهلاك، ويموت الإنسان على ما كان عليه ، ويحشر على ما مات عليه ؛ وحذار حذار من فوات هذه الأسرار والاستضاءة بهذه الأنوار .

فافترش أيها الطالب الحبيب بساط التسليم، واخرج بالحرية عن رق الإنكار، واقعد على كرسي الفكر، وأفرغ عليك حلة المجاهدة ، واجعل على رأسك تاج الموافقة والمساعدة، وانظر النطق من غير محل الخطاب تجد الحق، وانظر المستمع تجده مستمعا مسمعا مخاطبا مخاطبا فإذا كان هو المتكلم و المكلم، المستمع والمسمع، فأنت عدم؛ وإن کنت موجودا، كما أنت حاضر وإن كنت مفقودا.

ولذلك أشار مخبرا عن ربه : «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره».

فمن يكن الحق سمعه وبصره فكيف يخفى عليه شيء؟

ومن كان الحق لسانه كيف ينتهي كلامه؟

فتحقق هذه المقدمة وقف عندها ترشد وتحمد عاقبة أمرك إن شاء الله ، فوفر دعاويك وفقك الله لما نورده عليك في هذا الكتاب، والله ينفعنا وإياك بالعلم، ويجعلنا من أهله آمین بعزته .

قال المؤلف رحمه الله : لما فرغنا من هذه المقدمة والتمهيد، رأينا أن نقدم فصلا في فهرست الكتاب، لرغبة في التيسير لمن أراد أن يقف على سر معين منه ، فينظر بابه في الفهرست، فيسهل عليه مطلبه :

فصل في فهرست الأبواب

 الباب الأول : في وجود الخليفة الذي هو ملك البدن وأغراض المتصوفة فيه وتعبيرهم عنه وهو الروح.

الباب الثاني: في اختلاف العلماني ماهيته وحقيقته .

الباب الثالث: في إقامة مدينة الجسم وتفاصيلها التي هي ملك هذا الخليفة .

الباب الرابع: في ذكر السبب الذي لأجله وقعت الحرب بين العقل والهوى .

الباب الخامس: في الاسم الذي يخص الإمام وحده، لوفي صفاته وأحواله، وأن الإمام لا يخلو أن يكون واحدة من أربعة .

الباب السادس : في العدل وهو قاضي هذه المدينة .

الباب السابع: في معرفة الوزير وصفاته، وكيف يجب أن يكون.

الباب الثامن : في الفراسة الشرعية والحكمية .

الباب التاسع : في الكاتب وصفاته وكتبه .

الباب العاشر : في المسددين والعاملين أصحاب الجبايات والخراج .

الباب الحادي عشر: في رفع الجبايات إلى الحضرة ووقوف الإمام عليها ورفعها إلى الملك الحق سبحانه وتعالی.

الباب الثاني عشر: في السفراء والرسل الموجهين إلى الثائرين بمدينة البدن .

الباب الثالث عشر: في سياسة القواد والأجناد ومراتبهم.

الباب الرابع عشر: في سياسة الحروب والمكايد وترتيب الجيوش عند اللقاء .

الباب الخامس عشر: في ذكر السر الذي يغلب به أعداء هذه المدينة والتنبيه عليه .

الباب السادس عشر: في ترتيب الغذاء الجسماني والروحاني على فصول السنة الإقامة هذا الملك الإنساني وبقائه

الباب السابع عشر: في خواص الأسرار المودعة في الإنسان وكيف ينبغي أن يكون السالك في أحواله.

وفي هذا الباب أودعت مضاهاة نفس الإنسان حضرة الباري تعالى وهو على خمسة أبواب:

الأول: في إفاضة نور اليقين على ساحة القلب .

الثاني : في الحجب المانعة من إدراك عين القلب الملكوت .

الثالث: في اللوح المحفوظ الذي هو الإمام المبين ولوح المحو والإثبات .

الرابع: في أسباب الزفرات والوجبات والتحرك عند السماع .

الخامس: في الوصية للمريد السالك، وهو على فصول، وبه ختم الكتاب.

فجميع أبواب هذا الكتاب واحد وعشرون بابا وخاتمة.

نذكرها إن شاء الله في داخل الكتاب على ما هي في الفهرست.

وهذا حين أبتدئ، وبالله أستعين .

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: