الجمعة، 19 يونيو 2020

الباب الحادي والعشرون في أسباب الزّفرات والوجبات والتحرّك عند السماع السماع .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب الحادي والعشرون في أسباب الزّفرات والوجبات والتحرّك عند السماع السماع .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب الحادي والعشرون في أسباب الزّفرات والوجبات والتحرّك عند السماع السماع .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
[ وهو الباب الرابع من الباب السابع عشر]

الباب الحادي والعشرون في أسباب الزّفرات والوجبات والتحرّك عند السماع السماع

 

سرّ من أسرار اللّه تعالى في الوجود العليّة واحد في نفسه والسامعون شخصان شخص يسمع بنفسه وشخص يسمع بعقله وليس ثمّ سامع آخر ومن قال أنّه يسمع بربّه فإنّه نهاية درج سمع العقل لكن للعقل سمعان :

سمع من حيث فطرته

وسمع من حيث الوضع 

فالّذي له من حيث الوضع هو الّذي قيل عنه يسمع بربّه وقوفا عند قوله عم عن  ربّه كنت سمعه الّذي يسمع به فالّذي يسمع بعقله يسمع في كلّ شيء ومن كلّ شيء وعلى كلّ شيء لا يتقيّد وعلامته في ذلك البهت وخمود البشريّة .

 

والّذي يسمع بنفسه لا بعقله لا يسمع إلّا في النّغمات والأصوات العذبة الشهيّة وعلامته أن يتحرّك عند السماع بحالة فناء عن الإحساس ومهما أحسّ المتحرّك في السماع فإنّه مسخرة للشيطان وإن لم يحسّ وفنى عن كلّ شيء فهو صاحب نفس وتحت سلطانها وحاله صحيح صحّحه الفناء ولا يأتي بعلم أبدا عقيب هذا الفناء والحركة في السماع .

 

فإن ادّعى أنّه أتى بعلم فلم يكن فانيا ولم يكن سمع بعقله فإنّه قد تحرّك فلم يبق له إلّا إلّا أن يكون كاذبا فإنّ سماع النفس لا يأتي بعلم البتّة وسماع العقل لا تكون معه حركة  فمن جمع بين الحركة والعلم فهو كاذب جاهل بالحقائق .

 

واعلم أنّه إذا أراد اللّه تنزّل المعارف على قلب عبد بضرب من ضروب الوجد أرسل برد القرب على القلب المعقول فتبرد سماء القلب فيأخذ سفلا فيجد الحرارة الغريزيّة صاعدة إلى الدماغ فيعتمد عليها فتنعكس الحرارة فتأخذ سفلا حتّى تحلّ ساحة القلب فتتولّد من ذلك الحكّ نار فتصعد .

 

فإن وجدت في سحاب برد اليقين والقرب خللا صعدت فكان ذلك التأوّه الّذي يسمّى الزّفرة وإن لم تجد خللا حلّلت رطوبات السحاب الأعلى من جمده فذلك هو البكاء الّذي يطرأ على صاحب الحال في حاله .

 

فإن كانت تلك النار قد أنضجت الكبد يشمّ في ذلك التأوّه رائحة الحرق ويصدّع تلك النار في تجويف القلب بالانضغاط الّذي هي فيه فيسمع له في ذلك الوقت أزيز يسمّى الوجبة والصّيحة والرّجفة وفي ذلك الوقت تقع الصيحة من صاحب الحال.

 

فمن كان في قلبه جلاء من الحاضرين صعق من حينه لتلك الصيحة وهي صلصلة النار الطبيعيّة بالقلب وتتصدّع لها القلوب إذا قويت عليها .

 

ومن كثرت الريون على  قلبه من الحاضرين أخذته لتلك الصيحة رعدة وفزع ووقع الإنكار منه على صاحب الحال وقال هذا ما سمعنا أنّه كان في السّلف وقد كانت الموارد ترد على قلب النبىّ صلى الله عليه وسلم وما سمعنا عنه أنّه صاح ولا صعق فلا تلتفت إلى قوله فإنّ قلبه مطبوع .

 

وقد فرّقنا بين سماع العقل وسماع النفس وكلّ في بابه صحيح وفي خروج تلك الزفرات تكون حياة العارف .

فإذا أرادت النار الخروج من خلل السحاب الّذي ذكرناه ووجدته متراكما ما فيه خلل انعكست وطبخت القلب والكبد في الحين وأحرقتهما فمات صاحب الحال من فوره وعند زجّ تلك النار من القلب إلى الدماغ تكون الحركة والشطح من صاحب الحال وأكثر خروجها ملتوية متداخلة فتكون حركات صاحب الحال غير موزونة ولا مربوطة بطريقة وأكثر ما يظهر منهم الدّوران لأنّ شكل الإنسان في الحقيقة مستدير والنار تجرى على شكله .

فإن كان ذلك السحاب رقيقا واسع الخلال فإنّ الحرارة تنفشّ فيه فلا تظهر من صاحبه زفرة ولا تسمع لقلبه وجبة ولكن يغلب عليه الضحك ما دام في ذلك الحال للاتّساع الّذي يجده .

 

فلا تغالط نفسك أيّها المريد فقد أبنت لك صورة الأمر فإن شئت أن تكون صاحب عقل وإن شئت أن تكون صاحب نفس .

واللّه تعالى يصلحنا وإيّاك وجميع المسلمين

 


التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: