الخميس، 18 يونيو 2020

تمهيد الشيخ الأكبر .كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر أبن العربي

تمهيد الشيخ الأكبر .كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر أبن العربي

تمهيد الشيخ الأكبر .كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر أبن العربي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

تمهيد الشيخ الأكبر :-

اعلم وفقك الله لطاعته أن الله سبحانه قد شاء أن يبرر العالم في الشفعية لينفرد سبحانه بالوترية.

 فيصبح اسم الواحد الفرد، ويتميز السيد من العبد.

ولما وقفت، أوقفكم الله، على حقائق نفوسكم، وأطلعكم على ما أودعه فيكم من لطيف حكمته وغریب صنعته.

على قوله تعالى: "وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهار، ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"

"خلقكم من تراب" 17 سورة غافر .

ثم قال "ومن طين" 20 سورة الأنعام. وهو امتزاج الماء والتراب.

ثم قال جل اسمه "من حمأ مسنون" 28 سورة الحجر.

وهو المتغير الريح، وهو الجزء الهوائي الذي فيه .

ثم قال : "خلق الإنسان من صلصال کالفخار" 14 سورة الرحمن.

وهو الجزء الناري، وهذه حكمة منه سبحانه " يخلق ما يشاء وهو العليم القدير" 54 سورة الروم .

وكما أن في العالم رياحة أربعة : شمالا وجنوبا وصبة ودبورا.

، ففي الإنسان أربع قوى : جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة .

وكما أن في العالم سباعا وشياطين وبهائم، ففي الإنسان الافتراس وطلب القهر والغلبة والغضب والحقد والحسد والفجور والأكل والشرب والنكاح والتمتع .

كما قال عز وجل : "يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" 12 سورة محمد.

وكما أن في العالم ملائكة بررة سفرة. ففي الإنسان طهارة وطاعة واستقامة .

وكما أن في العالم من يظهر للأبصار ومن يخفى، ففي الإنسان ظاهر و باطن : عالم الحس وعالم القلب، فظاهره ملك وباطنه ملكوت .

وكما أن في العالم سماء وأرضا ففي الإنسان علو وسفل.

وامش بهذا الاعتبار على العالم تجد النسخة الإلهية صحيحة ما اختل حرف ولا نقص معنى.

 ولم تجد له في مقابلة الأزل إلا الأبد وهو غير متناهي الطرف الآخر شرعا.

وسبق في علم قديم باق ببقاء الله عز وجل.

قال العبد وجرت المتصوفة عادة رضي الله عنهم في هذا النظر والاعتبار مجری العرب في كلامها من الاستعارات والمجاز بأدني شبه وأيسر صفة تجمع بينهما؛ وفي القرآن من هذا القبيل كثير إذ القرآن جار على لغة العرب.

كما قال عم: "وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين".

ومثله قوله تعالى: "واشتعل الرأس شيبا" 4 سورة مريم .

"كسراب بقيعة" 39 سورة النور.

 "کرماد اشتدت به الريح" 18 سورة إبراهيم .

"كمثل صفوان عليه  تراب" [البقرة : 264]، "جدارا يريد أن ينقض" [الكهف: 77]، "واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها" [يوسف : 82]، "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا" [الأعراف: 143].

فلم تزل الصوفية رضي الله عنها في نظرها واعتبارها على هذا المنهج، فلنلخص لك ولنقرب عليك كيف تنظر العالم في الإنسان على ما تقدم.

وذلك أن تنظر إلى ما خرج عنك من الموجودات : فإذا وقعت عينك على موجود ما فاطلب الصفة التي غلبت على ذلك الموجود حتى [شهر بها ].

وإذا عرفت تلك الصفة التي أنبأت عنه ودلت عليه فإما صفة نفسية له وإما صفة غالبة عليه.

ثم تنظر تلك الصفة بعينها فتجدها في الإنسان لا محالة، فتطلق على الإنسان عند مشاهدة تلك الصفة [اسم الذي هو صفته ؛ مثل البلادة التي هي غالبة على الحمار دون غيره من الحيوان، فنقول في الإنسان حمارة إذا رأيناه بلیدا؛ أو أسدا إذا رأيناه شديدة طالب الافتراس.

ومثل هذا النظر أيضا في الأسرار الشريفة مثل أن تنظر إلى الشمس والقمر.

فتجعل الشمس الروح والقمر النفس , ذلك أن النفس ذات الكمال ونقص حسب ما يرد فى داخل هذا الكتاب ، فكمالها بالعقل والعلم، ونقصها بالجهل والشهوات .

وكما أن نقص القمر قد يكون سبه في الكسوف الأرض، وهو الأسفل من العالم، كذلك نقص النفس إنما هو من ارتكاب الشهوات ومحلها أسفل سافلين .

وكما أشرقت الأرض بنور الشمس كذلك أشرقت الأجسام بنور الروح، فكشفت الأشياء على ما هي عليه، إلى أمثال هذا مما يطول ذكره.

قال المؤلف رضي الله عنه : ولما أردنا أن نأخذ في مقابلة النسختين العالم الأكبر والأصغر على الإطلاق في جميع الأسرار العامة والخاصة، رأينا أن ذلك يطول، وغرضنا من العلوم ما يوصل إلى النجاة في الاخرة إذ الدنيا فانية دائرة.

فعدلنا إلى أمر يكون فيه النجاة، ويتمشى معه المراد الذي بنينا عليه كتابنا وهو أنا نظرنا الإنسان فوجدناه مكلفة مسخرة بين وعد ووعيد، فسعينا في نجاته مما توعد به وتخليصه لما وعد الله إليه .

فإضطرنا الحال في إقامة القسطاس عليه من العالم الأكبر، فقلنا أين ظهرت الحكمة من

الخطاب والوعد والوعيد من العالم الكبيرا، فرأينا ذلك في حضرة الأمر والنهي وحضرة الإمامة ومقر الخلافة.

فوجدنا الخليفة شاهدة فيه ظهرت الحكمة وآثار الأسماء، وعلى يديه تنفعل أكثر المكونات المخلوقة للباري تعالى.

فتقصينا الأثر و أمعنا النظر في حظ الإنسان من هذه الحضرة الإمامية ، فوجدنا في الإنسان خليفة ووزيرة وقاضيا وكاتبا وقابض خراج وجبايات وأعوانا ومقابلة أعداء ، وقتلا وأسرا، إلى أمثال هذا مما يليق بحضرة الخلافة التي هي محل الإرث.

وفي الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، وانتشرت راياتها ولاحت أعلامها وأذعن الكل لسلطانها ؛ ثم خفيت بعد الأنبياء صلوات الله على محمد وعليهم فلا تظهر أبدا إلى يوم القيامة عموما.

لكن قد تظهر خصوصا : فالقطب معلوم غیر معين وهو خليفة الزمان، ومحل النظر والتجلي، ومنه تصدر الآثار على ظاهر العالم وباطنه ؛ وبه يرحم الله من يرحم و يعذب من يعذب .

وله صفات إن اجتمعت في خليفة عصر فهو القطب، وعليه مدار الأمر الإلهي.

وإن لم تجتمع فهو غيره؛ ومنه تكون المادة الملك ذلك الزمان، وهذا كله في الإنسان موجود.

ونحن إن شاء الله نورده في هذا المجموع أحسن إيراد، مختصرة كافية مقنعة، والله ينفع العبد بما قصد، ويسلك به الطريق الأقوم الأسد والله أعلم.

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: