السبت، 27 يونيو 2020

الباب التاسع والأربعون في اختصاص العصر بيوم الأربعاء ومن هو الامام فيه وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الباب التاسع والأربعون في اختصاص العصر بيوم الأربعاء ومن هو الامام فيه وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الباب التاسع والأربعون في اختصاص العصر بيوم الأربعاء ومن هو الامام فيه وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي رضي الله عنه

الباب التاسع والأربعون في اختصاص العصر بيوم الأربعاء ومن هو الامام فيه وما يظهر فيه من الانفعالات بعون اللّه ومنه وكرمه

سلام على عيسى المسيح بن مريما * نبي له الأرواح أيان يمما

تبدي ونور الشمس في الأفق طالع * فلم أدر ممن أشرق الكون منهما

تولد في الأرحام من غير شهوة * عن النفخة العليا : فصار محكما

على سر أحياء الموات ونشرها * فكان ليوم الأربعاء متمما

وكاتبه الوهمي أرسل همه * على روح فرار ، فيسمى مجسما

فكان لطيفا في التحاليل صانعا * وكان شجاعا في التراكيب مقدما

 

فلما فرغ خطيب الفلك الخامس من خطبته ، وقرع الأسماع بموعظته ، وأثنى على نفسه بعلو درجته : خرجنا تريد السياحة في فلوات المعاني ، والسباحة في الفلك الثاني ، فسحت في مساحات الأكوار والأدوار ، وسبحت في ساحات الأنوار والأسرار ،

فتلقتني ( النفحة ) الروحانية المنبعثة من القوة اللوحية ، بالشعلة اليوحية المتكونة في الأرحام من غير التحام .

 

فقلت : سلام على الكلمة والروح الإلهي ، والمنزه عن الاستنكاف الرباني

فقال « وعليك السلام أيها الطالب » علو المراتب ، والذاهب في أقصد المذاهب .

فقلت : الحمد للّه على شهادة اعتصامية حاكمة ، من نبوة خاتمة .

فناداني بالحبيب المضاف إليه : ودعا لي بالتثبيت المعول عليه ، وسألني :

هل وقفت على حقائقي وميزت بين لطائف دقائقي ، فإن موارد أرواح القدس إنما تكون بعد تقدم معرفة النفس ، فأنشدت ( هذه الأبيات أقول )

أن القلوب بذكر اللّه وآلهة * والسر في مشهد المذكور مشغول

والنفس في البرزخ الكوني قابلة * والروح في الفلك العلوي مقبول

والعقل بين أمينيه : جليسهما * والحس في الفلك السفلي مغلول

 

فقال : أبدعت في تفصيلك ، ونعم ما أودعت في تجميلك ، فهل بان لك نور الخلق والإبداع ، فتعشق بك القاع البقاع  فأنشدته :

النور نور المبدعات الوله * في أوجها إلّا على القريب الأنبه

بيدي الذي يخفيه في ملكوته * من ملكه الأدنى القريب الأنوه

فانظر إلى روح تجسد في الثرى * ( وأنظر إلى جسم تروحن أنزه )

تبصر عجائب في منازل خلقها * بمشبه فيها وغير مشبه

فالروح تشبه جسمه إن شاءه * والجسم ليس كذاك عند تأله

 

فقال : وهل سلكت أول طريق السعادة ، وهو الإيمان بالغيب والشهادة ، فعرفت منزل صاحبه ، وأين يبلغ جواده الكريم السابح بركابه ؟ .

فأنشدته :

قل للذي يؤمن باللّه * أنت على نور من اللّه

أنت الإمام المصطفى ، والذي * يأتي من اللّه إلى اللّه

أنت الذي دان لك المستوى * وعز سلطانك باللّه

فافخر فإن الفخر لا ينبغي * إلّا لمن يعتز باللّه

لولا الذي عندك من صدقه * ما كنت في ظل من اللّه

واحذر فإن اللّه مستدرج * نفس الذي يغتر باللّه

وأحسب على نفسك أنفساها * واهرب من اللّه إلى اللّه

 

فقال : هذا الإيمان قد حصل ( لك ) فهل ألم بك الإسلام ، ونزل فأعطاك فائدته ، وأجرى فيك عادته ؟ :

فأنشدته ( هذه الأبيات ) :

إذا أسلم العبد وأستسلما * وكان لأمر الهدى محكما

ينادي به في طباق العلا * الأقربوا السيد ( الملهما )

فيأتي إليه براق الهدى * يكون له : للعلا سلما

فيعلو عليه بانكاره * فينزله المحضر المعلما

وينزله في ذرى أوجه * فيسمع من حينه : من وما

وينطق في سره : سيدي * أتسأل عني ب « من ذا ، وما »

وأنت الذي جئت بي قاصدا * إليك وخاطبت كي أفهما

فهمت الذي همت فيه ، وما * يفيد الفؤاد إذا أسلما

 

فقال : هذا قد شهد لك الإسلام بالتمام ، فهل للإحسان بساحتك المام ، فإنه يعطيك أسرار الكمال ، وتصريفات الجلال والجمال .

فأنشدته ( هذه الأبيات ) :

إذا كان إحساني شهودي خالقي * وكوني مشهودا فمالي إحسان

فإن وجودي من وجود مشاهدي * واني في عين المشاهد إنسان

لئن كنت قد ساءت ظنوني برؤيتي * وجودي يا جودي فإنك محسان

تراني إذا جاء الشتاء بمنزلي * كئيبا ، ومسرورا إذا جاء نيسان

وما ذلك إلّا أن في الصدق ثلمة * تدلي لها عاد بذل وساسان

 

فقال : هذا الإحسان قد ظهرت منك أعلامه ، وانتشرت فيك أحكامه ، فهل انتقلت عنه إلى سر السرى ، فعلمت أنه لا يعلم ولا يرى .

فأنشدته ( هذه الأبيات ) :

سرى بسر السر للسر موصول * ولا تكيف : أن الكيف تضليل

إذا عجزت عن إدراك الإله بما * يعطيه برهانه ، فالعجز تحصيل

فلا تفصل ففي التفصيل تجملة * ولا تجمل ففي الإجمال تفصيل

العلم باللّه : نفي العلم عن خلد * لكن مشهده للعقل معقول

إذا شهدت الفنا فيه : شهدت وقد * أتى بذلك معقول ومنقول

العلم باللّه ذوق لا دليل له * ما اللّه في العقل للبرهان مدلول

 

فقال : هذا سراك ظاهر ، وسرك به قاهر ، فهل أوقفك على سر الأيام المقدرات ، الموجودة عنها الأيام المسخرات ؟

وهل أشهدك سر الأبدية في يوم الاستحالات ، وكيف جمع المحالات .

 

فأنشدته ( هذه الأبيات ) :

فقد كان الوجود بلا زمان * ولا كون ، وكان له التمام

فلما أن أراد وجود عيني * وكان الخلف قيده الأمام

فما يدري الوجود بغير ضد * كما المأموم ميزه الإمام

فأول ما بدا : روح تعالى * وصح له الإقامة والدوام

فيوم ، ثم يوم لا يجاري * وأربعة ، فقام بها النظام

وأيام الإله مقدرات * فليس لها وجود : والسلام

فمنها ستة ظهرت وبانت * وقيدها التصرف والمقام

وواحدها عزيز سرمدي * له القدم الصحيحة والمقام

وذاك السبت رفعته نهار * بأقوام ، وشتوته ظلام

إلى الأبد الذي ما فيه وقف * وفيه كان للنفس القوام

 

فقال : نعم ما به أتيت ، وصحيحا يا حبيبي كل ما رأيت ، لقد جمع لك بين مشاهدة العين ، ومكاشفة الكون ، فأنت الإمام الذي لا يجاري ، والعلام الذي لا يباري ،

ثم أقيمت في عالم المثال صورة الدجال ،

فقتله في عالم المعاني ، بحيث أرى ، وألحقه بالثرى ، ثم جيء بكساء صوف من النور الأصفر ، فانتزع من عرضه قدر أربع أصابع ، ليس أكثر ،

ولم يكن لطول ذلك الكساء ابتداء ولا انتهاء ،

وقال : هذا كفنك ، وفيه مسكنك ، ثم أمرني بالزهد والسعاية ، والجد ، وأحضرت بين أيدينا مائدة الابتداء فأكلنا معرفين بالنعمة والنعماء ثم منحني عوارف اللطائف ، وفنون المعارف ، وترتيب المواقف ، ومنازل العلوم ، وأسرار ما يحمله في ساحتها النجوم ،

 

وميز لي بين الخواطر ، وأوقفني على المراتب والكراسي ، والأسرة والمنابر ، وأدخلني حضرة الإلهام والوحي ، وحذرني من موارد القياس والرأي ،

 

ورفع لي عن منازل المبشرات ، وكشف لي عن معادن النبوات ، ونصب لي موازين الفكر ، وعرض على مقادير النظم والنثر ، وخاطبني بغرائب السجع والشعر .

وأبان لي عن سر الصعود بالتحليل وفرق لي بين التحقيق والتخييل ، وأوقفني على غلطات الأذهان والنفوس في الأعيان ، وسر المشي على الماء ، وإبراء الأكمة وإحياء الموتى ، وكشف ( لي ) عن خواص المعادن والأحجار ، وقال : ليس أقبل للسر من الفرار ، ولقد تطاول إليه الحيوان ، وما حواه نبات المعارف في كل جنان .

 

ثم قال لي : ( ع ) ما أسمعتك ، وخذ ما أودعتك ، وأنزل به في الآن فستري ( آثاره ) في أعيان الأكوان ، وهذا وقت صلاة العصر قد حان ، فصل معنا وانصرف ، حيث شئت ، من الطريق الذي عليه جئت ، فأقيمت الصلاة ، وتقدم الإمام واستوت الجماعات ، وترتبت الصفوف ، وطال الوقوف ، فخطر في النفس أن أقرع الأسماع بأبيات من الشعر ، في أسرار صلاة العصر ، وهي :

دعاني إلهي كي يناجيه سري * فنادى المنادي : قد أتى مشهد العصر

فقمت وأسبغت الوضوء ولم أزل * بعلمي عمري : على أسبغ الطهر

فكان لنا نورا على نورنا الذي * أهنأ به من قبل في مشهد العصر

فقال عبيد : قلت لبيك سيدي * أتدري بأني واهب النفع والضر

وأن لي التحريك في كل حالة * وأن لي التسكين !!؟ قلت له : أدري

فقالي أشرع في الصلاة فإنني * أناجيك فيها بالبشارة في السر

وأعطيك علم الالتحام بصورتي * وكونك مني في الوجود على قدر

فتلثم منها الثغر في روضة المنى * فبورك من لثم ، وبورك من ثغر

ويمتص منها ريق علم ولا ترى * تشبهه بالسلسبيل وبالخمر

تعانقها الليل الطويل بحضرتي * تنكحها بالوهب : من غير ما مهر

ولا شيء أحلى من نكاح بلا مهر * ولا شيء أعلى من صلاة بلا طهر

فإن طهور العبد نقصان سره * فما أحسن اللغز الذي سقت في شعري

 

فلما كبر الإمام ، صح الإلمام ، فلما افتتحنا التحفنا ، فلما ركعنا امتطينا ،

فلما دفعنا : اعتنقنا ، فلما سجدنا اضطجعنا ، فلما جلسنا استوينا ، فلما سلمنا علمنا بأنا وهمنا فيمن همنا وما فهمنا .

ثم قمت بعد أن فرغنا من الصلاة : أسمع الحاضرين تعظيم الأرواح والكلمات ، فقلت :

الحمد للّه الذي اختص هذه الحضرة بالعلمين ، ونزه امامنا هذا عن الشهوتين ، وأعطاه لواء الختمين ، وأضافه إلى كلمة ،

وسبح به في لجج حكمه : انتسب إليه فعبد ، واستوى عليه فقصد ، اختص بخصائص الفهم ، ووهب غرائب العلم .

ونطق في المهد بالاقرار والجحد ، فقال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا

فعرف مآله قبل فطامه ، وحكم على نفسه بالاستقامة قبل استحكامه ، وشهد لنفسه بقبول الوصية الإلهية ، بالصلاة النورية ، والزكاة البرهانية ، وسلم على نفسه ( في ) الثلاثة الأحوال ، ثم نزه نفسه تعالى عما قاله أهل الضلال ،

 

فقال : ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ

فبادروا أيها الحاضرون إلى هذا النبي الكريم ، بالتوقير والتعظيم ، وتفوزوا بالمقام الجسيم عند الرؤوف الرحيم .

جعلنا اللّه وإياكم ممن رحم الصغير وعرف شرف الكبير .

فنال المقام الخطير ، آمين .

 

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: