السبت، 27 يونيو 2020

الباب السادس والأربعون في اختصاص الامام بيوم الأحد وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الباب السادس والأربعون في اختصاص الامام بيوم الأحد وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الباب السادس والأربعون في اختصاص الامام بيوم الأحد وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي رضي الله عنه

الباب السادس والأربعون في اختصاص الامام بيوم الأحد وما يظهر فيه من الانفعالات

سلام على اليوم السعيد المعظم * وسلطان أيام الوجود المنظم

تصدى له قلب الوجود من أفقه * فعلمه من كل سر مكتم

هو الأحد المختار : أول موجد * به البنية العليا : دون التهدم

تسمى بنعت الحق من دون غيره * من أمثاله ، فاختصه بالتقدم

به سرت الأرواح في كل مسلك * فيدعى لها قطب الندى والتكرم

تصدى له قطب الوجود من أفقه * فعلمه من كل سر مكتم

فأحيا به الأرواح في ملكوتها * وأحيا به أهل اللظى والتجسم

وناطت به الأفراح  منه فلا يرى * بمشهده أهل الأسى والتذرم

 

خرجت - أبقاكم اللّه ووقاكم - من روحانية اسم كريم من الأسماء إلى اسم آخر ليصعد بي إلى السماء ، فعندما تجردت عن هذه السدفة الترابية :

لاحت لنا أعلام المشاهد الغيبية ، فركبنا الجادة ، وسألنا المادة ، واستعذنا من وعثاء السفر وكآبة المنقلب ، وروعة الحذر ،

وقطعناها علما علما واتخذناها لمعراجنا سلّما حتى وصلنا السماء المتوسطة ، والحضرة العادلة المقسطة سماء النبي أبي العلا والمهاة –

وهما أسنى الآباء والأمهات في ايجاد الحياة ، فلما وصلنا هذه السماء المطلوبة واستأذن لنا حاجب الحكمة المحبوبة ، فأذن السيد فدخلنا ، وقام لقدومنا فقعدنا ، وقال : من أين جاء الركب المحفوظ المصان الملحوظ .

فقلنا : من بلد الجسد الغريب .

فقال : مرحبا بالزائرين من بلد الحبيب ، ما أحسنها من مدينة حصينة ، فامت أركانها على التربيع ، وجعل سلطانها من العالم البديع ،

 

وهذا العالم على جنسين : رفيع ونازل ، وهذا السلطان من الجنس الرفع ، وقامت بها الصفات الإلهية ، فدعيت بالحي العالم المريد القادر ، المتكلم البصير السميع ، وأحكمت بتسع قوى مرصعة : غازية ، ونامية ، ومصورة ، وناطقة ، وعاقلة ، وحافظة ، ومفكرة ، ومتخيلة ، ومحسة ، فجاءت حسنة الترصيع ، واتقت بقوة تجذب المنافع ، وقوة تمسكها ، وقوة تهضم ما حصل في المعدة ، خوفا من المضار ، وقوة تدفعها .

 

وشرح ترتيب هذه المدينة يطول ، لكثرة ما فيها من الفصول ، لكنها جمعت حقائق المحدثات ، وبعض حقائق الإلهيات ، ما خلق اللّه خلقا أشرف منها ، ولا أخذت حكم عن أحد مثل ما أخذت عنها ، أوتيت جوامع الكلم ، وأودعت فنون الحكم ، يا طول شوقي إليها ، ويا حسرتي عليها ، ما أشتهي قيام الساعة إلّا لردى إليها ونزولي عليها ، هي مدينة لا يعرف قدرها إلّا من عرف سر القدر ، ولهذا جهلها أرباب الفكر ، هي بوطيقي الحكمة ، وموسيقي النغمة ، وبرزخ النور والظلمة ، لا زالت أطباقها سافرة ، وأطباقها دائرة ، فخدم الجلساء الحجاب ، وسجدوا لظل الحجاب ، ثم رفعوا وأصاخوا واقنعوا وعاد إلى الكلام :

السيد الإمام والنسابة العلام ، وقال : هل عرفتم أن هذا المحل الأسنى ، لا يجوز عليه التكليف ، ولا يتحكم عليه لطيف ولا كثيف ، أين المفصح عنا ببعض ما نحن عليه ؟

 

والمترجم عنا بما قدرنا لديه ، فرفع لنا بيت من الذهب الأحمر ، قد فيق بالمسك وجمر بالعنبر ، ونصب فيه منبر من الياقوت الأحمر ، وخرج الترجمان وعلى رأسه تاج من اللؤلؤ والجوهر ، وقد حفت به أقاويل الملأ الأعلى ، وروحانيات السماوات العلى ، وما بقي روح إلّا حضر ، ولا ملك محجب إلّا ظهر ،

وسطع الشعاع ، وعمر القاع واليفاع ، وسرت الضياءات وأشرقت الأنوار ، وازدانت السماوات ، وظهر سلطان الإستواءات ، وتعالى العلا  وقام البناء وخلص الولاء وتمكن الصفاء ، وعظم الأشراف وتلألأت الآفاق ،

وتبخرت الجداول وأخذ في مراتبها الأقاول وصعد الخطيب المصقع منبره ، وحمى أثره وإذا به معتدل النشأة ، حسن الهيئة ، وضاع الجبين ، أشم العرنين ، سبط البنان ، ذرب اللسان ، من أهل الدين ، وداره بعليين ، في أحسن تقويم ، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، مستنير الوجه الأغر ، كأنما فقيء حب الرمان في خده فاحمر ، فسلم ولم يشر ببيانه ، وضرب بلسانه أرين أنفه ، وأداره في شدقيه - ثم شرع في بيانه ،

فقال : " الحمد للّه الذي "  كان ولا شيء معه ، وهو الآن على ما عليه  "كان"

ثم أبدع العالم واخترعه ، ولم يرجع إليه أثر من خلقه الكيان ، أوجد ما علم من ذاته لا من شيء ، وأخرجها من غير ستر

كانت فيه ولا خبء ، وكان موصوفا بالوجود قبل كل موجود ، ولا قبل إلّا من حيت العبارة ، ولا كان إلّا من الإشارة ، والمنهج القويم في معرفة ارتباط المحدث بالقديم ،

فليس بينهما بينية ولا قبلية ، إذ القبل مخلوق إضافي ، وامتداد زماني ، ولو تحققتم مراتب الموجودات لاستحال عندكم وجود الأزمان ، والتقدم بالمكان وقضيتم فيها بالإحالة بعد الإمكان ، فمن ثبت قدمة استحال عليه صيغ الأزمان .

 

والإشارة بصيغ المكان ، إلّا من طريق المجاز ، لا على الجواز ، لما في عالم العبارة من العجز والقصور ، وفي ذلك المقام من العلو والأعزاز ، فيطلقها عليه للعقول المعقولة بأفكارها ،

 

ليجوز منها إلى إدراك المعاني المقدسة الموصلة في فطرها المؤسسة ، ولولا الإمداد لهذه العقول المتعطشة لمعرفة بارئها : الحائرة ، ما احتجنا إلى استعمال هذه العبارات القاصرة ، فله الصفات العلي ، والأسماء الحسنى ، والنبأ الأسنى ، وحجاب العزة الحمى تجلى اسمه الحي فحييت به الموجودات ،

والقيوم فقامت به الأرض والسماوات ، ومن فيهن من عوالم البقاء والاستحالات ، فعنت لحياته الوجوه ، وسجدت لقيوميته الجباه ،

وأقنعت لعظمته الرؤوس ، وتحركت بذكره الشفاه ، وحبا سيدنا هذا بفنون المعارف والأسرار ، ومنحه جزيل العوارف في مطالع الأنوار ، فأداره مع الأفلاك ، واسرى به مع الأملاك ، فوقف على الآثار الفلكية ،

وتحقق بأسرار اللطائف الملكية ، وخاطب كل روحانية بلغتها ، فعرفته بمكان حكمتها ، فلما حل في أوج العلا نزل في خط الاستوا ، خوفا أن ينحرف إلى أحد الميلين ، فتذهب بعض معارفه ، وتستحيل إلى الكثافة بعض لطائفه ،

وعلم ما يكون من طمو البحور ، فأودع الحكم في الصخور ، ثم عاد إلى مرقاه الأوسط ، وحل منه في الوسط ، وهو مقامكم هذا الذي أنتم به قاطنون ، وعنه عند انقضاء كلامنا راحلون .

 

ثم لما وصل محفوظ الجوانب ملحوظ المآرب ، نكح المهاة ، وامهرها الحياة ، فسرت منها في زوايا وجود الكون ، وتخللت مسالك كل عين ،

وقام ميزان العدل في قبة الفضل ، وزالت البغضاء وارتفعت الشحناء ، وظهر سلطانه في القلوب ، بانتصاصات الغيوب ، لا زال مجده سنيا ، ومكانه عليا ، ثم نزل فقلت يا أبا العلا لم أختصصت بالقلب ؟

فقال : لكونه الحضرة التي وسعت جلال اللّه ، الموضوعة على صورة القلب ، قلت ولم اختص بها سر المهاة ،

فقال : لكونه معدن الحياة ، وسيبدو لك في روحانية كل سماء ما يقابله منك من القوى أو الأعضاء ، فقلت له : أريد أن توقفني مشاهدة عين على تأثيراتك في قلوب العارفين ولعلماء والمريدين من عالم الكون وما تعطيه أفلاكك ، وما تهبه أملاكك ، فأشار إلى بعض جلسائه وأكرم خدمائه ،

 

وقال : أخترق به الدور المربع وأشرق به على الكور المسبع ، فإذا حصل مفاتيح الخزائن ، وموازين المعادن ، رده إلي ، وأحضره بين يدي ، فاخترق بي تسعين فلكا ،

فرأيت مع كل فلك ملكا ، يرجع ( أمر ) هؤلاء الأملاك إلى ثلاثة أملاك :

الملك الواحد موكل بالحليل ،

والملك الآخر موكل بالموت ،

والملك الآخر موكل بالأنفاس ،

ومدة تدبيرهم في العالم ثلاثة وثلاثون ألف سنة ، وتدبيراتهم شريفة حسنة ، بين أيديهم سبعة أملاك على صور المردان ،

كأنهم قضبان خيزران ، لهم انثناء وانعطاف ، وبركات وألطاف ، لانبات بعوارضهم ، ولا تأخر عندهم في أداء فرائضهم ، وأعراضهم طيبة الروائح ، بأيديهم الطوابع والمفاتح ، قد شمروا أذيالهم ، وقصروا أردانهم ، وثبتوا مكانهم ، علامون بما يراد منهم ،

 

محكمون لما يصدر عنهم ، منهم خمسة لهم حركة واحدة ، واثنان لهم حركتان ، واثنان منهم بين يدي ملك التحليل ، واثنان منهم بين يدي ملك الأنفاس ، وواحد منهم بين يدي ملك الموت ، ما عندهم علم بغير ما هو سلطانهم عليه .

 

وأما الأثنان فالواحد منهم له علم التحليل والموت ، والآخر له علم الأنفاس والموت ، فلملك الموت تصريفهما معا ، ولملك التحليل تصريف الواحد منهما ، ولملك الأنفاس تصريف الآخر ، وهم على درجات معتدلة متساوية في العدد والقوة وأحكام الفعل ، غير أن الاثنين أعلم من الخمسة لتحصيلهم العلمين .

 

فلما عاينت هذه المراتب سلكت هذه المذاهب ، أشرف بي علي الكون المسبع ، وهو العرش الأكمل المعظم المكرم الأرفع فعاينت ما أحدث اللّه في قلوب العباد على مراتبهم في تحركات تلك الأفلاك ، وتوجهات أولئك الأملاك ،

 

وذلك أن اللّه تعالى عنده ( هذه ) الحركات الفلكية ، والتوجهات الملكية ، يجمع بين الأنوار والأسرار في موقف السوا على رقيقة من الحقيقة في العالم المعقول والمحسوس .

 

ويسرى بين حقائق النفوس ، ويظهر معارف التأسيس ، ويكسر الأرواح أنفاس النور ، ويذهب كل باطل وزور ، ويحل على العلماء باللّه وبالأحكام : المسائل المعقدة في العلوم المقيدة وغير المقيدة ، ويوضح المبهمات - ويشرح المشكلات ،

وتفتح معالم الصنائع في قلوب الصناع ، ويحسن مواقع النغمات في الأسماع ، وسيل أودية المعارف في قلوب العارفين ،

 

وتنفجر عيون العلوم في نفوس العالمين ، وتعظم أنهار الأسرار والحكم في قلوب الحكماء المحققين ، وتترادف التنزلات الغيبيات ،

 

وترتفع الأسرار الرحموتيات ، إلى أعلى فروع سدرة الانتهاءات ، ويفتح على الشيوخ المربين علوم العلل والأدوية ، ومعرفة اعتدال الأهوية النفسانية المردية وغير المردية ،

 

ويبدو لأهل المجاهدات نتائج المجاهدات ، وتعطي ما فيها بالقوة من الكائنات المستحسنات ، فطائفة منهم تنعم بالمشاهدات الذوقية ،

 

وطائفة منهم تنعم بمشاهدات الأنفاس والروائح العطرية ، وفي الخضر تجتمع هذه المقامات ، وعليه تبدو هذه البركات ، وفي هذه التوجهات والحركات تنفخ أرواح المعاني في قلوب أهل البدايات ! وترضع أطفال المريدين ثدي أوائل التجليات ،

 

وينتشر عالم الصعود ويقلب أحوال البقاء ، وتتشوق همم العارفين إلى الوصال ، وتتسابق العباد بالأعمال والمريدون بالأحوال ، ويفني ما يضاد البقاء ، ويموت ما يقابل الحياة ، وينمحي ما يناقض الإثبات .

فهذا ذكر بعض ما عاينت في الكور من تأثير النمط الأول من هذا الدور .

 

ثم ردني إلى النمط الثاني من هذا الدور - فقطع بي تسعين فلكا ، أبصرت أيضا مع كل فلك ملكا ، يرجع أمرهم إلى ثلاثة أمرك ، الملك الأول موكل بالحياة ، والملك الآخر موكل بالتركيب ، والملك الآخر موكل بالفناء ، ومدة تدبيرهم في العالم أربعة ، وعشرون ألف سنة ، بين أيديهم سبعة أملاك مقتبلوا الشباب ، كأنهم أبناء خمسة وعشرين سنة ،

 

معصومون في أغراضهم ، أقوياء في انتهاضهم ، أشداء على التصريف ، علماء بحدود التعديل والتحريف ، وحالهم مع الثلاثة الأملاك كحال السبعة المتقدمين في الخدمة وترتيب الحكمة ، خمسة منهم علماء بفن واحد ، اثنان لملك الحياة وواحد لملك الترتيب ، واثنان لملك الفناء .

والاثنان : الواحد عالم بالحياة والتركيب ، والآخر عالم بالتركيب والفناء .

 

فلما عاينت منحاهم ، وتحققت مغزاهم أشرف بي على الكور المحبوب ، لأرى تأثيراتهم في القلوب بأنواع الغيوب ، وذلك أن اللّه تعالى عند هذه للحركات الفلكية ، والتوجهات الملكية ، يظهر عالم الأسرار على عالم الأنوار ،

 

ويكون العلم في المغرب أكثر منه في المشرق ، ويقر العارف الرباني بالسبق الإلهي المحقق ، ويتقوى سلطان الاصطلاح على أهل الأحوال والكرامات ويتمكن العلم النوري في قلوب أهل المقامات ، وطلبت الأسرار عالمها ، وسلطنت عالمها ، وأحتدت شوكتهم ،

 

وقامت مملكتهم ، واستحكم سلطان الشهوات على عالم النفوس ، وبانت حقائق الحس والمحسوس ، وظهر الضعف في العقول ،

وانقطعت مواد المعقولات واستمرت مواد المنقول ، واحترقت النفوس شوقا إلى التجليات واستحكم سلطان الحب في نفوس المحبين حين ظهرت لهم إتصالات النهايات ، ورفعت لهم أعلام الغايات ،

وتغمرت بحار المحسوسات بفنون الانفعالات ، ورضع أطفال المريدين ثدي الملقيات ، وتجلت العظمة المعظمة لأسرار الأولياء وتمكنت النشأة البشرية بما أعطيت من الأسماء الإلهية ، من تسخير الأرواح التي أسرارها في أقدامها ، والأرواح التي معارفها في جوانبها .

 

وهذا بعض ما عاينت في الكون من تأثير النمط الثاني من هذا الدور ، وقطعت كل نمط من هذا الدور بإقامتي فيه خمسة عشر يوما ونصف يوم ، وست ساعات ، كل يوم منها مقدار ستة أيام ونصف من أيام الدنيا .

 

ثم ردني إلى النمط الثالث من هذا الدور ، فجبت تسعين فلكا قد وكل اللّه مع كل فلك ملكا يرجع أمرهم إلى ثلاثة أملاك ،

الملك الواحد موكل بالنفس ، والآخر موكل بالأرواح ، والثالث موكل بالنيران ، ومدة تدبيراتهم في العالم خمسة عشر ألف سنة ، يتصرف بين أيديهم سبعة أملاك كهول ، قد كملت قواهم وتحكمت عقولهم ، وحسن تدبيرهم في التقسيم على حكم الخدماء المتقدمين في الدرجات ، والتساوي .

 

فلما أطلعت على سرهم ، وكشفت ما خفي على الناس من أمرهم ، نزلت إلى الكور لأرى تأثيرهم المودع في ذلك الدور .

 

وذلك أن اللّه تعالى ساوى في الدقيقة بين عالم الأنوار والأسرار ، وسكن فلق المشتاق ، وخمدت نيران الاشتياق ، وطرأت على القلوب التغييرات ، وقلت المعارف ، وتوقفت التنزلات ، واحتجبت المقامات المتجليات وانقطعت موارد علوم العلل والشفا ،

 

وذهبت أسرارهم فكان أصحابها على شفا ، ورجع العالمون عارفين  بسر الانتقاص ، وحكمة المناص ، وتوفرت دواعي الاخلاص ، وحصل الواقفون في موقف السلب ، وتجلى الاسم ( الحفيظ ) وسمع للملأ الأعلى ، لانضغاضهم كظيظ ،

 

وانتقلت المحبة من المحبوب إلى الحب المطلوب ، ووقفت العصمة على الخواطر والقلوب ، وأنطردت الوساوس والأبالس ، ولم يكن لعالم الأرواح قوة في التصرف إلّا الخسائس ،

 

وظهرت أسرار الأكوان ، وما تضمنه الملوان ، واستوى الخفيف والثقيل ، والبعيد والقريب ، فهذا بعض ما عانيت في الكور من هذا النمط الثالث من هذا الدور وقطعته في خمسة عشر يوما ونصف يوم ، وست ساعات ، كل يوم منها مقدار ستة أيام ونصف يوم من أيام الدنيا .

 

ثم ردني إلى النمط الرابع من هذا الدور ، فدرت مع تسعين فلكا قد رتب اللّه لكل فلك ملكا يرجع أمرهم أيضا إلى ثلاثة أملاك الملك الواحد ، موكل بالمحو ، والملك الآخر موكل بالإرجاء ، والملك الثالث : موكل بالعلم ، ومدة تدبيراتهم ستة آلاف سنة ،

 

بين أيديهم سبعة أشياخ هرم لهم قوة الشباب ، يتصرفون في كل ما يؤمرون ، وحكمهم حكم من تقدم من إخوانهم في التسخير والانفراد والاشتراك ، والمساواة وغير ذلك ، فلما فككت رمزهم واستخرجت لغزهم : أطلعت على الكور لأرى ما ظهر عن بسلطا هذا الدور في قلوب أهل الغور ، والحور والعدل والجور .

 

وذلك أن اللّه تعالى عند هذه الحركات العلويات والتوجهات الافقيات :

أظهر عالم الأنوار على عالم الأسرار ، ووقعت النجوم ، وكثرت التنزلات من الحي القيوم وكورت الشمس ، وطمس الحس ، وسيرت الجبال ، ونسفت الرمال ، وعطلت العشار الظاهرة ، وحشرت الوحوش المتنافرة ، ووقع ملطوفان ، وزفر البركان ، وزوجت النفوس وتعشق بالمحسوس ، ونشرت الصحائف ، وتبينت المعارف ، وظهرت اللطائف ،

 

وأوتي بجميع الظرائف ، واتصل حبل التلاق ، وكثر بين المحبين اللثم والعناق ، وثل عرش الفراق ، ونثرت الكيان نجوم أسرارها ، واطلعت البرازخ لوامع أنوارها ، وخلي البرزخ من سكانه ، وتعشق التاجر بدكانه ، وضجر أهل الشكوك وتنعم سمراء الملوك ، ونبت الريحان في النيران ،

 

وظهرت يواقيت اللهب في العيان ، وعمرت المعادن كلها بروح التكوين ، وجاء الرب في ظلل من لغمام ، والملائكة في لحف الظلام ، وكثرت مناجاة الوعد والوعيد ، وتقصفت جوانح المحبين ، وذابت أبدان العارفين ، وسكنت النفوس بآلافها ومألوفاتها ، وحنت لعرافها ومعروفاتها .

 

فهذا بعض ما عانيت في الكور من تأثير هذا النمط الرابع من هذا الدور ، وقطعته في قدر المدة التي قطعت فيها النمط الذي قبله .

 

فلما وقفت على هذه المعارف ، وحصلت فنون هذه « الأسرار واللطائف » رددت إلى السيد الإمام « إدريس » صاحب التأسيس ، فقال لي : إيّاك والنسيان ، فإنه سببب الحرمان .

 

ثم قال لي ركب جوادك ، واشحذ فؤادك ، وسر إلى حضرة أبيك ، وحافظ على ما يحصل لك في تجليك ، واعرف أسرار الإنسان الوحيد وهناك يتبين لك الفرق بين المراد والمريد.

جعلنا اللّه وإياكم ممن عرف نفسه ، وشاهد شمسه . بمنة : لا رب غيره آمين .


التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: