الأحد، 28 يونيو 2020

رسالة المحبة .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

رسالة المحبة .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

رسالة المحبة .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي رضي الله عنه

رسالة المحبة

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أن للمحبة أربعة ألقاب:

منها الحب: وهو خلوصه إلى القلب وتنقيتها عن كدورات العوارض، فلا غرض له ولا إرادة مع محبوبه.

واللقب الثاني: الود، وله اسم إلهي، وهو الودود، والود من نعوته، وهو الثبات فيه، وستي الودود لثبوته في الأرض.

واللقب الثالث: العشق، وهو إفراط المحبة، وكنى به بشدة الحب في القرآن العظيم في قوله: " وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ" ، وقوله: " قد شغفها حبا"، أي صار حبها ليوسف عليه الصلاة والسلام على قلبها كالشغاف، وهي الجلدة الرقيقة التي تحتوي على القلب، فهي ظرف له، فتحيط به، وقد وصف الحق نفسه بشدة الحب، غير أنه لا يطلق اسم العشق والعاشق عليه تعالی.

واللقب الرابع: الهوى، وهو استفراغ الإرادة في المحبوب، والتعلق به في أول ما يحصل في القلب، وليس لله تعالی منه اسم.

وقلنا فيه:

علق بمن أهواه عشرين حجة    ….   فلم أدر من أهوى ولم أعرف الصبرا

ولا نظرت عيني إلى حسن وجهها  ….   ولا سمعت أذناي قط لها ذكرا

إلى أن تراءى البرق من جانب الحمى …     فنعمني يوما وعذبني دهرا


وقلنا فيه أيضا:

علق بمن أهواه من حيث لا أدري  …..  ولم أدر من هذا الذي قال: لا أدري

قد حلت في حالي وحالت خواطري و  …..  قد حارت الحيرات في وفي أمري

فبينا أنا من بعد عشرين حجة      ….. أترجم عن حب يعانقه سبي

فلم أدر من أهوى ولا أعرف اسمه  ……   ولم أدر من هذا الذي ضمه صدري

إلى أن بدا لي وجهها من نقابها     …… كمثل سحاب الليل أسفر عن بدر

فقلت لهم: من هذه؟ قيل: هذه     ….. بنية عين القلب بنت أخي الصدر

فكبرت إجلالا لها و لأصلها      …..     فليلي بها أربى على ليلة القدر


واختلف الناس في حده ، فما رأيت أحدا  حده بالحد الذاتي، بل لا يتصور ذلك.

فما حده من حده إلآ بنتائجه وآثاره ولوازمه.

ولا سيما وقد اتصف به الجذاب العزيز، وهو الله عز وجل.

وأحسن ما سمع فيه ما حدثنا غير واحد عن أبي العباس بن الصنهاجي رحمه الله تعالى، قالوا سمعناه يقول وقد سئل عن المحبة فقال:

" الغيرة من صفات المحبة، والغيرة تأبى إلا الستر، فلا تحد."

وألطف ما في الحب وجدته، وهو أن تجد عشقا مفرطا، و هوی وشوقا مقلقا وغراما ونحولا، وامتناع نوم، ولذة طعام، ولا تدري فيمن، ولا بمن؟

ولا يتعين لك محبوبك، وهذا ألطف ما وجدته ذوقا، ثم بعد ذلك بالاتفاق.

أما يبدو لك تجلي في كشف فيتعلق الحب به، أو ترى شخصا فيتعلق ذلك الوجد تجده به عند رؤيته، فتعلم أن ذلك كان محبوبك وأنت لا تشعر.

أو يذكر الشخص فتجد الميل إليه بذلك الهوى، فتعلم أنه صاحبك، وهذا من أخفي دقائق استشراف النفوس على الأشياء من خلف حجاب الغير.

فيجهل حالها، ولا تدري بمن هامت، ولا فيمن هامت وما هيامها؟

وتجد الناس في ذلك القبض والبسط الذي لا يعرف له سبب، فعند ذلك إما يأتيه ما يحزنه، فيعرف أن ذلك القبض كان لذلك الأمر.

أو يأتيه ما يسره فيعرف أن ذلك البسط كان لهذا الأمر.

وذلك لاستشراف النفوس على الأمور من قبل تكوينها في تعلق الحواس الظاهرة، وهي مقدمات التكوين، وينسبه ذلك أخذ الميثاق على الذرية بأنه ربنا .


(إشارة الشيخ الأكبر رضي الله عنه إلى الآيات 172- 174 من سورة الأعراف:

"وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)").

فلم يقدر أحد على إنكاره بعد ذلك، فيجد في فطرة كل إنسان افتقارا لموجود يستند إليه، وهو الله تعالى، ولا يشعر به بعد ذلك.

ولهذا قال تعالى: "يا أيها الناس أنتم القراء إلى الله "  ، يقول له: ذلك الافتقار الذي تجدونه في أنفسكم متعلقة بالله لا غيره، ولكن لا تعرفونه، فعرفنا به الحق.

ولما ذقنا هذا المقام قلنا فيه:

علقت بمن أهواه عشرين حجة   ….

بالتمام إلى آخره، والله أعلم.

تم في مكة.


التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: