الأحد، 28 يونيو 2020

رسالة الوقت والآن .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

رسالة الوقت والآن .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

رسالة الوقت والآن .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي رضي الله عنه

رسالة الوقت والآن

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلى الله على سيدنا محمد صفوته من خلقه وآله وصحبه وسلم.

اعلم أيها الأخ الموفق السعيد، بعناية الله الحميد المجيد، أن مدار طريق أهل الله، وهم السادة الصوفية الموصل إلى الله تعالى، على حفظ الوقت، والقيام بحكمه ومرسومه.

وهذا الوقت الذي وقع عليه اصطلاح الصوفية، من الأمور الدقيقة الغامضة التي لا يتنبه لها، إلا المؤيد بنور البصيرة القدسية، والمنصور بعناية الحضرة العلية، والحقيقة الإلهية.

والمراد به وقت المريد السالك الرامي إشارته إلى الحق، عن قوس صدق العزيمة السائرة على ضوء مصباح اليقظة، أو على ضوء مصباح الكشف الصادق، ولا يزال هذا الوقت مشهدا في باب السلوك، مصاحبا للسالك، حتى يفنى رسم السالك في وجود الحق، ثم يحققه بفني رسم الوقت بالحق، ومن هنا قال المتقدمون من علماء الحق:

إن الوقت هو الحق لاستغراق رسمه في الحق، وقد كشف لنا الحق في الوقت أمرا جليلا ذكرناه في الجزء الثاني من كتاب: "السر الأحدي".

وتلخيصه: إن الوقت واحد مشهد، لكنه يختلف بحسب اختلافات المقامات، والمقصود ها هنا: ذكر وقت المرید

16

الصادق فهو برزخ بين الجلال والجمال، وهو باطنه وباعثه إلى نعت الجمال، وإلى نعت الجلال على السواء.

وذلك أن وقت المريد هو أن من الفرد الأحد، الذي هو أجل أن يعبر بوقت، لنزاهته عن الوقت، و سابقيته على الإلهية والفناء والبقاء في شأن الخلق الجديد، المشار إليه بقوله:

"بل هم في لبس من خلق جديد" ، فالمريد الصادق محتجب في الوقت من أجل المؤقت، بالقيام فيه بحق العبودية للحق على الحضور، وهو في عين ذلك الوقت ملاحظ النعت الجمال واللطف، ولنعت الجلال والقهر على السواء.

فأما كونه ملاحظا لنعت الجمال واللطف، فهو من كونه مخصصا في عين ذلك الزمن الفرد بالوجود، الذي اقتضى الحق منه القيام بالعبودية فيه، التي أوجده لها.

ويشهد ذلك من لطف الحق به، ومراعاته إياه، وحسن توجيهه إليه، في عين ذلك الزمن الفرد.

وأما ملاحظته لنعت الجلال في عين ذلك الوقت الدقيق، فهو من حيث ملاحظته بسلب وجوده، العائد لله في عين ذلك الوقت بالعبودية.

فإن وجود الكائنات كلها، إنما هو ثوب معار عليها بتخصيص من الحق، ينزعه مالكه إذا شاء بأسرع وقت.

فلهذا قلنا لك: إن وقت المريد الصادق برزخ بين الجلال والجمال، فهو لا يشهد في الزمن الفرد العالم فيه الله بالعبودية، إلا مسألة الجواز بين وجوده وعدمه في عين ذلك الوقت وإلى ذلك الإشارة بقولهم: .

"الصوفي ابن وقته" ، فهو وإن كان مخصصا في عين ذلك الوقت بالوجود العالم بالعبودية، فهو لا يحكم على الحق باستمداد الوجود إلى ما فوق ذلك الوقت، الذي هو فيه بالوجود.

وإن شاء سلب عنه الوجود في عين ذلك الزمن، فالمريد عمي من غير الوقت الدقيق في التحقيق، فيقوم الله في عين ذلك الوقت الدقيق، بعبودية مودع على حسب ما يعطيه تحققه في مقام الإشارة، قال عليه السلام:

"إذا صليت، صلى صلاة مودع"، وهو الذي لا يرى له وجودا أبدا على عين وقته الدقيق، الذي هو فيه بالتحقيق، فإذا كانت عبودية المريد عبودية مودع في مقام الإحسان، الذي أشار إليه بقوله عليه السلام:

"اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وهو مقام المراقبة والحضور، بالمحبة والأدب، حصل الإرب، ونجح القصد، وانطوى رسم الوقت في عين الحق، وهذا هو الصوفي، الذي هو ابن وقته.

وقد ورد في الحديث حين سئل: من أسعد الناس یا رسول الله؟

قال: " أسعد الناس من لم ينس المقابر والبلي، وعد نفسه من الموتى، ولم يحسب من أيامه غد".

وهو عين ما ذكرناه؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم: ولم يحسب من أيامه غدا بقيت أوقاته الدقيقة الفردية، التي له عند الحضور في الحقيقة.

فإن من عد نفسه في عين كل وقت دقيق من الموتى، فهو ملاحظ عدمه في الزمن الفرد، ملحوظ من باب نعت الجلال، وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم الأيام، لكونه مشرعا متكلما عن العامة، فالكلام الجامع الذي يعطيهم مشربه من حيث عمومه، ويعطي ذا الحاجة مشربه من حيث خصوصه.

وهذا مطرد في كلام الله، وفي كلام رسوله؛ فإن الحاجة لا تقع عندهم إلا أيام الرب، التي هي الشهور الإلهية في متعلقاتها؛ لكونهم طالعوا سر الألوهية في المخلوقات، وفرض فعل القدرة وانفعالها في الزمن الفرد، فلم يقع عندهم من العبارة المحمدية والأمر المطابق للمعنى الإلهي.

وأما العامة، فأخذوا اللفظ من حيث عمومه، وساغ لهم مشربه من هذه الحيثية، لتوسع الرحمة المنزلة إليهم، المشار إليها بقوله تعالى:

"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" . فاعلم هذا أيها الأخ الموفق السعيد، واحفظ الوقت المشار إليه:

"بل هم في لبس من خلق جديد" ، فإن السر كله في حفظ الوقت، والقيام بحكمه ومرسومه.

فافهم هذه السدنة الصغيرة، فإنها جليلة القدر، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.

والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه بعده، وعلى أتباعه وجنده وسلم


التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: