الجمعة، 19 يونيو 2020

الباب السابع في ذكر الوزير وصفاته وكيف يجب أن يكون .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب السابع في ذكر الوزير وصفاته وكيف يجب أن يكون .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب السابع في ذكر الوزير وصفاته وكيف يجب أن يكون .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

الباب السابع في ذكر الوزير وصفاته وكيف يجب أن يكون

 

جرى التدبير الرباني الحكمي في العادة أن لا يستقيم أمر ملك في ملكه إلا بوزير يدبره يكون واسطة بين المالك والمملوك.

ولذلك اقتضت الحكمة لما أبرزنا هذا الخليفة المذكور أن نجعل له وزيرة يسمى عقلا، وعليه يتوجه الخطاب من الله تعالى إذ هو مدبر المملكة.

قال الله تبارك وتعالى : "وإن في ذلك لآيات لأولي الألباب" [آل عمران: 190].

قال تعالى : "وأولي النهى" [طه: 128] . قال تعالى : "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أي عقل، أو ألقى السمع وهو شهيد" [ق: 37] أي عقيل .

فأوجد الله سبحانه لهذا الإمام هذا الوزير الذي يقال له العقل، وإنما سمي عقلا لأنه يعقل عن الله تعالى كل ما يلقى إليه ، وهو على المملكة كالعقال على الدابة يحفظها حذر الحران. "العقال : حبل يربط به البعير في وسط ذراعه" . "حرنت الدابة : وقفت ولم تطع صاحبها في الانطلاق" .

ولهذا سماه عقلا واصطفاه له وزيرة فعيلا. يحتمل أن يكون من الوزرا والوزر وكلاهما موجود فيه.

فإن كان من الوزر الذي هو الثقل فإنه حامل أثقال المملكة وأعبائها؛ وإن كان من الوزر الذي هو الملجأ.

فإنه يلجأ إليه في جميع الأشياء، إذ هو لسان الخليفة والمنفذ عنه أوامره فلهذا المعنى صح عليه اسم الوزارة.

لما لم يكن أيضا بد من وجود معنى هذا اللفظ وهو موجود عجیب و مخترع لطيف ، أوجده الباري في ثاني مقام من الإمام، وأنزله من الخليفة منزلة القمر من الشمس على مذهب من يقول بالاستمداد .

ولهذا تراه عند حضور الملك وتجليه ليست له تلك الصولة ولا يبصر، لأن الأمر هناك صادر عن الإمام بارتفاع الوسائط، وهيبة المشاهدة عظيمة .

وحظها من كتاب الله قوله تعالى : "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" [غافر: 16] وفي وقت الحجاب وقعت الدعاوى . "نعوذ بالله من حجاب الدعوى".

فمتى احتجب الخليفة، كان للوزير الظهور وإنفاذ الأوامر والإعطاء والمنع، إذ هو لسان الخليفة والمترجم عنه ؛ وهذا موجود سر روحانية القمر والشمس.

 ألا ترى القمر إذا حصل في قبضة الشمس ليس له نور ولا ظهور لاستيلاء الشمس عليه؟ فإذا كانت الليالي البيض كان له الظهور التام بمغيب الشمس عن مرأى أعين الناظرين.

فالقمر في ذلك الوقت يشاهد الشمس والعالم والناس لا يشاهدون إلا القمر، وهذا سر عجيب وهذا باب عظيم لأهل الحقائق فيه مجال وانفساح ، ولأرباب القلوب فيه اعتبار بین اندماج واتضاح، لأن الحكمة عجيبة في إبداره على قدر أسراره (ثلاثة بثلاث ).

وقد ذكرنا هذا السر في غير هذا الموضع مستوفي في كتاب «المثلثات» لنا، وحظه من الكتاب العزيز " قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس الناس" [الناس : 1، 2، 3].

"وكان شيخنا أبو مدين رضي الله عنه ما حصل له من سر الوجود عند التجلي المحمدي إلا مقام ملك الناس".

ولهذا كان يصرح بأن سورته من القرآن: "تبارك الذي بيده الملك" ، [الملك: 1] ومقام إله الناس انفرد به القطب.

ولذلك كان أبو مدين أحد الإمامين الموجودين في العالم .

ثم نرجع ونقول: فلما أبدع بنيته وسوی جوهريته أودع فيه حسن التدبير والسياسة ، وجميع الأمور اللائقة بالمملكة من مقامه إلى أدني موجود من رعيته، وعلى هذا المهيع وردت الشرائع. "المهيع: الطريق الواسع البين"

ثم نقش سبحانه جميع العلوم في جوهر ذاته فصار محلا للعلوم مع أنه لا يدري أين يصرفها ولا الحالات التي يصرفها فيها؛ وذلك حكمة منه تعالى ليكون مضطرة إلى الخليفة، كما فعل بالخليفة فيما تقدم عارف بنفسه وقدره، و عارفا بمخدومه الذي أوجده من أجله.

ثم أجلس سبحانه الخليفة على عرش الوحدانية ورداه برداء الفردانية وخلاه بالصفات الإلهية، فاكتسى من الإجلال والهيبة والعظمة ما لو ظهر لعالم الشهادة منها مقدار سم الخياط" لبهرهم وصعقوا من حينهم وسلبوا عن نفوسهم وهذا مقام الخليفة، فكيف بنا بمشاهدة الحق سبحانه في دار الكرامة . "سم الخياط : ثقب الإبرة."

فانظر وفقك الله ما أعظم هذه القدرة العجيبة التي يؤيدنا الله بها في إدراكنا عن النظر إليه جل جلاله في الدار الآخرة.

فلما قام الخليفة في هذا المقام أدخل عليه العقل، فلما دخل عليه تجلت صورة العقل في جوهریته في دار الخليفة فلاحت له الأسرار والعلوم المنقوشة فيه ، والناس يغلطون في هذا المقام فيطلبون من خارج ما هو فيهم فيتعبون ولو وقفوا عند قوله تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" [الذاريات : 21] لاستراحوا.

 شعر :

قد يرحل المرء لمطلوبه      ……       والسبب المطلوب في الراحل

فإذا أراد العقل معرفة شيء من تدبير الملك وإصلاحه افتقر عنه ذلك إلى مشاهدة الإمام .

فعند المشاهد يلوح له المراد فيه فيقوم له التجلي منزلة الخطاب من الملك العلام إلى الوزير .

إذ المراد حصول العلم، وبهذا يعبر عن مخاطبة المعقولات فإنهم ليسوا بأجسام تكون فيها أصوات وحروف.

وإذا لم تكن أصوات وحروف ورقوم إلى غير ذلك من الدلائل فـ لك أن تنظر إلى ما تؤدي إليه تلك الأدلة من الأصوات وغيرها في قلب السامع فهو حصول المعنى، وهو أثر الكلام من المخاطب .

[فكذلك إذا]  حصل للعقل آثار العلوم في قلبه من فيض الروح الكلي عبرنا عنه بالكلام والقول والخطاب .

فلما أوجده على هذه الصفة جعل مسكنه الدماغ ليشرف على أقطار المملكة وأن يكون قريبا من خزانة الخيال التي هي مستقر جبايات البادية وقريبة من خزانة الفكر والحفظ حتى يقرب عليه النظر في جميع مهماته .

فينبغي لك أيها الخليفة الأكرم أن تحافظ على وزيرك و تسايسه وتتحبب إليه، فإن في بقائه صلاح ملكك ومدينتك.

ألا ترى إذا اتفق في العقل شيء وهلك بفساد محله كيف تخرب مدينة الجسم ولا يقدر الروح على تلفيقها؟

فحافظ على الوزير "حفظك على نفسك"  فهو يدك التي بها تبطش وعينك التي بها تبصر، فمتى هممت بإمضاء أمر في ملكك فقرب العقل وتدبر معه وشاوره، وانظر إلى ما يصدر عنه فيه، واعمل بما يشير به عليك فإن الله تعالى قد أودع الصواب في رأيه .

وتحفظ من الوهم فإن الوهم موجود يبرز للنفس على صورة العقل، فقد يلتبس عليك وهو وزیر مطاع، له في الإنسان تأثير عظيم.

 وهو المستولي على الناس والباعث على الأفكار الرديئة، وهو يورث الوسوسة، فتحفظ منه و میز وزیرك عينا واسما، ولا تستبد بنفسك فلا خير في أمر ولا ملك لا يدبره عقل.

ولما كان الوزير قد يشتبه به من أكثر وجوهه وصفاته لا من كلها اضطررنا إلى نعته بالنعوت الكاملة التي لا يمكن للوهم أن يتشبه بها على الكمال .

فانظر إلى النعوت التي أنا أذكرها لك إن شاء الله ، فإذا رأيتها قد قامت بموجود ما فذلك وزیرك وهو المراد، فاحفظها و حصنها "وحصلها وحصنها".

 تحفظ إن شاء الله تعالی.


تفصيل خلق الوزير وصفاته:

فاعلم رحمك الله أن العدل شخصه، والهمة رأسه، والجمال وجهه ، والحفظ حاجباه، والحياء عيناه، والطلاقة جبينه، والعزة أنفه، والصدق فمه، والحكمة لسانه ، والنية عنقه ، والسعة واحتمال الأذى صدره.

والشجاعة عضده، والتوكل مرفقه، والعصمة معصمه ، والكرم كفه ، والإيثار بنانه ، والسجود يده، واليمن يمينه، واليسر يساره، والورع بطنه، والعفة فرجه، والاستقامة ساقه، والرجاء والخوف قدماه، والفطنة قلبه .

والعلم روحه، والأمانة حياته، والزهد لباسه، والتواضع تاجه، والخشية إكليله، والحلم خاتمه ، والأنس بيته، والهدى طريقه، والشريعة مصباحه، والفهم دثاره، والنصح شعاره.

والفراسة علمه، والفقر کسبه، والعقل اسمه، والحق سمعه، فإذا رأيت هذه الأوصاف فاتخذه وزیرة ولليلك سميرة.

قال المؤلف رحمه الله :

ولما كانت الفراسة علم هذا الوزير المذكور ومحل کشفه واطلاعه على ممكنات الخواطر و مغيبات الأمور، احتجنا إلى أن نسوق منها طرفا مختصرة عقيب هذا الباب، حكمية وشرعية إن شاء الله .


التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: