السبت، 27 يونيو 2020

الباب الثاني والخمسون في اختصاص الصبح بيوم السبت ، ومن هو الامام فيه ، وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الباب الثاني والخمسون في اختصاص الصبح بيوم السبت ، ومن هو الامام فيه ، وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الباب الثاني والخمسون في اختصاص الصبح بيوم السبت ، ومن هو الامام فيه ، وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي رضي الله عنه

الباب الثاني والخمسون في اختصاص الصبح بيوم السبت ، ومن هو الامام فيه ، وما يظهر فيه من الانفعالات

لم يبق للأيام فعل ينتمي * فيه إليها غير يوم السبت

يوم له فضل على اخوانه * فيه وضعنا سرنا بالسبت

يوم إذا رفعت لنا أعلامه * قطعت إليه ركابنا بالسبت

منها منطقة عزيز نيلها * وقلائص : موصوفة بالصمت

وقلائص حرنت على ركابها * وقلائص : موسومة بالسمت

( وقلائص تشكو الطوى في سيرها ) * وقلائص شغلت برعي النبت

وقلائص تشكو ؟ الوجا وقلائص * حفيت [ وتوضع ] في السرى المنبت

لا تشتكي ألم الوجا لخلوصها * في سيرها من سطوات السبت

للّه من يوم كثير فعله * في الكون محمود كريم الشخت

يوم تصرف في جهات ستة * ملك على الأيام سامي التخت

شمس اليمين مع الإمام ، وفوقه * ليل الشمال وخلفه والتحت

ما زال مخصوصا على إخوانه * بالجمع في تصرفه والشت

فله المشيئة في سرائر ملكه * بالوصل في ترتيبها والبت

لا تنتمي لحقيقة علوية * إلّا إذا جاءت بوفق البخت

للشرع منه شفاعة مقبولة * مقسومة من أجل أهل المقت

بين الذي ما زال يعبد واحدا * في الفطرتين وبين أهل التخت

يدني سعادته من أهل جلاله * وكذا شقاوته من أهل السحت

فكأنه صوفي وقت وجوده * ما زال يسكن تحت حكم الوقت

 

ثم جاءت الروحانية المسرحة الإنسانية ، بأيديهم الرايات السود الخراسانية ، ومعهم براق أدهم ، كأنه قطعة ليل مظلم ، فامتطوته عشاء ، واندفعت طالبا اعتلاء ، إلى أن وصلنا سماء الخليل ، فاستأذن الرسول ، وإذا بإبراهيم ( ع ) ، قد غشيته الأنوار الليلية ، والضياءات الإلّيّة ، فعندما أبصرت هذا الأب الثاني ، سويت المثاني ،

واندفعت أقول ( بهذه الأبيات ):

الأمن مبلغ عني مقاما * وقفت : عليه يا أبت السلاما

وملتزما دعوت به إلهي * لقلبي ، والتزمت به التزاما

وقبلت اليمين : يمين ربي * وراعيت المودة والذماما

وكانت قبلة قبلت لكوني * أردت بها التقدم والأماما

فخاطبني اليمين وزاد وجدي * وهيمني فأورثني السقاما

 

وقد أستند إلى البيت المعمور ، المغشي بأستار النور ، « يدخله - كما قال ( عليه الصلاة والسلام ) - سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا » فهفا إليه الروح ،

وتأخرت التربة ، وهاجت به الأشواق إلى الطواف بالكعبة ، فانبعث الحس من زاوية تربته ، مخيرا ما استقر عنده من الشوق إلى الكعبة:

اني إلى الكعبة الغراء مشتاق * فيها لعشاقها في السر أعلاق

إذا تذكرت أسراري ومشهدها * فيها تحركني للبين أشواق

اللّه يعلم أني لست أذكرها * إلّا وعندي لذاك الذكر أحراق

فالروح تائهة ، والنفس وآلهة * والقلب محترق والدمع مهراق

 

فلما سمع بذلك الوالد الإسلامي ، والسيد النجدي التهامي ، قال : يا بني أبعد الوصول إلى البيت المعمور ، ووقوفك في مشهد النور ، تحن إلى البيت الذي لا يبور القائم بالتراب وبالصخور ؟

 

فقلت : يا أيها السيد ( الأميلد ) لا حرج على من حن إلى جنسه ، فإنه اشتاق إلى نفسه ،

الا ترى كيف هفا إلى البيت المعمور ، وهم بالخروج من حبسه ، فهو ينزعج ويمسكه الأجل المسمى ، فهو كمقعد يحمله أعمى ، فلو تخلص من ناشئه ليلته ، وشدة وطأتها ، وتحرر من ثقل الكلمة التي ألقيت عليه ، وعظيم سطوتها ،

 فلو وهب السراح : راح ، ولو منح المفتاح : استراح .

يا أبت : كيف لا أشتاق إلى تلك المناسك والأعلام ، وأنت الذي أسستها لعالم الأجسام ، وأعليته للمتثاقلين عن النهوض إلى هذه المشاهد الكرام .

فقال : ظننت أن سرك أنحجب بتربته ، ولهذا حن إلى كعبته ، ثم قال يا أبا رزين ، ويا أيها العاشق المسكين ، المشغوف بالحجارة والطين ، كيف تركت سرك بالكعبة حبيسا ، وصرت في العالم العلوي رئيسا .

فتنفس أبو رزين الصعداء ، وقال : واشوقاه إلى أعلام الهدى ، وعظم هيجانه ( واشتد ) ورق أنينه ،

وأنشد ( هذه الأبيات ):

قل لبيت الحبيب رفقا قليلا * بقليب أمسي عليلا ذليلا

لست أنسى بلابلا بفؤادي * يوم نودي بنا الرحيل الرحيلا

ليت أنى يوم النوى والتداني * للوداع أبقى لديه  قتيلا

لست أنسى ببطن بكة يوما * قوله لي : باللّه صبرا جميلا

إن بي مثل ما بكم فلتكن * بي طيب النفس : للسرور وصولا

لم أزل حين بنت عنهم وقاموا * ( اشتكي ) الوجد والجوي والغليلا

وأنادي في كل فج فؤادي * وأقاسي منه عذابا وبيلا

 

فرق له المولى ، وقال : النزول إلى الكعبة بهذا المسكين الواله أولى .

فقلت : يا أبت إذا مشينا بأخينا هذا أبدا إلى مغناه ، متى يلتذ السر بمعناه .

فقلت : يا بني إذا سريت بفكرك إلى عالم المعاني ، أنحجب حسك عن التلذذ بالمغاني ، وإذا سري حسك في المغنى ، لم ينحجب سرك عن مشاهدة المعنى ، فالبقاء مع الحس أولى في الآخرة والأولى ، وسيبدو لك شرفه عند الرؤية في جنة المنية .

فقلت يا أبت فما تراني صانعا ؟ .

قال : أنزل به الآن إلى البيت بعمرة ، قبل أن يبدو الفجر طالعا ، « فنزلت بهمة مهمة » فوقعت في بيداء مدلهمة ، ليس فيها نبات سوى السمرات ، ولا سكان إلّا الأفاعي والحيات ، قد درست طرقها ، فتاة طارقها ، عديمة الأنس ،

 

لم يسكنها جن ولا أنس ، وحشة الطبع ، كريهة الوضع ، فقطعتها بجهد وعناء ، ومقاسات وبلاء إلى أن أشرفت على الأعلام ، فلبيت بعمرة يا ذا الجلال والإكرام ، فلما عاينت البيت : هاج القلق ، وعظم الحرق ، وبادرت إلى الحجر الأسود فقبلته ،

 

وشرعت في الطواف فأكملته ، واستجرت بالمستجار ، والتزمت بالملتزم ، ثم ركعت في المقام ، وشربت من ماء زمزم ، ثم سعيت ، وأحللت ، ثم نهضت إلى السماء ورحلت ،

فلما رآني الخليل قال : مرحبا بالابن الجليل ، هذا الفجر قد بدت دلائله ، وطلعت منازله ، وبدت أعلام الفتح ، من أجل صلاة الصبح ، فتوضأ يا بني من السلسبيل ، فإنه موقوف على أبناء السبيل ، فغسلت يدي ، ولم يكن بها أذى ،

 

فقال أمين النهر : من ذا ؟

ثم مضمضت فأفرطت ، ثم استنشقت فعبقت ، ثم استنثرت فأوترت ، ثم غسلت وجهي فأربت ، ثم غسلت يدي إلى المرافق فسورت ، ثم مسحت برأسي فتوجت ، ثم مسحت بأذني فكلمت ، ثم غسلت رجلي فدملجت ، ثم أقيمت الصلاة فأقمت ،

فلما أحرمنا أحرمنا ، فلما كبرنا كبرنا ، فلما افتتحنا سرحنا : فلما رفعنا : رفعنا ، فلما سجدنا عبدنا ، فلما جلسنا رأسنا ، فلما سلمنا حكمنا ، فرقيت في منبر من السبج ، وقمت فيه خطيبا في سابع درج ، وأنشدت :

ولما بدا الفجر الذي لاح من قلبي * دعاني ودادي للحديث مع الرب

فطهرت أثوابي ، وطهرت بقعتي * وطهرت أعضائي ، وناديت بالحب

حبيبي تراني عند باب جلالكم * فهل لي إليكم من سبيل ومن قرب

تريد جفوني أن ترى نور وجهكم * فتشهدكم عيني ويرعاكم قلبي

ترفق بمن أضحى قتيلا بحبكم * وبالكلف المشتاق وألوانه الصب

أتاكم من الكون الغريب لترفعوا * بفضلكم عنه مشاهدة الحجب

يناجي الذي في قبله من وجودكم * بما جاء منكم في الصحائف والكتب

فمنوا عليه بالوصال فإنه * أسير هوى الجو : إن كان ذا سحب

فو اللّه مالي راحة دون وجهكم * وما لي شفيع أرتضيه سوى حبي

فاطلع شمس الذات في القلب فانتفى * وجودي ، ولم يثبت سوى عالم القرب

فسلمت من تلك الصلاة مقدما * على عالمي كوني ، وعدت إلى غيبي

 

الحمد للّه الذي جعل الهوى خير ما تحج إليه قلوب الأولياء :

وكعبة تطوف بها أسرار ألباب الظرفاء ، وجعل الفراق أمر كأس يذاق ، وجعل التلاقي عذب الجنى طيب المذاق .

تجلى اسمه الجميل سبحانه فوله الألباب ، فلما غرقت في بحار حبه أغاق دونه الباب ، وأمر أجناد الهوى : أن يضربوها بسيوف النوى ، فلما طاشت العقول وقيدها الثقيل ، ودعاها داعي الاشتياق ، وحركتها دواعي الأشواق ،

رامت الخروج إليه عشقا ، فلم تستطيع :

فذابت في أماكنها الضيقة ، ومسالكها الوعرة ، وجدا وشوقا فاشتد أنينها ، وطال حزنها وحنينها ، ولم يبق إلّا النفس الخافت ، والإنسان الباهت ، ورثى لها العدو الشامت ، وإذا بها الأرق ، وأقلقها القلق ، وأنضجتها لواعج الحق ، وفتك فيها الفراق بختامه ، وجرعها مضاضة كأس مدامه ، واستولى عليها سلطان البين ، فمحق الأثر والعين ، ونزلت بفنائها عساكر الأسف ، وجردت عليها سيوف التلف ( وأيقنت بالهلاك وعاينت مصارع الهلاك ) وما خافت ألم الموت ، وإنما خافت حسرة الفوت ،

فنادت : يا جميل يا محسان ، يا من قال هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ يا من تيمني بحبه وهيمني بين بعده وقربه ، تجليت فأبليت ، وعشقت فأرقت ، وأعرضت فأمرضت ، فيالتك مرضت  فأفرطت فقطعت ، وأيبست فأيست ، وقربت

 

فذويت ، وبعدت فأبعدت ، وأجلست فآنست ، وأسمعت فأطمعت ، وكلمت فأكلمت ، وخاطبت فأتعبت ، وملكت فهتكت ، وأملت فأهلكت ، واتهمت ففرحت ، وانجدت فأترحت ، ونوهت فولهت ، وزينت فأفتنت ، وألهت فنبهت ، وفوهت فتوهت ، وغلطت فنشطت ، وعزرت فعجزت ، وأسلبت فأغفلت ، وأمسكت فنسكت ، ووسعت فجمعت ، وضيقت ففرقت ، وأحرمت فأحللت ، وأحللت فأحرمت ،

وهذا كله سهل إذا ما أنت أقبلت ، فياليتني لم أخلق ، وإذا خلقت لم أتحقق ، وإذا تجمعت لم أعشق ، وإذا عشقت لم أهجر ، وإذا هجرت لم أقبر ، وإذا قبرت لم أنشر ، وإذا نشرت لم أحشر ، وإذا حشرت لم أعتب ، وإذا عوتبت لم أزجر ، وإذا زجرت لم أطرد ، وإذا طردت لم أسعر في النار التي فيها على الحجب أن أنظر .

 

فلما سمع ندائي ، وتقلبي في أنواع بلائي بادر الحجاب إلى رفع الحجاب ، وتجلى المراد فنعمت العين والفؤاد .

جعلنا اللّه وإياكم ممّن عشق فلحق ، وصبر فظفر .

ثم رددت وجهي إلى المقاتل المشغول بالمقاتل ، وقلت يا صاحب الغين والرين ، إلى كم تنتهي حقائقك التي أعطاك اللّه في تدبير الكون .

فقال : إلى مائتي ألف حقيقة ، واثنتين وستين ألفا ، وثمانمائة .

ثم نزلت إلى المشتري ، فسألته عن كمية حقائقه التي أودعها اللّه في تدبير خلائقه ، فقال : مائة ألف حقيقة ، وخمسة آلاف ومائة وعشرين .

ثم نزلت إلى المريخ ، فرأيت له ثمانية آلاف وأربعمائة ، وثمانية وأربعين رقيقة .

ثم نزلت إلى الشمس ، فرأيت لها ثمانية آلاف ، وسبعمائة وستا وستين رقيقة ، ونزلت إلى الزهرة فرأيت لها ثمانية آلاف وسبعمائة ( وخمسا ) وستين رقيقة .

وكذلك عطارد مثل الزهرة .

ونزلت إلى القمر فرأيت له ستمائة واثنين وسبعين رقيقة .

ثم نزلت على بعض الرقائق الشمسية في الصورة الدحيية ، إلى أن أستويت

 

على الأرض المدحية ، وقد عرفت ترتيب حركات الأفلاك ، ووقفت على مراتب الأملاك ، وتحققت بما في القوى الروحانيات من الانفعالات الكونيات ، فسرحت في ميدان معارف النسب ، وفزت بمدارك وضعية السبب ،

وعلمت أن اللّه قد رتب الوجود أحسن ترتيب ، وحصره في تحليل وتركيب ، وحكم عليه بالبقاء فلا ينفد ، وعلى عالمه بالسعادة والشقاء ، فلا يبعد .

أسعدنا اللّه وإياكم بما أسعد به أولياؤه وأحباؤه .


التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: