الجمعة، 19 يونيو 2020

الباب الأول في وجود الخليفة الذي هو ملك البدن وأغراض الصوفية فيه وتعبيرهم عنه وهو الروح الكلي .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب الأول في وجود الخليفة الذي هو ملك البدن وأغراض الصوفية فيه وتعبيرهم عنه وهو الروح الكلي .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب الأول في وجود الخليفة الذي هو ملك البدن وأغراض الصوفية فيه وتعبيرهم عنه وهو الروح الكلي .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

الباب الأول في وجود الخليفة الذي هو ملك البدن وأغراض الصوفية فيه، وتعبيرهم عنه وهو الروح الكلي

بسم الله الرحمن الرحيم

عونك اللهم يا معينا

قد نبه الله سبحانه عليه في قوله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" [البقرة : 30]، واعتباره في العالم الأصغر استخلاف الروح في أرض البدن .

قد قدمنا في صدر هذا الكتاب قصدنا فيما أشرنا إليه وعزمنا على إخراجه في هذا المجموع، ومهدناه مخافة الطعن وانتقاد الجهال "الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم غافلون" [الروم: 7].

وأعربنا عن حقيقة ما أردنا حتى لا يجد الناقد إليه مساغا، فنقول على بركة الله، "والله يقول الحق وهو يهدي السبيل" [الأحزاب : 4].

كان سبب تأليفنا لهذا الكتاب أنه لما زرت الشيخ الصالح أبا محمد الموروري بمدينة مورور.

وجدت عنده كتابا يسمى سر الأسرار، صنفه الحكيم لذي القرنين لما ضعف عن المشي معه .

فقال لي أبو محمد : هذا المؤلف قد نظر في تدبير هذه المملكة الدنيوية؛ وكنت أريد منك أن تقابله بسياسة من المملكة الإنسانية التي فيها سعادتنا.

فأجبته وأودعت في هذا الكتاب من معاني تدبير الملك أكثر من الذي أودعه الحكيم؛ وبينت أشياء أغفلها الحكيم في تدبيره الملك الكبير، وعلقته في دون الأربعة الأيام بمدينة مورور؛ ويكون جرم کتاب الحكيم في الربع أو الثلث من جرم هذا الكتاب ؛ فهذا الكتاب ينتفع به خادم الملوك في خدمته وصاحب طريق الآخرة في نفسه ؛ وكل يحشر على نيته وقصده والله المستعان.

 إعلم نور الله بصيرتك ، أن أول موجود اخترعه الله تعالی جوهر بسیط روحاني فرد، غیر متحيز في مذهب قوم، ومتحيز في مذهب آخرين؛ على حسب ما يرد الكلام على ماهيته في الباب الثاني من هذا الكتاب إرادة واختيارا.

ولو شاء سبحانه لاخترع موجودات متعددة دفعة واحدة، خلافا لما يدعيه بعض الناس من أنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد.

ولو كان هذا لكانت الإرادة قاصرة والقدرة ناقصة، إذ وجود أشياء متعددة دفعة واحدة ممكن لنفسه غير ممتنع ؛ والممكن محل تعلق القدرة.

فإن ثبت أن أول موجود واحد فاختيار منه تعالی.

قال المؤلف رحمه الله ورضي الله عنه:

وعبر أهل الحقائق عن هذا الخليفة بعبارات مختلفة لكل عبارة منها معنی:

فمنهم من عبر عنه بالإمام المبين، ومنهم من عبر عنه بالعرش، ومنهم من عبر عنه بمرآة الحق، إلى أشباه ذلك.

فلنذكر الآن تعبيرهم عنه ولأي معنى خصوه بتلك العبارات على حسب ما ظهر من الاعتبار في صفاته التي وهبه الله تعالی إياها وخصه بها .

 

فصل عن الخليفة الروح

قال المؤلف رحمه الله : ذكر القوم رضي الله عنهم ومنهم الإمام أبو حامد الغزالي أن هذا الخليفة، الذي هو الروح، من عالم الأمر وليس من عالم الخلق اصطلاحا؛ واحتجوا بقوله تعالى: "قل الروح من أمر ربي" [الإسراء: 85] وجعلوا من هذا للتبين.

وأرادوا بعالم الأمر كل ما صدر عن الله بلا واسطة إلا بمشافهة الأمر العزيز ، وهو السبب الثاني بالإضافة إلى الوجود المطلق.

والسبب الأول بالإضافة إلى الوجود المقيد.

فهو أول في المبدعات، وعالم الخلق كل موجود صدر عن سبب متقدم من غير مشافهة الأمر الذي هو الكلمة.

قال الله تعالى: "ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين" [الأعراف: 54]؛ إشارة إلى أنه سيد العالم وخالقه ومربيه .

فإذا تقرر هذا، فلا مشافهة في الألفاظ إذا عرف المعنى " والله يقول الحق وهو يهدي السبيل" [الأحزاب: 4].

 

العبارات المصطلح عليها

قال المؤلف رضي الله عنه : فأما ما أطلق عليه بعض المحققين من أهل المعاني المادة الأولى، فكان الأولى .

أن يطلقوا عليه الممد الأول في المحدثات ؛ لكنهم سموه بالصفة التي أوجده الله تعالى لها. وهذا ليس ببعيد أن يسمى الشيء بما قام به من الصفات .

قال المؤلف رضي الله عنه : وإنما عبر عنه بالمادة الأولى لأنه الله تعالى خلق الأشياء على ضربين:

منها ما خلق من غير واسطة وسبب وجعله سببا لخلق شيء آخر.

والاعتقاد الصحيح أنه تعالى يفصل الأشياء عند الأسباب لا بالأسباب.

خلافلا لمخالفي أهل الحق.

والذي يصح أن أول موجود مخلوق من غير سبب متقدم ثم صار سببا لغيره ومادة له ومتوقفا ذلك الغير عليه على العقد الذي تقدم.

كتوقف الشبع على الأكل، والري على الشرب عادة ؛ وكتوقف العالم على العلم، والحي على الحياة عقلا وأمثال هذا.

وكتوقف الثواب على فعل الطاعة والعقاب على المعصية شرعا.

فلما لحظوا هذا المعنى سموه المادة الأولى وهو حسن، ولا حرج عليهم في ذلك شرعا ولا عقلا .

وعبر عنه بعضهم بالعرش؛ قال المؤلف رحمه الله تعالى : والذي حملهم على ذلك أنه لما كان العرش محيطا بالعالم في قول، أو هو جملة العالم في قول آخر، وهو منبع اتحاد الأمر والنهي، ووجدوا هذا الموجود المذكور آنفا يشبه العرش من هذا الوجه أعني الاتحاد والإحاطة.

فكما أن العرش محیط بالعالم وهو الفلك التاسع في مذهب قوم كذلك هذا الخليفة محيط بعالم الإنسان.

ألا ترى إلى قوله تعالى : "الرحمن على العرش استوى" [طه: 5] في معرض التمدح؛ فلو كان في المخلوقات أعظم منه لم يكن تمدحا.

سر للخواص: و لكن هنا سر نرمزه ليلتذ به صاحبه إذا وقف عليه ، وهو قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى" (طه: 5].

فالعرش المذكور في هذه الآية مستوى الرحمن، وهو محل الصفة ؛ والخليفة الذي سميناه عرشا حملا على هذا مستوی الله جل جلاله؛ فبين العرشین ما بين الله والرحمن وإنه كان "أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى" [الإسراء: 110].

فلا خفاء عند أهل الأسرار فيما ذكرناه .

وحد الاستواء من هذا العرش المرموز قوله : «إن الله تعالى خلق آدم على صورته»؛ فالعرش الحامل للذات والمحمول عليه للصفة فتحقق أيها العارف وتنبه أيها الواقف.

وأمعن أيها الوارث، "والله يقول الحق وهو يهدي السبيل" [الأحزاب : 4]. وعبر عنه بعضهم بالمعلم الأول.

قال المؤلف رحمه الله : والذي حملهم على ذلك أنه لما تحقق عندهم خلافته وأنه حامل الأمانة الإلهية، ونسبته من العالم الأصغر نسبة آدم من العالم الأكبر.

وقد قيل في آدم عليه السلام "وعلم آدم الأسماء كلها" [البقرة: 31] ؛ كذلك هذا الموجود، ثم خاطب الملائكة فقال : "أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" [البقرة: 31] .

 "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" [البقرة : 31] و "إنك أنت العليم الحكيم " [البقرة: 32].

فأمر الخليفة أن يعلمهم ما لم يعلموا فأمرهم الله سبحانه بالسجود لمعلمهم لسجود أمر.

کسجود الناس إلى الكعبة، كسجود أمرا وتشریف لا سجود عبادة . أعوذ بالله لا أشرك به أحدا.

فيكون في هذا العالم الإنساني ثمرة السجود لا نفس السجود ؛ وإنما هو التواضع والخضوع والإقرار بالسبق والفخر والشرف والتقدم له کتواضع التلميذ لمعلمه .

وإذا حصل موجود في مقام تتعلم منه الملائكة فأحرى من دونهم. وذلك تشريف.

 

سر للخواص:

و لكن هنا سر نرمزه ليلتذ به صاحبه إذا وقف عليه ، وهو قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى" (طه: 5].

فالعرش المذكور في هذه الآية مستوى الرحمن، وهو محل الصفة ؛ والخليفة الذي سميناه عرشا حملا على هذا مستوی الله جل جلاله؛ فبين العرشین ما بين الله والرحمن وإنه كان "أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى" [الإسراء: 110].

فلا خفاء عند أهل الأسرار فيما ذكرناه .

وحد الاستواء من هذا العرش المرموز قوله : «إن الله تعالى خلق آدم على صورته»؛ فالعرش الحامل للذات والمحمول عليه للصفة فتحقق أيها العارف وتنبه أيها الواقف.

وأمعن أيها الوارث، "والله يقول الحق وهو يهدي السبيل" [الأحزاب : 4). وعبر عنه بعضهم بالمعلم الأول.

قال المؤلف رحمه الله : والذي حملهم على ذلك أنه لما تحقق عندهم خلافته وأنه حامل الأمانة الإلهية، ونسبته من العالم الأصغر نسبة آدم من العالم الأكبر.

وقد قيل في آدم عليه السلام "وعلم آدم الأسماء كلها" [البقرة: 31] ؛ كذلك هذا الموجود، ثم خاطب الملائكة فقال : "أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" [البقرة:31]. "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" [البقرة : 31] و "إنك أنت العليم الحكيم " [البقرة: 32].

فأمر الخليفة أن يعلمهم ما لم يعلموا , فأمرهم الله سبحانه بالسجود لمعلمهم لسجود أمر.

کسجود الناس إلى الكعبة، كسجود أمرا وتشریف لا سجود عبادة . أعوذ بالله لا أشرك به أحدا.

فيكون في هذا العالم الإنساني ثمرة السجود لا نفس السجود ؛ وإنما هو التواضع والخضوع والإقرار بالسبق والفخر والشرف والتقدم له کتواضع التلميذ لمعلمه .

وإذا حصل موجود في مقام تتعلم منه الملائكة فأحرى من دونهم.

من الله سبحانه ،ودليل قاطع على ثبوت إرادته و"يختص برحمته من يشاء من عباده"  [آل عمران: 74].

سر للخواص:

وهو حين أوقع الأسماء هل عاين المسميات أم لا؟

وإلا كيف يصح إطلاق اسم من غير مسمى، وهذا موضع نظر وفکر.

وسر السجود هنا لا يمكن إيضاحه، وقد ذكرناه في «مطالع الأنوار الإلهية» ؛ فأما هل عاين المسميات فقد نبه على ذلك تعالى بقوله «بأسماء هؤلاء»:

فالهاء للإشارة والتنبيه ، ولا تقع الإشارة إلا على حاضر وإن كانت الإشارة في هذا الطريق نداء على رأس العبد وبوحة لعين العلة، فنقول إنه ] عاين المسميات لكن على صورة ما، وذلك أنه عاينها في نفسه من حيث أنه مجمع أسرار العالم ونسخته الصغرى، وبرنامجه الجامع لفوائده ؛ وهذه فائدة الإشارة بقوله تعالى "هؤلاء" في حقنا .

وهو المطلوب والغرض في هذا الكتاب وعبر عنه بعضهم بمرآة الحق والحقيقة.

قال المؤلف رضي الله عنه : والذي حملهم على ذلك أنهم لما  رأوه موضع تجلي الحقائق والعلوم الإلهية والحكم الربانية ، وأن الباطل لا سبيل له إليها، إذ الباطل هو العدم المحض، ولا يصح في العدم تجل ولا ظهور کشف، فالحق كل ظهر في الوجود وفي إيراد الشبهات المعارضة للأدلة يتضح ما أردنا .

سر للخواص:

السبب الموجب لكونه مرآة الحق قوله : "المؤمن مرآة أخيه". " المؤمن مرآة المؤمن".

والأخوة هنا عبارة عن المثلية اللغوية في قوله تعالى : "ليس كمثله شيء" [الشورى: 11].

وذلك عند بروز هذا الموجود في أصفى ما يمكن وأجلى ممكن ظهر فيه الحق بذاته وصفاته المعنوية الا النفسية، وتجلى له من حضرة الوجود.

وفي هذا الظهور الكريم قال تعالى : "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"[التين : 4]. فتأمل هذه الإشارة فإنها لباب المعرفة وينبوع الحكمة .

وعبر عنه الشيخ العارف أبو الحكيم بن برجان "رضي الله عنه " بالإمام المبين، وهو اللوح المحفوظ المعبر عنه بكل شيء في قوله تعالی : "وكتبنا له في الألواح من كل شيء" موعظة وتفصيلا لكل شيء" [الأعراف: 145] .

"أبو الحكيم بن برجان: هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي الإشبيلي"

وهو اللوح المحفوظ. هذا دليل أبي الحكيم على تسميته «كل شيء».

والذي حمله على ذلك قوله تعالى : "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين" [يس :12] ، ووجدنا العالم كله أسفله وأعلاه محصى في الإنسان فسميناه الإمام المبين، وأخذناه تنبيها من الإمام المبين الذي هو عند الله تعالى، فهذا حظنا منه ، فتدبره وتحققه.

 

سر للخواص:

قال الله تعالى : "ما فرطنا في الكتاب من شيء" [الأنعام: 38] اعتباره الذي هو الإنسان منه شيء تفصيل في العالم بأسره .

الإمام على الحقيقة المبين من كان كل شيء مأموما به ، وهذا لا يصح في موجود ما لم تصح له المثلية اللغوية الفرقانية.

فإذا صحت المثلية صح وجود الإمام، وإذا صح وجود الإمام بطلت الإمامة في حق غيره : "لو كان فيهما الهة إلا الله لفسدتا" [الأنبياء : 23].

فإذا نظرنا في هذا الإمام المبين نظرنا بما استوجب الإمامة، [فوجدناه استوجبها بأسرار وصفات هو عليها فقلنا هي من نفسه أو من غيره ].

فوجدناها أمانة بيده فقرأنا "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"[النساء:58

] فلاحت لنا مرآة الحق المستقدمة، فضربنا الإمام المبين في المؤمن مرآة أخيه، فخرج  لنا واحد في الخارج، فسماه بعضهم مرآة، وبعضهم إمامة : فالإمام کتابي والمرآة سنية .

وعبر عنه بعضهم بالمفيض، وبه كان يقول شيخنا وعمدت أبو مدين شيخ الشيوخ رضي الله عنه ، أخبرني بذلك عنه غير واحد ممن أثق به.

"هو شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني ( 594 هـ - 1198م)، أبو مدين، صوفي، من مشاهيرهم، أصله من الأندلس، أقام فاس، وسكن «بجاية» وكثر أتباعه حتى خافه السلطان يعقوب المنصور، وتوفي بتلمسان، وقد قارب الثمانين أو تجاوزها . له «مفاتيح الغيب لإزالة الريب وستر العيب»."

قال المؤلف رضي الله عنه : والذي حملهم على ذلك أنهم لما رأوا الأجسام بيوتا مظلمة وأقطارا سوداء مدلهمة.

 فإذا غشيها نور الروح أضاءت وأشرقت کالأقطار إذ غشيها نور الشمس؛ و بالضرورة نعلم أن النور الذي في بغداد غير النور الذي في مكة، والنور الذي في موضع ما غير النور الذي في غيره.

ثم نظرنا في السبب لوجود تلك الأنوار التي خلقها الله تعالى عنده لا به فوجدناه جسمة كروية نورانيا يقال له الشمس: فكل موضع يقابلها من الأرض يخلق الله فيه نورا يسمى شمسة.

فكما تطلق على كل نور خلق في الأرض في مقابلة الشمس شمسا، ليس يبعد ولا يمنع أن تطلق على كل نور أضاءت به أرض الأبدان روحا.

وكما يختلف قبول الأماكن لهذا النور لاختلافها، فلا يكون قبول الأجسام الصقيلة للنور كقبول الأجسام الدرنة، كذلك يختلف قبول أماكن الأبدان لفيضان الروح لاختلافها .

فلا يكون قبول البهيمة لفيضانه كقبول الإنسان، ولا قبول الإنسان كقبول الملك .

فلو سمينا الشمس بالمفيضة، حقيقة الإفاضة في الماء وهو مجاز في غيره .

ونسبة هذه الأرواح عندهم إلى الرب الكلي كنسبة ولاة الأمصار إلى الإمام، ولذلك يثابون إن عدلوا ويعاقبون إن جاروا.

 

سر للخواص:

قال الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه "وأشرقت الأرض بنور ربها" [الزمر: 69].

اعتبار الربوبية هنا سيادة المعلم الأول وتربيته وتأثير سببيته؛ وهو المرجوع إليه على طريق التنبيه في قوله تعالی: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك " [الفجر: 27 - 28].

ونور هذا الرب المنبه عليه هو الروح الحيواني الذي به تشترك البهيمة والإنسان.

فاعتبار الموت فيه بحجاب الغمام واعتبار النوم بغروب الشمس، واعتبار الغفلة بالحجاب الهلالي .

ثم قد يغيب الإمام ويبقى الوزير بدله يفيض على المملكة كالقمر ليلا، وليس کفیضان الإمام؛ وفيض مادة الوزير وفيضانه إن أفاض بالنظر إلى النفس النباتية، وهي الحجاب لمادة النفس المطمئنة .

وقد يغيبان، أعني الإمام والوزير فيبقى الفقهاء نجوم علم الأحكام، فلا يستطيعون إفاضة لقهر النفس الحيوانية البهيمية والنفس السبعية واستيلاء سلطانها ؛ فتأمل هذا السر تدرك الحكمة الإلهية .

وعبر عنه بعضهم بمركز الدائرة:

قال المؤلف رحمه الله : والذي حملهم على ذلك أنهم لما نظروا "رضي الله عنهم" إلى عدل هذا الخليفة في ملکه واستقامة طريقته في هيئاته وأحكامه وقضاياه.

سموه مرکز دائرة الكون لوجود العدل به ، وإنما حملوه على مركز الكرة نظرة منهم إلى أن كل خط يخرج من النقطة إلى المحيط مساويا لصاحبه رأوا ذلك غاية العدل فسموه مركز الدائرة لهذا المعنى .

 

سر للخواص:

وذلك أن نقطة الدائرة أصل في وجود المحيط، ومهما قدرت كرة وجودة أو تقديرة فلا بد أن تقدر لها نقطة هي مركزها .

فلا يلزم من وجود النقطة ووجود المحيط ووجود الفاعل من هذه الدائرة ورأس الضابط ولا دائرة في الوجود كان الله ولا شيء معه.

و يداه المبسوطتان جودا أو إيجادا ؛ واليد المختصة بالنقطة يد المغيب والملكوت الأعلى واليد المختصة بالمحيط يد عالم الملك والشهادة.

فالواحدة للأمر والأخرى للخلق والله "بكل شيء محيط " [فصلت : 54].

"وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا" [مريم: 9]؛ فيد المركز معراة عن الحركة القاطعة للأحياز ويد المحيط متحركة.

فتأمل نور الله بصيرتك لهذه الإشارات، فقد مهد لك السبيل.

قال المؤلف: ولو تقصيت آثاره وتتبعت خصائصه وأطلقت عليه من ذلك ، ألقابا لما وسعها دیوان ؛ فاقتصرنا في هذا الإيجاز على هذا القدر لندل بذلك على شرفه و اجتبائه من بين سائر المحدثات .


التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: