الخميس، 18 يونيو 2020

مقدمة الشيخ الأكبر .كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر أبن العربي

مقدمة الشيخ الأكبر .كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر أبن العربي

مقدمة الشيخ الأكبر .كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر أبن العربي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

مقدمة الشيخ الأكبر :- 

بسم الله  الرحمن الرحيم

 رب یسر ولا تعسر، یا کریم یا الله

قال العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى محمد بن علي العربي الحاتمي الطائي

الحمد لله الذي استخرج الإنسان من وجود علمه إلى وجود عينه في أول إبداعه

جوهرة، فنظرها بعين الجلال فذابت حياء منه عندما حققت نظره، فسالت ماء أكن فيه جواهر علمه و درره.

 ثم أرسل منه میزاباً إلى مشربة غصن الامتزاج فأقام به صغره، وسمى ذلك الغصن إنساناً فصوّره، وشق سمعه وبصره، وأحكم ترتيب وجود كل شيء في العالم الأكبر فيه ودبره فقدره.

 وأشهده بشاهد الإحسان كل شيء فقرره، ورتق سماء عقله بعدما فتقه و فطره ، وأبطن کونه فی کونه و أظهره، و حجبه عن سره بما هو أخفى وستره، حكمة بالغة لمن دقق النظر فيه اعتبره، ثم تجلى له في حضرة الاقتداء فبهره، فأجفل هارباً من نيران الهيبة فضمه وقهره.

 وغمسه غمسة في البحر الأخضر من غير أن يشعره، فإذا سر القدرة الإلهية قد مازجت بشره، ثم كشف له عن حضرة الديمومية فحقق بها عمره، وردًاه رداء الحياة الأبدية دون كون ضمه ولا أمد حصره.

 وأعلى مناره للملائكة وأوضح غرره، فبايعته بالسجود إذ أمده بالأسماء ونوره، وجعله في أرض الأجسام خليفة فأيده ونصره، ثم أبدع له العقل وزيراً فاستوزره، ووهبه سر الخطاب في نار الشجرة، وأعطاه عصا إعجازه فأهلك بها الخواطر السحرة.

 ثم خوفه لدى قسطاس الانقسام وحذره، وقسم موارده عليه قسمة منتشرة، وأردفها بأجناد إشارات إلهية غير منحصرة.

 وأورد الخواطر على باب حضرته فمقبلة ومدبرة، فمنها قابلة لعيون الإشارات ومنها مستنفرة، وعمّر مدينته في النمط الأوسط ومنها أفقره، و أغناه بمطالعة أسرار الملكوت وبها أفقره.

وأباح له التصرف في الأكوان بما به عنها زجره، وسوى في قبضتيه الأخذ بين من آمن به وكفر.

 وأشهده على تلك القبضة وقرره، ونصب ملکه جسرا للعبور فطوبى لمن عبره، ثم شاء سبحانه أن يدنسه بما به طهره، فجعله برزخا جامعا للكفرة والبررة.

 وأقامه في عالم التركيب داعية على منابر التذكرة، وأيده بالعلوم الإلهية وغمره، ونهاه عن إفشاء ما بظهوره أمره.

فقال : ألا تنظرون في عوالمكم إلى سماوات أفلاکها مسخرة، وأرضين بحارها مسجرة، و فلك مشحون أجراه في بحر الكون عندما أوسقه وعمره، فهو يمشي بين رجلي رجاء وخوف كتب عليهما الصانع القديم بقلم العلم المحيط في الرجل اليمني: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره "7  سورة الزلزلة .

 و في الرجل اليسرى: "ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" 8 سورة الزلزلة . فليبادر بالطاعة لمن هداه النجدين وبصره، و ليشكره على رزق قسمه فيسره وعسره.

وليبحث عن الكنز الذي حجبه بالجدار الجسماني وستره، ثم ليتدبر كيف أحياه حين أقبره، وأماته في الوقت الذي أنشره، وأظلمه بجلابيب  جنادس غيوب النور الذي به أقمره.

ودل به على النجي واللدني بايتي محو و مبصرة، ثم صور آية المحو في بعض الأحايين منورة.

وذلك في الليالي المقمرة عند تقابلهما في الكرة، ثم أظهر ذلك السر فيمن ضرب بعصا الاختبار حجر الأسرار ففجره، شعر:

فانظر إلى شجر فاض على حجر   …..   وانظر إلى ضارب من خلف أستار

فسبحان من أودع هذه الأسرار في وجود حضرة الإنسان المقدسة المطهرة.

 فما أغفله عن القيام بشكرها "قتل الإنسان ما أكفره" 17 سورة عبس.

 والويل لمن زهد في اعتبار وجوده وحقره، والصغار له فما أذله وما أصغره.

فليته كما كفر شكره، فيكون من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا .

فانتظموا في سلك عسى المدخرة في الدار العاقبة المؤخرة.

والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تابعه و آزره.

الملتحفين في أبراد المعارف الربانية المحبرة، المطهرة بعلم العصمة المشهرة ما سبح الملك ربه وذكره.

وزهد أهل العناية في الجلوة الخضرة .

أما بعد، حقق الله سرك بحقائق الوصال، وجعلك من الساجدين له في الغدو والآصال.

فإني بنيت هذا الكتاب الصغير الحجم اللطيف الجرم، العظيم الفائدة الكبير العلمي، المستخرج من العلم اللدني والقاب العدناني.

المسمى في الإمام المبين الذي لا يدخله ريب ولا تخمين بـ «التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية ».

وهو مشتمل على مقدمة وتمهيد وواحد وعشرين بابا من دقائق التوحيد في تدبير الملك الذي لا يبيد على التدبير الحكمي والنظام الإلهي.

وجاء غريبا في شأنه ممزوجا رمزه ببيانه .

يقرأه الخاص والعام، ومن كان في الحضيض الأوهد ومستوى الجلال والإكرام.

قد علم كل أناس مشربهم: ففيه للخواص إشارة لائحة، وللعوام طريقة واضحة.

وهو لباب التصوف وسبيل التعرف بحضرة الترؤف والتعطف.

يلهج به الواصل والسالك، ويأخذ حظه منه المملوك والمالك .

يعرب عن حقيقة الإنسان وعلو منصبه على سائر الحيوان.

وأنه مختصر العالم المحيط، مركب من كثيف وبسيط، لم يبق في الإمكان شيء إلا أودع فيه في أول منشئه ومبانيه.

حتى برز على غاية الكمال، وظهر في برزخ بين الجلال والجمال.

فليس في الجود بخل ولا في القدرة نقصان، صح ذلك عند ذوي العقول الراجحة بالدليل والبرهان.

ولهذا قال بعض الأئمة "وليس أبدع من هذا العالم في الإمكان».

والله يؤيدنا بالعصمة ولطيف الحكمة، إنه فیاض النعمة واسع الرحمة.



التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: