السبت، 27 يونيو 2020

الباب الموفي خمسين في اختصاص الظهر بيوم الخميس ومن هو الامام فيه وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الباب الموفي خمسين في اختصاص الظهر بيوم الخميس ومن هو الامام فيه وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الباب الموفي خمسين في اختصاص الظهر بيوم الخميس ومن هو الامام فيه وما يظهر فيه من الانفعالات .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي رضي الله عنه

الباب الموفي خمسين في اختصاص الظهر بيوم الخميس ومن هو الامام فيه وما يظهر فيه من الانفعالات

سلام على موسى الكليم المكلم * سلام عليه من نبي مكرم

أتانا على يوم الخميس [ يوما ] محكما * فأظهر فيه كل روح محكم

واخلى له قاضي السماء محله * فروحن فيه كل شخص مجسم

وبيض فيه كل شيء مسود * وفتح فيه كل باب مختم

وشال حجاب الغيب عن عين قلبه * فشاهد فيه كل وسم مسوم

 

ثم رحلنا نبتغي سماء الكلام ، لنقف على وراثنا من موسى ( ع ) ، فلما دخلنا عليه ، وحضرنا بين يديه ، سلمنا وخدمنا ، فاكرمنا واحترمنا ، وجمع لنا بين إقبال الأخوة والأبوة ، إثباتا لشرف مقام النبي محمد ( عليه الصلاة والسلام ) ووفاء بمقام النبوة ،

فقلنا له : هات حظنا منك ، لنخبر به عنك ، وأوقفنا على ما لديك ، وما صرف الرحمن فيه من النظر إليك ، فشال الحجاب ،

 

فانفتح الباب من خلفه جنتان :ذَواتا أَفْنانٍ-فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ-فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ-فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ- كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ فقال هذا لمن حرم في دنياه الأمان ، ثم شال عن يساره الحجاب ، فانفتح الباب ، من خلفه جنتان مُدْهامَّتانِ-فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ- فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ- فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ-حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ-لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ-مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ

فقال : هذا لمن عاش

بالأمان ، وبقيت الأعيان تطلب العيان بالعيان ، فشاهدنا ما أخبرنا اللّه به في السورة التي يذكر فيها : الرَّحْمنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ

غير أن جني الجنات ليس بدان ، فلما قصرت أيدينا عن تناول شيء منها ، سألته ما السبب الذي قصر بنا عنها ؟

فقال : يا وليي ، تناولها موقوف على التركيب الثاني ، إن قمت بتعظيم معرفة المثاني ، وأنت في التركيب الأول ، فاصبر حتى يتحول ، فإذا سترت روحانيتك جسمك ، ووسمت وسمك ، وعرفت سعادتك واعادتك واسمك ، وصرت في الصور الحول ، القلب يذهب فيها كل مذهب ، حينئذ تتناول ما بسق عن أشجارها ، وتستنشق ما شئت من روائح أزهارها ، وتقف على سر حجرها وأحجارها ، فهنالك يبدو شرف الاعتدال ، وصورة التمام والكمال ،

وسر الثوب الذي مال ، وروح الضياء والظلال ، والتحاق النساء بالرجال ، وشغوفهن عليهم في جنات الأحوال ، ويظهر لعينيك استواء المنحرف الميال ،

ويبقى العلم ويذهب الخيال ، وتتضح المعاني ، ويزول الأشكال ، وينحفظ الترتيب باعتدال التركيب ، وتبرز حقيقة الأبد ، ويدوم البقاء بالديمومية الإلهية من غير أمد ،

وتلوح كيفية التولد ، وما هية التعبد ، وأسرار الصلوات والصدقات ، وسبب الأولياء والشهود في النكاح والصدقات ، ومعالم الوقوف بعرفات ، وسفك دماء القرابين بمنى لابتغاء القربات ، ومقام الذاكرين اللّه [ فيه ] كثيرا والذكرات ، المقرون بذكر الآباء والأمهات ،

 

وانتظام الشمل بالحبائب ، والتحاق ، الأجانب بالأقارب ، وتنوع المراتب ، باختلاف المذاهب ، وسرور الروح والنفس بتحصيل الجمال والأنس وتقف على سر إجابة دعوة المضطر وإن كان كافرا ، وهدي الطالب إذا كان حائرا ، وتعلم أن اللّه لا تضره معصية عاص ، ولا تنفعه طاعة طائع ، ولم تسمى بـ " المانع ".

 

ناد : يا حنان يا منان ، يا رؤوف يا محسان ، يا من جعل معدن النبوة أشرف المعادن ، وموطن الأحكام أرفع المواطن ، أنت الذي سويت فعدلت ،

 

وفي أي صورة ما شئت ركبت ما سويت ، يا واهب : إذ لا واهب ، ويا مانع المثوبات أهل المكاسب ، أنت الذي وهبت التوفيق ، وأخذت بناصية عبدك ، ومشيت به على الطريق ، وجعلت فيه الأعمال الرياضية ، والأقوال الزكية ، وأنطقته بالتوحيد والشهادة ، ويسرت له أسباب السعادة ، ثم أدخلته دارك ،

 

ومنحته جوارك ، وقلت له : هذا بعملك ، ولك ما انتهى إليه خاطر أملك .

فناديته كما أمرني فأجاب ، وقرعت بابه بهذه الكلمات ، ففتح ورفع الحجاب ، فلما تجلى دك الجبل الراسي ، وخررت على رأسي ، فأنصرف الإدراك إلى القلب فأبصر ، وقال : أين هذا من مقام « اللّه أكبر » وهو : " اللّه أكبر " .

فلما أفقت بعد الصعق ، وأبدرت بعد المحق : نطقت بالتنزيه الذي إلّا في غير هذه الدار ، وأخلصت المتاب ، فمن اللّه وتاب .

فقلت لموسى ( ع ) : هذا ميراث مشهدك ، وأسنى مقعدك ؛ صدق [ الأنبياء ] في إبانته عن مرتبة العلماء ، بأنهم ورثة الأنبياء .

فالحمد للّه الذي أورثنا ، ثم أماتنا وبعثنا .

فقال موسى : هل رأيت معدن النورين ، ومحل السردرين ؟ .

فقلت : وأين ذلك ؟ .

فقال : صلاة الظهر : نور في نور ، وسرور في سرور .

فقلت : لو حان وقتها ، صليتها في حضرتك ، ووقفت عليها من مرتبتك فإنك الأخ من ثمينك الأنفس ، والسيد [ من ] المقام النبوي الأقدس .

فقال : أما ترى الشمس في مدرجة السلوك قد شرعت ، فأقم الصلاة وأحرم ، وحلل كل ما يأتيك فيها ولا تحرم حتى تسلم ، فإذا سلمت حرمت عليك الأشياء ، وحكمت عليك الأنباء .

فوقع في نفسي من أسرار صلاة الظهر أشياء ضمنتها أبياتا من الشعر ، فأسمعتها الإمام ، قبل أن أشرع في القيام ، وهي : [ هذه الأبيات ]

دعاني للمناجاة السلام * وقال لنا التكلم والكلام

فأسبغت الوضوء على حضور * إلهي : يؤيده التمام

وأحرمنا فحرمنا المغاني * وكبرنا ، فكبرنا الأنام

تناجينا طويلا بالمعاني * على كثب ، وقد رفع القرام

وفاتحناه بالتحميد كيما * يراجعني ، فيثبت لي المقام

فمنى اللفظ ، والمعنى إليه * ومنه إلى معنى والسلام

فيظهرني به فيها لديه * على كوني إذا أشتد اللزام

ويظهر لي ، فأكتمه فيخفي * فأظهره فيستره الغمام

ويأتي الأمر منه إلي حتما * بأن الكشف في الدنيا حرام

فأستره فيسترني فيبدو * لدي السترين آيات جسام

فأرجع للأنام من الكلام * وعندي منه أهوال عظام

فمنها العين والتحكيم فيها * ومنها الإنزعاج والاصطلام

أكاسير ترد الميت حيا * ويمطر عند رؤيتها الجهام

وكان الحق مأموما ورائي * على تعظيمه ، وأنا الإمام

وذلك في الظهيرة حين زالت * غزالتنا ، فصح لها المقام

فهذا اللغز إن فكرت فيه * وجدت الحق حقا يا غلام

 

فلما أحرمنا أحللنا ، فلما فتحنا منحنا ، فلما ركعنا أسمعنا ، فلما رفعنا أطعنا ، فلما سجدنا وجدنا ، فلما جلسنا أنسنا ، [ فلما أسلمنا أحرمنا ] فلما فرغ الإمام من جزيل المثوبات ، واستعاذ من وبيل العقوبات ، صعدت منبر النور ، وبيدي عصا من البلور ،

 

وقلت :

بسم اللّه الرحمن الرّحيم

الحمد للّه الذي ألحق العلماء بأنبيائه ، وأسكن أرواحهم مع ملائكته في سمائه ، وجعلها طيارة في فسحات الأفلاك ، سيارة في روحانيات الأملاك ، أفاض عليها من نور تجليه ما أداها إلى الصعق ، وأبان لها من مقامات القرب [ ما حكم عليها به ] سلطان السحق ،

دعتها نغمات إيقاع السماع في الأسماع إلى الاستماع ، فاشتاقت إلى خطاب الأحباب بمدارك لباب الألباب ، من غير حجاب ولا حجاب ، فوقعت المحاورة والمخاطبة ، والمؤانسة والمعاتبة ، وزالت المراسلة

 

والمكاتبة ، فسطعت أنوار أسرار نور ذاتها ، وبلبلت بلابل سرها بكلماتها ،

فقالت وقال ، وأطالت وأطال ، ثم منحها الوصيات القدسيات ، والتدبيرات الإلهيات ، وأطلعها على أسرار النبات في المناجاة بالنيران المتخيلات ،

وقيل لها أن جل الخير في السعي على الغير ، فمن أراد مني قضاء مآربه فليقضي حاجة صاحبه وإن لم يستند فيها إلى جانبه ، ولو ذهب في غير مذاهبه ، يا أيتها الأرواح الطاهرة ، والأنفس الزاكية المتظاهرة ، ها أنا أقرب إليكم منكم إليكم ، ولكن لا تغتروا ،

فكما أنا لكم : عليكم ، وقد أبنت لكم في مقام المعرفة أنه لا تقيدني صفة ، فالزموا مواطن العدل ، وانعموا بسوابغ الفضل .

فإني الشهيد الذي لا يقبل الرشا ، والبصير الذي لا يقوم ببصره عشا - فلا تحاسدوا ولا تدابروا ، ولا تقاطعوا ، ولا تهاجروا ، ولا تباغضوا ، ولا تنافروا ، وكونوا عباد اللّه إخوانا - تنالوا بذلك رفعة وأمانا ، فأنتم السابقون المقربون ، وأنتم الرسل المقربون ، وأنتم المرشدون الأعلون ، فلا ينجوا بكم الغير وتشقون ، فاحفظوا وصيتي ولا تنسوا .

فرجعت الأرواح بألوية رسالاتها منشورة ، ونصبت كل لواء بإزاء كل صاحب سورة ، وخاطبت النهي ، ومنحت اللهى .

جعلنا اللّه وإياكم ممن تميّز في صدر الجلال وألبها ، وتعزز بالسمو على سدرة المنتهى .

 .


التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: