الجمعة، 19 يونيو 2020

الباب الحادي عشر في رفع الجبايات إلى الحضرة الإلهيّة ووقوف الإمام القدسىّ عليها ورفعها إلى الحقّ سبحانه .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب الحادي عشر في رفع الجبايات إلى الحضرة الإلهيّة ووقوف الإمام القدسىّ عليها ورفعها إلى الحقّ سبحانه .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الباب الحادي عشر في رفع الجبايات إلى الحضرة الإلهيّة ووقوف الإمام القدسىّ عليها ورفعها إلى الحقّ سبحانه .كتاب التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية الشيخ الأكبر ابن العربي

الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

الباب الحادي عشر في رفع الجبايات إلى الحضرة الإلهيّة ووقوف الإمام القدسىّ عليها ورفعها إلى الحقّ سبحانه 

اعلم أيّها السيّد الكريم إعلام تنبيه لا إعلام تعليم أنّ اللّه تعالى هو ملك الأملاك وربّ الأرباب وسيّد السّادات والكلّ عدم بوجوده إذ هو الموجود على الإطلاق الّذي لا بداية لوجوده ولا نهاية لبقائه ولا ظاهر ولا باطن في علمه في حقّه بل الأشياء كلّها قديمها وحديثها أوّلها وآخرها أسفلها وأعلاها إنّما ظهرت به وإنّما رجعت إليه منه لا يخرج شيء منه إلّا إليه

فجميع أعمالك كلّها خفيّها وجليّها هو سبحانه مطّلع عليها فلا يطّلع منك على ما يكرهه منك ولا يجدك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك وأنت سميع مطيع ،

أيّها السيّد الكريم تعيّن علينا التنبيه على كيفيّة وصول جباياتك إليك من الحضرة القلبيّة والحسّيّة ومنك إلى اللّه تعالى أمّا الحضرة الحسّيّة فانّها تجبى المحسوسات الّتي ذكرناها والخيال أميرها وصاحب خراجه الحسّ فتأخذ الحواسّ جميع المحسوسات على اختلاف أصنافها وتؤدّيها إلى الحسّ صاحب الخراج فيرفعها في خزانة الخيال فتكتسب هنالك اسما من جنس ما رفعت إليه وزال عنها اسم المحسوسات وانطلق عليها اسم المتخيّلات

ثمّ يكون الخيال أيضا صاحب خراج تحت سلطان الذّكر فيحفظها وينتقل هنا لك اسم المتخيّلات عنها إلى المذكورات والمحفوظات

ثمّ يرجع الذكر صاحب خراج تحت سلطان الفكر فيعرضها عليه ويسبرها ويخلّصها ويسأل الرعيّة عنها ويفرق بين الحقّ والباطل في ذلك فإنّ الحسّ له أغاليط كثيرة وينتقل اسم المذكورات عنها إلى المتفكّرات فإذا سبرها وردّ منها إلى الحسّ ما غلط فيه وأخذ منها ما صحّ ورحل به إلى حضرة العقل صار الفكر صاحب خراج تحت سلطان العقل .

 

فلمّا وصل إلى حضرة العقل دخل عليه وعرض عليه ما جاء به من العلوم والأعمال مفصّلة هذا عمل السمع هذا عمل البصر هذا عمل اللسان حتّى يستوفى جميع ذلك وينتقل اسمها إلى المعقولات

فيأخذها العقل الّذي هو الوزير ويأتي بها إلى الروح الكلّى القدسىّ فتستأذن له النفس والناطقة فيدخل فيضع جميع المعقولات بين يديه

ويقول له السلام على السيّد الكريم والخليفة هذا وصل إليك من بادية حضرتك على يدي عمّالك فيأخذها الروح فينطلق إلى حضرة القدس فيخرّ ساجدا

وتلك السجدة قرب وقرع لباب الحقّ حضرة القبول فيفتح فيرفع رأسه فتقع الأعمال من يده للدّهش الّذي يحصل له في ذلك التجلّى

فينادى ما جاء بك فيقول أعمال فلان ابن فلان الّذي جعلني سلطانك خليفة عليه قد رفع إلىّ جميع الخراج الّذي أمرتني بقبضه من بادية الحضرة

فيقول الحقّ قابلوه بالإمام المبين الّذي كتبته قبل أن أخلقه فلا يغادر حرفا واحدا

فيقول ارفعوا زمامه في علّيّين فيرفع فهذا في سدرة المنتهى .

 

وأمّا إن كان في تلك الأعمال مظالم وما لا يليق فلا تفتح لها أبواب السماء ومحلّ وصولها الفلك الأثير

وهنالك يقع الخطاب كما وقع في الأوّل ثمّ يؤمر بها فتودع في سجّين قال تعالى :" إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ " وقال :" إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ "

فيقول الحقّ للروح القدسىّ في سدرة المنتهى يا عبدي هذه الأعمال رفعتك إلينا وأحلّتك هذا المحلّ الأسنى.

 

انظر أخاك وصاحبك دون السماء فينظر إليه فيعرف منّة اللّه عليه فيشتغل بالمنّة عن المشاهدة فيقول الحقّ قد شغله فضلى عنّى فيحتجب .

ولولا هذا ما صحّ أن يزول من تلك الحضرة ولكن قد جعل اللّه لكلّ شيء سببا ليتمّ  الكلمة قال تعالى : " وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ " .

وقال : " إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ " .

وينتقل اسم الأعمال عندما وصلت إلى الروح من المعقولات فأطلق عليها الأرواح فكساها سبحانه لمّا نظر إليها بأحلّة البهاء وأقعدها على منبر الجلال ونقل اسمها من الأرواح إلى الأسرار

فهذا معنى قول القائل تزكو الأعمال أي تعلو وتنمو فتنتقل  عليها الأسماء بانتقالها وهي واحدة في ذاتها فانظر ما أشرف حركة العبد في الطاعة وهنالك يجتمع الظاهر والباطن والشريعة والحقيقة وعمل الجوارح ،

وعمل القلوب أعنى في حضرة العقل وأمّا أعمالك السيّئات فإنّها تفترق من الصالحات في خزانة الخيال ومن العالم العلوىّ في الفلك الأثير .


فعليك أيّها السيّد بهذه الأعمال الّتي تخترق السماوات العلى وأمّا العلوم فليست من الأعمال الّتي ذكرناها فإنّ العلوم بحيث معلوماتها فإذا صعدت المعارف وقفت كلّ معرفة بمعروفها فاجعل علمك باللّه يكن علمك مقدّسا منزّها عن النقائص،

وللَّه الحمد وللَّه درّ القائل :

ظهرت لمن أبقيت بعد فنائه  ......   فكان بلا كون لأنّك كنته

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: