الثلاثاء، 16 يونيو 2020

تلاميذ وأولاد الجنيد سيد الطائفة في الطريق إلى اللّه .كتاب الإمام الجنيد سيد الطائفتين إعداد الشيخ أحمد فريد المزيدي

تلاميذ وأولاد الجنيد سيد الطائفة في الطريق إلى اللّه .كتاب الإمام الجنيد سيد الطائفتين إعداد الشيخ أحمد فريد المزيدي

تلاميذ وأولاد الجنيد سيد الطائفة في الطريق إلى اللّه .كتاب الإمام الجنيد سيد الطائفتين إعداد الشيخ أحمد فريد المزيدي

الإمام أبو القاسم الجنيد بن محمد ابن الجنيد الخراز القواريري قدس اللّه روحه

تلامذته وأولاده في الطريق إلى اللّه

الشيخ أبو محمد الجريري « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

شيخ الصوفية أبو محمد الجريري ، الزاهد قيل : اسمه أحمد بن محمد بن حسين ، وقيل :

عبد اللّه بن يحيى ، وقيل : حسن بن محمد .

كان للأثقال حمولا ، وعن القواطع ذبولا ، وكان للحكمة عن غير أهلها صائنا ، وللمدعين والمكتسبين بها شائنا .

لقي السري السقطي ، والكبار ، ورافق الجنيد ، وكان الجنيد يتأدب معه ، وإذا تكلم في شيء من الحقائق قال : هذا من أبي محمد ، فلما توفي الجنيد أجلسوه مكانه ، وأخذوا عنه آداب القوم .

حج في سنة إحدى عشرة ، فقتل في رجوعه يوم وقعة الهبير ، وطئته الجمال النافرة ، فمات شهيدا ، وذلك في أوائل المحرم سنة اثنتي عشرة وهو في عشر التسعين .

وقيل : سنة إحدى عشرة وثلاثمائة ، وأسند الحديث .

............................................

( 1 ) انظر في ترجمته : تاريخ بغداد ( 4 / 430 ) ، وحلية الأولياء ( 10 / 347 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 110 ) ، وصفة الصفوة ( 2 / 252 ) ، وطبقات الصوفية ( 1 ) ، ( 259 ) .


 

وقال أبو الطيب العكي : قال الجريري : التسرع إلى استدراك علم الانقطاع وسيلة ، والوقوف على حد الانحسار نجاة ، واللّياذ بالمهرب من علم الدنو صلة واستفتاح ، فقد ترك الجواب ذخيرة ، والاعتصام من قبول دواعي استماع الخطاب تلطف ، وخوف فوت علم ما انطوى من فصاحة الفهم في حين الإقبال مساءة ، والإصغاء إلى تلقي ما يفضل من معدنه بعد ، والاستسلام عند التلاقي جرأة ، والانبساط في محل الأنس غرة .

وقال أبو محمد الراسبي ببغداد : سمعت أبا محمد الجريري يقول : رأيت في النوم كأن قائلا يقول لي : لكل شيء عند اللّه حق ، وإن أعظم الحقوق عند اللّه حق الحكمة ، فمن جعل الحكمة في غير أهلها طالبه اللّه بحقها ، ومن طالبه بحقها خصم .

وقال أبو بكر الرازي : سمعت أبا محمد الجريري وسئل عن القراء ؟

فقال : هو الذي طلب الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وأعرض عن الدنيا والاشتغال بها .

وقال أحمد بن عطاء : سمعت أبا صالح يقول : قيل لأبي محمد الجريري : متى يسقط عن العبد ثقل المعاملة ؟ فقال هيهات ما بد منها ، ولكن يقع الحمل فيها .

وبهذا الإسناد قال الجريري : أدل الأشياء على اللّه تعالى ثلاثة : ملكه الظاهر ، ثم تدبيره في ملكه ، ثم كلامه الذي يستوفي كل شيء .

وقال أبو محمد الجريري : من استولت عليه النفس صار أسيرا في حكم الشهوات محصورا في سجن الهوى ، وحرم اللّه على قلبه الفوائد فلا يستلذ كلامه ولا يستحليه ، وإن كثر ترداده على لسانه ، لأن اللّه تعالى يقول :سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ[ الأعراف : 146 ] :

أي حتى لا يفهمونه ولا يجدون له لذة ، لأنهم تكبروا بأحوال النفس والخلق والدنيا ، فصرف اللّه عن قلوبهم فهم مخاطباته ، وأغلق عليهم سبيل فهم كتابه ، وسلبهم الانتفاع بالمواعظ ، وحبسهم في عقولهم وآرائهم ، فلا يعرفون طريق الحق ولا يسلكون سبيله .

وكان يقول : قوام الأديان ، ودوام الإيمان ، وصلاح الأبدان في خلال ثلاث :

الاكتفاء ، والاتقاء ، والاحتماء .

فمن اكتفى باللّه صلحت سريرته ، ومن اتقى ما نهي عنه استقامت سيرته ، ومن احتمى ما لم يوافقه ارتاضت طبيعته ، فثمرة الاكتفاء صفو المعرفة ، وعاقبة الاتقاء حسن الخليقة ، وغاية الاحتماء اعتدال الطبيعة .


 

وقال أبو محمد : غاية همة العوام السؤال ، وبلوغ درجة الأوساط الدعاء ، وهمة العارفين الذكر .

وقال أبو محمد : من توهم أن عملا من أعماله يوصله إلى مأموله الأعلى والأدنى ، فقد ضل عن طريقه ، لأن النبي قال : « لن ينجّي أحدا منكم عمله » فما لا ينجّي من المخوف كيف يبلغ إلى المأمول ؟

ومن صح اعتماده على فضل اللّه ، فذلك الذي يرجى له الوصول .

وقال أبو محمد : ذكرك منوط بك إلى أن يتصل ذكرك بذكره ، إذ ذاك يرفع ويخلص من العلل ، فما قارن حدث قدما إلا تلاشى وبقي الأصل ، وذهبت الفروع ، كأن لم تكن .

وقال أبو محمد : رؤية الأصول باستعمال الفروع ، وتصحيح الفروع بمعارضة الأصول ، ولا سبيل إلى مقام مشاهدة الأصول إلا بتعظيم ما عظّم اللّه من الوسائط والفروع .

وقال أبو محمد : الرجاء طريق الزهاد ، والخوف سلوك الأبطال .

وقال أبو بكر محمد بن عبد اللّه الطبري : قال رجل لأبي محمد الجريري : كنت على بساط الأنس ، وفتح لي طريق إلى البسط ، فزللت زلة فحجبت عن مقامي ، فكيف السبيل إليه دلني على الوصول إلى ما كنت عليه ، فبكى أبو محمد ، وقال : يا أخي الكل في قهر هذه الخطة . وأنشد أبياتا . .

* * *

الشيخ أبو سعيد ابن الأعرابي « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

 

هو أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم ، الإمام المحدث القدوة الصدوق الحافظ شيخ الإسلام : أبو سعيد ابن الأعرابي البصري الصوفي ، نزيل مكة وشيخ الحرم .

..........................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : حلية الأولياء ( 10 / 375 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 137 ) ، وطبقات الصوفية ( 1 ) ، ( 428 ) ، وسير أعلام النبلاء ( 15 / 407 ) . وتذكرة الحفاظ ( 3 / 66 ) ، والبداية والنهاية ( 11 / 226 ) ، والمنتظم ( 6 / 371 ) ، وشذرات الذهب ( 2 / 354 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 47 ) .


 

سمع الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، وعبد اللّه بن أيوب المخرمي ، وسعدان بن نصر ، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي ، وأبا جعفر محمد بن عبيد اللّه المنادي ، وعباسا الترقفي ، وعباس بن محمد الدوري ، وإبراهيم بن عبد اللّه العبسي ، وأمما سواهم .

خرّج عنهم معجما كبيرا ، ورحل إلى الأقاليم ، وجمع وصنّف ، صحب المشايخ وتعبد وتأله وألّف مناقب الصوفية ، وحمل السنن عن أبي داود ، وله في غضون الكتاب زيادات في المتن والسند .

روى عنه أبو عبد اللّه بن خفيف ، وأبو بكر بن المقرئ ، وأبو عبد اللّه بن مندة ، والقاضي أبو عبد اللّه بن مفرج ، وعبد اللّه بن يوسف الأصبهاني ، ومحمد بن أحمد بن جميع الصيداوي ، وعبد اللّه بن محمد الدمشقي القطان ، وصدقة ، وعبد الرحمن بن عمر ابن النحاس ، وعبد الوهاب بن منير المصريان ، ومحمد بن عبد الملك بن ضيفون شيخ أبي عمر بن عبد البر ، وأبو الفتح محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، وعدد كثير من الحجاج والمجاورين ، وكان كبير الشأن ، بعيد الصيت ، عالي الإسناد .

قلت : من كتبه المطبوعة : معجمه في الحديث ، وصفة الزهد والزاهدين ، ورسالة في المروي عن المعاشرة .

 

قال الشيخ السلمي : صنّف للقوم كتبا كثيرة ، وصحب أبا القاسم الجنيد بن محمد ، وعمرو بن عثمان المكي ، وأبا الحسين النوري ، وحسنا المسوحي ، وأبا جعفر الحفار ، وأبا الفتح الحمال ، وكان من جلة مشايخهم وعلمائهم ، مات سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة ، واسند الحديث ورواه ، وكان ثقة .

وقال أبو بكر الرازي : سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول : إن اللّه تعالى طيّب الدنيا للعارفين بالخروج منها ، وطيب الجنة لأهلها بالخلود فيها ، فلو قيل للعارف : إنك تبقى في الدنيا ، لمات كمدا ،

 ولو قيل لأهل الجنة : إنكم تخرجون منها ، لماتوا كمدا ، فطابت الدنيا بذكر الخروج منها ، وطابت الجنة بذكر الخلود فيها .

قال : وسمعت ابن الأعرابي يقول : أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله ، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد .

وقال ابن الخشاب : سمعت ابن الأعرابي يقول : المعرفة كلها الاعتراف بالجهل ، والتصوف كله ترك الفضول ، والزهد كله أخذ ما لا بد منه ، وإسقاط ما بقي ، والمعاملة


 

كلها استعمال الأولى ، فالأولى من العلم والتوكل كله طرح الكنف ، والرضا كله ترك الاعتراض ، والمحبة كلها إيثار المحبوب على الكل ، والعافية كلها إسقاط التكلف ، والصبر كله تلقي البلاء بالرحب ، والتفويض كله الطمأنينة عند الموارد ، واليقين كله ترك الشكوى عندما يضاد مرادك ، والثقة باللّه علمك أنه بك وبمصالحك أعلم منك بنفسك .

وقال ابن الأعرابي : إن اللّه تعالى أعار بعض أخلاق أوليائه أعداءه ، ليستعطف بهم على أوليائه .

وقال أبو سعيد : القلوب إذا أقبلت روحت بالأرفاق ، وإذا أدبرت ردت إلى المشاق .

وقال أبو سعيد : من أصلح اللّه همته لا يتبعه بعد ذلك ركوب الأهوال ولا مباشرة الصعاب ، وعلا بعلو همته إلى أسنى المراتب ، وتنزه عن الدناءة أجمع .

وكان يقول : اشتغالك بنفسك يقطعك عن عبادة ربك ، واشتغالك بهموم الدنيا يقطعك عن هموم الآخرة ، ولا عبد أعجز من عبد نسي فضل ربه ، وعدّ عليه تسبيحه وتكبيره ، الذي هو إلى الحياء منه أقرب من طلب ثواب عليه ، أو افتخار به .

وكان أبو سعيد ابن الأعرابي بمكة يقول : ثبت الوعد والوعيد من اللّه تعالى ، فإن كان الوعد قبل الوعيد ، فالوعيد تهديد ، وإن كان الوعيد قبل الوعد ، فالوعيد منسوخ وإذا اجتمعا معا ، فالغلبة والثبات للوعد ، لأن الوعد حق العبد ، والوعيد حقه عز وجل والكريم يتغافل عن حقه ولا يهمل ويترك ما عليه .

وقال ابن الأعرابي : إن اللّه تعالى جعل نعمته سببا لمعرفته ، وتوفيقه سببا لطاعته ، وعصمته سببا لاجتناب معصيته ، ورحمته سببا للتوبة ، والتوبة سببا لمغفرته ، والدنو منه .

وقال أبو سعيد : إن اللّه تعالى خلق ابن آدم من الغفلة ، وركّب فيه الشهوة والنسيان ، فهو كله غفلة ، إلا أن يرحم اللّه عبدا ، فينبهه وأقرب الناس إلى التوفيق من عرف نفسه بالعجز والذل والضعف وقلة الحيلة مع التواضع للّه ، وقلّ من ادعى في أمره قوة إلا خذل ووكل إلى قوته .

وكان يقول : مدارج العلوم بالوسائط ، ومدارج الحقائق بالمكاشفة .


 

ويقول : من طلب الطريق إليه وصل إلى الطريق بجهد واجتهاد ومجاهدة ، ومن طلبه استغنى عن الطريق والأدلة ، وكان الحق دليله إليه ، وموصله لا غير .

وسئل أبو سعيد ما الذي ترضى من أوقاتك ؟

فقال : الأوقات كلها للّه تعالى ، وأحسن الأوقات ، وقت يجري الحق فيه علي ما يرضيه عني .

وسئل أبو سعيد عن أخلاق الفقراء ؟

فقال : أخلاقهم السكون عند الفقر ، والاضطراب عند الوجود ، والأنس بالهموم والوحشة عند الأفراح .

وكان يقول : العارفون بين ذائق وشائق ووامق ، فالمقة شاقتهم ، والشوق ذوقهم ، فمن ذاق في شوق فروي ، سكن وتمكن ، ومن ذاق فيه من غير ري ، أورثه الانزعاج والهيمان .

* * *

الشيخ أبو جعفر الخلدي « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

 

هو جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، أبو محمد الخواص السائح اللامح القوام المزين بالأخلاق الحميدة والآخذ بالوثائق الأكيدة ، كتب الآثار ، وصحب الأخيار : الجنيد ، وعرف بصحبته ، والثوري ورويما ، وصحب أبا الحسين النوري وسمنون وأبا محمد الجريري وغيرهم من مشايخ الوقت ، وكان المرجع إليه في علوم القوم وكتبهم وحكاياتهم وسيرهم .

قال الحسين بن محمد بن جعفر الرازي : سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول : عندي مائة ونيف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية .

كان من أفتى المشايخ وأجلهم وأحسنهم قولا . حج قريبا من ستين حجة ، وتوفي ببغداد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، وقبره بالشونيزية ، عند قبر سري السقطي ، والجنيد ، وأسند الحديث ورواه .

........................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : حلية الأولياء ( 10 / 381 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 138 ) ، وطبقات الصوفية ( 3 ) ، ( 434 ) ، وسير أعلام النبلاء ( 15 / 504 ) ، والمنتظم ( 6 / 391 ) ، وشذرات الذهب ( 2 / 378 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 47 ) .


 

قلت : وله الفوائد في الزهد ، رسالة عظيمة الفوائد .

وقال أبو الفتح القواس الزاهد ببغداد : سمعت جعفر بن محمد الخلدي يقول : لا يجد العبد لذة المعاملة مع لذة النفس ، لأن أهل الحقائق قطعوا العلائق التي تقطعهم عن الحق ، قبل أن تقطعهم العلائق .

وقال جعفر : الفرق بين الرياء والإخلاص أن المرائي يعمل ليرى ، والمخلص يعمل ليصل .

وقال جعفر : الفتوة احتقار النفس ، وتعظيم حرمة المسلمين .

وقال جعفر الخلدي : سمعت الجنيد وسئل عن التصوف ؟

يقول : العلو إلى كل خلق شريف ، والعدول عن كل خلق دنيء ،

فسأله السائل فقال : ما تقول أنت ؟

فقال : مثل قوله ، ثم قال : المتناهي في حاله يتوقى كل شيء ، ويدخل في كل شيء ، ويأخذ من كل شيء ، ولا يسترقه شيء ولا يأخذ منه شيء ، واستدل بأمر النبي في أوليته ، إذا رأى نزول الوحي عليه يقول : دثروني دثروني ، حتى تمكن .

وقال جعفر الخلدي : كن للّه عبدا خالصا ، تكن عن الأغيار حرا .

وسئل عن التوكل ؟

فقال : استواء القلب عند الوجود والعدم ، بل الطرب عند العدم والخمول عند الوجود ، بل الاستقامة مع اللّه تعالى على الحالين .

وقال أبو القاسم الخلال بمرو : سمعت جعفر يقول لرجل : كن شريف الهمة ، فإن الهمم تبلغ بالرجال لا المجاهدات .

قال : وسمعت جعفر يقول : سعي الأحرار لإخوانهم لا لأنفسهم .

 

وقال جعفر لبعض أصحابه : اجتنب الدعاوي ، والتزم الأوامر فكثيرا ما كنت أسمع سيدنا الجنيد يقول : من لزم طريقة المعاملة على الإخلاص ، أراحه اللّه من الدعاوي الكاذبة .

وقال محمد بن عبد اللّه بن شاذان : سمعت جعفر الخلدي يقول : إن ما بين العبد وبين الوجود أن تسكن التقوى قلبه ، فإذا سكنت التقوى قلبه نزل عليه بركات العلم ، وطردت رغبة الدنيا عنه .


 

وسئل جعفر عن الزهد ؟

فقال : من أراد أن يزهد فليزهد أولا في الرياسة ، ثم ليزهد في قدر نصيب نفسه ومراداتها .

وقال جعفر : المجاهدات في السياحات والسياحة سياحتان : سياحة النفس ليجول في الملكوت ، فيورد على صاحبه بركات مشاهدات الغيوب ، فيطمئن القلب عند الموارد لمشاهدة الغيوب ، وتطمئن النفس عن المرادات لبركة آثار القدرة عليه .

وسئل جعفر عن العقل ؟

فقال : العقل ما يبعدك عن مراتع الهلكة .

وقال جعفر : المحب يجهد في كتمان حبه ، وتأبى المحبة إلا الاشتهار ، وكل شيء ينم على الحب حتى يظهره .

وقال جعفر : من ألقى إليه الصلاح ، التزم الحرمة للخلق ، ومن ألقى إليه روح الصديقية طالب نفسه بالصدق في أحواله ، ومن ألقى إليه روح المعرفة ، عرف موارد الأمور ومصادرها ، ومن ألقى إليه روح المشاهدة ، أكرم بالعلم اللدني .

 

الشيخ أبو بكر الشبلي « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

 

هو شيخ الطائفة أبو بكر الشبلي البغدادي قيل : اسمه دلف بن جحدر ، وقيل : جعفر ابن يونس ، وقيل : جعفر بن دلف .

أصله من الشبلية قرية ، ومولده بسامراء ، وكان أبوه من كبار حجاب الخلافة ، وكان خاله أمير الأمراء بالإسكندرية ، وولي هو حجابة أبي أحمد الموفق ، ثم لما عزل أبو أحمد من الولاية حضر الشبلي مجلس بعض الصالحين ، فتاب ، ثم صحب الجنيد وغيره ، وصار من شأنه ما صار ، وكان فقيها عارفا بمذهب مالك ، وكتب الحديث عن طائفة ، وقال الشعر ، وله ألفاظ وحكم ، وحال وتمكن ، وكان يحصل له استغراق وسكر .من كلامه :

كان يقول : خلف أبي ستين ألف دينار سوى الضياع فأنفقت الكل وقعدت مع الفقراء .

..........................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء ( 15 / 367 ) ، وتاريخ بغداد ( 14 / 389 ) ، وصفة الصفوة ( 2 / 426 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 43 ) .


 

وقال الشبلي : العارف سيار إلى اللّه عز وجل تعالى ، غير واقف .

وسئل أي شيء أعجب ؟ قال : قلب عرف ربه ثم عصاه .

وكان الشبلي ينوح يوما ويقول : مكر بك في إحسانه ، فتناسيت ، وأمهلك في غيك فتماديت ، وأسقطك من عينه ، فما دريت ولا باليت .

وقال : ليت شعري ما اسمي عندك غدا يا علّام الغيوب ، وما أنت صانع في ذنوبي ، يا غفّار الذنوب ، وبم تختم عملي ، يا مقلب القلوب ؟

وكان الشبلي يقول في جوف الليل : قرة عيني وسرور قلبي ما الذي أسقطني من عينك ؟ ثم يصرخ ويبكي .

وقال الشبلي : لا تأمن على نفسك ، وإن مشيت على الماء ، حتى تخرج من دار الغرة إلى دار الأمل .

وقال الشبلي : إذا وجدت قلبك مع اللّه ، فاحذر من نفسك ، وإذا وجدت قلبك مع نفسك فاحذر من اللّه .

وقال أحمد الحلقاني : سمعت الشبلي يقول : من عرف اللّه عز وجل لا يكون له غمّ .

وقال : أحبك الخلق لنعمائك ، وأنا أحبك لبلائك .

وكان الشبلي يقول : إن أردت أن تنظر إلى الدنيا بحذافيرها ، فانظر إلى مزبلة ، فهي الدنيا ، وإذا أردت أن تنظر إلى نفسك ، فخذ كفا من تراب ، فإنك منه خلقت ، وفيه تعود ، ومنه تخرج ، وإذا أردت أن تنظر ما أنت ، فانظر ماذا يخرج منك في دخولك الخلاء ؟ فمن كان حاله كذلك ، فلا يجوز أن يتطاول أو يتكبر على من هو مثله .

 

وعن الحسين بن أحمد الهروي قال : سمعت أبا بكر الشبلي يقول : ليس للأعمى من رؤية الجوهرة إلا مسّها ، وليس للجاهل من اللّه إلا ذكره باللسان .

وسأل جعفر بن نصير بكران الدينوري وكان يخدم الشبلي ما الذي رأيت منه يعني عند وفاته ؟

فقال : قال لي : علي درهم مظلمة ، تصدقت عن صاحبه بألوف ، فما على قلبي شغل أعظم منه ، ثم قال : وضئني للصلاة ، ففعلت ، فنسيت تخليل لحيته ، وقد أمسك على لسانه ، فقبض على يدي وأدخلها في لحيته ، ثم مات ، فبكى جعفر

وقال : ما تقولون في رجل لم يفته في آخر عمره أدب من آداب الشريعة .


 

وعن بكير صاحب الشبلي قال : وجد الشبلي في يوم جمعة خفة من وجع كان به ، فقال : تنشط تمضي إلى الجامع ، قلت : نعم ، فاتكأ على يدي حتى انتهينا إلى الوراقين من الجانب الشرقي ،

قال : فتلقانا رجل جاء من الرصافة ، فقال بكير قلت : لبيك قال : غدا يكون لنا مع هذا الشيخ شأن ، ثم مضينا فصلينا ، ثم عدنا ، فتناول شيئا من الغداء ، فلما كان الليل ، مات رحمه اللّه فقيل لي : في درب السقائين رجل شيخ صالح ، يغسّل الموتى ، فدلوني عليه في سحر ذلك اليوم ، فنقرت الباب خفيا ،

فقلت : سلام عليكم فقال : مات الشبلي ؟

قلت : نعم ، فخرج إلي فإذا به الشيخ ، فقلت : لا إله إلا اللّه ، فقال : لا إله إلا اللّه تعجبا ، ثم قلت : قال لي الشبلي أمس لما التقينا بك في الوراقين غدا يكون لي مع هذا الشيخ شأن بحق معبودك من أين لك أن الشبلي قد مات ؟ قال : يا أبله ، فمن أين للشبلي أنه يكون له معي شأن من الشأن اليوم .

توفي الشبلي في ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة وهو ابن سبع وثمانين سنة ، قدّس اللّه سرّه .

* * *

الشيخ أبو الحسن بن بندار الصيرفي « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

 

علي بن بندار بن الحسين الصوفي العابد ، لقي الجنيد وسمع محمد بن إبراهيم البوشنجي وأبا خليفة وكان يعرف بالصيرفي ، أملى مدة ، روى عنه الحاكم ووثقه .

قال السلمي : وعلي بن بندار من جلة مشايخ نيسابور ، ورزق من رؤية المشايخ وصحبتهم ما لم يرزق غيره ، صحب بنيسابور أبا عثمان ومحفوظا ، وبسمرقند محمد بن الفضل ، وببلخ محمد بن حامد ، وبجوزجان أبا علي ، وبالري يوسف بن الحسين ، وببغداد الجنيد بن محمد ورويما وسمنون وأبا العباس بن عطاء وأبا محمد الجريري ، وبالشام طاهرا المقدسي وأبا عبد اللّه ابن الجلاء وأبا عمرو والدمشقي ، وبمصر أبا بكر المصري والزقاق وأبا علي الروذباري ، كتب الحديث الكثير ورواه ، وكان ثقة ، مات سنة تسع وخمسين وثلاثمائة .

...............................................

( 1 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء ( 16 / 109 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 43 ) ، وطبقات الصوفية ( 18 ) ، ( 501 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 146 ) .


 

وقال الذهبي : غرق سنة سبع وخمسين وثلاثمائة .

قال علي بن بندار : دخلت بدمشق على أبي عبد اللّه بن الجلاء ، فقال : متى دخلت دمشق ؟ قلت : منذ ثلاثة أيام ؟ فقال لي : ما لك لم تجئني ؟

قلت : ذهبت إلى ابن جوصاء وكتبت عنه الحديث ، فقال لي : شغلتك السنة عن الفريضة .من كلامه :

وقال أبو نصر الطوسي : سألت علي بن بندار ما التصوف ؟

فقال : إسقاط رؤية الخلق ظاهرا وباطنا .

وقال علي بن بندار : فساد القلوب على حسب فساد الزمان وأهله .

وقال ابنه أبو القاسم : كثيرا ما كنت أسمع أبي رحمه اللّه يقول : دار أسست على البلوى بلا بلوى محال .

قال : وسمعته يقول : يا بني إياك والخلاف على الخلق ، فمن رضي اللّه به عبدا فارض به أخا .

قال : وكان يقول : إياك والاشتغال بالخلق ، فقد عدم عليهم الربح اليوم .

قال : ورأى مرة في يدي كتابا ، فقال : ما هذا ؟

قلت : كتاب المعرفة ، فقال : ألم تكن المعرفة في القلوب ، فقد صارت في الكتب .

وقال الطوسي : سمعت علي بن بندار يقول : ليس الفقير من يظهر فقره ، إنما الفقير من يكتم فقره ، ويأنس به ويفرح .

وقال علي بن بندار : زمان يذكر فيه بالصلاح ، زمان لا يرجى فيه صلاح .

وقال : كنت يوما أماشي أبا عبد اللّه محمد بن خفيف ، فقال لي أبو عبد اللّه : تقدم يا أبا الحسن ، فقلت : بأي عذر ؟

قال : بأنك لقيت الجنيد ، وما لقيته .

وقال ابنه أبو القاسم : كان أبي يقول : ثوب أستجيز فيه الصلاة ، أكره أن أبدله للقاء الناس بخير منه .

قال : وقال لبعض أصحابه : إلى أين ؟

قال أخرج إلى النزهة ، فقال : من عدم الأنس من حاله لم يزده التنزه إلا وحشة .


 

قال : وسمعته يقول : الحق أمر عظيم يطلبه الخلق ، إنما الحق بطرح الدنيا والآخرة .

* * *

 

الشيخ أبو الحسن بنان الحمال « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

هو الإمام المحدث الزاهد شيخ الإسلام أبو الحسن بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد ، الواسطي ، نزيل مصر ، ومن يضرب بعبادته المثل ، حدّث عن الحسن بن محمد الزعفراني والحسن بن عرفة وحميد بن الربيع وطائفة ، حدث عنه ابن يونس والحسن بن رشيق والزبير بن عبد الواحد الأسداباذي وأبو بكر المقرئ وجماعة ، وثقة أبو سعيد بن يونس ، صحب الجنيد وغيره ، وكان كبير القدر لا يقبل من الدولة شيئا ، وله جلالة عجيبة عند الخاص والعام .

فهو من جلة المشايخ والقائلين بالحق والآمرين بالمعروف له المقامات المشهورة والآيات المذكورة .

من كلامه :

قال أبو بكر الرازي : سمعت بنانا الحمال يقول : إن اللّه تعالى خلق سبع سماوات في كل سماء له خلق وجنود ، وكل له مطيعون ، وطاعتهم على سبع مقامات :

فطاعة أهل السماء الدنيا على الخوف والرجاء .

وطاعة أهل السماء الثانية على الحب والحزن .

وطاعة أهل السماء الثالثة على المنة والحياء .

وطاعة أهل السماء الرابعة على الشوق والهيبة .

وطاعة أهل السماء الخامسة على المناجاة والإجلال .

وطاعة أهل السماء السادسة على الإنابة والتعظيم .

وطاعة أهل السماء السابعة على المنة والقربة .

..................................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء ( 14 / 488 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 40 ) ، وطبقات الصوفية ( 9 ) ، ( 291 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 132 ) ، وصفوة الصفوة ( 2 / 448 ) ، والمنتظم ( 6 / 217 ) ، ومرآة الجنان ( 2 / 268 ) ، وتاريخ بغداد ( 7 / 100 ) .


 

وقال الحسن بن عبد اللّه القرشي : سمعت بنانا الحمال يقول : من كان يسره ما يضره متى يفلح ؟

وقال : إن أفردته بالربوبية ، أفردك بالعناية ، والأمر بيدك ، إن نصحت صافوك ، وإن خلطت ، جافوك .

وسئل بنان عن أجل أحوال الصوفية ؟

فقال : الثقة بالمضمون ، والقيام بالأوامر ومراعاة السر والتخلي عن الكونين بالتشبث بالحق .

وقال بنان : من ألبس ذل العجز فقد مات من شاهده ، ومن ألبس عز الاقتدار ، فقد حي بشاهده ، وجعل سببا لحياة الهياكل ، فهذا هو الفرق بين النفس والروح .

وقال : رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبب ، والإعراض عن الأسباب جملة ، يؤدي بصاحبه إلى ركوب البواطل .

وكان يقول : ليس بمتحقق في الحب من راقب أوقاته ، أو تحمل في كتمان حبه حتى يتهتك فيه فيفتضح ويخلع العذار ولا يبالي عما يرد عليه من جهة محبوبه أو بسببه ، ويتلذذ بالبلاء في الحب كما يتلذذ الأغيار بأسباب النعم .

* * *

الشيخ أبو يعقوب النهرجوري « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

وهو أبو يعقوب إسحاق بن محمد من علماء مشايخهم . الأستاذ العارف .

صحب الجنيد ، وعمرو بن عثمان المكي ، وأبا يعقوب السوسي وغيرهم من المشايخ .

أقام بالحرم سنين كثيرة مجاورا وبه مات ، وكان أبو عثمان المغربي يقول : ما رأيت في مشايخنا أنور من النهرجوري مات سنة ثلاثين وثلاثمائة .

من كلامه :

قال أبو بكر الرازي : سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول في الفناء والبقاء : هو فناء رؤية قيام العبد للّه ، وبقاء رؤية قيام اللّه في الأحكام .

................................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء ( 15 / 232 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 40 ) ، وطبقات الصوفية ( 8 ) ، ( 379 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 130 ) ، وتاريخ بغداد ( 7 / 100 ) ، وحلية الأولياء ( 10 / 356 ) .


 

قال : وسمعت النهرجوري يقول : الصدق موافقة الحق في السر والعلانية ، وحقيقة الصدق القول بالحق في مواطن التهلكة .

قال : وسمعت النهرجوري يقول : العابد يعبد اللّه تحذيرا ، والعارف يعرفه تشويقا .

وقال : سمعت النهرجوري يقول : في قول القائل : احترسوا من الناس بسوء الظن .

فقال : بسوء الظن بأنفسكم لا بالناس .

وقال النهرجوري : مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب .

وقال : من كان شبعه بالطعام ، لم يزل جائعا ، ومن كان غناه بالمال لم يزل مفتقرا ، ومن قصد بحاجته الخلق ، لم يزل محروما ، ومن استعان في أمره بغير اللّه ، لم يزل مخذولا .

وقال : الذي حصّل أهل الحقائق في حقائقهم أن اللّه تعالى غير مفقود فيطلب ، ولا ذو غاية فيدرك ، ومن أراد موجودا فهو بالموجود مغرور ، وإنما الموجود عندنا معرفة حال وكشف علم بلا حال .

وكان يقول : الدنيا بحر ، والآخرة ساحل والمركب التقوى ، والناس سفر .

وقال : لا زوال للنعمة إذا شكرت ، ولا بقاء لها إذا كفرت .

وكان يقول : مشاهدة الأرواح تحقيق ، ومشاهدة القلوب تعريف .

وقال : إذا اقتضاني ربي بعض حقه الذي له قبلي ، فذاك أوان حزني ، وإذا أذن في اقتضاء بره ، فذاك أوان سروري ونعمتي ، إذا كان بالجود والفضل والوفاء موصوفا ، والعبد بالعجز والضعف موصوفا .

وكان يقول : أعرف الناس باللّه أشدهم تحيرا فيه .

وقال إبراهيم بن فاتك : سمعت النهرجوري يقول : اليقين مشاهدة الإيمان بالغيب .

قال : وسمعت النهرجوري يقول : من عرف اللّه لم يغتر باللّه .

قال : وسمعت النهرجوري يقول : الجمع عين الحق الذي قامت به الأشياء ، والتفرقة صفوة الحق من الباطن .

وقال النهرجوري : لا يصل العارف إلى ربه إلا بقطع القلب عن ثلاثة أشياء :

العلم ، والعمل ، والخلق .


 

الشيخ أبو العباس بن سريج « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

هو الشيخ أحمد بن عمر بن سريج القاضي ، أبو العباس البغدادي ، الباز الأشهب ، والأسد الضاري على خصوم المذهب ، شيخ المذهب الشافعي ، وحامل لوائه ، والبدر المشرق في سمائه ، والغيث المغدق بروائه ، ليس من الأصحاب إلا من هو حائم على معينه ، هائم من جوهر بحره بثمينه ، انتهت إليه الرحلة ، فضربت الإبل نحوه آباطها ، وعلقت به العزائم مناطها ، وأتته أفواج الطلبة لا تعرف إلا نمارق البيد بساطها ، صحب الإمام الجنيد وحضر مجالسه ، فهو شيخه في طريق القوم ، وتفقه على أبى القاسم الأنماطي ، وسمع الحسن بن محمد الزعفراني ، وعباس بن محمد الدوري ، وأبا داود السجستاني ، وعلي ابن إشكاب وغيرهم .

قال الشيخ أبو إسحاق : كان يقال له الباز الأشهب وولي القضاء بشيراز .

وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي رحمة اللّه تعالى عليهم ، حتى على المزني .

وقال أبو حفص المطوعي : ابن سريج سيد طبقته بإطباق الفقهاء ، وأجمعهم للمحاسن باجتماع العلماء ، ثم هو الصدر الكبير والشافعي الصغير ، والإمام المطلق والسبّاق الذي لا يلحق ، وأول من فتح باب النظر ، وعلّم الناس طريق الجدل .

وقال الإمام الضياء الخطيب والد الإمام فخر الدين في كتابه غاية المرام : إن أبا العباس كان أبرع أصحاب الشافعي في علم الكلام ، كما هو أبرعهم في الفقه .

وقال أبو علي بن خيران : سمعت ابن سريج يقول : رأيت كأنما مطرنا كبريتا أحمر ، فملأت أكمامي وحجري ، فعبر لي أن أرزق علما عزيزا كعزة الكبريت الأحمر .

وقال أبو عاصم العبادي : ابن سريج شيخ الأصحاب ومالك المعاني وصاحب الأصول والفروع والحساب .

..........................................

( 1 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء ( 14 / 172 ) ، وطبقات الأولياء ( ص 130 ) ، وتاريخ بغداد ( 4 / 289 ) ، وطبقات الشافعية الكبرى ( 3 / 469 ) ، وطبقات ابن هداية ( ص 41 ) .


 

قال علي بن إبراهيم الحداد : حضرت مجلس ابن سريج الفقيه الشافعي ، فكان يتكلم في الفروع والأصول بكلام حسن عجيب ، فلما رأى إعجابي قال : أتدري من أين هذا ؟

قلت : لا ، قال : هذا ببركة مجالسة أبي القاسم بن الجنيد .

توفي في بغداد لخمس بقين من جمادى الأولى سنة ست وثلاثمائة ، وعمره خمسون سنة وستة أشهر .

* * *

الشيخ أبو عمرو إسماعيل بن نجيد « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

قال الذهبي : الشيخ الإمام القدوة المحدث الباني شيخ نيسابور أبو عمرو إسماعيل بن نجيد بن الحافظ أحمد بن يوسف بن خالد السلمي النيسابوري الصوفي ، كبير الطائفة ومسند خراسان . مولده في سنة اثنتين وسبعين ومائتين .

سمع الحديث وأسنده ، وكان ثقة . مات سنة ست وستين وثلاثمائة .

سمع أبا مسلم الكجي وعبد اللّه بن أحمد بن حنبل ومحمد بن أيوب البجلي ومحمد بن إبراهيم البوشنجي وإبراهيم بن أبي طالب وعلي بن الجنيد الرازي وجعفر بن أحمد بن نصر وجماعة .

وصحب الجنيد ، ، وله جزء من أعلى ما سمعناه ، حدّث عنه سبطه أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو عبد اللّه الحاكم ، وأبو نصر أحمد بن عبد الرحمن الصفار ، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي وعبد القاهر بن طاهر الأصولي وأبو نصر عمر بن قتادة وأبو العلاء صاعد بن محمد القاضي ، وأبو حفص عمر بن مسرور ، وآخرون .

ومن محاسنه أن شيخه الزاهد أبا عثمان الحيري طلب في مجلسه مالا لبعض الثغور فتأخر ، فتألم وبكى على رؤوس الناس ، فجاءه ابن نجيد بألفي درهم ، فدعا له ثم إنه نوه به

وقال : قد رجوت لأبي عمرو بما فعل ، فإنه قد ناب عن الجماعة ، وحمل كذا وكذا فقام

...............................................

( 1 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء ( 16 / 146 ) ، وطبقات الأولياء ( 25 ) ، وطبقات الشافعية الكبرى ( 2 / 189 ) ، وطبقات الصوفية ( 7 ) ، ( 454 ) ، وصفوة الصفوة ( 2 / 417 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 141 ) ، وشذرات الذهب ( 3 / 50 ) .


 

ابن نجيد وقال : لكن إنما حملت من مال ، فلأمي وهي كارهة ، فينبغي أن ترده لترضى ، فأمر أبو عثمان بالكيس فرد إليه ، فلما جن الليل جاء بالكيس ، والتمس من الشيخ ستر ذلك ، فبكى وكان بعد ذلك يقول : أنا أخشى من همة أبي عمرو .

وقال الحاكم : ورث أبو عمرو من آبائه أموالا كثيرة ، فأنفق سائرها على العلماء والزهاد .

قال أبو عبد الرحمن السلمي : جدي له طريقة ينفرد بها من صون الحال ، وتلبيسه .

من كلامه :

سمعته يقول : كل حال لا يكون عن نتيجة علم ، وإن جل فإن ضرره على صاحبه أكبر من نفعه .

وسمعته يقول : لا يصفو لأحد قدم في العبودية ، حتى تكون أفعاله عنده كلها رياء ، وأحواله كلها عنده دعاوى .

وقال جدي : من قدر على إسقاط جاهه عند الخلق ، سهل عليه الإعراض عن الدنيا ، وأهلها .

وسمعت أبا عمرو بن مطر يقول : سمعت أبا عثمان الحيري وخرج من عنده ابن نجيد يقول : يلومني الناس في هذا الفتى ، وأنا لا أعرف على طريقته سواه ، وربما هو خلفي من بعدي .

وسمعته يقول : من لم تهذبك رؤيته ، فاعلم أنه غير مهذب .

وسمعت جدي وسئل ما التصوف ؟ فقال : الصبر تحت الأمر والنهي .

وسمعته وسئل ما التوكل ؟

فقال : أدناه حسن الظن باللّه عز وجل .

وسمعته يقول : من أراد أن يعرف قدر معرفته باللّه تعالى ، فلينظر قدر هيبته له وقت خدمته له .

وسمعته يقول : إنما تتولد الدعاوى من الاغترار ، وتستوطن الأسرار .

وسمعت جدي يقول : كل حال لا يكون عن نتيجة علم ، وإن جل ، فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه .


 

وسمعته يقول : من كرمت عليه نفسه ، هان عليه دينه .

وسمعته يقول : من ضيع في وقت من أوقاته فريضة افترضها اللّه تعالى عليه في ذلك الوقت ، حرم لذة تلك الفريضة إلا بعد حين .

وسمعته يقول : المتوكل الذي يرضى بحكم اللّه تعالى فيه .

وسمعته يقول : تربية الإحسان ، خير من الإحسان .

وسمعته يقول : وسئل ما الذي لا بد للعبد منه ؟ فقال : ملازمة العبودية على السنة ، ودوام المراقبة .

وقال ابن نجيد : إذا أراد اللّه بعبد خيرا ، رزقه خدمة الصالحين والأخيار ، ووفقه لقبول ما يشيرون به عليه ، وسهل عليه سبل الخير ، وحجبه عن رؤيتها .

وقال عبد الواحد بن علي السياري بمرو : قلت لأبي عمرو بن نجيد آخر ما فارقته :

أوصني ؟

فقال لي : الزم مواجب العلم ، واحترم لجميع المسلمين ، ولا تضيع أيامك ، فإنها أعز شيء لك ، ولا تتصدر ما أمكنك ، وكن خاملا فيما بين الناس ، فبقدر ما تتعرف إليهم وتشتغل بهم تضيع حظك من أوامر ربك .

وكان يقول : من قدر على إسقاط جاهه عند الخلق ، سهل عليه الإعراض عن الدنيا وأهليها .

وقال : من أظهر محاسنه لمن لا يملك ضره ولا نفعه ، فقد أظهر جهله .

وقال أبو عمرو : الهمم توصل النفوس إلى سني الرتب .

وقال أبو عمرو : من استقام لا يعوج به أحد ، ومن اعوج لا يستقيم به أحد .

وقال أبو عمرو : الأنس بغير اللّه تعالى وحشة .

وقال أبو عمرو : من صح تفكره صدق نطقه ، وخلص عمله .

وقال أبو عمرو : الطمأنينة إلى الخلق عجز .

وسمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول : كان الجنيد يجيء كل يوم إلى السوق ، فيفتح حانوته ، فيدخله ويسبل الستر ، ويصلي أربعمائة ركعة ، ثم يرجع إلى بيته .


 

الشيخ أبو محمد عبد اللّه الشعراني « 1 »

قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه

هو أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن الرازي الشعراني . رازي الأصل ، ومولده ومنشأه بنيسابور .

صحب الجنيد بن محمد ، وأبا عثمان ومحمد بن الفضل ورويما وسمنون ويوسف بن الحسن وأبا علي الجوزجاني ومحمد بن حامد ، وغيرهم من مشايخ القوم . وهو من جلة أصحاب أبي عثمان ، وكان أبو عثمان يكرمه ويجله ويعرف له محله ، وهو من أجل مشايخ نيسابور في وقته ، له من الرياضات ما يعجز عنها إلا أهلها ، وكان عالما بعلوم الطائفة ، وكتب الحديث الكثير ورواه ، وكان ثقة ، مات سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، وأسند الحديث .من كلامه :

وقال أبو علي بن جمشاد الصائغ : سمعت عبد اللّه الرازي يقول : وسئل أو سألته ما بال الناس يعرفون عيوبهم وعيوب ما هم فيه ولا ينتقلون من ذلك ولا يرجعون إلى طريق الصواب ؟

فقال : لأنهم اشتغلوا بالمباهاة بالعلم ، ولم يشتغلوا باستعماله بآداب الظواهر وتركوا آداب البواطن فأعمى اللّه قلوبهم عن النظر إلى الصواب وقيّد جوارحهم عن العبادات .

وقال عبد اللّه الرازي : العارف لا يعبد اللّه على موافقة الخلق ، بل يعبده على موافقته عز وجل .

وقال : دلائل المعرفة العلم ، والعمل بالعلم ، والخوف على العمل .

وقال عبد اللّه : المعرفة تهتك الحجب بين العبيد وبين مولاهم ، والدنيا هي التي تحجبهم عن مولاهم .

وقال عبد اللّه الرازي : الخلق كلهم يدعون المعرفة ، ولكنهم عن صدق المعرفة بمعزل وصدق المعرفة خص بها الأنبياء صلوات اللّه عليهم ، والسادة من الأولياء رضي اللّه عنهم .

..............................................

( 1 ) انظر في ترجمته : طبقات الصوفية ( 6 ) ، ( 451 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 140 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 37 ) ، ونتائج الأفكار القدسية ( 2 / 4 ) .


 

وكان يقول : من أراد أن يعرف محل نفسه ومتابعتها للحق أو مخالفتها له ، فلينظر إلى من يخالفه في مراد له كيف يجد نفسه عند ذلك ؟ فإن لم تتغير ، فليعلم أن نفسه متابعة للحق .

وكان يقول : قيل لبعض العارفين : ما الذي حبب إليك الخلوة ونفى عنك الغفلة ؟ قال :

وثبة الأكياس من فخ الدنيا .

وقال عبد اللّه الرازي : من لم يغتنم السكوت ، فإنه إذا نطق نطق بلغو .

وقال أبو نصر الحراني : قلت لعبد اللّه الرازي : علمني دعاء أدعو به ؟

فقال لي : قل :

اللّهمّ امنن علينا بصفاء المعرفة ، وهب لنا تصحيح المعاملة بيننا وبينك على السنة ، وصدق التوكل عليك ، وحسن الظن بك ، وامنن علينا بكل ما يقربنا منك مقرونا بالعوافي في الدارين .

* * *

 

الشيخ محمد بن عليان النسوي « 1 »

هو محمد بن علي من كبار مشايخ نسا ، من قرية بيسمة ، من جلة أصحاب أبي عثمان ، وكان محفوظ يقول : محمد بن عليان إمام أهل المعارف كان يخرج من نسا قاصدا إلى أبي عثمان في مسائل واقعات ، فلا يأكل ولا يشرب في الطريق حتى يرد نيسابور فيسأله عن تلك المسائل ، وهو من أعلى المشايخ همة ، له الكرامات الظاهرة .

من كلامه :

قال محمد بن عليان : الزهادة في الدنيا مفتاح الرغبة في الآخرة .

وكان يقول : من لم يتحقق في وداد ربه ومحبته ، جعل مكان الوفاء في المحبة غدرا ، ومكان الألفة نفارا .

وكان يقول : كيف لا تحب من لم تنفك من بره طرفة عين ، وكيف تدعي محبة من لم توافقه طرفة عين .

...............................................

( 1 ) انظر في ترجمته : طبقات الصوفية ( 19 ) ، ( 417 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 37 ) ، وحلية الأولياء ( 10 / 376 ) .


 

وسئل ما علامة رضا اللّه عن العبد ؟

فقال : نشاطه في الطاعات ، وتثاقله عن المعاصي .

وقال ابن عليان : من أظهر كراماته فهو مدع ، ومن ظهرت عليه الكرامات ، فهو ولي .

وقال محمد بن عليان : الفقر لباس الأحرار ، والغنى لباس الأبرار .

وكان يقول : من صحب الفقراء فليصحبهم على سلامة السر ، وسخاء النفس ، وسعة الصدر ، وقبول المحن بالنعم .

وقال ابن عليان : أفقر الفقراء من لا يهتدي إلى من يقدر على أن يغنيه .

وقال : آيات الأولياء وكراماتهم رضاهم بما يسخط العوام عن مجاري المقدور .

وقال : لا يصفو للسخي سخاؤه إلا بتصغيره ، ورؤية فضل من يقبل منه .

وقال محمد بن عليان : الخوف له أثر في القلب ، يؤثر على ظاهر صاحبه الدعاء والتضرع والانكسار .

وكان يقول : علامة الأولياء خوف الانقطاع عنه لشدة في قلوبهم من الإيثار له والشوق إليه .

وقال ابن عليان : من خدم اللّه تعالى لطلب ثواب أو خوف عقاب ، فقد أظهر خسته ، وأبدى طمعه ، فقبيح بالعبد أن يخدم سيده لعوض .

وقال ابن عليان : من سكن إلى غير اللّه تعالى أهمله تعالى ، وتركه ومن سكن إلى اللّه تعالى قطع عليه طريق السكون إلى شيء سواه .

* * *


 

الشيخ أبو علي الروذباري « 1 »

هو أحمد بن محمد بن القاسم ابن منصور بن شهريار بن مهرذاذاز بن فرغدد بن كسرى .

وهو من أهل بغداد ، سكن مصر ، وصار شيخها ، ومات بها ، صحب أبا القاسم الجنيد ، وأبا الحسين النوري وأبا حمزة وحسنا المسوحي ، ومن في طبقتهم من مشايخ بغداد ، وصحب بالشام ابن الجلاء ، وكان عالما فقيها عارفا بعلم الطريقة ، حافظا للحديث .

توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة .

من كلامه :

سئل عن الإشارة ؟

فقال : الإشارة الإبانة عما يتضمنه الوجد من المشار إليه لا غير ، وفي الحقيقة : أن الإشارة تصحبها العلل ، والعلل بعيدة من عين الحقائق .

وسئل عن المريد والمراد ؟

فقال : المريد الذي لا يريد لنفسه إلا ما أراد اللّه له والمراد لا يريد من الكونين شيئا غيره .

وسئل أبو علي عمن يسمع الملاهي ، ويقول : هي لي حلال لأني قد وصلت إلى درجة لا يؤثر في اختلاف الأحوال ، فقال : نعم قد وصل لعمري ولكن إلى سقر .

وسئل عن التصوف ؟

فقال : هذا مذهب كله جد ، فلا تخلطوه بشيء من الهزل .

وقلب أبو علي الروذباري : فضل المقال على الفعال منقصة ، وفضل الفعال على المقال مكرمة .

وقال الروذباري : لا رضا لمن لا يصبر ، ولا كمال لمن لا يشكر ، وباللّه وصل العارفون إلى محبته ، وشكروه على نعمته .

وكان يقول : قال لي خالي أبو علي : لو تكلم أهل التوحيد بلسان التجريد ، لما بقي محق إلا مات .

......................................

( 1 ) انظر في ترجمته : طبقات الصوفية ( 3 ) ، ( 354 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 124 ) ، وحلية الأولياء ( 10 / 356 ) ، وصفوة الصفوة ( 2 / 256 ) ، وتاريخ بغداد ( 1 / 329 ) ، وشذرات الذهب ( 2 / 296 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 34 ) ، وحسن المحاضرة ( 1 / 225 ) .


 

وقال الروذباري : المشاهدات للقلوب ، والمكاشفات للأسرار ، والمعاينات للبصائر ، والمراعاة للأبصار .

وقال أبو علي : من نظر إلى نفسه مرة عمي عن النظر بالاعتبار إلى شيء من الأكوان .

وقال : ما ادعى أحد قط إلا لخلوه عن الحقائق ، ولو تحقق في شيء لنطقت عنه الحقيقة ، وأغناه عن الدعاوي .

وكان يقول : أنفع اليقين ما عظم الحق في عينيك ، وصغر ما دونه عندك ، وأثبت الخوف والرجاء في قلبك .

وقال : ما أظهر من نعمه دليل على ما أبطن من كرمه .

وكان يقول : من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك ، فتترك الإنابة والتوبة توهما أنك تسامح في الهفوات ، وترى أن ذلك في بسط الحق لك .

وقال أبو علي : كيف تشهده الأشياء وبه فنيت بذواتها عن ذواتها ، أم كيف غابت الأشياء عنه ، وبه ظهرت ، فسبحان من لا يشهده شيء ولا يغيب عنه شيء .

وقال أبو علي : تشوقت القلوب إلى مشاهدة ذات الحق ، فألقيت إليها الأسامي ، فركنت إليها ، والذات مستترة إلى أوان التجلي ، وذلك قوله تعالى :وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها[ الأعراف : 180 ] : أي وقفوا معها عن إدراك الحقائق .

وقال أبو علي : أظهر الحق الأسامي وأبداها للخلق ليسكن بها شوق المحبين إليه ، وتأنس بها قلوب العارفين له .

قال أبو علي : أستاذي في التصوف الجنيد ، وأستاذي في الفقه أبو العباس بن سريج ، وأستاذي في الأدب ثعلب ، وأستاذي في الحديث إبراهيم الحربي .

* * *


 

الشيخ أبو الحسن المزين البغدادي « 1 »

هو أبو الحسن علي بن محمد ، من أهل بغداد ، صحب الجنيد ، وسهل بن عبد اللّه ، ومن في طبقتهما من البغداديين ، وأقام بمكة مجاورا ومات بها .

وكان من أورع المشايخ وأحسنهم حالا ، توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة .

قال أبو بكر الرازي : سمعت أبا الحسن المزين يقول : الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب ، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة .

وسئل المزين عن المعرفة ؟

فقال : أن تعرف اللّه تعالى بكمال الربوبية ، وتعرف نفسك بالعبودية ، وتعلم أن اللّه تعالى أول كل شيء ، وبه يقوم كل شيء ، وإليه مصير كل شيء ، وعليه رزق كل شيء .

وكان يقول : الطرق إلى اللّه تعالى بعدد النجوم ، وأنا مفتقر إلى طريق إليه فلا أجده .

وكان أيضا يقول : من طلب الطريق إليه بنفسه تاه في أول قدم ، ومن أريد به الخير دل على الطريق ، وأعين على بلوغ المقصد ، فطوبى لمن كان قصده إلى ربه دون عرض من أعراض الأكوان .

وقال : من استغنى باللّه أحوج اللّه الخلق إليه .

وكان يوما وهو بالتنعيم يريد أن يحرم بعمرة يبكي طول طريقه .

وكان يقول : متى ظهرت الآخرة فنيت فيها الدنيا ، ومتى ظهر ذكر اللّه فنيت فيه الدنيا والآخرة ، فإذا تحققت الأذكار فني العبد وذكره وبقي المذكور بصفاته .

قال المزين : للقلوب خواطر يشوبها شيء من الهوى ، لكن العقول المقرونة بالتوفيق تزجر عنها وتنهي .

وسئل أبو الحسن المزين عن التوحيد ؟

فقال : أن توحد اللّه بالمعرفة وتوحده بالعبادة وتوحده بالرجوع إليه في كل ما لك وعليك ، وتعلم أن ما خطر بقلبك أو أمكنك الإشارة

..........................................

( 1 ) انظر في ترجمته : طبقات الصوفية ( 9 ) ، ( 382 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 30 ) ، وحلية الأولياء ( 8 / 335 ) ، وصفوة الصفوة ( 2 / 150 ) ، وتاريخ بغداد ( 12 / 73 ) ، وشذرات الذهب ( 2 / 316 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 35 ) .


 

إليه ، فاللّه تعالى بخلاف ذلك ، وتعلم أن أوصافه مباينة لأوصاف خلقه باينهم بصفاته قدما كما باينوه بصفاتهم حدثا .

وقال المزين : من افتقر إلى اللّه تعالى وصحح فقره إليه بملازمة آدابه أغناه اللّه به عن كل ما سواه .

وكان يقول : ملاك القلب في التبري من الحول والقوة .

وكان يقول : من أعرض عن مشاهدة ربه شغله اللّه بطاعته وخدمته ، ولو بدا له نجم الاحتراق لغيبه عن وساوس الافتراق .

ورؤى أبو الحسن يوما متفكرا ثم اغرورقت عيناه ، فقيل له : ما لك أيها الشيخ ؟ قال :

ذكرت أيام تقطعي في إرادتي وقطعي المنازل يوما فيوما ، وخدمتي لأولئك السادة من أصحابي ، وتذكرت ما أنا فيه من الفترة عن شريف الأحوال ، وأنشأ يقول :

منازل كنت تهواها وتألفها * أيام أنت على الأيام منصور

وكان يقول : المعجب بعمله مستدرج ، والمستحسن لشيء من أحواله ممكور به ، والذي يظن أنه موصول فهو مغرور ، وأحسن العبيد حالا من كان محمولا في أفعاله وأحواله لا يشاهد غير واحد ولا يأنس إلا به ولا يشتاق إلا إليه .

وسئل المزين عن الفقير الصادق ؟

فقال : الذي يسكن إلى مضمون اللّه له ، ويزعجه دخول الإرفاق عليه من أي وجه كان .

* * *

الشيخ أبو السائب القاضي الهمذاني « 1 »

قاضي القضاة أبو السائب عتبة بن عبيد اللّه بن موسى بن عبيد اللّه الهمذاني الشافعي الصوفي .

كان أبوه تاجرا بهمذان ، وإمام مسجد ، فاشتغل هو وتصوف أولا وتزهد وسافر وصحب الجنيد والعلماء .

............................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء ( 16 / 47 ) ، وطبقات الشافعية الكبرى ( 3 / 343 ) ، والنجوم الزاهرة ( 3 / 329 ) .


 

وروى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره ، وعني بفهم القرآن ، وكتب الحديث والفقه ، ثم ذهب إلى مراغة ، واتصل بابن أبي الساج الأمير فولي القضاء له ، ثم بعد صيته وقلد قضاء ممالك أذربيجان ، ثم ولي قضاء همذان ، ثم قدم بغداد ، وتوصل وازدادت عظمته ، وقلد قضاء العراق في سنة ثمان وثلاثين ، فهو أول شافعي ولي قضاء بغداد وعاش ستا وثمانين سنة .

وقد رآه بعضهم بعد موته في المنام فقال : ما فعل اللّه بك ؟

فقال : غفر لي وأمر بي إلى الجنة على ما كان مني من التخليط ،

وقال : آليت ألا أعذب أبناء الثمانين .

مات في ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة .

* * *

الشيخ أبو محمد المرتعش « 1 »

أبو محمد عبد اللّه بن محمد النيسابوري ، ويقال له : المرتعش صحب الجنيد ، وأقام ببغداد في مسجد الشونيزي وكانوا يقولون عجائب بغداد ثلاثة إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات جعفر الخواص .

وقيل : عجائب بغداد نكت المرتعش ، وإشارات الشبلي ، وحكايات الخلدي .

وقال أبو الفرج الصائغ قال المرتعش : من ظن أن أفعاله تنجيه من النار أو تبلغه درجة الرضوان فقد جعل لنفسه ولفعله خطرا ، ومن اعتمد على فضل اللّه بلغه اللّه أقصى منازل الرضوان .

وقيل له : إن فلانا يمشي على الماء فقال : إن من مكنه اللّه من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الهواء والماء .

وعن أحمد بن علي بن جعفر قال كنت عند المرتعش قاعدا فقال رجل : قد طال الليل وطاب الهواء فنظر إليه المرتعش وسكت ساعة ، ثم قال لا أدري ما يقول غير أني أقول ما سمعت من بعضهم يقول :

.................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : صفوة الصفوة لابن الجوزي ( 2 / 462 ) ، وسير أعلام النبلاء ( 15 / 330 ) ، وطبقات الأولياء لابن الملقن ( ص 141 ) .


 

لست أدري أطال ليلي * أم لا كيف يدري بذاك من يتقلى

لو تفرغت لاستطالة ليلي * ولرعي النجوم كنت مخلا

قال فبكى من حضره واستدلوا بذلك على عمارة أوقاته .

وسئل بماذا ينال العبد المحبة ؟

قال : بموالاة أولياء اللّه ومعاداة أعداء اللّه .

وسئل أي العمل أفضل ؟ قال : رؤية فضل اللّه .

وقد ذكره الخطيب فسماه جعفرا .

وقال : كان من ذوي الأموال ، فتخلى عنها وسافر الكثير . ويروى عنه قال : جعلت سياحتي أن أمشي كل سنة ألف فرسخ حافيا حاسرا .

قال السلمي : وتوفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة رحمه اللّه .

* * *

الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن المولد « 1 »

هو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن المولد . من كبار مشايخ الرقة وفتيانهم صحب الجنيد وأبو عبد اللّه بن الجلاء الدمشقي وإبراهيم بن داود القصار الرقي ، وكان من أفتى المشايخ وأحسنهم سيرة .

قال أحمد بن عطاء : سمعت إبراهيم ابن المولد يقول : من كانت بدايته نهايته ونهايته بدايته في الاجتهاد يلزمه في البداية النهاية .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : من تولاه رعاية الحق أجل ممن تؤدبه سياسة العلم .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : القيام بآداب العلم وشرائعه يبلغ بصاحبه إلى مقام الزيادة والقبول .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : إن العبد إذا أصبح كان مطالبا من اللّه بالطاعة ، ومن نفسه بالشهوة ، ومن الشيطان بالمعصية ، لكن اللّه تعالى رفق به حيث أمره في ابتداء صباحه بأمر وبعث إليه مناديا يناديه وينديه إلى أمر اللّه وهم المؤذنون يؤذنون ويكبرون في أذانهم تكبيرات مكررات يقولون له : اللّه أكبر اللّه أكبر فيكبر في قلبه أمر سيده ، فيبادر إلى طاعته ، ويخالف هوى نفسه وشيطانه ، فإن بادر إليه أكرمه اللّه بالظفر على نفسه وغلبته

................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : طبقات الصوفية ( 17 ) ، ( 410 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 136 ) ، وحلية الأولياء ( 10 / 364 ) .


 

لشهوته وأعانه على عدوه بقطع الوساوس من قلبه ، فإن من بادر إلى بابه ودخل في حرزه صار غالبا لا مغلوبا .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : حلاوة الطاعة بالإخلاص تذهب بوحشة العجب .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : عجبت لمن عرف أن له طريقا إلى ربه كيف يعيش مع غير اللّه تعالى واللّه يقول :وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ[ الزمر : 54 ] .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : جبلت الأرواح من الأفراح فهي تعلو أبدا إلى محل الفرح من المشاهدة والأجساد خلقت من الأكماد فهي لا تزال ترجع إلى كمدها من طلب هذه الفانية والاهتمام بها ولها .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : من قال به أفناه عنه ، ومن قال منه أبقاه له .

أنشدني منصور بن عبد اللّه قال : أنشدني إبراهيم بن المولد لبعضهم :

لولا مدامع عشاق ولوعتهم * لبان في الناس عزّ الماء والنار

فكل نار فمن أنفاسهم قدحت * وكل ماء فمن دمع لهم جار

 

قال : وسمعت إبراهيم بن المولد يقول : ثمن التصوف فناؤك فيه ، فإذا فنيت فيه بقيت بقاء الأبد ؛ لأن من فني عن حسوسه بقي بمشاهدة المطلوب وذلك بقاء الأبد .

قال : وسمعت إبراهيم بن المولد يقول : الأدب في الأكل ألا يمدوا أيديهم إلى الإرفاق إلا في أوقات الضرورات ، ثم على قدر إمساك الرمق .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : من قام إلى أوامر اللّه كان بين قبول ورد ومن قام إليها باللّه كان مقبولا لا شك .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : السياحة بالنفس لآداب الظواهر علما وخلقا والسياحة بالقلب لآداب البواطن حالا ووجدا وكشفا .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : الفترة بعدد المجاهدة من فساد الابتداء والحجب بعد الكشف من السكون إلى الأحوال .

قال : وسمعت إبراهيم يقول : نفسك سائرة بك وقلبك طائر بك فكن مع أسرعهما وصول .

* * *


 

الشيخ أبو بكر الكتاني « 1 »

هو محمد بن علي بن جعفر الكتاني ، وكنيته أبو بكر ويقال : أبو عبد اللّه وأبو بكر أصح . أصله من بغداد صحب الجنيد وأبا سعيد الخراز وأبا الحسين النوري وأقام بمكة مجاورا بها إلى أن مات .

وكان أحد الأئمة حكي عن أبي محمد المرتعش أنه كان يقول : الكتاني سراج الحرم مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة .

وكان محمد بن علي الكتاني يقول : إن للّه ريحا تسمى الصبيحة ، مخزونة تحت العرش تهب عند الأسحار تحمل الأنين والاستغفار إلى الملك الجبار .

وكان يقول : إذا سألت اللّه تعالى التوفيق ، فابدأ بالعمل .

وسأله بعض المريدين فقال له : أوصني ؟ فقال : كن كما ترى الناس ، وإلا فأر الناس ما تكون .

وقال الكتاني : كن في الدنيا ببدنك ، وفي الآخرة بقلبك .

وكان يقول : الشكر في موضع الاستغفار ذنب ، والاستغفار في موضع الشكر ذنب .

وقال : روعة عند انتباه عن غفلة ، وانقطاع عن حظ النفسانية ، وارتعاد من خوف قطيعة أفضل من عبادة الثقلين .

وكان يقول : وجود العطاء من الحق شهود الحق بالحق ، لأن الحق دليل على كل شيء ولا يكون شيء دونه دليلا عليه .

وكان الكتاني يقول : الشهوة زمام الشيطان ، فمن أخذ بزمامه كان عبده .

وسئل الكتاني عن حقيقة الزهد ؟

فقال : فقد الشيء والسرور من القلب بفقده ، وملازمة الجهد إلى الموت واحتمال الذل صبرا والرضا به حتى تموت .

....................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : حلية الأولياء ( 10 / 357 ) ، وصفوة الصفوة ( 2 / 257 ) ، وطبقات الصوفية ( 7 ) ، ( 373 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 129 ) ، والرسالة القشيرية ( ص 35 ) ، وتاريخ بغداد ( 3 / 74 ) ، وشذرات الذهب ( 2 / 296 ) .


 

وقيل للكتاني من العارف ؟

فقال : من يوافق معروفه في أوامره ولا يخالفه في شيء من أحواله ، ويتحبب إليه بمحبة أوليائه ولا يفتر عن ذكره طرفة عين .

وكان الكتاني يقول : الصوفية عبيد الظواهر أحرار البواطن .

وقال : سماع العوام على متابعة الطبع ، وسماع المريدين رغبة ورهبة ، وسماع الأولياء رؤية الآلاء والنعم ، وسماع العارفين على المشاهدة ، وسماع أهل الحقيقة على الكشف والعيان ، ولكل واحد من هؤلاء مصدر ومقام .

وكان يقول : الموارد ترد فتصادف شكلا أو موافقة ، فأي وارد صادف شكلا مازجه وأي وارد صادف موافقا ساكنه .

وقال : المستمع يجب أن يكون في سماعه غير مستروح إليه يهيج منه السماع وجدا أو شوقا أو غلبة وارد عليه يفنيه عن كل مسكون ومألوف ، وأنشد على إثره :

فالوجد والشوق في مكاني * قد منعاني من القرار

هما معي لا يفارقاني * فذا شعاري وذا دثاري

 

وقال أبو بكر الكتاني : إن اللّه نظر إلى عبيد من عبيده ، فلم يرهم أهلا لمعرفته ، فشغلهم بخدمته .

وقال أبو بكر الرازي : نظر محمد بن علي الكتاني إلى شيخ كبير أبيض الرأس واللحية يسأل فقال : هذا رجل أضاع أمر اللّه في صغره فضيّعه اللّه في كبره .

وقال أبو الحسن القزويني : سمعت أبا بكر الكتاني يقول : إذا صح الافتقار إلى اللّه صح الغنى به لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بصاحبه .

وقال أبو الحسين الفارسي : سمعت الكتاني يقول : الغافلون يعيشون في حلم اللّه ، والذاكرون يعيشون في رحمة اللّه ، والعارفون يعيشون في لطف اللّه ، والصادقون يعيشون في قرب اللّه .

وسئل الكتاني عن السنة التي لم يتنازع فيها أحد من أهل العلم ؟ فقال : الزهد في الدنيا وسخاوة النفس ونصيحة الخلق .

وكان يقول : من كان اللّه همه لا يستقطعه من الكون شيء ولا يأسره من زينتها قليل ولا كثير .


 

وسئل الكتاني عن المتقي ؟

فقال : من اتقى ما لهج به العوام من متابعة الشهوات وركوب المخالفات ، ولزم باب الموافقة وأنس براحة اليقين ، واستند إلى ركن التوكل وأتته الفوائد من اللّه عز وجل في كل حال فلم يغفل عنها .

وسئل أبو بكر الكتاني عن الصوفي ؟

فقال : من عزفت نفسه عن الدنيا تظرفا ، وعلت همته عن الآخرة ، وسخت نفسه بالكل طلبا وشوقا إلى من له الكل .

وقال محمد بن علي الكتاني : حقائق الحق إذا تجلت لسر أزالت عنه الظنون والأماني ، لأن الحق إذا استولى على سر قهره ، ولا يبقى للغير معه أثر .

وقال الكتاني : العلم باللّه أتم من العبادة له .

* * *

الشيخ أبو عمرو الزجاجي « 1 »

اسمه محمد بن إبراهيم بن يوسف بن محمد ، نيسابوري الأصل ، صحب أبا عثمان والجنيد والنوري ورويما وإبراهيم الخواص .

دخل مكة وأقام بها وصار شيخها والمنظوم إليه فيها . حج قريبا من ستين حجة .

قال السلمي : سمعت جدي رحمه اللّه يقول : كنت بمكة وكان بها الكتاني والنهرجوري والمرتعش وغيرهم من المشايخ ، فكانوا يعقدون حلقة وصدر الحلقة لأبي عمرو ، وإذا تكلموا في شيء رجع جميعهم إلى ما يقول أبو عمرو .

وقال أبو عثمان المغربي : كان أبو عمرو من السالكين ، وآياته وفضائله أكثر من أن تحصى وتعد .

وقيل : إنه لم يبل ولم يتغوط في الحرم أربعين سنة وهو مقيم به .من كلامه :

سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول : المعرفة على ستة أوجه معرفة الوحدانية ومعرفة التعظيم ومعرفة المنة ومعرفة القدرة ومعرفة الأزل ومعرفة الأسرار .

.....................................

( 1 ) انظر في ترجمته : حلية الأولياء ( 10 / 376 ) ، وطبقات الصوفية ( 2 ) ، ( 431 ) ، والمنتظم لابن الجوزي ( 6 / 391 ) .


 

سئل أبو عمرو الزجاجي ما بالك تتغير عن التكبيرة الأولى في الفرائض ،

فقال : لأني افتتح فريضتي بخلاف الصدق فمن يقل اللّه أكبر وفي قلبه شيء أكبر منه أو قد كبر شيئا سواه على مرور الأوقات كذب نفسه على لسانه .

وقال أبا عمرو الزجاجي : من تكلم على حال لم يصل إليه كان كلامه فتنة لمن يسمعه ودعوى تتولد في قلبه وحرمه اللّه الوصول إلى ذلك الحال وبلوغه .

وكان يقول : قسم اللّه الرحمة لمن اهتم بأمر دينه .

وسئل أبو عمرو عن الحمية ؟

فقال : الحمية في القلوب تصحيح الإخلاص ، وملازمته والحمية في النفوس ترك الدعوى ومجانبتها .

وكان يقول : الحمية ترك الشكوى من البلوى بل استلذاذ البلوى إذ الكل منه فمن أسخطه وارد من محبوبه يبين عليه نقصان محبته .

وسئل أبو عمرو عن السماع ؟

فقال : ما أدون حال من يحتاج إلى مزعج يزعجه إليه السماع من ضعف الحال ولو قوي لاستغنى عن السماع والأوتار .

وأبو عمرو الزجاجي يقول : من جاور بالحرم وقلبه متعلق بشيء سوى اللّه تعالى ، فقد أظهر خسارته .

وكان أبو عمرو الزجاجي يقول : من تشوف بالحرم رفقا من غير من جاوره بعده اللّه تعالى عن جواره ووكل بقلبه الشح وأطلق لسانه بالشكوى ومسح قلبه عن المعارف وأظلمه عن أنوار اليقين ووكله إلى حوله وقوته ومقته عند خلقه .

وكان يقول : الضرورة ما تمنع صاحبها عن القال والقيل والخبر والاستخبار وتشغله بالاهتمام بوقته عن التفرغ إلى أوقات غيره .

وقال : كان الناس في الجاهلية يتبعون ما تستحسنه عقولهم وطبائعهم ، فجاء النبي فردهم إلى الشريعة والاتباع فالعقل الصحيح هو الذي يستحسن محاسن الشريعة ويستقبح ما تستقبحه .

قال رجل لأبي عمرو الزجاجي كيف الطريق إلى اللّه تعالى ؟

فقال له أبو عمرو : أبشر فشوقك إليه أزعجك لطلب دليل يدلك عليه .


 

وقال أبو عمرو : قلبك أعرف أدلتك إذا ساعده التوفيق فدع ما أنكره قلبك فقل قلب يسكن إلى المخالفة على دوام الأوقات .

توفي بمكة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة .

* * *

 

الشيخ أبو بكر بن أبي سعدان « 1 »

وهو أحمد بن سعدان ، بغدادي من أصحاب الجنيد والنوري ، وهو أعلم مشايخ الوقت بعلوم هذه الطائفة ، وكان عالما بعلوم الشرع مقدما فيه ينتحل مذهب الشافعي ، وكان أحد أستاذي الشيخ أبي القاسم المغربي ، ويعرف من علوم الصنعة وغير ذلك ، وكان ذا لسان وبيان .

قال السلمي : وبلغني أنه كان بطرسوس فطلب من يرسل إلى الروم ، فلم يجدوا مثله في فضله وعلمه وفصاحته وبيانه ولسانه .

وقيل : لم يبق في هذا الزمان لهذه الطائفة إلا رجلان أبو علي الروذباري بمصر ، وأبو بكر بن أبي سعدان بالعراق ، وأبو بكر أفهمهما .

من كلامه :

قال : من صحب الصوفية فليصحبهم بلا نفس ولا قلب ولا ملك ، فمتى نظر إلى شيء من أسبابه قطعه ذلك عن بلوغ مقصده .

وكان يقول : من علم بعلم الرواية ورث علم الدراية ، ومن عمل بعلم الدراية ورث علم الرعاية ، ومن عمل بعلم الرعاية هدي إلى سبيل الحق .

وكان يقول : الشكر أن يشكر على البلاء شكره على النعماء .

وقال : من سمع بأذنه حكى ، ومن سمع بقلبه وعى ، ومن عمل بما يسمع هدى واهتدى .

وقال ابن أبي سعدان : الانقطاع عن الأحوال سبب الوصول إلى اللّه تعالى .

.........................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : طبقات الصوفية ( ص 316 ) ، وحلية الأولياء ( 10 / 377 ) ، وبغية الطلب لابن العديم ( 3 / 1066 ) .


 

وقال : من قابله بأفعاله قابله بعدله ، ومن قابله بإفلاسه قابله بفضله ، ولا عمل أتم من الصدق ، ولا أنور ولا أبلغ منه ، وقد قال اللّه عز وجلّ :لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ[ الأحزاب : 8 ] ،

تراه يقوم بحقيقة صدقه أو بالجواب عن سؤاله والأنبياء عجزوا حيث سألوا :ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا[ المائدة : 109 ] ،

وقال : الصابر على رجائه لا يقنط من فضله .

وقال : الاعتصام باللّه هو الامتناع به من الغفلة والمعاصي والبدع والضلالات .

وقال : من جلس للمناظرة على الغفلة لزمته ثلاثة عيوب :

أولها : جدال وصياح ، وهو المنهي عنه ،

وأوسطها : حب العلو على الخلق وهو المنهي عنه ،

وآخرها : الحقد والغضب ، وهو المنهي عنه ،

ومن جلس للمناصحة فإن

أول كلامه موعظة ،

وأوسطه دلالة ،

وآخره بركة .

وكان يقول : من لم ينظر في التصوف فهو غبي .

وقال : إذا بدت الحقائق سقطت آثار الفهوم والعلوم ، وبقي لها الرسم الجاري لمحل الأمر ، وسقط منه حقائقها .

وقال : خلقت الأرواح من النور ، وأسكنت ظلم الهياكل ، فإذا قوى الروح جانس العقل ، وتواترت الأنوار ، وأزالت عن الهياكل ظلمتها فصارت الهياكل روحانية بأنوار الروح والعقل فانقادت ولزم طريقتها ، ورجعت الأرواح إلى معدنها من الغيب تطالع مجاري الأقدار ، فهذه تطالع الجاري من الأقدار ، وهذه ترضى بموارد القضاء والقدر وهذا من لطائف الأحوال .

وكان يقول : الصوفي هو الخارج عن النعوت والرسوم ، والفقير هو الفاقد للأسباب ، ففقد السبب أوجب له اسم الفقر ، وسهل له الطريق إلى المسبب وصفاء الصوفي عن النعوت والرسوم ألزمه اسم التصوف ، فصفى عن ممازجة الأكوان كلها بمصافاة من صافاه في الأزل بالأنوار والمبار .

وقال : أول قسمة قسمت للنفس من الخيرات الروح ليتروح به من مساكنة الأغيار ، ثم العلم ليدله على رشده ، ثم العقل ليكون مشيرا للعلم إلى درجات المعارف ، ومشيرا للنفس إلى قبول العلم ، وصاحبا للروح في الجولان في الملكوت .

* * *


 

الشيخ أبو بكر الواسطي « 1 »

هو محمد بن موسى ، وأصله من فرغانة ، وكان يعرف بابن الفرغاني ، من قدماء أصحاب الجنيد ، وأبي الحسين ، من علماء مشايخ القوم لم يتكلم أحد في أصول التصوف مثل ما تكلم هو ، وكان عالما بالأصول ، وعلوم الظاهر ، دخل خراسان ، واستوطن كورة مرو ، ومات بها بعد العشرين وثلاثمائة ، وكلامه عندهم ، خرج من العراق وهو شاب ، ومشايخه في الأحياء ، فتكلم بخراسان بأبيورد ومرو ، وأكثر كلامه بمرو .من كلامه :

قال ابن الفرغاني الواسطي بمرو : شاهد بمشاهدة الحق إياك ، ولا تشهده بمشاهدتك له .

وقال : ابتلينا بزمان ليس فيه آداب الإسلام ، ولا أخلاق الجاهلية ، ولا أحلام ذوي المروءة .

وكان يقول : الأسراء على وجوه :

أسير نفسه ، وشهوته ،

وأسير شيطانه وهواه ،

وأسير ما لا معنى له : لفظه أو لحظه ، هم الفساق .

وما دام للشواهد على الأسرار أثر ، وللأعراض على القلب خطر ، فهو محجوب ، بعيد من عين الحقيقة ، وما تورع المتورعون ، ولا تزهد المتزهدون إلا لعظم الأعراض في أسرارهم ، فمن أعرض عنها أدبا أو تورع عنها ظرفا ، فذلك الصادق في ورعه ، والحكيم في أدبه .

وكان يقول : أفقر الفقراء من ستر الحق حقيقة حقه عنه .

وقال : الحب يوجب شوقا ، والشوق يوجب أنسا ، فمن فقد الشوق والأنس ، فليعلم أنه غير محب .

وكان يقول : كيف يرى الفضل فضلا من لا يأمن أن يكون ذلك مكرا .

وقال : الموحد لا يرى إلا ربوبية صرفا تولت عبودية محضا ، وفيه معالجة الأقدار ، ومغالبة القسمة .

وكان يقول : الخوف والرجاء زمامان يمنعان من سوء الأدب .

.............................................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : الرسالة القشيرية ( ص 32 ) ، وطبقات الصوفية ( 12 ) ، ( ص 302 ) ، وحلية الأولياء ( 10 / 349 ) ، والمنتظم ( 6 / 262 ) .


 

وقال : الخوف حجاب بين العبد وبين اللّه تعالى ، والخوف هو الإياس ، والرجاء هو الطمع ، فإن خفته بخلته ، وإن رجوته اتهمته .

وقال الواسطي : من حال به الحال كان مصروفا عن التوحيد ، ومن انقطع به انقطع ، ومن وصل به وصل ، وفي الحقيقة لا فصل ولا وصل .

وقال الواسطي : كائنات محتومة بأسباب معروفة ، وأوقات معلومة ، اعتراض السريرة لها رعونة .

وكان الواسطي يقول : الرضا والسخط نعتان من نعوت الحق يجريان على الأبد بما جريا في الأزل يظهران الوسمين على المقبولين والمطرودين ، فقد بانت شواهد المقبولين بضيائها عليهم ، كما بانت شواهد المطرودين بظلمها عليهم ، فأنى تنفع مع ذلك الألوان المصفرة والأكمام المقصرة والأقدام المنتفخة .

وقال : التعرض للحق والسبيل إليه تعرض للبلاء ، ومن تعرض للبلاء لا يسلم منه ، ومن أراد السلامة فليتباعد من مراتع الأهوال .

وكان يقول : الوقاية للأشباح ، والرعاية للأرواح .

وقال : أقل من ساعة فما أصابك من نعمة أو شدة قبل ذلك الوقت ، فأنت عنه خال إنما ينالك منه ما في ذلك الوقت ، وما كان بعد ذلك فلا تدري أيصل إليك أم لا .

وقال : الذاكرون في ذكره أكثر غفلة من الناسين لذكره ، لأن ذكره سواه .

وكان الواسطي يقول : حياة القلب باللّه تعالى ، بل بقاء القلوب مع اللّه ، بل الغيبة عن اللّه باللّه .

وقال : أربعة أشياء لا تليق بالمعرفة : الزهد والصبر والتوكل والرضا ، لأن كل ذلك من صفة الأشباح .

وقال : مطالعة الأعواض على الطاعات من نسيان الفضل .

وقال : الناس على ثلاث طبقات :

الطبقة الأولى : منّ اللّه عليهم بأنوار الهداية ، فهم معصومون من الكفر والشرك والنفاق .


 

والطبقة الثانية : منّ اللّه عليهم بأنوار العناية ، فهم معصومون من الصغائر والكبائر .

والطبقة الثالثة : منّ اللّه عليهم بالكفاية ، فهم معصومون عن الخواطر الفاسدة ، وحركات أهل الغفلة .

* * *

 

الشيخ أبو الحسين بن هند الفارسي « 1 »

هو علي بن هند الفارسي القرشي من كبار مشايخ الفرس وعلمائهم .

صحب جعفرا الحذاء ومن فوقه من المشايخ بفارس ، وصحب أيضا الجنيد وعمرا المكي ومن في طبقتهم ، وكان له الأحوال العالية والمقامات الزكية .

كان علي بن هند القرشي يقول : ليس حكم ما وصفنا حكم ما نازلنا .

وقال : المتمسك بكتاب اللّه هو الملاحظ للحق على دوام الأوقات ، والمتمسك بكتاب اللّه لا يخفى عليه شيء من أمور دينه ودنياه ، بل يجري في أوقاته على المشاهدة لا على الغفلة ، يأخذ الأشياء من معدنها ويضعها في معدنها .

وكان يقول : استرح مع اللّه ، ولا تسترح عن اللّه ، فإن من استراح مع اللّه نجا ، ومن استراح عن اللّه هلك ، والاستراحة مع اللّه تروح القلب بذكره ، والاستراحة عن اللّه مداومة الغفلة .

وقال : أصل الخيرات أربعة : السخاء والتواضع والنسك وحسن الخلق .

وقال : أصل كل خير ملازمة الأدب في جميع الأحوال والأفعال .

وقال : عمارة القلب في أربعة أشياء : في العلم والتقوى والطاعة وذكر اللّه ، وخرابه من أربعة أشياء : من الجهل والمعصية والاغترار وطول الغفلة .

وقال : دم على الصفاء إن كنت تطمع في الوفاء .

وقال : من آواه اللّه إلى قربه أرضاه بمجاراة المقدور عليه ، فإنه ليس على بساط القربة تسخط .

....................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : طبقات الصوفية ( 14 ) ، ( ص 399 ) ، وحلية الأولياء ( 10 / 362 ) ، وطبقات الشعراني ( 1 / 133 ) .


 

وقال : الاستقامة تقوم العبيد في أحوالهم في أحوالهم لا الأحوال تقومهم .

وقال : من أكرمه اللّه تعالى بمعرفة الحرمة والاحترام للأكابر ، أوقع حرمته في قلوب الخلق ، ومن حرم ذلك نزع اللّه حرمته من قلوبهم ، فلا تراه إلا ممقوتا ، وإن حسنت أخلاقه وصلحت أحواله ، لأن النبي يقول : « من تعظيم جلال اللّه إكرام ذي الشيبة المسلم » .

وكان يقول : من عظم قدر الخلق كلهم عنده ، فذاك لعلمه بتخصيص خلقهم من بين الحيوانات ، وذلك من تعظيم اللّه في أن يعظم ما خصصه اللّه عز وجلّ .

وقال : حسن الخلق على معان ثلاثة : مع اللّه بترك الشكوى ، ومع أوامره بالقيام إليها بنشاط ، وطيب نفس ، ومع الخلق بالبر والحلم .

وقال : القلوب أوعية وظروف ، وكل وعاء وظرف يصلح لنوع من المحمولات ، فقلوب الأولياء أوعية المعرفة وقلوب العارفين أوعية المحبة ، وقلوب المحبين أوعية الشوق ، وقلوب المشتاقين أوعية الأنس ، ولكل من هذه الأحوال آداب من لم يستعملها في أوقاتها هلك من حيث يرجو النجاة .

وقال : اجتهد ألا تفارق باب سيدك بحال ، فإنه ملجأ الكل ، فمن فارق تلك السدة لا يرى بعدها لقدميه قرارا ولا مقاما .

* * *

 

الشيخ محمد بن الفرحاني « 1 »

هو محمد بن الفرحاني بن زروية المروزي الطيب ، دخل بغداد ، وحدث بها عن أبيه بأحاديث منكرة .

روى عن الجنيد ، وابن مرزوق ، قال ابن الجوزي : وكان فيه ظرف ولباقة ، غير أنهم كانوا يتهمونه بوضع الحديث .

* * *

.................................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : البداية والنهاية لابن كثير ( 11 / 271 ) .


 

أبو بكر الملاعقي

أحد الرواة عن الإمام الجنيد .

قال السلمي في طبقات الصوفية ( ص 158 ) : سمعت نصر بن أبي نصر العطار يقول :

سمعت أحمد بن العلاء يقول : سمعت أبا بكر الملاعقي يقول :

قال الجنيد : إنما هذا الاسم يعني التصوف نعت أقيم العبد فيه ،

فقال أبو بكر الملاعقي : يا سيدي ، نعت للعبد أم نعت للحق ؟

فقال الجنيد : نعت للحق حقيقة ، ونعت للعبد رسما .

* * *

أبو عبد اللّه المكانسي

أحد الذين التقوا بسيد الطائفة

قال القشيري في الرسالة : ( 2 / 526 ، 527 ) : قال أبو عبد اللّه المكانسي : كنت عند الجنيد ، فأتت امرأة إليه ، وقالت : ادع اللّه أن يرد علي ابني ، فإن ابنا لي ضاع ، فقال لها : اذهبي واصبري ، فمضت ، ثم عادت فقالت له مثل ذلك ،

فقال لها الجنيد : اذهبي واصبري ، فمضت ، ثم عادت ففعلت مثل ذلك مرات ، والجنيد يقول لها : اصبري فقالت له : عيل صبري ، ولم يبق لي طاقة عليه ، فادع لي .

فقال لها الجنيد : إن كان الأمر كما قلت فاذهبي فقد رجع ابنك ، فمضت فوجدته ، ثم عادت تشكر له ، فقيل للجنيد : بم عرفت ذلك ؟

فقال : قال اللّه تعالى :أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[ النمل : 62 ] .

* * *


 

الشيخ أبو عمرو الأنماطي

هو علي بن محمد بن علي بن بشار الأنماطي الصوفي البغدادي ، من أصحاب الجنيد والنوري .

كان أبو العباس بن عطاء أوصى إليه بكتبه حين مات ، وكان ينشط إليه ، ومن جهته وقع إلى الناس كتاب ابن عطاء في فهم القرآن . ذكره أبو عبد الرحمن السلمي في تاريخه ، وانظر : تاريخ بغداد للخطيب ( 12 / 73 ) .

* * *

 

الشيخ أبو عبد اللّه ابن خفيف « 1 »

قدّس اللّه سره ونوّر ضريحه

هو سيدي محمد بن خفيف بن إسفكشاد الشيرازي ، شيخ المشايخ وذو القدم الراسخ في العلم والدين كان سيدا جليلا وإماما حفيلا .

يستمطر الغيث بدعائه ويؤوب المصر بكلامه من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر ، وممن اتفقوا على عظيم تمسكه بالكتاب والسنة ، وكانت له أسفار وبدايات وأحوال عاليات ورياضات ، لقي من النساك شيوخا ومن السلّاك طوائف رسخ قدمهم في الطريق رسوخا ، وصحب من أرباب الأحوال أحبارا وأخيارا ، وشرب من منهل الطريق كاسات كبارا ، وسافر مشرقا ومغربا ، وصابر النفس حتى انقادت له فأصبح مبنى الثناء عليها معربا ، صبر على الطاعة لا يعصيه فيه قلبه ، واستمرار على المراقبة شهيده عليه ربه ، وجنب لا يدري القرار ، ونفس لا تعرف المأوى إلا البيداء ولا المسكن إلا القفار .

كان ابن خفيف من أولاد الأمراء فتزهد حتى قال : كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل وأغسله وأصلح منه ما ألبسه .

حدث عن حماد بن مدرك ، والنعمان بن أحمد الواسطي ، ومحمد بن جعفر التمار ، والحسين المحاملي ، وجماعة .

وصحب رويما ، والجريري ، وطاهر المقدسي ، وأبا العباس بن عطاء ، ولقي الحسين ابن منصور .

..............................................

( 1 ) انظر في ترجمته : طبقات الشافعية الكبرى ( 3 / 149 ، 153 ) .


 

وروى عنه أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ، والحسين بن حفص الأندلسي ، ومحمد بن عبد اللّه ابن باكويه ، والقاضي أبو بكر بن الباقلاني شيخ الأشعرية وطائفة .

رحل ابن خفيف إلى الشيخ أبى الحسن الأشعري وأخذ عنه وهو من أعيان تلامذته .

قال الحافظ أبو نعيم : كان شيخ الوقت حالا وعلما .

قال : وهو الخفيف الظريف ، له الفصول في الأصول ، والتحقق والتثبت في الوصول .

وقال أبو العباس النسوي : بلغ ما لم يبلغه أحد من الخلق في العلم والجاه عند الخاص والعام ، وصار أوحد زمانه مقصودا من الآفاق ، مفيدا في كل نوع من العلوم ، مباركا على من يقصده ، رفيقا بمريديه ، يبلغ كلامه مراده ، وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد ، وعمّر حتى عمّ نفعه .

وأنه ضعف في آخر عمره عن القيام في النوافل ، فجعل بدل كل ركعة من أوراده ركعتين قاعدا للخبر : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم .من كلامه وأخباره :

وحكي عنه أنه قال : كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكف باقلاء ، فمضيت يوما وافتصدت فخرج من عرقي شبيه ماء اللحم ، وغشي علي فتحير الفصّاد وقال : ما رأيت جسدا بلا دم إلا هذا !

وروى عنه أنه قال : ما سمعت شيئا من سنن النبي إلا استعملته حتى الصلاة على أطراف الأصابع .

وقال مرة : ما وجبت علي زكاة الفطر أربعين سنة مع ما لي من القبول العظيم بين الخاص والعام .

وقال : ربما كنت أقرأ في ابتداء عمري القرآن كله في ركعة واحدة ، وربما كنت أصلي من الغداة إلى العصر ألف ركعة .

وسئل عن فقير يجوع ثلاثة أيام فيخرج ويسأل بعد ذلك مقدار كفايته ، أيش يقال له ؟ فقال : يقال له : مكد ، ثم قال : كلوا واسكتوا فلو دخل فقير في هذا الباب لفضحكم .


 

وكان إذا أراد أن يخرج إلى صلاة الجمعة يفرق كل ما عنده من ذهب وفضة ، ويخرج في كل سنة جميع ما عنده ، ويخرج من الثياب حتى لا يبقى عنده ما يخرج به إلى الناس .

وقال بعض أصحابه : أمرني ابن خفيف أن أقدم كل ليلة إليه عشر حبات زبيب لإفطاره ، قال : فأشفقت عليه ليلة فجعلتها خمس عشرة حبة فنظر إلي وقال : من أمرك بهذا ؟

وأكل منها عشر حبات وترك الباقي .

وقال ابن خفيف : سمعت أبا بكر الكتاني يقول : سرت أنا وأبو العباس ابن المهتدي ، وأبو سعيد الخراز في بعض السنين وضللنا عن الطريق ، والتقينا بحيرة ، فبينا نحن كذلك إذا بشاب قد أقبل وفي يده محبرة ، وعلى عنقه مخلاة فيها كتب فقلنا له : يا فتى كيف الطريق ؟

فقال لنا : الطريق طريقان ، فما أنتم عليه فطريق العامة ، وما أنا عليه فطريق الخاصة ، ووضع رجله في البحر وعبره .

وحكي عن ابن خفيف أنه قال : دخلت بغداد قاصدا للحج ، وفي رأسي نخوة الصوفية ، ولم آكل أربعين يوما ، ولم أدخل على الجنيد ، وخرجت ولم أشرب وكنت على طهارتي ، فرأيت ظبيا في البرية على رأس بئر وهو يشرب ، وكنت عطشان فلما دنوت من البئر ولى الظبي ، وإذا الماء في أسفل البئر ، فمشيت

وقلت : يا سيدي ما لي عندك محل هذا الظبي ،

فسمعت من خلفي يقول : جربناك فلم تصبر ، ارجع فخذ الماء إن الظبي جاء بلا ركوة ولا حبل ، وأنت جئت مع الركوة والحبل ،

فرجعت فإذا البئر ملآن فملأت ركوتي ، وكنت أشرب منها وأتطهر إلى المدينة ولم ينفد الماء ، فلما رجعت من الحج دخلت الجامع ،

فلما وقع بصر الجنيد علي قال : لو صبرت لنبع الماء من تحت قدمك لو صبرت ساعة ،

قلت : قوله نخوة الصوفية يعنى شدة المجاهدة ، والذي يقع لي في هذه الحكاية أنها منبهة له من اللّه على الأخذ في طريق التوكل وطرح الأسباب ، وهذا يقع كثيرا لأرباب العنايات من اللّه تعالى في أثناء المجاهدات يقيض اللّه تعالى لهم منبها من صوت يسمع أو إشارة تحس أو أنحاء ذلك يدلهم على مراد اللّه تعالى منهم أو غير ذلك عناية بهم ، فقيض اللّه تعالى هذا الظبي منبها له ثم أكده بكلام الجنيد له آخرا عند عوده من الحج .


 

وكذلك أقول في الحكاية قبلها إن ذاك الشاب قد يكون قدره اللّه تعالى ذلك الوقت اعتناء بابن خفيف ورفيقيه لئلا تعظم أنفسهم عليه ، فأحب اللّه تعالى أن يعرفهم أن في عباده شابا وصل إلى ما لم يصلوا إليه ، وهو رآهم على طريق العامة ، وهذا من العناية بهم .

وحكي أن أبا عبد اللّه بن خفيف ناظر بعض البراهمة فقال له البرهمى : إن كان دينك حقا فتعال أصبر أنا وأنت عن الطعام أربعين يوما ، فأجابه ابن خفيف فعجز البرهمي عن إكمال المدة المذكورة وأكملها ابن خفيف وهو طيب مسرور .

وأن برهميا آخر ناظره ثم دعاه إلى المكث معه تحت الماء مدة ، فمات البرهمي قبل انتهاء المدة ، وصبر الشيخ إلى أن انتهت وخرج سالما لم يظهر عليه تغير .

وقال ابن خفيف : خرجت من مصر أريد الرملة للقاء أبي على الروذباري

فقال لي عيسى بن يوسف المصري المغربي الزاهد : إن شابا وكهلا قد اجتمعا على حال المراقبة ، فلو نظرت إليهما لعلك تستفيد منهما ،

فدخلت إلى صور ، وأنا جائع عطشان ، وفي وسطي خرقة ، وليس على كتفي شئ ، فدخلت المسجد ، فإذا اثنان مستقبلا القبلة ، فسلمت عليهما ، فما أجاباني ، فسلمت ثانيا وثالثا ، فلم أسمع الجواب ،

فقلت : ناشدتكما اللّه إلا رددتما علي السلام ، فرفع الشاب رأسه من مرقعته ، فنظر إلي وردّ السلام ،

وقال لي يا ابن خفيف : الدنيا قليل ، وما بقي من القليل إلا القليل ، فخذ من القليل الكثير يا ابن خفيف ، ما أقل شغلك حتى تفرغت إلى لقائنا ، فأخذ كليتي فنظر إلي وطأطأ رأسه في المكان فبقيت عنده حتى صلينا الظهر والعصر ، فذهب جوعي وعطشي ونصبي ،

فلما كان وقت العصر ، قلت له : عظني !

فقال يا ابن خفيف : نحن أصحاب المصائب ليس لنا لسان لعظة ، فبقيت عندهما ثلاثة أيام لا آكل ولا أشرب ولا أنام ولا رأيتهما أكلا ولا شربا ولا ناما ، فلما كان في اليوم الثالث ،

قلت في سري : أحلفهما أن يعظاني لعلي أنتفع بعظتهما ، فرفع الشاب رأسه فقال لي : يا ابن خفيف عليك بصحبة من تذكرك اللّه تعالى رؤيته ، وتقع هيبته على قلبك فيعظك بلسان قوله ، والسلام ، قم عنّا .

وقال ابن خفيف : قدم علينا بعض أصحابنا ، فاعتل بعلة البطن ، فكنت أخدمه ، وآخذ منه الطست طول الليل ،

فغفوت مرة فقال لي : نمت لعنك اللّه ، فقيل له : كيف وجدت نفسك عند قوله : لعنك اللّه قال : كقوله رحمك اللّه .


 

وعن ابن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة ، فكان إذا أقيمت الصلاة يحمل على الظهر إلى المسجد فقيل له : لو خففت عن نفسك قال إذا سمعتم حي على الصلاة ولم تروني في الصف فاطلبونى في المقابر .

وعن ابن خفيف : تهت في البادية فما رجعت حتى سقط لي ثمانية أسنان وانتثر شعري ، ثم وقعت إلى بلد ، وأقمت بها حتى تماثلت ، وصححت ، ثم زرت القدس ، فنمت إلى جانب دكان صباغ ، وبات معي في المسجد رجل به قيام ، فكان يدخل ويخرج إلى الصباح ، فلما أصبحنا صاح الناس ،

وقالوا : نقبت دكان الصباغ وسرقت ، فجرونى وضربونى ، وقالوا : تكلم ، فاعتقدت التسليم ، فكانوا يغتاظون من سكوتي ، فحملوني إلى دكان الصباغ ، وكان أثر رجل اللص في الرماد ،

فقالوا : ضع رجلك فيه فوضعت ، فكان على قدر رجلي فزادهم غيظا ، وجاء الأمير ونصب القدر ، وفيها الزيت يغلي ، وأحضرت السكين ،

وقال : من يقطع اليد ، فرجعت إلى نفسي ، فإذا هي ساكنة ، فقلت : إن أرادوا قطع يدي سألتهم أن يعفوا يميني لأكتب بها ، فبقي الأمير يهددني ويصول ، فنظرت إليه فعرفته ، وكان مملوكا لوالدي ، فكلمني بالعربية وكلمته بالفارسية ، فنظر إلي ،

وقال أبو الحسين ، وكنت أكنى بها في صباي ، فضحكت فعرفني ، فأخذ يلطم رأسه ووجهه ، واشتغل الناس به ، وإذا بضجة عظيمة وأن اللص قد مسك ، ثم أخذ الأمير يبالغ في الاعتذار ، وجهدنى أن أقبل شيئا فأبيت وهربت .

توفى ابن خفيف رحمه اللّه تعالى ليلة ثالث رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة ، وازدحم الخلق على جنازته ، وكان أمرا عظيما ، وصلى عليه نحوا من مائة مرة .

وقيل : إنه عاش مائة سنة وأربع سنين ، وقيل : مائة إلا خمس سنين ، ولعله الأصح .ومن كلماته والفوائد والمحاسن عنه :

قال : التقوى مجانبة ما يبعدك من اللّه .

وقال : التوكل الاكتفاء بضمانه ، وإسقاط التهمة عن قضائه .

وقال : ليس شئ أضر بالمريد من مسامحة النفس في ركوب الرخص ، وقبول التأويلات .

وقال : اليقين تحقق الأسرار بأحكام المغيبات .


 

وقال : المشاهدة اطلاع القلب بصفاء اليقين إلى ما أخبر الحق عن الغيب .

وقال : السّكر غليان القلب عند معارضات ذكر المحبوب .

وقال : الزهد البرم بالدنيا ، ووجود الراحة في الخروج منها .

وقال : القرب طي المسافات بلطيف المداناة .

وقال مرة أخرى وسئل عن القرب : قربك منه بملازمة الموافقات ، وقربه منك بدوام التوفيق .

وقال : الوصلة من اتصل بمحبوبه عن كل شيء ، وغاب عن كل شيء سواه .

وقال : الدنف من احترق في الأشجان ومنع من بث الشكوى .

وقال : الانبساط الاحتشام عند السؤال .

ودخل عليه فقير فشكى إليه أن به وسوسة ، فقال : عهدي بالصوفية يسخرون من الشيطان ، فالآن الشيطان يسخر بهم .

وقيل له : متى يصح للعبد العبودية ؟

فقال : إذا طرح كله على مولاه وصبر معه على بلواه .

وسئل عن إقبال الحق على العبد ؟

فقال : علامته إدبار الدنيا عن العبد .

وسئل عن الذكر ؟

فقال : المذكور واحد ، والذكر مختلف ، ومحل قلوب الذاكرين متفاوتة ، وأصل الذكر إجابة الحق من حيث اللوازم ، لقوله : « من أطاع اللّه فقد ذكر اللّه »

وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته ، ثم ينقسم الذكر قسمين ظاهرا وباطنا ، فالظاهر التهليل والتحميد والتمجيد وتلاوة القرآن ،

والباطن تنبيه القلوب على شرائط التيقظ على معرفة اللّه وأسمائه وصفاته وأفعاله ونشر إحسانه وإمضاء تدبيره ، ونفاذ تقديره على جميع خلقه ثم يقع ترتيب الأذكار على مقادير الذاكرين ،

فيكون ذكر الخائفين على مقدار قوارع الوعيد ،

وذكر الراجين على ما استبان لهم من موعده

وذكر المخبتين على قدر تصفح النعماء ،

وذكر المراقبين على قدر العلم باطلاع اللّه تعالى إليهم ،

وذكر المتوكلين على ما انكشف لهم من كفاية الكافي لهم ، وذلك مما يطول ذكره ويكثر شرحه ،

فذكر اللّه تعالى منفرد وهو ذكر المذكور بانفراد أحديته عن كل مذكور سواه ،

لقوله عن ربّه : « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي » والأصل إفراد النطق بألوهيته لقوله : « أفضل الذكر لا إله إلا اللّه » .


 

وعن ابن خفيف قال : الغني الشاكر هو الفقير الصابر .

وقال : التصوف تصفية القلب عن موافقة البشرية ، ومفارقة الطبيعة وإخماد صفات البشرية ، ومجانبة الدعاوي النفسانية ومنازلة الصفات الروحانية ، والتعلق بعلوم الحقيقة ، واستعمال ما هو أولى على السرمدية ، والنصح لجميع الأمة والوفاء للّه تعالى على الحقيقة ، واتباع الرسول في جميع الشريعة .

* * *

 

الشيخ أبو عبد اللّه الحكيمي « 1 »

هو الشيخ محمد بن أحمد بن إبراهيم بن قريش بن حازم بن صبيح بن صباح أبو عبد اللّه الكاتب يعرف بالحكيمي .

سمع زكريا بن يحيى بن أسد المروزي ، ومحمد بن عبد النور المقرئ ، ومحمد بن إسحاق الصاغاني ، والعباس بن محمد الدوري ، ومحمد بن عبيد اللّه المنادي ، والحسن بن مكرم ، وأحمد بن أبي خيثمة ، وأبو قلابة الرقاشي ، ومحمد بن الحسين الحبيني وغيرهم من هذه الطبقة .

روى عنه أبو الحسن الدارقطني ، وعبيد اللّه بن عثمان بن يحيى الدقاق ، وأبو عمر بن حيويه ، ومحمد بن عمران المرزباني .

ذكر أبو عبيد اللّه المرزباني فيما قرأت بخطه أن الحكيمي ولد في ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين ومائتين .

مات الحكيمي في ذي الحجة ، وقال طلحة : لأيام بقيت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ، ثم قرأت بخط عبيد اللّه بن عثمان بن يحيى الدقاق ، وبخط أبي الحسن محمد بن العباس بن الفرات : توفي الحكيمي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ودفن يوم الجمعة .

* * *

...................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : تاريخ بغداد ( 1 / 269 ) .


 

الشيخ أبو حفص ابن شاهين عمر بن أحمد بن عثمان « 1 »

هو الشيخ الحافظ الواعظ محدّث بغداد : عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب بن أزداد بن سراج بن عبد الرحمن أبو حفص البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين . رحل وسمع وحدّث وروى عنه جماعة .

قال ابن ماكولا : ثقة مأمون ؛ سمع بالشام والعراق والبصرة وفارس وجمع الأبواب والتراجم ، وصنف كثيرا . وقيل : إنّه صنّف ثلاثمائة وثلاثين مصنّفا أحدهما التفسير الكبير ألف جزء والمسند ألف وثلاث مائة جزء والتاريخ مائة وخمسون جزءا والزهد مائة جزء .

وهو من أتاهم اللّه خوارق العادات والكرامات في العلم والتصنيف .

وقد وثّقوه ؛ قال الخطيب : سمعت محمد بن عمرو الداودي يقول : كان ابن شاهين ثقة يشبه الشيوخ إلّا أنّه كان لحّانا ، وكان لا يعرف في الفقه لا قليلا ولا كثيرا .

سمع بدمشق أبا علي محمد بن أبي حذيفة ، وهشام بن أحمد بن هشام ، وأحمد بن سليمان بن زبان ، والحسن بن حبيب ، وأحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب بن عادل ، وإبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت ، وخيثمة بن سليمان بأطرابلس ، ومحمد بن سليمان المالكي ، وأحمد بن إبراهيم بن حميد بن حكيم بالبصرة ، وروى عنهم .

وعن أبي القاسم البغوي ، وأبي محمد بن صاعد ، وأبي بكر بن أبي داود ، وأبي يعلى محمد بن زهير بن الفضل الأبلي ، ومحمد بن هارون بن حميد ، وعلي بن أبي القاسم بن مبشر ، والحسين بن محمد بن عفير وأبي بكر الباغندي ، وأبي خبيب العباس بن أحمد بن محمد البرتي ، وأحمد بن محمد بن هيثم الدقاق ، وأحمد بن محمد بن هانئ الشطوي ، وأحمد ابن مسعود بن عمرو العكبري بمصر ، وإبراهيم بن عبد اللّه الزينبي بعسكر مكرم ، وروى عنه أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق ، وهو من أقرانه ، وابنه عبيد اللّه بن عمر بن أحمد ، وأبو الحسن العتيقي ، وأبو القاسم التنوخي ، وأبو سعد الماليني ، وأبو العباس أحمد بن محمد ابن زكريا النسوي ، وأبو محمد الجوهري ، وأبو الفتح بن أبي الفوارس ، وأبو بكر البرقاني ،

.................................................................

( 1 ) انظر في ترجمته : تاريخ بغداد ( 11 / 256 ) ، وتاريخ دمشق ( 43 / 531 ) ، وتذكرة الحفاظ ( 3 / 987 ) ، والعبر ( 3 / 29 ) ، المنتظم ( 7 / 182 ) ، شذرات الذهب ( 3 / 117 ) ، سير أعلام النبلاء ( 16 / 431 ) ، ولسان الميزان ( 4 / 283 ) ، الوافي في الوفيات ( 1 / 3129 ) .


 

وأبو القاسم الأزهري ، وأبو محمد الخلال ، وعبد العزيز الأزجي ، وهلال بن محمد الحفار ، وجماعة آخرهم أبو الحسين بن المهتدي ، وأبو علي محمد بن وشاح الزينبي .

وكان من الثقات المكثرين الجوالين .

توفي في ذي الحجّة سنة خمس وثمانين وثلاث مائة .

* * *

 

الشيخ سعيد بن جابر « 1 »

هو الشيخ سعيد بن جابر الحميري ، ذكره محمّد بن داود بن الجرّاح الكاتب في أخبار الشعراء وقال : قدم بغداد على يزيد خال المهدي وامتدح المنصور وبقي إلى خلافة المهدي .

وهو القائل من الطويل :

وراح كميت اللّون ما لم يشجّها * مزاج ولون الورد حين تصفق

عقار عليها في القناني سكينة * وتنزو إذا صفّقت وترقرق

إذا ذلّلت في الكأس فالطّعم طيب * لذائقها واللّون للعين مونق

وقال ياقوت الحموي : سعيد بن جابر صحب الجنيد .

* * *

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: