السبت، 13 يونيو 2020

الباب الأول نحن محلّ انجلاء كلّ شيء وظهوره .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب الأول نحن محلّ انجلاء كلّ شيء وظهوره .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب الأول نحن محلّ انجلاء كلّ شيء وظهوره .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه  الله عنه

الباب الأول نحن محلّ انجلاء كلّ شيء وظهوره

أسرار إلهية

قال الإمام رضي اللّه عنه : الباب التاسع والخمسون بعد الخمسمائة ، في معرفة أسرار وحقائق من منازل مختلفة .

 

أراد بالأسرار : اللطائف الإلهية التي أودعها في ذوات الموجودات ، فاختصّ كل موجود بلطيفة هي محتده من كمال الحقّ تعالى ، بها يرجع إلى ربّه ؛ وهي الحاكمة على روحه وقلبه ، ومن ثمّ قيل : بين العبد وربّه سرّ لا يطّلع عليه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل .

وسبب ذلك ، أن كلّ شيء من الموجودات مملوء بما أودعه اللّه فيه من خصائصه ، فليس في شيء فضلة يسع بها ما في غيره . 

فما لكل أحد من اللّه ، إلا ما هو عليه ذلك الشخص منه ، غير هذا لا يكون ؛ ولكن قد يكون سرّ بعض الأشخاص ذاتيا ، فيرجع إليه في الحكم ، جميع أسرار الموجودات ؛ لضرورة رجوع الصفات إلى الذات ، فيحوي كل ما حواه الوجود ، إجمالا وتفصيلا ، وليس له على التفصيل ، إلا ما هو عليه عينا ووجودا . فافهم .

 

وأراد بالحقائق : ما تقتضيه تلك الأسرار من الأوصاف والنّسب الإلهية الحقيقية .

وأراد بالمنازل : أطوار المراتب المختلفة ، لأنه لا يمكن أن تجتمع مخلوقات في مرتبة من المراتب الإبداعية .

هذا لا يكون أبدا ، لأن اللّه تعالى أوسع من أن يتجلّى على عبدين بصفة واحدة ، أو بصفة على عبد مرتين .

فليس في الوجود شيء مكرّر ؛ بل كل شيء له مرتبة مخصوصة به ، وصفة من صفات اللّه تعالى يرجع بها إليه ، واسم حاكم له وعليه .

ولولا ذلك لاختلطت الجزئيات ورجعت إلى الأمر الكلّي ، وانبهم الأمر التفصيلي ، والتحق بعض الوجود ببعض ، فزال الضّدّ والنظير ، فاتّحد الماء بالنار ، وبطل حكم التركيب ، وليس هذا إلا في البداية والنهاية ، وأما في البرزخ الفاصل بين الأزل والأبد ، فلا بد من رعاية ترتيب الحكمة الإلهية التي بها قامت الأحكام وتميّز الكفر والإسلام وظهرت الربوبية والعبودية ، إلى غير ذلك من المراتب الخلقية والمظاهر الحقّية التي قصد الإمام - رضي اللّه عنه - أن يتكلّم عليها في هذا الباب .

 

فأول ما أنشأ في ذلك ، قال : للّه في خلقه نذير يعلمهم أنه البشير . 

أراد رضي اللّه عنه بالنذير والبشير : الحقيقة المحمدية الكلية ، التي هي موجودة بجريانه في كل نبيّ ووليّ بالعين والشهود . وفيما عدا هذين الوصفين - بالحكم والوجود - فهي على التحقيق روح الأرواح ، ولهذا قال : وهو السّراج الذي سناه يبهر ألبابنا المنير .

أي ، الحقيقة المحمدية هي النور الذي يقع به التميّز ، ومن ثمّ عبّر رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم عن روحه الكريمة بالعقل، فقال في حديث : «أول ما خلق اللّه العقل».

وقد ورد عنه أنه قال : « أول ما خلق اللّه روح نبيّك يا جابر ».

فعلمنا أن روحه هي العقل الذي به ظهر الوجود ، وتميّز العابد من المعبود ، لأن اللّه تعالى جعل العقل الأول جامعا لحقائق الموجودات ، وأبرزها منه على الترتيب الذي أراده في علمه ، وقضى به في حكمه .

والدليل على ذلك ، ما ورد في الحديث عنه صلى اللّه عليه وسلم ، أنه قال حاكيا عن اللّه تعالى أنه قال للقلم : « اكتب . 

فكتب في اللوح المحفوظ ، ما كان ، وما يكون ، وما هو كائن إلى يوم القيامة » .

والقلم هو العقل الأول المعبّر عنه بالروح المحمدية ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « أول ما خلق اللّه القلم » . فوجه الجمع بين هذه الأحاديث الثلاثة ، أن يكون المراد بجميعها واحدا .

ثم نبّه الشيخ - رضي اللّه عنه - على تحقيق ظهور صفات العقل الأول في كل قطب كامل بقوله : في كل عصر له شخيص تجري بأنفاسه الدهور .

يعني : لظهور صفات الحقيقة المحمدية في كل عصر ، إمام مستكمل الشروط القطبية . تجري بأنفاسه الدهور . أي : يتحكّم في حركات الوجود وسكناته حسبما يقتضيه الكمال الإلهي ، خلافة محمدية .

وكان أول ظاهر بهذا المقام ، أبونا آدم عليه الصلاة والسلام . وهو لنا ، بحكم الوراثة من أبينا . وسيكون آخر من يظهر بهذا المقام ، عيسى عليه الصلاة والسلام .

 

ولما فرغ الشيخ ، رضي اللّه عنه ، من تعريفه ، أراد أن يصرّح أنه لا يكون في الزمان ، إلا لواحد ، فقال : عيّنه في الوجود فردا ، الواجد العالم البصير.

أي ذكره على التعيين ، أنه يكون فردا في الوجود ، لا منازع له فيه ؛ فعيّنه النّور المحمديّ الجزئيّ ، الذي هو روح .

والشيخ رضي اللّه عنه ، عبّر عنه بالواجد - بالجيم - لكونه وجده كذلك في سرّه ، وعلمه بإعلام اللّه إياه ، ورآه ببصره - فالوجود يتعلق بالإدراك ، والإعلام بالسمع ، والرؤية بالبصر ، فلهذا قال : عيّنه الواجد العالم البصير .

* * *

ولما فرغ الشيخ من التنبيه على ذلك ، استأنف الكلام ، ونادى حقيقة ؛ فقال : يا واجدا مجده تعالى ، ليس له في الورى نظير . إعلم أنه ليس كل من عرف اللّه تعالى ، وجد عنده تعظيم فمجّده كما ينبغي له ؛ وإنما يحصل ذلك للكمّل من أوليائه . ولهذا نبّه على ذلك من نفسه بقوله : « يا واجدا مجّده » ، أي عظّمه اللّه تعالى .

ولما كان في المحل مظنة لقول من يقول له : كأنك تقول إن القطب كالحق ، يتصرّف في العالم تصرّفه ؟ !

قال في الجواب ، دفعا لذلك السؤال : " ليس له في الورى نظير " ليزول توهّم السامع ، فلا يطعن في اعتقاد الشيخ .

ويحتمل أن يكون قوله « يا واحدا » بالحاء المهملة ، ويكون حينئذ " مجده " مرفوعا على أنه فاعل تعالى ؛ فيكون تقديره : يا واحدا تعالى مجده . ويكون الخطاب حينئذ للذات الإلهية ، التي هي ذاته وذات كل ذات ؛ فافهم .

ثم إنه أراد أن يبيّن أن ذلك التصريف المنسوب إلى القطب ، راجع إلى اللّه تعالى . فقال : ليس لأنواره ظهور ، إلا بنا ؛ إذ لنا الظهور

أراد بالأنوار : الصفات والأسماء الإلهية التي لا ظهور لها ، إلا بوجود الخلق . لأنه يستحيل ظهور الرازق ولا مرزوق ، والخالق لا مخلوق ، والقادر ولا مقدور عليه ، إلى غير هذه المعاني ، مما لمقتضى الأسماء والصفات ؛ 

ولهذا قال : ونحن مجلى لكل شيء يظهر في عينه الأمور . الضمير في عينه ، يرجع إلى « مجلى ».

 

والمراد : نحن مظهر لكل شيء ، تظهر الأمور في عين ذلك المظهر ؛ أي تبدو فينا كلّ الأمور ، لأنّا مجلى كل شيء ومظهره ، لأن الحقّ الذي هو أصل جميع الأشياء ، إنما ظهر بنا من حيث ذواتنا وأعياننا ؛ فبنا تصوّر ، وفينا ظهر .

فنحن : محل انجلاء كل شيء وظهوره .

إعلم ، أيّدنا اللّه وإيّاك ، أن الشيخ - رضي اللّه عنه - لفّ في هذه الأبيات جميع ما أراد نشره في هذا الباب .

ولما أراد التنبيه على عظم هذا الباب قال : إعلم أيّدنا اللّه وإياك بروح القدس ، أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب .

 

هو الباب الجامع لفنون الأنوار الساطعة ، والبروق اللامعة ، والأحوال الحاكمة ، والمقامات الراسخة ، والمعارف اللدنية ، والعلوم الإلهية ، والمنازل المشهودة ، والمعاملات الأقدسية ، والأذكار المنتجة ، والمخاطبات المبهجة ، والنّفثات الروحية ، والقابلات الرّوعية . وكل ما يعطيه الكشف ، ويشهد له الحق الصرف .

التأييد ، هو المدد . وروح القدس ، هي الحقيقة الإسرافيلية التي تظهر على هياكل المحقّقين ، لتقدّس أرواحهم من نقائص أحكام البشرية وغيرها . و « من » زائدة ؛ فتقديره : إن هذا الباب أشرف أبواب الكتاب . 

لكونه هو الباب الحاوي لفنون - أي لجنس - الأنوار الساطعة ، وهي البوادي والبواده التي تفجأ العبّاد والزّهاد من مطالعات أنوار عجائب الملكوت .

والبروق اللامعة ، هي عبارة عن مبادئ ظهور أنوار التجليّات ؛ وهي لأهل البداية . والأحوال الحاكمة ؛ يعني على المريدين : كالشوق ، والوله ، والقلق ، والحزن ، والقبض ، والبسط ، وأمثال ذلك . 

والمقامات الراسخة ؛ للسالكين : كالرضى ، والتفويض ، والزهد ، والمراقبة ، والمحاسبة ، وأمثال ذلك .

والمعارف اللدنية ؛ للعارفين : وهي العلوم الواردة عليهم من قبل الحق بلا واسطة ، لأنها من لدنه تعالى .

والعلوم الإلهية ؛ هي ما أدركه المحقّقون من المعلومات ، على حقيقة الاتصاف بالصفة العلمية الإلهية . . فهي من عين علم اللّه بذاته وبمخلوقاته . 

والمنازل المشهودة ؛ يعني مقامات الأولياء في اللّه تعالى ، من الغوثية والفردية والبدلية ، وغير ذلك . 

والمعاملات الأقدسية ؛ هي التي من شأن الملامتية في جميع أحوالهم وحركاتهم . . 

ولأجل ذلك جعلها " أقدسية " ولم يجعلها « قدسية » لأنهم ذاتيّون ، فكل ما ينسب إلى الذات من حيث هو ذات ، يسمى « أقدسيا » وكل ما ينسب إلى ما ينزل عن التجلي الذاتي - كتجليّات الأسماء والصفات - يسمى قدسيا .

والأذكار المنتجة ؛ التي هي من أوراد الصوفية ، أهل الاستقامة على الطريقة والشريعة . والمخاطبات المبهجة ؛ التي هي لأرواح الملائكة من الحق تعالى ، فيما يخصّ كلامهم على العموم ، ولأرواح عباد اللّه على الخصوص . وقد شرحنا طرفا منها ، في كتابنا المسمى « بالناموس الأعظم والقاموس الأقدم في معرفة قدر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم » فافهم .

 

والنّفثات الروحية ؛ هي التي من شأن سادات الملائكة على التخصيص ، ونودي لهم أن يلقوا على من أراد اللّه تعالى من عباده ؛ فالنفث هو الإلقاء ، وهو للأنبياء وحي ، وللأولياء إلهام .

والقابلات الروعية ؛ يعني بالقابل : الكون ، وبالروع : النفس .

يريد بذلك : المظاهر الموجوة من نفس الحق فيه . وكلّ ما يعطيه الكشف ؛ يريد : من العلوم التي هي من وراء أطوار العقل والنقل ، فلا يدرك إلا بالكشف . وما شهد له الحق الصرف ؛ يعني علم بالكتاب والسّنّة ، وحكم العقل السليم .

فجمع هذا الباب ، أصناف العلوم المتعلّقة بالحق والخلق ، وما في الوجود سوى ذلك ، فحوى جميع علوم الوجود .

ثم نبّه الشيخ - رضي اللّه عنه - على إحاطة هذا الباب بجميع ما في كتاب الفتوحات ، فقال : ضمّنت هذا الباب ما يتعلّق بأبواب هذا الكتاب مما لا بد من التنبيه عليه ، مرتّبا من الباب الأول إلى آخره - يعني آخر الكتاب - فمن ذلك ، أي فمن بعض ما تضمّنه هذا الباب من العلوم المذكورة : سر الإمام المبين ؛ وهو الروح الذي تكلّم عليه في الباب الأول من الفتوحات ، وهو حقيقة الختم ؛ وهي اللطيفة الذاتية المتعيّنة في الصورة الجزئية ، بالكمالات الكلية .

فالسّرّ هو اللطيفة المذكورة ؛ والإمام المبين هو الروح الإضافية ، وقد عبّر عنها بقوله : الإمام المبيّن هو الصادق الذي لا يمين .

الفرق بين الروح الإضافية والسرّ ، أن السر هو اللطيفة الذاتية بنظره إلى الكمالات الإلهية ، من غير اعتبار المظهر .

والروح الإضافية ، هي عين تلك اللطيفة الذاتية ، لكن باعتبار المظهر وإضافته إلى الظاهر فيه .

وإنما سمّي السرّ سرّا ، لأنه تحذية بسرّ الربوبية المحضة ، تحقيقا لما تقتضيه الذات الإلهية . وأدب الموطن يقتضي عدم الإفشاء بذلك.

 

 والحكم المسماة إنسانا وآدميا وعبدا ، لمقتضياته الذاتية له ، اللازمة لصورته الناقصة المباينة للكمال ، لئلا يلزم التناقض بين حاله ومقامه ، إذ ليس ذلك من الشؤون الكمالية . فكتمه لذلك المعنى من عين أوصاف الرتبة الكمالية فجعل ذلك التحذّي سرا لا جهرا ، لما يقتضيه الكمال من صفة الحق ، وأدب المقام اللازم للخلق .

 

ثم تكلّم على تلك اللطيفة بعبارة أخرى ؛ فقال : مجلى ما أحاط به العلم ، وتشكّل فيه الكيف والكم .

هو - أي الروح - محلّ انجلاء العلم الإلهي . يعني أن الروح المقدّسة ، التي هي عين الروح الإضافي والسّرّ الذاتي ؛ هي عين العقل الأول المعبّر عنه بالقلم الأعلى . 

ولهذا كان مجلى المعلومات الإلهية ،

مما هو معنى :

كالصفات والأعراض ، أو صورة : كالذوات والجواهر . وعن ذلك عبّر بما " تشكلّ الكيف فيه".

ثم تكلّم عل تلك اللطيفة بعبارة أخرى ؛ فقال : وجلت به الأعراض ، وفعل بالإرادات والأغراض ، فانفعلت به الأوعية المراض .

أراد أن يبيّن أن تلك اللطيفة هي الروح الإنسانية ، التي هي المدبّرة للجسم ، فهي جوهر يحلّ العرض فيه ، ويفعل في عالمه وفي تدبير جسمه بالإرادة متى اختار ، وتنفعل له الأجسام التي تحت تدبيرها . .

وإنما سمّاها الأوعية المراض ، لأن الأجسام كالأرواح ، من حيث أنها عين الحق ؛ فلنقصان تحققها في الظهور بالصفات الإلهية التي تظهر في الأرواح ، سمّيت مراضا لأنها ليست في صحة اعتدال الأرواح .

فلما فرغ الشيخ - رضي اللّه عنه - من العبارة عن أطوار هذه الروح ، تكلّم عنها عند نهايتها في الرتبة الكمالية .

لأنه رضي اللّه عنه ، كان هو الإنسان الكامل ، وهذه العلوم التي يوردها في كتبه قاطبة ، مستفادة له ، أخذها من روحه ،

حسبما ذكر ذلك على الإطلاق في الباب الأول من الكتاب ؛ فقال يصف حالتها في الكمال : النور الباهر وجوهر الجواهر .

يعني : الروح الكامل ، هو النور الباهر . يريد بذلك ، صفات الألوهية ، لأن الذات ظلمة ، والصفات نور .

واعلم أنه من لا يكون في نفسه ذاتا ساذجا يقبل معناه الانطباع بكل صورة من صور الوجود ، سواء كانت تجليات إلهية أم عينيات كونية أم حكميات علمية ؛ لا يمكنه تحقيق الاتصاف بالصفات الإلهية ، ولا يستطيع أن يبرز بالفعل ما هو فيه بالقوة ، ولا ينطلق بالشأن الكلّي ، لكونه مقيّدا بالحصر الجزئي .

 

وعن ذلك الانطباع بصورة كل صورة ، معنىّ عبّر عنه بأنه « جوهر الجواهر » ثم شرحه ، وأوضح ما أبهمه وفتحه ؛

فقال : يقبل الإضافات الكونية ، والاستتارات الغيبية ، والأوضاع الحكمية ، والمكانات الحكمية ، رفيع المكانة ، كثير الاستكانة ، علم في رأسه نار ، عبرة لأولي الأبصار . يعني : أن روح الإنسان الكامل ، يقبل جميع أحكام الظهور والبطون . .

فكنّى عن أحكام الظهور ، بالإضافات الكونية . وعن أحكام البطون ، بالاستتارات الغيبية - والاستتارات بالتاء المثناة من فوق والغيبية بالغين المعجمة - وهو العالم المقابل لعالم الشهادة ؛

يعني : إنه مع تمكينه بعالم الغيب ، شهاديّ ، ومع تحقّقه بعالم الشهادة ، غيبيّ .

فهو في الآن الواحد والساعة الواحدة : ظاهر بوصف الحقّ والخلق ، قابل لحكميهما .

وكنّى عن ترتيب وضع الحكمة في الأكوان ، بقوله " والأوضاع الحكمية " بتحريك الكاف .

وكنّى عن المكانة الإلهية التي قبلتها هذه الروح الكاملة ، بقوله « والمكانات الحكمية » بإسكان الكاف .

فالإنسان " رفيع المكانة " لأنه موصوف الصفات الإلهية . « كثير الاستكانة » إلى ما هو له من ذلك الجناب . « علم في رأسه نار » أي : هي علم على الذات الإلهية .

« في رأسه النار » الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، المعبّر عنها بالجلال والعظمة والقهر والكبرياء ، فهي الرياسة الإلهية التي هي آخر شيء يخرج من رؤوس الصّدّيقين ، أي تظهر عليهم في نهايتهم ؛ لأن الاتصاف بالعظمة والكبرياء والقهر ، لا يكون إلا في الكمال .

ومن ثمّ ، هلك الرجل الذي نظر إلى أبي يزيد - وقد كان يرى ربّه كل يوم فلا يضرّه شيء ولم يصبه سوء - لأنه كان يرى ربّه على قدر قابلية نفسه ، فاستطاع الثبوت عنده لذلك ، فظهر عليه أبو يزيد بالعظمة والهيبة - ومن وراء قابليته - فهلك لأن قابليته لا تبلغ قابلية أبي يزيد ، فما استطاع الثبوت عنده .

ولذلك قال فيه إنه لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ[ النّور : 44 ] وقد شرحنا في هذه النبذة ، جميع ما حواه هذا الباب من كتاب الفتوحات ، فافهم .

* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: