السبت، 13 يونيو 2020

الباب العاشر مرتبة الإنسان الكامل عندي فوق مرتبة الملائكة .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب العاشر مرتبة الإنسان الكامل عندي فوق مرتبة الملائكة .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب العاشر مرتبة الإنسان الكامل عندي فوق مرتبة الملائكة .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه  الله عنه

الباب العاشر مرتبة الإنسان الكامل عندي فوق مرتبة الملائكة

الأنوار العلوية

قال الشيخ رضي اللّه عنه : ومن ذلك . أي : ومن بعض ما تضمّنه هذا الباب ، فنون العلوم المذكورة في الكتاب : سرّ النّور .

أي : الوجود المطلق ، الذي هو الحقّ في الخفاء والظهور .

يعني : بالخفاء ، تجلّي الحقّ تعالى لنفسه ، في ذاته بذاته ؛ وبالظهور ، تجلّيه لخلقه ، في مخلوقاته .

أشرقت : أي ظهرت .

الأنوار : أي الأسماء والصفات الإلهية ،

فشرقت : أي تعيّنت الذات بتعيّن الأسماء والصفات .

وتميّزت بها : أي بالأسماء والصفات . الأعيان الثابتة ، التي هي حقائق الممكنات . فافترقت.

يعني : تعيين كلّ موجود ، بسبب الأسماء والصفات ؛ لأنها آثارها . . فحصلت الأعيان في الفرق ، بعد الجمع الأول .

فأغنت الإشارات عن العبارات .

أراد بالإشارات : الموجودات ، التي هي آثار الأسماء والصفات .

وبالعبارات : الأسماء والصفات الحقّ أغنى الناظرين ، شهود الأثر ، عن شهود المؤثر . فمنها : أي من الموجودات الكونية .

من هيّم ؛ كالملائكة المهيّمة في جلال اللّه تعالى وجماله . فتهيّم ؛ كالعقل .

الأول ، والنفس الكلية ، والروح الكلية .

ومنها : أي من الموجودات الكونية . من حكّم ؛ كالطبيعة . فتحكّم ؛ كالملائكة الموكّلة بتدبير العالم ، لأنهم تحكّموا في إيجاد الموجودات : كالعقل الفعّال ، وكالأركان الأربعة ، وكالكواكب السبعة .

فلكلّ عين ؛ أي ملك من هذه الملائكة المهيّمة والمحكّمة . مقام معلوم ؛ أي وظيفة مخصوصة يقوم بها ، ومحل مخصوص من الكمال يكون عليه .

وحدّ مرسوم ؛ لكلّ من هذه الملائكة ، حدّ لا يتعدّاه . وذلك الحدّ ، هو ما تقتضيه قابليته من الفاعلية ، والمنفعلية ، والصورية ، والمعنوية ، والكلية ، والجزئية .

فمنه ؛ أي من مقام هذه الأملاك . مرمز ؛ لا يدرك بالعقل ، كمقام القلم الأعلى واللوح المحفوظ . ومنه مفهوم ؛ كمقام الأركان الأربعة ، لأن فعل الطبائع في الوجود ، مفهوم عقلا ، ومشاهد حسّا .


الملائكة المهيمة والمحكمة :

يخلّقون نفوسهم كما يشاؤون . يعني الأرواح الكلية ؛ كالهيولى ، فإنها تتكوّن حسب ما تقتضيه من الصور .

كالطبيعة إذا تخلّقت نارا ، أو هواء ، أو ماء ، ترابا - على حسب المقتضى - فتتخلّق بصورته ؛ فهي الخالقة لنفسها ، بقدرة اللّه تعالى .

وفي أيّ صورة شاؤوا ، يتحوّلون . يعني : أن الأرواح الكلية ، تتصور بأيّ صورة تقتضي قوابلها - من الصور الجزئية - فتتحوّل فيه ، كما تحوّل جبريل عليه السلام ، في صورة دحية الكلبي .

هم الحدّادون . أي : الأرواح المهيّمة ، هم الجاعلون لهم حدودا ، حسب ما تقتضيه قوابلهم ، فلا يتعدّى شيء منهم حدّه .

والحجّاب . أي : الملائكة المحكّمة ، هم حجّاب اللّه تعالى ، لأنهم الفعلة للأمور ، فلا ينظر الناظر ، إلا إليهم . وهم حجّاب ، يمنعون - أيضا - أبصار الناظر ، أن تقع على الحق تعالى ، وبهم ، حجب عن اللّه من حجب . ولهم ؛ أي للملائكة المهيّمة ، والمحكّمة .

الظّهور : تارة حسّا ، وتارة عقلا ؛ صورة ، ومعنى . والحجاب : ولهم البطون ، لأن مقامهم يقتضي ذلك . ألا ترى إلى الهيولى ، كيف ظهرت بظهور الصور ؛ وهي - أعني الهيولى - باطنة على الحقيقة ، بعد هذا التعيين والظهور .إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ[ ص : 5].

 يعني : كونهم ظاهرين في بطونهم ، وباطنين في ظهورهم ؛ أمر يحصل منه التعجّب ، لحصول النقيضين بحال واحد يكثرون التكبير ، ويحفّون بالسرير .

أي بالعرش - والمراد به هنا : جميع المظاهر الكونية - فإن هذه الملائكة المهيّمة والمحكّمة ، حافّون به .

لهم المقام الأشمخ . أي المنصب الأعلى ؛ لأنهم مخلوقون بغير واسطة ، كالعقل الأول ؛ أو بواسطة قليلة ، كالأرواح الكلية . أو لكونهم أسبابا كلية ، لوجود الموجودات .

ومنزلهم ؛ أي منزل الملائكة المهيّمة ، والملائكة المحكّمة : بين اللّه والعالم ، مثل البرزخ .

جعلهم الشيخ - رضي اللّه عنه - أفضل من البشر الكمّل ، فقال إنهم متوسطون بين مرتبة الألوهية وبين مرتبة الإنسان الكامل .

هذا مذهبه ! ولا أقول بذلك ؛ بل مرتبة الإنسان الكامل - عندي - فوق مرتبة الملائكة ، لأنهم له ، كالقوى للجسد ، وكالصفة للذات ، وكالعرض للجوهر .

 

فأصحاب النسب منهم الخلفاء من البشر . يعني : من كان منسوبا إلى أحد هذه الملائكة المهيّمة أو المحكّمة ، بحكم ما تحقّق به في المراتب الكمالية الكلية ، الجميلة ، والجزئية التفصيلية - كما يقال : فلان على قلب إسرافيل ، وفلان على قلب ميكائيل - كان خليفة للحق ، يعني : نبيّا .

واعلم ، أن الخلفاء على أقسام :

خلفاء اللّه ، على ما هو له ؛ يقومون بصفاته عنه .

وخلفاء اللّه ، على ما هو منه ، يقومون به في خلقه .

وخلفاء ، لخلفاء اللّه في كلا القسمين .

فالخلافة المحضة ، فيما هو اللّه ؛ لمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وللأنبياء والأولياء الكمّل .

والخلافة المحضة ، فيما هو من اللّه ؛ لمحمد صلى اللّه عليه وسلم وحده ، والأنبياء والأولياء الكمّل نوّابه . فهم ، خلفاء خلافته صلى اللّه عليه وسلم .

ولمّا كان هذا العلم ، مما لا يمكن دركه لأحد ، إلا بالكشف والرؤية .

قال :  يعلم ذلك ، من تحقّق بالنظر . يعني : بالشهود والرؤية .

ولهذا قال : واعتمد على ما جاء به الكشف والخبر .

أراد بالخبر ، قوله صلى اللّه عليه وسلم : « كنت نبيا ، وآدم بين الماء والطين » وهذا الخبر ، هو الذي يعطيه الكشف .

"" رواه الحاكم في المستدرك عن العرباض بن سارية السلمي قال سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول : " إني عند اللّه في أول الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأنبكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام " . ورواه ابن حبان ورواه غيرهما . ""


ولما كانت النبوّة تقتضي أن يكون محلّها ، التوسّط بين اللّه وبين الخلق ؛ وكان صلى اللّه عليه وسلم واسطة الجمع قبل ظهور الكلّ .

كان هذا موضع تحيّر العقل ؛ حيث وجد نبيّ ، من غير قوم يرسل إليهم ،

قال : والعقول من حيث أدلّتها ، قاصرة عن إدراك هذا العلم ، لطموس عين الفهم .

يعني : كونه صلى اللّه عليه وسلم ، نبيّا قبل وجود آدم وذريته ، مما لا تدركه العقول ؛ لطموس طريقة الفهوم ، الموقوفة على الأدلة ، فافهم .

وقد شرحت لك ، جميع ما حواه الباب العاشر من الفتوحات المكية ، واللّه الموفق ، لا ربّ غيره .

 

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: