السبت، 13 يونيو 2020

الباب التاسع إبليس أوّل من خالف في الأمر وآدم أوّل من خالف في النّهي ! .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب التاسع إبليس أوّل من خالف في الأمر وآدم أوّل من خالف في النّهي ! .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب التاسع إبليس أوّل من خالف في الأمر وآدم أوّل من خالف في النّهي ! .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه  الله عنه

الباب التاسع إبليس أوّل من خالف في الأمر وآدم أوّل من خالف في النّهي !

قال الشيخ رضي اللّه عنه : ومن ذلك . أي ، ومن بعض ما تضمّنه هذا الباب ، من فنون العلم . سرّ الوالج والمارج .

الوالج : إشارة إلى الأرواح الطاهرة المختلفة ، من العنصريين العلويين ، وهم ملائكة الجوّ ، بين السماء والأرض .

والمارج : هو الأرواح الخبيثة ، وهي الجنّ ، خلقهم اللّه تعالى من امتزاج النار بالهواء ، كما خلق الإنسان من امتزاج الماء بالتراب .

ولما كان خلق الجان ، من امتزاج النار بالهواء ، كان الانقلاب طبعا له .

لأن الهواء لا ثبوت له ؛ وكذلك النار ، تريد العلو والارتفاع طبعا ، ألا تراك إذا أخذت

شمعة وأقلبتها ، لا تنقلب نارها معك ، بل ترجع إلى فوق بالطبع ؛ لأن الركن الناريّ يتعالى طبعا .

وبعكسه التراب ، لا يطلب إلا السفل ؛ فلو أخذت كفّا من تراب ، ورميت به إلى فوق ، لرجع إلى أسفل بالطبع .

ولهذا ؛ كان الإنسان مؤتمرا طيعا ، والجان مخالفا عاصيا . فإن عرضت معصية من الإنسان ، كانت تلك الغفلة منه عارضة ، لما يقتضيه طبعه .

كما أنه لو عرضت طاعة من الجان ، كانت تلك الطاعة عارضة ، لما يقتضيه طبعه ، ومن ثمّ ، تاب اللّه على آدم ، ولم يتب على إبليس .

لأن إبليس من طبعه المعصية ، ألا تراه تكبّر وقال :أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ[ الأعراف : 12 ] في حضرة الحق ، ولم يصدر من الإنسان - الذي هو آدم - إلا البكاء ، والندم ، والخوف ؛ لما يقتضيه التراب من الذّلّة والسّفل .

فلهذا المعنى ؛ لعن إبليس ، لأنه محل المعصية والخلاف .

وهو المشار إليه بقوله : أول جواد كبا ، حين أمر فأبى .

يعني : إبليس هو أول من خالف اللّه . ونعته بأنه « جواد »، لأنه كان قبل ذلك من المقربين.

فإبليس أول من خالف في الأمر ، وآدم - عليه السلام - أول من خالف في النّهي .

لأنه قيل له لا تأكل الحبّة ، فأكل ؛ وإبليس قيل له اسجد ، فما سجد .

فالخلاف واقع منهما ، لا من جهة واحدة ، بل من جهتين .

 

ولذلك قال الشيخ : وأول من قدح في النّهى من نهي وما انتهى

يعني : آدم عليه السلام ، نهي من أكل الجنة ، فما انتهى عن ذلك ؛ فكان فعله قدحا في العقل ، لأن امتثال المولى ، مما يحكم العقل بلزومه ؛ فخلافه ، قدح في عقل المخالف طبعا .

وإنما وقع الخلاف في هذين الجنسين - دون سائر الأجناس - لأن الظهور في تركيبهم لركنين .

على أن بقية الأركان موجودة في كل جنس منهما ؛ فالجنّ من النار والهواء ، والإنسان من الماء والتراب ، والخلاف واقع بين النار والهواء ، لأن النار « يابس » والهواء « رطب » ؛ وبين الماء والتراب ، لأن التراب « يابس » والهواء "رطب ".

فغلب حكم الخلاف في ذوات هذين الجنسين - دون غيرهما - لأن كل موجود سواهما ، غير مخصوص بركنين ، بل يتساوى فيه الأربعة أركان ، جمعا وفردى ، وكلّ من الجان والإنسان أيضا ، توجد فيه الأركان الأربعة ؛ لكن الظهور في كلّ منهما ، لركنين ، كما ذكرنا .

فلهذا خالفوا ، لأن طبع تركيبهم يقتضي المخالفة .


وإلى ذلك أشار الشيخ رضي اللّه عنه بقوله : سنّ الخلاف في الائتلاف ، فأظهر النقض ليعرف الحبيب من البغيض . جعل اللّه الخلاف مسنونا في طبع تأليف الإنسان والجان ، وطلب منهما ما يناقض طبع كلّ منهما ؛ فطلب من الجان ، الذي أصله الكبر ، أن يتواضع ، فيسجد ؛ وطلب من الإنسان ، الذي أصله يقتضي التغذّي بالحبّة، أن يتركها.

 

فأظهر لكلّ منهما ما يناقض مقتضى طبعه ، مخالفا ؛ ليظهر بذلك شرف الحبيب - وهو الإنسان - ونقص البغيض ، وهو العدو الشيطان .

 

امتثل الأمر فيما يشقيه .

يعني : أن إبليس خالف الحقّ فيما يسعده - حيث أمره اللّه بالسجود ولم يسجد - وامتثل الأمر من اللّه فيما يشقيه ، حيث قال اللّه تعالى له :وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ[ الإسراء : 64 ] الآية ، فأطاع ذلك ، ولم يعص .

وحلّ به . أي إبليس . ما كان يتقيه ؛ من الذّلّة والبعد عن اللّه .

لأنه ما ترك السجود لآدم ، إلا بسبب أمرين : أحدهما ، لئلا يسجد لغير اللّه ، فيبعده عنه من أجل ذلك ؛ والثاني ، لئلا تحلّ به المذلّة ، فحلّ به الأمران جميعا ، بالخلاف لأمر اللّه .

فهو والجن : يحالف الرّدى ، ويخالف الهدى ، ولا يترك سدى .

يحالف - الأولى - بالحاء المهملة ، من المحالفة ؛ وهي القسم بعدم الخلاف .

ويخالف الثانية ، بالخاء المعجمة ، من الخلاف .


وتقديره : أنه ملازم للردى كأنه حلف ألا يفارق ما يكون سببا للبلاء ؛ وجاء بخلاف ما هو سبب للهدى .  ومع اتصافه بالخوف ، لا يبرح في معاملته بالحيف .

يعني : أن طبع الجنّ ، الميل والانحراف إلى الغيّ ؛ فلو قدّر أنه يخاف من اللّه ، لا يبرح يحيف في معاملته له ، ولا يقصد سواء السبيل ، لأن المخالفة من طبعه الذي هو عليه .

فإذا جنح منهم من جنح إلى ربّه طائعا ، وكان لباب سعادته قارعا . لم يحسن أحد منا قرعه ، وكان الحقّ بصره وسمعه .


يعني : الجنّ ، إذا اتفق أن يرغب أحد منهم إلى ربّه ، وخالف ما يقتضيه الطبع الناري من المعصية ، والطبع الهوائي من عدم الثبوت على أمر ، فأطاع وثبت على الطاعة ؛ يخرق في سرادق الحجب ، لأنه روحانيّ لا كثافة فيه .

فلأجل ذلك ، لم يستطع أحد من الإنس أن يبلغ بجسمه ، ما يبلغه ذلك الجنّيّ الكامل المطيع .

إن سمع أنصت . 

لأنه روح ، إذا توجّه للشيء ، توجّه فيه بالكلية . 


ألا تراهم أنصتوا للحقّ ، لما سمعوه ؛ فقال قائلهم :إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً[ الجنّ : 1 ] .

ولهذا قال صلى اللّه عليه وسلم : « هم أسمع وأنصت منكم » .

ألا تراهم لما سمعوا قوله تعالى :فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ( 13 ) [ الرّحمن : 13 ] .

قالوا : ولا بشيء من آلاء ربّنا نكذّب .

وإن أسمع أبهت ؛ لما يبديه من العجائب التي يصل علمه إليها ، والغرائب التي يقتضيها طبعه وعالمه ، وقد شرحت بهذه النبذة ،

خلاصة ما حواه الباب التاسع من الفتوحات المكية ، فاعلم .

 

 العودة إلى الفهرس

الموضوع التـالي  .... الموضوع الســـابق

الباب التاسع على منتدى إتقوا الله ويعلمكم الله

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: