الثلاثاء، 16 يونيو 2020

ترجمة الإمام الجنيد سيد الطائفتين .كتاب الإمام الجنيد سيد الطائفتين إعداد الشيخ أحمد فريد المزيدي

ترجمة الإمام الجنيد سيد الطائفتين .كتاب الإمام الجنيد سيد الطائفتين إعداد الشيخ أحمد فريد المزيدي

ترجمة الإمام الجنيد سيد الطائفتين .كتاب الإمام الجنيد سيد الطائفتين إعداد الشيخ أحمد فريد المزيدي

الإمام أبو القاسم الجنيد بن محمد ابن الجنيد الخراز القواريري قدس اللّه روحه

ترجمة الإمام الجنيد سيد الطائفتين

اسمه ولقبه ونسبه ومولده :

هو سيد الطائفتين ومفتي الفريقين وإمامهم وتاجهم وطاووس العباد وقطب العلم والعلماء :

أبو القاسم الجنيد بن محمد ابن الجنيد الخراز القواريري قدس اللّه روحه ونوّر ضريحه . 

وكان أبوه يبيع الزجاج ، فلذلك كان يقال له : القواريري ، وكان هو خرازا .

لقبه الأستاذ أبو القاسم القشيري قدّس اللّه روحه في رسالته بسيد الطائفة وإمامهم ، ولقّبه جماعة من الشيوخ بتاج العارفين في حكاية .

وقال الشيخ الفرغاني : كان الجنيد وأبو الحسين النوري يسميان ببغداد طاووسا العباد .

وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه اللّه : كان الجنيد قطبا في العلم ، أصله من نهاوند وهي مدينة من الجبل قيل : إن نوحا عليه السلام بناها ، ومولده ومنشأه بالعراق ، وكان شيخ وقته ، وفريد عصره ، ومن كبار أئمة القوم وسادتهم ، ومقبول على جميع الآل ، وكلامه في الحقائق مشهور .


مكانته العلمية وثناء العلماء عليه :

تفقّه على أبي ثور صاحب الإمام الشافعي ، وكان يفتي في حلقته ، وقيل : بل كان فقيها على مذهب سفيان الثوري .

وصحب قدس اللّه روحه خاله أبا الحسن السري السقطي ، والحارث المحاسبي وغيرهما من المشايخ . وأفتى وهو ابن عشرين سنة .

وصحبه أبو العباس بن سريج الفقيه الشافعي ، وكان إذا تكلم في الأصول والفروع بكلام أعجب الحاضرين ،

فيقول : أتدرون من أين لي هذا ؟ هذا من بركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد .

قال الشيخ ابن عجيبة : وكان شيخ العارفين وقدوة السالكين وعلم الأولياء في زمانه .

وقال أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد اللّه المنادي : كان الجنيد بن محمد قد سمع الحديث الكثير من الشيوخ ، وشاهد الصالحين وأهل المعرفة ، ورزق من الذكاء وصواب الجوابات في فنون العلم ما لم ير في زمانه مثله عند أحد من قرنائه ، ولا ممن أرفع سنا منه


 

ممن كان ينسب منهم إلى العلم الباطن والعلم الظاهر في عفاف وعزوف عن الدنيا وأبنائها ، لقد قيل لي إنه قال ذات يوم : كنت أفتي في حلقة أبي ثور الكلبي الفقيه ولي عشرون سنة .

وكان ورده في كل يوم ثلاثمئة ركعة وكذا كذا ألف تسبيحة .

وقال ابن الأطعاني : وقد تخرّج بصحبته خلائق في سلوك طريق اللّه لو ذكرتهم لطال الكلام .

وقال ابن عجيبة : وكلامه وحقائقه مدون في الكتب ، ثم انتشر التصوف في أصحابه وهلم جرا ولا ينقطع حتى ينقطع الدين .

وقال أبو نعيم : اشتغل بالعبادة ولازمها حتى علت سنّه وصار شيخ وقته وفريد عصره في علم الأحوال والكلام على لسان الصوفية وطريقة الوعظ ، وله أخبار مشهورة وكرامات مأثورة .

وله مكاتبات كثيرة مشتملة على درر من المعارف والحقائق في غاية النفاسة يطول ذكرها .

وقال جعفر الخلدي : قال الجنيد ذات يوم : ما أخرج اللّه إلى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وقد جعل لي فيه حظا ونصيبا .

وكان الجنيد شيخ الطائفة يتكلم على بضع عشر ، قال : وما تم في أهل مجلسه عشرون .

وأفتى وهو ابن عشرين سنة .

قلت : وقد منّ اللّه علي في هذا الكتاب الذي بين أيدينا أن ذكرت الكثير منهم وللّه الحمد والمنة .

وقد أجمع على الاقتداء بعلماء لجمعهم بين علمي الظاهر والباطن ، وهم :

الحارث بن أسد المحاسبي ،

وأبو القاسم الجنيد ،

وأبو محمد رويم ،

وأبو عبد اللّه عمرو بن عثمان المكي ،

وابن عطاء .

ومما ذكره الإمام ابن الأطعاني أن الإمام الجنيد صحب الحارث بن أسد المحاسبي ، والمحاسبي صحب أستاذه بشر بن الحارث الحافي ، وهو صحب أستاذه عامر بن

 

 


 

شعيب ، وهو صحب أستاذه الحسن البصري قدس اللّه أرواحهم ، وبشر الحافي صحب أيضا الفضيل ابن عياض ، وهو صحب جعفر الصادق ، وكان ممشاذ الدينوري فصحب أيضا أبو عبد اللّه أحمد بن يحيى بن الجلاء ، وهو بغدادي الأصل أقام بالرملة ودمشق ، وكان من أجلة مشايخ الشام ، وكان عالما ورعا ، وابن الجلاء صحب أبا تراب عسكر بن حصين النخشبي من أجلة مشايخ خراسان المذكورين وكبارهم والمشهورين بالعلم والفتوة والتوكل والزهد والورع ، مات بالبادية فنهشته السباع سنة خمس وأربعين ومائتين ، وهو صحب حاتما بن عبد الرحمن بن عنوان ، ويقال :

حاتم بن يوسف الأصم من أكابر مشايخ خراسان ، قيل : إنه لم يكن أصم ، وإنما تصامم مرة فسمي به ، وهو صحب أبا علي شقيق بن إبراهيم البلخي من كبار مشايخ خراسان له لسان في التوكل حسن الكلام فيه ،

وقيل : هو أول من تكلم في علوم الأحوال بكور خراسان ، وهو صحب أبا إسحاق إبراهيم بن أدهم وناهيك به ، وهو صحب أبا عمران موسى بن زيد الداعي ببلخ ، وهو صحب أويسا القرني ، وهو صحب أميري المؤمنين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي اللّه عن الجميع "1" .

وقال فيه الشيخ أحمد بن إبراهيم الماجري :

أبو القاسم الحبر الجنيد الذي له * معال على عدّ الحصى كثرة تربي

ونقل الشيخ الماجري ما يدل على عظم قدر الإمام الجنيد ومكانة طريقته المرضية العلية بقوله : فمما نقلته من كلام الشيخ أبي محمد صالح - تلميذ سيدي أبي مدين الغوث قدس اللّه أسرارهم - أنه قال : لما قدمت من بلاد المشرق وأخذت في استعمال هذا الطريق ، أنكر عليّ ذلك فقهاء الوقف ، وبدّعوني حتى ضاق صدري ، وعيل صبري ، فدعوت اللّه تعالى إن كان ما أنا عليه من هذا الطريق مما يقربني إليه فييسره عليّ ،

فرأيت فيما يرى النائم قائلا يقول لي :

« لا تلتفت إلى هؤلاء الفقهاء المنكرين ، ولا تسألهم إلا في مسائل الفقه ، فكلهم أرضيون ما فيهم سماوي ، ثم عليك برسالة القشيري وحقائق السلمي ومنهاج العابدين ؛ ففيها ما تطلبه ، وخذ الطريق عن أربابه ، مثل محمد بن واسع ، وسفيان الثوري ، ومالك بن دينار ، والجنيد ، وشقيق ، وإبراهيم ، والفضيل ، وغيرهم » .

……………………………………….

( 1 ) انظر : روضة الحبور ومعدن السرور في مناقب الجنيد وأبي يزيد طيفور ( ص 111 ) بتحقيقنا .

 

 

 


 

فاستخرت اللّه في ذاك واستعنته، وعالجت منه ما قدر حتى فتح اللّه لي بما هو حظي منه.

وقال السراج الطوسي : إن الجنيد البغدادي مع كثرة علمه وتبحره وفهمه ومواظبته على الأوراد والعبادات وفضله على أهل زمانه بالعلم والدين ، فكم من مرة طلب وأخذ وشهدوا عليه بالكفر والزندقة ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم .

وقال التادلي حينما ترجم له في كتاب المعزى : وهذا الإمام ممن اتفق على جلالته المتقدمون والمتأخرون وله كرامات وآيات أضربنا عنها اختصارا إذ الجبل لا يحتاج إلى مرساة .

 

وفاته وحاله عند انتقاله :

توفي قدّس اللّه روحه يوم السبت ، وكان نيروز الخليفة سنة سبع وسبعين ومائتين ،

وقيل : ثمان وسبعين ، آخر ساعة من نهار الجمعة ببغداد ، ودفن يوم السبت بالشونيزية عند خاله وشيخه سري السقطي رضي اللّه عنهما ، وقبره بها ظاهر يزوره الخاص والعام ، وكان عند موته قد ختم القرآن الكريم ، ثم بدأ من سورة البقرة فقرأ سبعين آية ثم مات « 1 » .

وقال أبو محمد الجريري رحمه اللّه تعالى : كنت عند الجنيد حال نزعه ، وكان يوم جمعة ، ويوم نيروز ، وهو يقرأ القرآن فختم ، فقلت له : في هذه الحالة يا أبا القاسم ،

فقال : ومن أولى مني بذلك وهو ذا تطوى صحيفتي « 2 » ؟

وقيل له حال نزعه قل : لا إله إلا اللّه ، فقال : ما نسيته فأذكره « 3 » .

وقال أبو بكر العطار : حضرت وفاة الجنيد مع جماعة من أصحابه ، وفيهم أبو محمد الجريري فنطر إلى الجنيد وهو منشغل بما هو فيه من درس القرآن والركوع والسجود ، فقال له : يا أبا القاسم لو رفقت بنفسك ،

فقال : يا أبا محمد حالة وصلت بها إلى اللّه تعالى في بدء أمري لا أفارقها أبدا حتى ألحق باللّه ، ثم قال له الجنيد : يا أبا محمد لي إليك حاجة

.........................................................

( 1 ) أورده القشيري في رسالته ( 1 / 108 ) ، وطبقات الحنابلة لابن رجب ( 1 / 127 ) .

( 2 ) أورده البغدادي في تاريخ بغداد ( 7 / 248 ) ، وابن العماد في شذرات الذهب ( 2 / 229 ) ، والقشيري في الرسالة القشيرية ( 2 / 590 ) ، وابن الجوزي في صفة الصفوة ( 2 / 222 ) ، والغزالي في الإحياء ( 4 / 482 ) ، وابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ( 2 / 266 ) ، والعاقبة لأبي الخير الإشبيلي ( ص 133 ) .

( 3 ) انظر : العاقبة لأبي الخير الإشبيلي ( ص 134 ) .


 

إذا مت فغسلني وكفني وصلّ عليّ ، قال: فبكى الجريري وبكينا ، ثم قال : وحاجة أخرى:

تتخذ لأصحابنا طعام الوليمة ، فإذا انصرفوا من الجنازة رجعوا إلى ذلك حتى لا يقع بهم التشتت .

قال : فبكى الجريري بكاء شديدا ،

ثم قال : واللّه لأن فقدنا هاتين العينين لا اجتمع منا اثنان أبدا ، وقال أبو جعفر الفرغاني : فكان واللّه كذلك ما اجتمع اثنان بعد وفاته ، وإنما كان ذلك ببركة الشيخ ورؤيته .

وقال جعفر الخلدي : رأيت الجنيد في المنام بعد موته ، فقلت له : ما فعل اللّه بك ؟

فقال : طاحت تلك الإشارات ، وغابت تلك العبارات ، وفنيت تلك العلوم ، ونفدت تلك الرسوم ، وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في الأسحار « 1 » .

وسئل عمن أخذت هذا العلم ؟

فقال : أما في أول أمري فعن خالي سري السقطي ، ثم عن أدبي مع اللّه سبحانه وتعالى ثلاثين سنة تحت هذه الدرجة ، فأعلم السائل أولا بنسبة الوراثة ثم ثانيا بما أورثته صحتها من الأدب الموجب للذوق والوجدان ؛ لأن علم أهل التحقيق يؤخذ وراثة وإلقاء ، وتعلما وذوقا ووجدا .

ودفن بالشونيزية بالضم ثم السكون ثم نون مكسورة وياء مثناة من تحت ساكنة وزاي وآخره ياء النسبة ، مقبرة ببغداد بالجانب الغربي ، وقد دفن فيها جماعة كثيرة من الصالحين منهم جعفر الخلدي ورويم وسمنون المحب وهناك خانقاه للصوفية قدس اللّه أسرارهم .

وحرز الجمع الذي صلّى عليه فكان ستين ألفا .

قال صاحب مناقب الأبرار ومحاسن الأخيار : قبره يزوره الخاص والعام وإليه المرجع في هذا الطريق .

.....................................................

( 1 ) انظره في : صفة الصفوة ( 2 / 424 ) ، تاريخ بغداد ( 7 / 248 ) ، طبقات الحنابلة ( 1 / 129 ) ، حلية الأولياء ( 10 / 257 ) ، إحياء علوم الدين ( 4 / 508 ) ، طبقات الشافعية الكبرى ( 2 / 267 ) ، الكواكب الدرية ( 1 / 584 ) 

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: