الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

24 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1911 - 2142 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

24 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1911 - 2142 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

24 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1911 - 2142 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1911 - 2142



شرح قصة عازف الصنج الهرم الذي عزف على الصنج ذات يوم وهو جانع بين القبور 
احتساباً للَّه في عهد عمر رضي اللَّه عنه
( 1911 ) “ الحجر الصلد “ رمز للعناد والكبر والغرور . وأما التراب فرمز للتواضع . والشاعر هنا يقول إنّ الربيع لا يؤثر على الحجر الصلد ، لكن أثره يمتدّ إلى التراب فيجعله بستاناً بديع الألوان ، عامراً بالورود والأزهار . 

( 1913 ) تبدأ بهذا البيت قصة عازف الصنج ، وقد ساقها الشاعر ليبيّن أهمية التواضع والضراعة .


“ 536 “

( 1916 ) إسرافيل هو الملك الذي ينفخ في الصور يوم القيامة فيبعث الموتى . 

( 1917 ) “ رسايل “ معناها هنا “ أنغام “ . وقد جاء في القاموس أنّ الترسيل في القراءة هو الترتيل . فهذه الأنغام الروحية تجعل الجسم الغليظ الثقيل خفيفاً ، لا تُزهق الروح تحت وطأنة ، بل تكون قادرة على أن تحلّق به . 

 ( 1919 ) للأنبياء أيضاً أنغام في باطنهم وهي الوحي الإلهيّ . وهذا الوحي يمدّ طالبيه بحياة روحية ، هي فوق أن تُقدّر قيمتها بثمن . 

( 1920 ) الصوفيّة والأولياء هم القادرون وحدهم على تلقي مثل هذا الوحي ، وأما الغارقون في الحسّ فلا سبيل لهم إلى سماعه . 


( 1921 ) بين المتعلقين بالروح والمتعلقين بالحس تباين كتباين الإنس والجن فكما أن الإنس لا يفهمون الجن ، كذلك لا سبيل إلى فهم المعاني الروحية لمن هم غارقون في ملاذ العالم المادي . 
( 1925 ) “ يا أجزاء النفي والعدم “ معناها “ أيها الجزئيون المتعلقون بكل ما يؤول إلى الفناء والعدم “ . 

( 1927 ) “ المنحلون في عالم الكون والفساد “ هم الذين ركنوا إلى العالم المادي ، وذهلوا عما سواه . 

( 1928 ) قول الشاعر “ لرفعت الأرواح رؤوسها من القبور “ أي “ لتنبهت الأرواح الدفينة في أجساد كالقبور “ . 

( 1929 ) اجعل أذنك قريبة من الأنغام الروحية ، فأنت - بالتأمل والسعي - قادر على الاستماع إليها . لكني لن أنقلها إليك ، لأن هذه الأنغام لا تُعرف لمن لا يكون مستعداً لتلقيها . 

( 1934 ) إشارة إلى قوله تعالى :” وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ “. ( الشورى ، 42 : 51 ) . وكذلك إلى قوله تعالى :


“ 537 “

“ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ “( الأنبياء ، 21 : 91 ) . 


( 1935 ) “ يا من تطرق الفناءُ إلى قلوبهم لتعلّقها بالماديات ، التي هي لا محالة فانية ! عودوا من العدم إلى حياة الروح فالحبيب يناديكم “ . 

( 1936 ) فهذا نداء من اللَّه أجراه على لسان رجل من عباده المخلصين . 
( 1938 ) قول الشاعر : “ إنك أنت السر “ يشير إلى عقيدة “ الإنسان الكامل “ عند الصوفية . يقول ابن العربي : “ فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي ، والكلمة الفاصلة الجامعة ، قيامُ العالم بوجوده . . فلا يزال العالم محفوظاً ما دام فيه هذا الإنسان الكامل “ .  ( فصوص الحكم ، ص 50 ) . 


( 1939 ) إشارة إلى حديث يروي عن الرسول أنه قال : “ من كان للَّه ، كان اللَّه له “ . 

( 1940 ) إشارة إلى عقيدة الصوفية أن الإنسان الكامل هو مجلى الذات الإلهية . 
يقول ابن العربي : “ فوصف نفسه لنا بنا ، فإذا شهدناء شهدنا نفوسنا ، وإذا شهدنا شهد نفسه . ولا نشك أنّا كثيرون بالشخص والنوع ، وأنّا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعاً أن ثم فارقاً به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض ، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد “ . ( فصوص الحكم ص 53 ) . 
وكلام ابن العربي هذا يفيد أن الإنسانية كلها مجلى اللذات الإلهية ، وهو جانب من مذهبه في وحدة الوجود . 

( 1942 ) “ الظلمة التي لم تبددها الشمس “ هي ظلمة الجهل والإثم والخطايا . 

( 1943 ) يقول ابن العربي عن آدم : “ فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع




“ 538 “


بهذا الوجود “ . كما سبق أيضاً ذكر قوله : “ وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها ، فما سبّحت ربها بها ، ولا قدّسته عنها تقديس آدم وتسبيحه “ . ( فصوص الحكم ، ص 50 ، 51 ) . 
( 1945 ) “ الكأس المباركة “ رمز للإنسان الكامل .


[ شرح من بيت 1950 إلى 2100 ] 
( 1950 ) كل الأنبياء والأولياء قد اغترفوا عليهم من معين واحد هو العلم الإلهيّ . 


( 1955 ) النفس النارية “ هي النفس المشتعلة بنار الشهوات . 
يقول الترمذي : “ إن النفس بلهاء ، فإذا مرت في الحلال وتمكنت منه سلست في الحرام ، إذا لم يكن في القلب ما يقيد النفس عن الحرام ، ويقويها حتى لا تسلس . وقوة القلب من النور ، فإذا جاهد العبد ، فمن جهاده أن يروض نفسه فيؤدّبها “ . ( كتاب الرياضة وأدب النفس ص 44 ، 45 ) . أما الروح الميتة فهي الغافلة عن حقيقتها ، الواقعة تحت سلطان المادة . 


( 1958 ) نقل صاحب المنهج القوي - عن نجم الدين الكبرى - تفسيراً صوفياً لقوله تعالى” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ . .الآية “ ، جاء فيه : 
“ وحقيقة الأمانة الكبرى التي عبر عنها بالفوز العظيم ، وقد فسر بالفناء في اللَّه والبقاء باللَّه . وهو عبارة عن قبول الفيض الإلهي بلا واسطة ، وهي المحبة . . . واختص الإنسان بقبولها من سائر المخلوقات لاختصاصه بإصابة رشاش النور الإلهي ، فكان مستعداً لقبولها بلا واسطة فكان العرض عاماً وحملها خاصاً للإنسان لأن نسبة الإنسان مع المخلوقات كنسبة القلب مع الشخص ، فالعالم شخص وقلبه الإنسان . . . والظالم من يظلم غيره . 
والظالم من يظلم نفسه ، وكذا الجهول ، فظلمه لنفسه بحمل الأمانة ، لأنه وضع شيئاً في غير موضعه ، فأفني نفسه فيها . وأما جهله بنفسه أنه يحسب أنه هو هذه البيهمة التي تأكل وتشرب وما علم أنها قشر



“ 539 “


ولبّه روحه ، وروحه أيضاً قشر ولها لبّ وهو المحبوب الحقّ . . . “ ( المنهج القوي ، ج 1 ، ص 361 ) . 


( 1960 ) الإقبال على الطعام حال بينه وبين تلقي هذه النفحة الروحية المقبلة من الغيب . 


( 1961 ) في القرآن سورة باسم لقمان . وفي هذه السورة آية تصفه بالحكمة ، وبعض آيات تروي بعض حكمه . قال تعالى :” وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ “. ( 31 : 12 ) . وهناك خلاف حول شخصه ، أكان حكيماً أم كان نبياً ، وأغلب الروايات المنقولة عن الرسول والصحابة تفيد أنه كان حكيماً . كما أنّ أغلب الروايات أيضاً تفيد أنه كان عبداً أسود من السودان أو الحبشة . ( انظر الثعلبي - قصص الأنبياء ، 391 ، 393 ) . 


( 1962 ) “ وخز الأشواك “ كناية عن الشهوات الحسية . أما قول الشاعر “ أخرجوا الشوكةمن كف لقمان “ فمعناه : “ أنقذوا الروح الطاهر مما يؤذيه من شهوات الحس “ . 


( 1963 ) والحقيقة أن هذه الحسيات التي تخز الروح ليست ذات وجود حقيقي ، وما هي إلا خيال تتعلقون به ، لكن حرصكم عليه جعلكم مجردين من التمييز . 


( 1967 - 1968 ) الانسان غافل عن الروح متعلق بالمادة . فهو كالجمل الذي فوق ظهره الورد ( وهو رمز للروح ومباهجها ) ، ومع ذلك لا يحرص إلا على شواك الرمال ( وهي رمز لملاذّ الحس ) . 


( 1969 ) يا من تفتش عن السعادة الحقيقية ، سعادة القلب والروح ، من غير أن تسلك سبيلها ، إلى متى تتساءل “ أين مقر هذه السعاد ؟ أين ؟ “ . 


( 1970 ) فما دمت لم تتخلص من وخز الشهوات ، فإبصارك مظلم ، ولا أمل لك في أن تهتدي إلى قصد السبيل . 
( 1972 ) “ الحميراء “ لقب أطلقه الرسول على زوجه عائشة نظراً لأنها



“ 540 “


كانت ذات وجه أبيض مشرب بحمرة . وقد ذكر الغزالي أن الرسول كان يقول : “ كلميني يا عائشة “ لتشغله بكلامها عن عظيم ما هو فيه . 
(الإحياء ، ج 3 ، ص 101). 


( 1974 ) الروح في العربية كملة تُذكر وتؤنث ، ويغلب عليها التأنيث . 
( 1977 ) ليست الروح هي الحياة الجسدية أو الطاقة البدنية التي تنمو بتناول الطعام ، وتختلف أحوالها بين حين وآخر . 


( 1978 ) الروح مصدر الخير ، وهي ذاتها خيّرة ، بل هي عين الخير ، ولن يتحقق للإنسان خير حقيقي إلا ما يكون روحياً . 
( 1979 ) السعادة الباطنية تكون دائمة ، وليست متوقفة على عوامل خارجية . الإنسان الذي يكون سعيد الروح تدوم سعادته . أما الإنسان الذي يكون سعيداً بأسباب مادية ، فإن سعادته تزول بزوال هذه الأسباب . 


( 1982 ) العقل الجزئي هو العقل الذي يتمتع به أفراد البشر . وهو في العادة منكر لما لا يقع تحت الحس . ولهذا لا يتقبل القول بالمحبة الإلهية . 


( 1983 ) الشاعر لا ينكر فضل العقل الإنساني ، فيقول عنه “ إنه ذكي عالم “ ، ولكنه يأخذ عليه أنه ليس منتفي الذات . وفي هذا نقد لفكرة الاعتداد بالعقل على أنه - دون سواه - مصدر المعارف اليقينية . أما قول الشاعر “ والملك إن لم يكن منتفي الذات فهو شيطان “ ، فمعناه أن الغرور يجعل الملك شيطاناً . وأوضح الأمثلة على ذلك إبليس الذي كان ملكاً فأصبح بغروره شيطاناً . 


( 1984 ) إن العقل الإنساني رفيق للإنسان في أقواله وأفعاله الظاهرة ، لكنه لا وجود لا بالنسبة للحياة الروحية ( الحال الباطني ) لأنه منكر لذلك . 


( 1985 ) العقل الإنساني - بغروره واعتداده - غير قادر على إدراك المعارف اليقينية . وهذا العقل ، لو لم يتخل عن الغرور والاعتداد



“ 541 “


طوعاً ، فما أكثر ما يعرض له من المواقف التي تظهر عجزه ، وتجعله يدرك مدى قصوره . 


( 1986 ) الروح - في مقابل العقل - تمثل جانب الكمال في الإنسان . 
وكل ما صدر عنها من نداء ، فمنبعث من كمال طبيعتها . ولهذا كان الرسول يدعو بلالًا للأذان بقوله : “ أرحنا يا بلال “ ، أي “ أرحنا بذلك النداء الروحي ( وهو الأذان ) من هذا العالم الحسي وما فيه “ . 
يقول الغزالي : “ وكان لا يطيق الصبر مع الخلق إذا جالسهم ، فإذا ضاق صدره قال : “ أرحنا يا بلال “ ( الإحياءج 3 ، 101 ) . 


( 1988 ) في هذا البيت إشارة إلى مذهب الصوفية في الحقيقة المحمدية وأنها أول شيء خلقه اللَّه . يقول الجيلي : “ إن اللَّه لما خلق محمداً من كماله وجعله مظهراً لجماله وجلاله ، خلق كلّ حقيقة في محمد من حقيقة من حقائق أسمائه وصفاته ، ثم خلق نفس محمد من نفسه . وليست النفس إلا ذات الشيء . . . ثم لما خلق اللَّه نفس محمد على ما وصفناه ، خلق نفس آدم نسخة من نفس محمد . . “ ( الإنسان الكامل ، ج 2 ، ص 29 ) . 


( 1991 ) عبرّ الشاعر - على طريقة الصوفية - عن معانية بأسلوب رمزي . فرمز بالعروس لذلك التجلي الذي شهده الرسول ، وقال إن روح الرسول حظيت بتقبيل يدها أي أنها حظيت بنعمة القرب منها . 


( 1993 ) يرد الشاعر على من قدر يعترض عليه لا ستخدامه كملة “ عروس “ في هذا المجال ، فيقول : إن المعشوق والروح كليهما محتجبان عن الأنظار فلا مجال لأي تفسير حسي ، ومن هنا لا يعاب استعمال كلمة “ عروس “ . 


( 1996 ) هناك مقاييس إنسانية يقاس بها عيب الإنسان وفضله . 
وليس يعيب الخالق ما يكون في تقدير الآدميين عيباً . 


( 1998 ) وبالنسبة للإنسان ، فإنه لا يكون موضوفاً بالعيب لو كانت له نقيضة واحدة إلى جانب مائة من الفضائل . فإن هذه النقيصة تكون


“ 542 “


بين فضائله كالقشة في سكر النبات ، فلا يؤاخذ عليها ، ما دامت محاطة بكل هذه الفضائل . 


( 1999 - 2000 ) كما أنّ سكر النبات والقشة يوزنان بميزان واحد كذلك الروح والجسم إذا غلب الخير على الجسم . لهذا لا يكون من جزاف القول ما قال به بعض العارفين من أنّ أجساد الطاهرين صافية نقية كأرواحهم . 


( 2002 ) الروح التي لم تبلغ حالة الصفاء والنقاء لا فضل لها على الجسم الماديّ الصرف ، وليس لها من خصائص الروح إلا اسمها ، فهي عديمة الجدوى ، كأنها حجر زائد في لعبة النرد . 


( 2005 ) هذا الملح ، وهو صفات الطهر ، والكمال بقي في تركة الرسول . أما وارثوه فهم ورثة الحقيقة المحمدّية ممن بلغوا مرتبة الكمال الإنساني . 


( 2006 ) أهل الكمال من الأولياء قد يكونون أمامك ، ولكنك لا تدركهم ولا تشعر بهم ، لأنّ هؤلاء مستترون عن الجهلاء الغارقين في الحس . ولا بد لك أنْ تبلغ مرتبة الوجود الحق ، وهو التنبه والوعي الروحيّ ، وبذلك تستطيع إدراك وجودهم . 


( 2010 ) يا من أنت بوجودك الحسي زائل ، مآله إلى الفناء ! هل بعد فنائك تبقى مرتبطاً بهذه الجهات النسبية ؟ 


( 2014 ) الأشجار كائنات حية خرجت من جوف الثرى ، فهي كنزلاء التراب من البشر ، وسوف يخرجون أيضاً . 
وللشاعر بيت في ديوان شمس تبريز يشبّه فيه دفن الموتى بغرس البذور ، في قصيدته التي يبدؤها بقوله :
بروز مرگ چو تابوت من روان باشد * گمان مبر كه مرا دل درين جهان باشد
وفيها يقول :



“ 543 “


وأية حبة طواها الثرى ثم لم تنبت ؟ 
فلماذا تحمل مثل هذا الشك عن ذات الإنسان ؟ 
( انظر : محمد كفافي : جلال الدين الرومي ، شاعر الصوفية الأكبر ، ص 61 . جامعة بيروت العربية ، 1963 ) . 


( 2015 ) هذه الأشجار كائنات حية خرجت من باطن الأرض ، وهي دليل لمن أُوتي البصيرة على أن اللَّه قادر على أن يخرج الموتى من قبورهم . 


( 2016 ) اللسان الأخضر هو الأوراق ، وأما اليد الممدودة فهي الغصون . 
( 2020 ) المنكرون الذين يشير إليهم الشاعر هنا هم الماديون الطبيعيون الذين يقولون بقدم العالم . يصف الشهرستاني هؤلاء بقوله : 
“ فصنف منهم أنكروا الخالق والبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحيي ، والدهر المفني . . “ ( الملل والنحل ، ج 2 ، ص 244 ، القاهرة 1956 ) . 


( 2021 - 2022 ) لقد كشف اللَّه لقلوب أحبائه حقيقة وجوده ، وما يرتبط بها من حقائق روحية ، فأخذ هؤلاء يفصحون عن الأسرار التي تلقتها قلوبهم ، ويفضحون هؤلاء المنكرين . 


( 2023 ) هذه المعارف التي تكشفت للأنبياء والعارفين سرعان ما انتشر أريجها في الدنيا ، ووجدت سبيلها إلى الناس على الرغم من المنكرين . 


( 2026 ) الأبصار الزائغة ليست أبصاراً حقاً ، وأما البصر الحق فهو الذي يرشد صاحبه إلى مكان الأمان . والمقصود بمكان الأمان عند الصوفية الإيمان ، وسلوك سبيل المحبة التي توصل الإنسان إلى أسمى الغايات . 


( 2036 ) عالم الروح لا يظهر إلا للخواص ، الذين يؤمنون به ، وأما من ليسوا كذلك فهم أهل الشك والريب الذين بلغ بهم الشك حد إنكار البعث . 


( 2044 ) استعملنا كلمة “ رياح “ كترجمة للكلمة الفارسية “ باد “ ولم نستعمل “ ريح “ اقتداء بالقرآن الكريم الذي استعملت فيه كلمة



“ 544 “


“ ريح “ في مواقف الشر ، على حين استعملت كلمة “ رياح “ في مواقف الخير . ومن أمثلة ذلك قوله تعالى :” وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ، ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ “( 51 : 41 - 42 ) ، وقوله :” إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ “( 54 : 19 ) . وكذلك قوله :” وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ “( 7 : 57 ) ، وقوله :” وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ ، وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “( 30 : 46 ) . ( انظر الثعالبي : فقه اللغة ، ص 572 ، 573 . المكتبة التجارية ، القاهرة ) . 


( 2045 ) من كان ذا روح مدرك لما ينهل على البشر من نفحات الغيب كانت هذه النفحات أغلى عنده من روحه . 


( 2053 ) العقل الكلي ، هو الذي يسيطر على النفس المجموع ويخضعها لإرادته . وكذلك المرشد ، هو للمريد كالعقل الكلي بالنسبة للنفس . 


( 2095 ) عود الخلال هنا رمز للشيء الصغير . 


( 2063 - 2070 ) فسر نيكولسون هذه الأبيات تفسيراً نراه بعيداً عن مضمونها . فقد قال إن الشاعر يعتبر الغفلة بركة على هذه الدنيا لأنها تبقيها على حالها ، فتتيح المجال لبلوغ الكمال الروحي ، وتقي أجساد الصوفية من الفناء العاجل تحت وطأة الحب . ولسنا نرى في معاني هذه الأبيات ما يؤيد هذا التفسير ، ولو على وجه التأويل . 


( 2063 ) إنّ هذه الأمطار كانت لطفاً خفياً أنزله اللَّه على الجنس الآدمي لتسكين آلامه في هذه الدنيا . 
( 2064 ) فلو أن هذه البشر طال عيشهم في ظل هذه الآلام لحل بالأرض كثير من الخراب . 


( 2065 ) لولا هذا اللطف الإلهي لحل الخراب في هذه الدنيا ، ولا نطلقت نوازع الحرص من نفوس البشر ، فكان فيها القضاء عليهم . 
( 2066 ) إن الغفلة عن العالم الروحي ومبهاهجه هي دعامة هذا العالم ،



“ 545 “


لأن هذه الغفلة تجعل الناس متعلقين به حريصين عليه . كما أن اليقظة الروحية آفة لهذا الدنيا ، لأنها تجعل الناس ينبذونها ، ويتخلوّن عنها . 
( 2067 ) اليقظة الروحية هبة تُقبل إلى الانسان من العالم الآخر . فحين تصبح الغلبة لهذه اليقظة ، فلا بقاء لهذا العالم . 


( 2068 ) فاليقظة تقضي على الحرص الذي يسيطر على الناس في هذه الدنيا ، كما تذيب الشمس الثلج ، أو كما يغسل الماء الوسخ . 


( 2069 ) هذه الألطاف الغيبية التي تصل إلى هذا العالم - من آن إلى آخر - تحدّ من اندلاع لهيب الحرص والحسد في هذه الدنيا . 
( 2079 ) نفخ الصور بالنسبة للأولياء هو النداء الذي يوقظ الأرواح من سباتها ، وينبه القلوب من غفلتها . 


( 2080 ) إن ما يتكشف لقلوب الأولياء من أسرار إلهية ، هو الذي يجعل قلوب الناس ثملة بحب اللَّه . كما أن إفناءهم الذات في حبّ اللَّه ، هو الذي يرشدنا إلى أن نهتدي لحقيقة وجودنا الروحي ، فنعمل على إدراكه . 


( 2081 ) لابن العربي رأي في الولاية قال فيه : 
“ واعلم أن الولاية هي الفلك المحيط العالم ، ولهذا لم تنقطع ، ولها الإنباء العام . وأما نبوّة التشريع والرسالة فمنقطعة . وفي محمد ( ص ) قد انقطعت ، فلا نبيّ بعده : يعني مشرعاً أو مُشرِّعاً له ، ولا رسول وهو المشرع . . . 
فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو وليّ وعارف ، ولهذا مقامه من حيث هو عالم أتم وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع . فإذا سمعت أحداً من أهل اللَّه يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال : الولاية أعلى من النبوة ، فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه . 
أو يقول إن الولي فوق النبيّ والرسول فإنه يعني بذلك في شخص واحد . 
وهو أن الرسول عليه السلام - من حيث هو ولي - أتمّ من حيث هو نبيّ رسول ، لا لأن الوليّ التابع له أعلى منه ، فإن التابع لا يدرك المتبوع أبداً



“ 546 “


فيما هو تابع لم فيه ، إذ لو أدركه لم يكن تابعاً “ ( فصوص الحكم ، ص 134 ، 135 ) . 
وخلاصة قول ابن العربي أن كل نبي ورسول وليّ ، وليس كل وليّ نبياً . وجانب الولاية في النبيّ أو الرسول أعلى وأكمل من جانب النبوة أو الرسالة . 
ولعل أول من تكلم في الولاية بصورة مفصلة ، وحدّد لها مفهومات وقواعد وأصولًا ، هو أبو عبد اللَّه الحكيم الترمذي ( من رجال القرن الثالث الهجري ) . 
وقد أورد ابن العربي ثبتاً بأصول المسائل التي تناولها الترمذي في بحثه عن الولاية . ( انظر : الرياضة وأدب النفس - مقدمة الناشرين المحققين‌أ . آربري ،a . y . arberry، علي حسن عبد القادر ، ص 16 وما يليها ) . 


( 2087 ) كان الحرير يستخدم في صناعة أوتار الآلات الموسيقية ولهذا توجه المطرب إلى اللَّه طالباً ثمن الحرير . 


( 2096 ) معنى قوله : “ وأضحى نبع أيوب له شراباً ومغتسلًا “ ، أنه خلص من الآلام وبرئ منها ، وهو ما حدث لأيوب حين اغتسل في العين فزالت عنه جميع العلل .


[ شرح من بيت 2100 إلى 2250 ] 
( 1202 ) كان الأمر يأتيه قائلًا : أما وقد وهبت هذه الهبات ، ودخلت إلى رحاب العالم الروحي ، وبرئت من آلام الجسد ، فزال عنك وخز أشواكها ، فلا تطمع فيما هو أكثر من ذلك ، وارجع إلى عالم الدنيا ، حتى يتاح لك أو ان الانتقال النهائي . 


( 2109 ) بل أي حاجة لذكر البشر بأجناسهم ، ما دامت الأحجار والأخشاب وغيرها من الجماد قد سمعت نداء الحق ؟ 


( 2110 ) العالم متجدد على الدوام بأمر اللَّه . وقد سبق للشاعر أن عبر عن ذلك في مواضع عدة . ومنها قوله : “ ففي كل لحظة - يا رب - قافلة وراءها قافلة ، تسير من العدم إلى الوجود “ . ( البيت 1889 ) . 

( 2124 ) لو لم يكن في الدنيا عارفون يعلمون بقلوبهم قدرة اللَّه الخالقة ،


“ 547 “

التي تخلق ما تشاء من العدم ، لما كان هناك مجال لتصديق ذلك . 

( 2127 ) العقل قابل للانخذاع بما يثيره الشيطان من شبهات . 
( 2128 ) الاستدلال العقلي البحث طريق ضعيف في الوصول إلى الحقيقة ، فهو في هذا السعي كأنه ساق خشبية . 

( 2129 ) أما قطب الزمان ، وهو الإنسان الكامل ، فهو وحده صاحب المعرفة اليقينية ، وهو الذي أوتي من العلم الراسخ ما تذهل لرسوخه الجبال . 

( 2131 ) “ أرباب البصر “ هم العارفون ، الراسخون في العلم . 
( 2132 ) قد يكون أهل الظاهر - من المؤمنين بالعقل وحده - قادرين على أن يبلغوا قدراً من الهداية ، يشبه اهتداء الأعمى بعصاه . لكن جميع هؤلاء في رعاية العارفين الملهمين ، كما أن العميان جميعاً في رعاية المبصرين ، برغم اقتدارهم على درجة محدودة من الاهتداء . 


( 2135 ) هذا الأدلة العقلية التي تعتد بها ، إنما هي هبة من اللَّه ميّز بها الإنسان على غيره ، وهو قادر على تبديدها ، لكنه أبقاها للبشرية ، رحمة منه وإشفاقاً . 

( 2137 ) ما دامت هذه الأدلة والقياسات العقلية ، قد أصبحت مصدراً للخلاف والنزاع - وقد بلغ الأمر ببعض المتفلسفين أنهم استخدموها لمناقشة وجود اللَّه نفسه - فقد وجب عليك أن تحطمها ، أيها الانسان ، لأن مهمتها الأصلية هي أن تكون وسيلة للهداية كالعصا للأعمى . 

( 2138 ) لقد وهبك اللَّه هذه القدرة على التفكير العقلي لتهتدي بها إليه ، وتتقدم نحوه ، فإذا بك تستخدمها في التهجم عليه . 

( 2139 ) لا بد للناس من هاد مبصر ، يرشدهم بما يكشف اللَّه له من علمه . 

( 2140 ) “ دامن أو گير “ . آثرنا في ترجمتها “ ولتعتصموا بحبل من . . . “ بدلًا من الترجمة الحرفية “ ولتتمسكوا بأهداب من . . . “


( 2142 ) “ پنج نوبت “ وترجمتها “ خمس مرات “ وقد فسرها نيكولسون على أنها تشير إلى قرع الطبول أو عزف الموسيقى خمس مرات كل يوم في بلاد المشرق ، كعلامة للملك . ورأيي أنه لا صلة لهذا البيت بتلك العادة ، وإنما المقصود بالمرات الخمس مواقيت الصلاة . والجذع الذي كان يستند إليه الرسول ، وهو رمز لإدراك الجماد لخالفه ، يحن كل يوم خمس مرات في مواقيت الصلاة . 

( 2143 ) لو لم يكن هذا الذوق الغيبي فوق تصور أهل الحسّ لما كانت هناك حاجة إلى إظهار المعجزات . 

( 2144 ) كل ما كان في مستوى التفكير العقلي ، وعلى قدر طاقة هذا التفيكر ، فإن العقل يقبله ، ولا تكون هناك حاجة لاتخاذ المعجزات حجة لإثباته ، ودليلًا عليه . 

( 2145 ) مهما بدا لك طريق الإلهام الإلهي ، والمحبة الإلهية ، مما لا يتقبله العقل - لأنه طريق بكر - فإن هذا الطريق ذاته حبيب إلى قلوب العارفين الملهمين ، الذين كتبت لهم السعادة ، فهم وحدهم الذين يسلكونه . 

( 2147 ) إن البحث الفلسفي لم يكن يلقى قبولًا في زمن الشاعر . 

والظاهر أن المتفلسفين كانوا يتسترون ولا يجسرون على البوح بآرائهم ، وبخاصة ما كان منها باعثا على بثّ الشكوك في الدين . 





* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: