الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

25 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2142 - 2598 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

25 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2142 - 2598 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

25 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2142 - 2598 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2142 - 2598



شرح قصة الخليفة الذي فاق في زمانه حاتم الطائي في الكرم ولم يكن له نظير
( 2142 ) “ پنج نوبت “ وترجمتها “ خمس مرات “ وقد فسرها نيكولسون على أنها تشير إلى قرع الطبول أو عزف الموسيقى خمس مرات كل يوم في بلاد المشرق ، كعلامة للملك . ورأيي أنه لا صلة لهذا البيت بتلك العادة ، وإنما المقصود بالمرات الخمس مواقيت الصلاة . والجذع الذي كان يستند إليه الرسول ، وهو رمز لإدراك الجماد لخالفه ، يحن كل يوم خمس مرات في مواقيت الصلاة .
 
( 2143 ) لو لم يكن هذا الذوق الغيبي فوق تصور أهل الحسّ لما كانت هناك حاجة إلى إظهار المعجزات .
 
( 2144 ) كل ما كان في مستوى التفكير العقلي ، وعلى قدر طاقة هذا التفيكر ، فإن العقل يقبله ، ولا تكون هناك حاجة لاتخاذ المعجزات حجة لإثباته ، ودليلًا عليه .
 
( 2145 ) مهما بدا لك طريق الإلهام الإلهي ، والمحبة الإلهية ، مما لا يتقبله العقل - لأنه طريق بكر - فإن هذا الطريق ذاته حبيب إلى قلوب العارفين الملهمين ، الذين كتبت لهم السعادة ، فهم وحدهم الذين يسلكونه .
 
( 2147 ) إن البحث الفلسفي لم يكن يلقى قبولًا في زمن الشاعر .


والظاهر أن المتفلسفين كانوا يتسترون ولا يجسرون على البوح بآرائهم ، وبخاصة ما كان منها باعثا على بثّ الشكوك في الدين .


( 2151 ) إن المتفلسف المنكر ( لمعجزة الجذع الحنان ) ، يجد جوارحه ، كاليد والرجل ، وهي من الجماد ، مطيعة أمر روحه ، تعمل بما توحيه لها ، وفي هذا ما يدحض إنكاره . 


( 2152 ) ومع أن المنكرين ينطقون بالتهم التي تثير الشك في إمكان إدراك الجماد ، فإن أيديهم وأرجلهم سوف تشهد عليهم يوم القيامة ، مع أنها من المادة التي لا تنطق.
 ( 2154 - 2160 ) ساق الشاعر هذه القصة لإثبات قدرة الجماد على
“ 549 “
النطق ، بإرادة اللَّه . ولم أجدها منسوبة إلى أبي جهل في أي من المصادر التي رجعت إليها . 
ولكن هذه المصادر تبيّن كيف دأب أبو جهل على أن يطلب من الرسول عمل المعجزات . يقول البلاذري : “ وذكروا أن أبا جهل قال : 
يا محمد ، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات ، فأنت أكرم على اللَّه ، فلست بأهون على اللَّه من عيسى فيما تزعم . . . ( أو ) تسخر لنا الريح تحملنا إلى الشام في يوم وتردنا في يوم ، فإن طول السفر يجهدنا فلست بأهون على اللَّه من سليمان “ . ( أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص 126 ، القاهرة 1959 ) . 


( 2196 ) إشارة إلى قوله تعالى :” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ “. ( ق ، 50 : 16 ) . 


( 2198 ) إن اللَّه يمدك في كل لحظة بعطائه وكرمه ، فهو كمن يعد لك الذهب ، ولما كنت تنسى نفسك أمام إنسان يلوّح لك بالعطاء ، وتتجه ببصرك إليه ، فيكف تغفل عن اللَّه واهب كل شيء ولا تلتفت إلا إلى نفسك ؟ 


( 2199 - 2200 ) الإحساس بالذات ينفي تحقق الفناء الصوفي . ( انظر تعليقنا على الأبيات 1752 - 1756 ) . 


( 2202 ) فلتشعل النار في ماضيك ومستقبلك حتى لا تبقى مليئاً بالعقد منهما كأنك عود من الغاب . فالإنسان الذي يكون أسيراً لماضية ومستقبله لا يستطيع أن يرى سوى ذاته . 


( 2203 ) إن الغاب الذي لا تُزال منه العقد لا يكون صالحاً لأن يصبح ناياً تعزف عليه أعذب الأنغام . وهكذا الإنسان الذي لم يتخلص من عقد الماضي والمستقبل ، لا يكون قادراً على تلقي الأسرار الإلهية . 


( 2204 ) إن من ركز نظره حول نفسه ، ولم يستطع أن يطوف إلا حولها ، شبيه بسائح طاف بالدنيا ، وامتلأت عيناه بمشاهدها . فحين عاد


“ 550 “


إلى داره بقيت هذه المشاهد مسيطرة عليه تملأ جوانب نفسه . فعارف الصنج - حين رجع إلى اللَّه - بقي مشغولًا بماضيه ومستقبلة وما كان فيهما من أحداث ملأت عليه نفسه . 


( 2205 ) مهما حصّل الإنسان من معارف ، فلا قيمة لها إذا لم يعرف مانح المعرفة . فهذا هو الأساس الأول للعرفان الحق . وتوبة مثل هذا أقبح من ذنبه ، لأنها مبنية على خوف العقاب وليست منبعثة من حب اللَّه . فالذاتية هي الدافع إلى مثل هذه التوبة ، وليست المحبة والعرفان . 
وقد وردت تعريفات للتوبة في كتب الصوفية . ويمكننا أن نقتبس هنا بعض ما أورده عنها أبو نصر السراج : “ وأما ما أجاب الجنيد عن التوبة : 
أن ينسى ذبنه ! أجاب عن توبة المتحققين : لا يذكرون ذنوبهم ، لما غلب على قلوبهم من عظمة اللَّه تعالى ، ودوام ذكره . . . كذلك سئل ذو النون عن التوبة فقال : توبة العوام من الذنوب ، وتوبة الخواص من الغفلة “ .  (اللمع ، ص 68 ) . 
وفي رسالة القشيري ( ص 45 - 48 ) فصل عن التوبة نقل ما جاء في كتاب اللمع عنها ، وذكر أقوالًا كثيرة إلى جانبه . 


( 2206 ) سئل رويم بن أحمد عن التوبة فقال : التوبة من التوبة “ . 
( اللمع ، ص 68 ) . 


( 2214 - 2215 ) إن اللَّه يريد أن يُظهر حقيقته ، وهو يدفع العقل الإنساني للإفصاح عن هذه الحقيقة . قال الشاعر ( بيت 1943 ) : 
“ فهو بذاته علّم آدم الأسماء ، ثم كشف بآدم الأسماء للآخرين “ . وكلما ازداد تأثر العقل الجزئي بالعقل الكلي ، يعبّر العقل الجزئي عما تلقاه من إلهام ، فيصل إلى العالم الدنيوي - من هذا السبيل - أمواج من بحر الروح . 


( 2217 ) قول الشاعر “ بقي في فمنا نصف هذا المقال “ ، معناه أنه لم يبح بكل ما آل إليه أمر هذا المطرب الشيخ . 


( 2221 ) يلتمس الشاعر من اللَّه أن يفيض على العالم من نور علمه


“ 551 “


ورحمته ، فيجدّد بذلك هذا العالم الذي شاخ في جهله وغفلته . 


( 2222 ) يعزّز الشاعر دعاءه في البيت السابق ، بقوله : إن كل ما يتجلى في الوجود الآدمي من حياة نفسية جيوانية ، وحياة روحية ، إنما هو منساب إليه من عالم الغيب كما ينساب الماء الجاري من منبعه إلى مصبه . 


( 2226 ) قد يكون الإمساك - في بعض الأحيان - خيراً من الإنفاق فينبغي ألا يُعطى مال اللَّه لمن لا يستحقونه ، وإلا كان ذلك لوناً من الإسراف الذميم . 


( 2230 ) هذا البيت قلق في موضعه ، كما بينا في حواشي الترجمة . 
ولكنه يعني أن الإنفاق للصدّ عن سبيل اللَّه ، يكون فاعله كعبد أراد أن يتصرف في مال مليكه بعدالة ، فأعطى هذا المال لمن ثاروا عليه . 
فالمال كله مال اللَّه . فيجب ألا يعطى لمن يصدّون عن سبيل اللَّه . 


( 2233 ) هذا البيت يقدم صورة للتعبد الذي لا يقصد به وجه اللَّه ، وإنما يُراد به الصدّ عن سبيل اللَّه . فهؤلاء الكفار كانوا يقدّمون القرابين للأصنام لعلها تنصرهم على الرسول . 


( 2236 ) قول الشاعر : “ وإن قدمت الروح في سبيل اللَّه ، أُعطيت روحاً “ ، يعني أن الصوفي الذي تفنى روحه في خالقها ، يُثاب على ذلك بالخلود ، إذ أنه بهذا الفناء يتحقق له البقاء . 


( 2242 ) “ الروح المالح المر “ هو الروح الحيواني ، وأما “ الروح الحلو “ فهو الروح الإنساني . 
(2244 ، وما يليه ) هذه قصة استغرقت بضع مئات من الأبيات . 
وليس معنى ذلك أن وقائع هذه القصة قد استغرقت كل هذه الأبيات ، فالشاعر على عادته قد اتخذ من القصة إطاراً لفلسفته وحكمته . 
وقد وردت هذه القصة بصورة مختلفة بعض الاختلاف في كتاب “ جوامع الحكايات والوامع الروايات “ الذي أكمل محمد عوفي تأليفه في


“ 552 “


عام 625 / هـ / 1228 م . وهذا الكتاب لا يزال مخطوطاً . وقد نُشرت في إيران منتخبات منه ، لكنها لم تحو إلا قسماً صغيراً من هذا الكتاب الكبير . وليست قصة “ الخليفة والبدوي “ من بين ما شملته هذه المنتخبات . 
وقد لخص نيكولسون قصة الخليفة والبدوي من مخلوط لكتاب جوامع الحكايات في مكتبة المستشرق الشهير إدوارد براون . وفيما يلي ترجمة لخلاصة القصة ، كما وردت في تعليقات نيكولسون ( ص 147 ، 148 ، ج 1 من شروحه على المثنوي) : 
“ يروى أنه حين ولي المأمون الخلافة ، ذاعت شهرة سخائه في جميع أرجاء العالم . وكان بدوي في ذلك الوقت يعيش في بادية جرداء . ولم تكن قبيلته تملك من الماء إلا غديراً ملحاً . أما الماء الذي كان يتساقط من الأمطار ، فسرعان ما كان يغدو ملحاً بسبب ملوحة التربة . 


وحدث أن هذا البدوي اضطر إلى الهجرة من دياره إذ اعتراها جفاف ومجاعة . وقد اعتزم الرحلة إلى بلاط الخلافة مؤملًا في العطاء . 


وحينما تجاوز مضارب قبيلته ، عثر ببئر ركدت فيه المياه ، فاجتذبت الأرض منها ملوحتها . وحينما تذوق البدوي ماء البئر عرته دهشة عظيمة لأن المسكين لم يكن قد تذوق الماء العذب ، ولا عرف أن مثل هذا موجود في الدنيا . فحدث نفسه قائلًا : “ واللَّه إن هذا لا يوجد إلا في الجنة . ولقد أرسله إليّ خالق الوجود ليخفف من كربتي . فلأجعلن بعضاً منه في قربة ، ثم لأحملنه هدية إلى الخليفة . ولما كان لم يتذوّق ماء مثل هذا ، فسوف ينعم عليّ بخلعة ، وبعطاء سنيّ “ . 


وحمل البدويّ بعض هذا الماء ثم مضى على الطريق . وكان الخليفة ومعه موكب من الفرسان يتصّيد في ضواحي الكوفة ، حين أقبل هذا البدوي . فأمر بأن يُحضر البدوي إليه ، وسأله من أين جاء . فقال البدوي : “ جئت من الصحراء “ . ولما سأله إلى أين يقصد ، أجاب


“ 553 “


البدوي بأنه يقصد قصر الخلافة . 
فسأله المأمون : “ وماذا أحضرت معك ؟ “ فأجاب البدوي : “ ماء من الجنة “ . فأدرك المأمون : - بحكمته التي لم تكن تخطىء - حقيقة ما حدث ، وقال : “ دعني أتذوق هذا الماء “ . وحينما قُدمت له القربة ، أمر أنْ يُفرغ ما بها في زجاجة ، وتناول رشفة صغيرة من هذا الماء ثم أبدى عجبه قائلًا : “ لقد قلت الحق أيها البدوي ! وماذا تطلب ؟ “ فأجاب البدوي : “ أيها الأمير ! إن المجاعة والفقر قد دفعا بي بعيداً عن وطني .
ولست أعرف مكاناً أقصده إلا باب قصر الخلافة “ . فقال الخليفة : إني مجيب سؤالك ، شريطة أن تعود الآن من حيث أتيت ، ولا تمضي إلى أبعد من هذا المكان “ . وقبل البدوي ، فأمر الخليفة أن تُملأ القربة بقطع من الذهب ، وكلف أحد حراسه بأن يصحب البدوي حتى يسلك طريق الصحراء . 


وحين أبدى رجال الحاشية عجبهم لما فعله المأمون ، وحرصهم على معرفة الحكمة في ذلك ، أخبرهم المأمون بأنه لو تقدم هذا البدوي قليلًا بعد هذا المكان ، لرأى نهر الفرات ، ولأصابه الخجل من جراء هديته التافهة . 
وأتبع ذلك بقوله : وإني لأخجل لو أن رجلًا جاءني بهدية ، ثم انصرف من حضرتي مهاناً مشيعاً بالعار ! “ والقصة - كما رواها جلال الدين - لا تعين شخص الخليفة الذي قصدة البدوي . وتذكر أن البدوي قصد قصر الخلافة في بغداد . 
كما أنها تذكر أن الخليفة أمر بأن يُعاد البدوي إلى وطنه بطريق البحر - على عكس ما ذكرية رواية عوفي . وأضاف الشاعر إلى القصة شخصية لا تظهر في رواية عوفي ، هي زوجة الأعرابي ، وأجرى بينها وبين زوجها صفحات متعددة من رائع الحوار . 
وقد جعل الشاعر امرأة الأعرابي رمزاً للنفس الحسية ( الحيوانية ) وجعل الأعرابي رمزاً للنفس الناطقة . كما اتخذ من الخليفة رمزاً للَّه .




[ شرح من بيت 2250 إلى 2600 ] 
( 2258 ) السامري هو الذي أُغرى اليهود بعبادة العجل .


“ 554 “


قال القرطبي في تفسير قوله تعالى :” وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ “. ( 2 : 51 ) . سأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند اللَّه ، فخرج إلى الطور في سبعين من خيار بني إسرائيل ، وصعدوا الجبل ، وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة ، فعدوا - فيما ذكر المفسرون - عشرين يوماً وعشرين ليلة ، وقالوا : قد أخلفنا موعده ، فاتخذوا العلجل ، وقال لهم السامري : هذا إلهكم وإله موسى . فاطمأنوا إلى قوله “ . ( تفسير القرطبي ، ج 1 ، ص 395 ، طبع دار الكتب المصرية ) . وكان جزاء السامري أن نُبذ من الناس فكان لا يمس أحداً ولا يمسه أحد . 
( 2262 )  وأي عطاء نقدمه ونحن نلجأ إلى أخس الوسائل لنتجنب الجوع ؟ 


( 2268 ) في بعض المخطوطات وردت كملة “ يشم “ ( بمعنى خرز ) بدلًا من “ پشم “ ( بمعنى صوف ) . وإذا كانت هذه الرواية صحيحة فمعناها أنه يضع في العيون الخرز ، السحيق . وكان من المعروف أن اللؤلؤ السحيق يزيد نور البصر . فيكون المقصود أن الرجل يغش فيضع مسحوق الخرز ، بدلًا من اللؤلؤ السحيق . 


( 2272 ) “ ومع أنه أبعد من أن يعقد أي صلة بينه وبين ربه ، فإنه يدعي لنفسه صفات الأنبياء الصادقين “ . 


( 2275 ) أبو يزيد البسطامي عند الصوفية قطب من الأقطاب العظام . أما يزيد بن معاوية ، فقد أصيب بسوء السمعة في التاريخ الإسلامي نظراً لما حدث في عهده من انفسامات ، وما أريق من دماء . ومن أهم حوادث عصره مقتل الحسين ابن علي وآل بيته ، وو وقعة الحرة التي أبيحث فيها المدينة بضعة أيام . وقد لا تقع على يزيد كل المسؤولية في تلك الحوادث ، ولكن وقوعها في عهده قد أساء إلى سمعته في التاريخ . 


( 2277 )  إنني نائب الحق ، أنا ابن خليفته “ ، معناها “ إنني أنا


“ 555 “


الإنسان الكامل ، والوريث الروحي لآدم ، خليفة اللَّه في الأرض “ . 


( 2279 ) من الناس من وقف على باب هذا المزور يوماً بعد يوم ، باسطاً لنفسه طريق الأمل ، في أن يصل على يديه إلى مقام روحي مرموق ، ولكنه يضيع وقته وعمره هباء . 
( 2281 ) إذا ما اكتشف المريد أنه قد أضاع عمره على شيخ مزوِّر ، فلا جدوى من ذلك ، وكل هذا الوقت قد ضاع منه هباء . 
( 2286 ) فهذا المدّعى يعاني - في الحقيقة - من فقر روحي ، وبرغم ذلك يتظاهر بالفقر المادي ، وهو شعار الصوفية الصادقين الذين نبذوا المادة وأهملوها في سبيل الروح . 


( 2287 ) فلماذا ننافق ، ونتظاهر بغير حقيقتنا كما يفعل هذا المدعي ؟ 
الأولى بنا أن نظر على حقيقتنا ، ولا نزهق أرواحنا من أجل شرف مزوّر . 
فالتظاهر بغنى الروح يُلقي على المدعي تبعات لا قبل ليه بها ، ولا قدرة له عليها . 


( 2290 ) السيل المندفع ليس مورداً ميسوراً للشرب ، فالبحث في صفائه أو اعتكاره ليس مما يجدي . 


( 2298 ) إن الآلام الحسية في هذه الدنيا جزء من الموت ، الذي هو أعظم ما يخيف أهل الحس ويرهبهم . 
( 2300 ) إنْ كنت لا تبالين بآلام الحس ، فاعلمي أنك تستطيعين مواجهة المصير المحتوم متقبلة راضية “ . 


( 2302 ) كل من تلعق بملاذ الحياة ومتعها المادية ، كان الموت أقسى عليه ، فيتجرعه كأساً مريرة المذاق . أما من صرف وجهه عن ملاذ الدنيا ، وتعلقت روحه بعالم الروح ، فالموت بالنسبة له لا يعدو أن يكون انتقالا من حالي إلى حال خير منه . يقول الغزالي : “ المحب لا محالة مشتاق ، ومعنى الشوق في المحسوسات استكمال الخيال بالترقى إلى المشاهدة . فإن المشتاق إليه مُدْرَكٌ لا محالة بالخيال ، وغائب عن الأبصار ، وأحوال الآخرة وجمال الحضرة الربوبية مدرك كل ذلك اللعارف ، يعرفه كأنه نظر من وراء ستر رقيق ، في وقت الإسفار وضعف النور ، فهو مشتاق إلى استكمال ذلك بالتجلي


“ 556 “


والمشاهدة ، ويعلم أن ذلك لا يكون إلا بالموت . فلذلك لا يكره الموت لأنه لا يكره لقاء اللَّه تعالى “ . ( الأربعون في أصول الدين ، ص 275 ) . 


( 2303 ) يرى نيكولسون أنّ هذا البيت مقارب في معناه لقول الشاعر العربي :
الموت نقاد على كفّه * جواهر يختار منها الجياد
وأرى أنه لا صلة لهذا البيت العربيّ ببيت شاعرنا . فالجياد في في البيت العربي تعني الأخيار ، وعلى هذا تكون الجودة في هذا البيت معنوية وليست جسدية . 
وأما بيت جلال الدين فمعناه أنّ ضخامة الجسم كانت سبباً في هلاك الأغنام . فلا غرابة في أن تكون في الإنسان سبباً لهلاكه . 
ذلك لأن الإنسان الذي يُعنى بجسده ويتلعق به ، يكون ذلك منه على حساب روحه التي تتضاءل ، فلا يبقى لها كيان ، فيكون ذلك بمثابة هلاك لها في الدنيا ، وكذلك في الآخرة . و . قول الشاعر في البيت السابق : 
“ وكل من عبد جسمه فما حمل روحاً “ ، مرتبط بهذا البيت وهو يزيد معناه وضوحاً . فالإنسان الذي يعبد جسده ، يتضاءل فيه الروح الإنساني ، إلى درجة تجعله يبدو مجرداً من هذا الروح . 
( 2307 ) صانعو الحبال يتراجعون إلى الوراء وهم يصنعونها . ولا يزال هذا مشهوداً عند من يصنعون الحبال بطريقة يدوية . 
( 2333 ) إن طالب الدنيا يسعى إليها بكل الوسائل ، والدنيا كذلك تبدي له مغرياتها فتزيده تعلقاً بها . 
( 2334 ) فلو لم يكن هو الذي يسعى إلى الدنيا بكل الوسائل لما كانت الدنيا تستولي عليه ، وتصرفه عما عداها . 


( 2342 ) “ الفقر فخري “ عبارة ذات مدلول صوفي . فالفقر عند الصوفية مقام لا بد من تحقيقه . ولا يكاد يخلو من ذكره كتاب من كتبهم ، ( انظر الكلاباذي : التعرف ، ص 95 ؛ أبو طالب المكي : قوت القلوب ، ج 2 ، ص 398 ؛ السراج : اللمع ، ص 74 ؛ القشيري : الرسالة ، ص 122 ) . واعتداد الصوفية بالفقر ، لأنه يصرفهم عن التعلق بهذه الدنيا ، فيجعلهم بذلك


“ 557 “


فقراء إلى اللَّه ، وحينذاك يصبحون أغنياء باللَّه . والفقر عندهم محك لصدق الإيمان وكرم الأخلاق . فالفقير الصوفي لا يطلب من أحد شيئاً ، ويعطي ما يستطيع برغم فقره ، ويقول الحق ، ولا يجعله الفقر مداهناً يلتمس رضى الأغنياء . وأرفع الفقراء رتبة عندهم - على ما يقول السراج - “ من لا يملك شيئاً ، ولا يطلب بظاهره ولا بباطنه من أحد شيئاً ، ولا ينتظر من أحد شيئاً ، وإن أعطى شيئاً لم يأخذ ، فهذا مقامه مقام المقربين “ . ( اللمع ، ص 74 ) . 
وعد نصر بن الحمامي الفقر “ أول منزلة من منازل التوحيد “ . ( اللمع ص 75 ) على اعتبار أن الفقير لا يجد ما يشغله عن اللَّه ، فهو مستغن عن الناس وما يملكون . 
وخلاصة ما يفهم من أقوالهم أن الفقر هو الانصراف عن المادة ، ويتجلى هذا في الامتناع عن الحرص عليها سواء بطلبها ، أو الاحتفاظ بها إن وجدت لدى الإنسان ، ثم بالحاجة إلى اللَّه وحده ، وهذا المعنى الأخير يمثل انتقالًا من السلوك العملي إلى التأمل الروحي . وحين يتحقق لأحدهم الإحساس الكامل بالافتقار إلى اللَّه يصبح غنياً باللَّه . 


( 2345 ) رجل الحق مثل العين المبصرة ، فالأولى به ألا يغشي قلبه بماديات الحياة لأن هذه يحجب بصيرة قلبه ، كما يحجب الغطاء نور العين . 


( 2357 ) رُوي عن إبراهيم بن أحمد الخواص أنه قال : “ الفقر رداء الشرف ، ولباس المرسلين ، وجلبات الصالحين ، وتاج المتقين ، وزين المؤمنين ، وغنيمة العارفين ، ومنبّه المريدين ، وحصن المطيعين ، وسجن المذنبين . . . “ ( السرّاج : اللمع ، ص 74 ) . وجاء في “ قوت القلوب “ لأبي طالب المكي ( ج 2 ، 401 ) أقوال عن اعتراز الفقراء بأنفسهم منها قول ابن المبارك : 
“ من تواضع الفقير أن يتكبر على الأغنياء “ ، وقول المكي نفسه : “ ومن فرائض الفقر ألا يسكت الفقير عن حق ، ولا يتلكم بهوى ، لأجل دوام العطاء من أحد ، ولا لا جتلاب نفع “ .


“ 558 “


( 2358 ) “ صائد الإخوان ، وماسك الثعبان “ . وتعني هذه العبارة من يتصيد الإخوان بأن يخدعهم بعبارات تنّم عن الصلاح والتقوى ، فيوقعهم في حبائل مكره ، فكأنما هو يتصيد حيّات فيتلو عليها رقى وتعاويذ حتى يتمكن منها . 


( 2359 ) قد يُفهم من هذا البيت معنى رمزي ، هو أنه يجتذب المريدين ، فيزيل من نفوسهم أهواءها الدنيوية ، وبذلك يخلصها مما يجلب لها هلاكاً محققاً . وهو كذلك يفعل بالثعبان الذي يتصيده ، فيقتلع أنيابه حتى لا تكون سبباً في القضاء عليه . 


( 2371 ) “ تحرّي زنانه “ ترجمنا هذه العبارة “ بالجشع النسائي “ . 
فالتحرّي ينطوي على البحث والطلب ، وهذه المرأة كانت تطلب المال وتحرص عليه . ولهذا نرى أن فهم “ التحري “ على هذا الوجه ، خير من تفسير نيكولسون له بأنه “ الشك واضطراب الفكر “ . فمشكلة المرأة هنا هي الطمع ، وهو الذي يغشيّ على بصرها ويجعلها غير قادرة على مشاهدة الأمور على حقيقتها . فالزوج يدعوها إلى ترك الطمع لتراه على حقيقته ، ولا تزدريه لفقره . 


( 2372 ) “ إن اجتذابي للمريدين ليس لطمع فيهم . فهذا الحرص عليهم قد يبدو طمعاً فيهم ، ولكنه ليس إلا رحمة ، لأني أقودهم إلى طريق الحق “ . 


( 2378 ) الحقائق الروحية لا تتكشف إلا لمن كان طالباً لها ، حريصاً عليها . 


( 2381 ) إن الحقائق الروحية تحتجب ولا تتكشف إذا كان طالبها غريباً عنها ، غير حريص على تلقيها . 


( 2382 ) وأما من كل موضعاً لسرّ الغيب فإن هذه الحقائق تتكشف له ، وتتجلى لقلبه . 
( 2383 ) كلّ ما كان جميلًا رائق الحسن ، فقد صُنع من أجل
“ 559 “


الإحساس السليم ، الذي يدركه ويتذوقه . وكذلك الأسرار الإلهية لا تتجلى إلا للروح التي تكون قادرة على إدراكها وتذوقّها . 
( 2389 ) يسأل الأعرابي امرأته قائلًا : “ هل تزينت ذات يوم من أجل رجل أعمى ؟ “ وهذا استفهام إنكاري يرمز إلى أن الأسرار الإلهية لا تتكشف إلا للقلب المهيأ ، لها القادر على إدراكها . 


( 2390 ) لا جدوى من عرض الحكمة على من لم يكن أهلًا لها ، ذلك لأنها لا تجد سبيلًا إلى قلبه . 


( 2392 ) “ إنني لا أريد أن أشغل نفسي بهذه الدنيا ، وما فيها من خير وشرّ : بل إن قلبي لينفر حتى من خيراتها “ .


[ شرح من بيت 2400 إلى 2550 ] 
( 2412 ) “ أما وقد جعلت لي من عفوك نوراً يرشدني إلى طريق الندم ، المؤدي إلى رضاك فقد تبت “ . 
( 2427 ) رستم بن زال أحد الأبطال الذين اشتهروا في الأساطير الإيرانية . وقد شغلت سيرته آلافاً من أبيات الشاهنامه التي تروي وقائع العصر الكياني . 
أما حمزة المذكور هنا فهو حمزة بن عبد المطلب عم الرسول ، وكان من أعظم أبطال العرب . 


( 2428 ) الحميراء “ هي عائشة زوج الرسول . ( انظر البيت 1972 وتعليقنا عليه ) . 


( 2444 ) “ إن من شاخ في كفره يستطيع اعتناق الإسلام لو صحت منه التوبة والرجوع ، وندم على ما أضاع من عمره في الضلال . وما دام الكفر - وهو أكبر الذنوب - يغتفر بالتوبة ، فقد حقّ عليك غفران ذنبي “ . 


( 2446 ) كل ما في الوجود من أضداد مرتبط بالخالق الموجد ، وليس في الوجود شيء يخرج على أمره . وفي القصة التي تتلو هذا البيت ، يصوّر الشاعر موسى وفرعون - وهما يمثلان الكفر والإيمان - قاصدين ربهما ، إلا أن واحداً


“ 560 “


منهما اهتدى ، وأما الآخر فضلّ السبيل . ويتحدث الجيلي عن ذات اللَّه الجامعة للأضداد فيقول : “ ظهر في كل ذات بكل خلق ، واتصف بكل معنى في كل خلق وحق ، جمع بذاته شمل الأضداد ، وشمل بوحدانيته جميع الأعداد “ . 
( الإنسان الكامل ، ج 1 ، ص 2 ، 3) . 


( 2447 ) قول الشاعر : إن فرعون كان يقصد الحقيقة ، لكنه ضلّ السبيل - تعبير عن مذهب الصوفية ، بأن كل متعبد يقصد وجه اللَّه ، حتى ولو كان ظاهر تعبده أنه لغير اللَّه . يقول ابن الفارض :وإن عبد النار المجوس وما انطقت * كما جاء بالأخبار في ألف حجة 
فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم * سواي وإن لم يظهروا عقد نيةويقول ابن العربي : “ فالناس على قسمين : من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها فهي في حقه صراط مستقيم . ومن الناس من يمشى على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها ، وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر “ . 
(فصوص الحكم ، ص 108 ) . 


( 2449 ) يقول فرعون : “ يا رب ، لولا أن الكفر مقدّر علي منذ الأزل ، لما كان هناك على يطوقني ، ويصرفني عن الإيمان ، وأكون أمام الناس ما أنا عليه الآن “ . 


( 2425 ) إن القمر - وهو أعظم من النجوم - يعتريه الخسوف ، فما حيلتي إذا أصاب الخسوف نجمي ؟ “ ( 2461 ) “ إنني حين أكون وحدي ، فأنا في وفاق مع اللَّه ، لأني أحد مظاهر إرادته ، ومشيئته ، ولكني حين أواجه موسى أشعر أنني على خلاف ذلك . فموسى ضدي ، وهو يظهرني على صورتي المضادة لصورته ، وإن كنت في الحقيقة لا أعدو أنْ أكون منفذاً لإرادة اللَّه التي صدرت عنها الأضداد ، وكل مظاهر هذا الوجود “ . 


( 2462 ) إن ظهور الحق في الدنيا على أيدي الرسل قد كشف ما كان يسودها من زيف . وهكذا الذهب الزائف لو تُرك وشأنه لظن ذهباً ، ولكنه إذا وضع


“ 561 “


في النار تكشفت حقيقته . وفرعون - لو لم يظهر موسى - لبقي له رواء ملكه ومظهره الخادع . 


( 2467 ) حينما تحوّل الخلق من عالم الوحدة الروحية ، إلى عالم الدنيا ، عالم التعدد والتعين ، وقع الصدام بينهم . فالخق جميعاً يرجعون إلى حقيقة واحدة ، ويجمعهم لون متجانس ، ولكن حلول الأرواح في الأجساد جعلها تبدو مختلفة متباينة . 


( 2468 ) حينما يخلص الناس من عالم المادة ، وما فيه من ألوان متعددة ، يسود الوفاق بينهم جيمعاً ، ولا يكون هناك أثر لهذا التضاد الذي يتجلى في ضدين متباعدين مثل موسى وفرعون . 


( 2470 ) هذا التعدد اللونيّ في العالم المادي ، صادر عن لون واحد متجانس هو العالم الروحي . وهذا اللون المتجانس ( أو اللالون ، كما يحلو للشاعر أن يصفه ، تشبيها له بالماء ) هو الأصل في جميع الألوان التي يزخر بها العالم المادي ، فكيف يمكن تفسير صراع المادة مع الروح ؟ 


( 2474 ) مظاهر الصراع بين المادة والروح ، أو بين العالم المادي والروحي ، قد تكون مصدراً لحيرة الإنسان . وهذه الحيرة شبيهة بخربة ، ولكن هذه الأرض الخربة قد تكون منطوية على كنز . هذا الكنز هو العرفان الصوفي الذي يجب أن يهتدى به في إدراك اليقين حول مثل هذه الأمور . 


( 2475 ) هذا البحث العقلي ، الذي تركز حول المظاهر الخارجية قد استولى على اهتمامك ، فظننت أنه جوهر المعرفة . ولكن هذا الذي توهمته جوهر المعرفة ، صرفك عن المعرفة الحقيقة ، وأضاعها منك . 


( 2476 ) الإصرار على الأوهام والآراء لا يتفق مع نفي الذات ، وهو المقدمة التي يجب أن تتحقق لطالب المعرفة الروحية ، قبل أن يتقدم في سبيلها خطوة واحدة . أما من تمسك بمثل هذه الآراء ، والأوهام ، فهو كمن تمسك بالمادة وطلب الروح ، أو كمن بحث عن كنز دفين في منطقة آهلة بالسكان .


“ 562 “


( 2477 ) “ المناطق العامرة “ تعبير عن الدنيا وضجيجها وصخبها الذي يطغى على الروح . وحياة هذه الدنيا لون من الوجود ، ولكن الفناء الصوفي لا يرى هذا وجوداً يُعتد به ، فهذا الفناء الصوفي خير منه لأنه سبيل البقاء ومفتاح الخلود . 


( 2478 ) ليس المتعلق بالوجود المادي هو الذي يعرض عن الصوفي الذي ينشد الفناء ، بل إن الصوفي هو الذي يعرض عنه ، فالتصوف ينطوي على التحرر من سلطان المادة ، والمتعلقين بها . 


( 2479 ) لا تقل إنني هارب من مثل هذا الفناء عن الدنيا ، فهذا الفناء هو الذي يهرب منك ، لأنك لم تُؤت من الهبات الروحية ما يجعلك تسلك سبيله وتسعى إليه “ . 


( 2490 ) بدفع هذا العالم الدنيوي والعالم الروحي لأهل الظلم ، بقي هؤلاء محرومين من كلا العالمين . 


( 2492 ) إن لديهم قوة روحية أفاضها عليهم الخالق . فلو أنهم أظهروا تلك القوة لك ، لكان لهم من الأثر عليك مثلما يكون للكهرباء على القش . ( من المعروف أن أحجار الكهرباء تجتذب القش ) . 


( 2497 - 2498 ) إن العقل يقود الإنسان كما يقود الجمّال الجمل . والأولياء يقودون العقول كما تقود العقول الأجسام . 




( 2500 ) ما الحاجة إلى توضيح الأمر بتشبيه القطب بالدليل والجّمال ؟ إنه كالشمس لمن كان ذا مقدرة على الاهتداء به . 


( 2502 ) يوازن الشاعر هنا بين جسم الولي وروحه . فهو باعتبار الجسم ذرّة ، ولكنه باعتبار الروح شمس . وهو في ظاهره حمل ، ولكنه في حقيقته أسد . 


( 2507 ) كان أهل الغفلة يظنون الرسل أفراداً ضعافاً . وكيف يكون ضعيفاً من توثقت صلته بربه حتى جعله خليلًا وصفياً !
( 2509 ) انظر قصة صالح وقومه في “ قصص الأنبياء للثعلبي “




“ 563 “


( ص 66 - 72 ) . 
( 2514 ) يقال إن بلدة الحجر ، الواقعة شمالي المدينة ، كانت مقر ثمود ، قوم صالح ، ولا تزال إلى اليوم تعرف بمدائن صالح . وقد روى أبو الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال : “ لما مر النبي عليه السلام بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : لا يدخلن أحد هذه القرية ، ولا تشربوا من مائها ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا معذبين ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم . ثم قال : أما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث اللَّه لهم الناقة . . “ ( قصص الأنبياء ، ص 71 ، 72 ) . 




( 2518 ) روى الثعلبي أنّ الكفار حاولوا إيذاء صالح مرات عدة ، ولكنّ اللَّه كان ينجيه من كيدهم . 




( 2519 ) لا يستطيع الكفار أن ينالوا من روح أحد الرسل . وكل ما استطاعوه لم يَعْدُ إيقاع بعض الأذى بجسمه . فجلب عليهم هذا العدوان الذي اقترفوه غضب اللَّه ونقمته . أما نبيّ اللَّه المرسل فلم ينل منه أذاهم . 


( 2521 ) إنّ رسول اللَّه يمثل قوة روحية عظيمة ، وقد جعل اللَّه هذه القوة متعلقة بجسم ، وذلك ليستطيع أبناء هذا العالم شهودها ، والاهتداء بها . 




( 2522 ) جسم الوليّ بالنسبة لروحه ، كالناقة بالنسبة لصالح . ولقد كانت الناقة في خدمة صالح كما أن جسم الوليّ مسخّر لروحه . فالروح بالنسبة اللوليّ هي العنصر الأقوى ، ولذلك فإنّ الجسم يكون خاضعاً لها . 
والشاعر يدعو في هذا البيت إلى الابتعاد عن إيذاء الأولياء والصالحين ويحث الناس على أن يخدموهم ويرعوهم ، وإن كان يرى أن هؤلاء مهما اجتهدوا فإنهم لا يستطيعون إزاءهم سوى الرعاية الجسدية . 


( 2523 - 2531 ) بعد أن عُقرت ناقة صالح أقبل عليه القوم يعتذرون فقال لهم صالح : “ انظروا هل تدركون فصيلها ( وليدها ) ، فإن أدر كتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب ، فخرجوا يطلبونه ، فلما




“ 564 “


رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه فأوحى اللَّه إلى الجبل فتطاول في السماء حتى ما تناله اليطر . . . فقال صالح : لكل أمة أجل فتمتعوا في دياركم ثلاثة أيام ثم يأتيكم العذاب ، ذلك وعد غير مكذوب . . . قالوا : 
وكان عقر الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح - حين سألوه عن وقت العذاب وآيته - إنكم تصبحون غرة مؤنس ( الخميس ) وجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم العروبة ( الجمعة ) ووجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شبار ( السبت ) ووجوهكم مسودة ، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول ( الأحد ) ، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة . . . 
فأيقنوا بالعذاب وعرفوا أنّ صالحاً قد صدقهم . . . فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدم . . . فلما أمسوا فإذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار . . . فلما اشتد الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة . . . فقطعت قلوبهم في صدروهم فلم يبق فيهم صغير ولا كبير إلا هلك . . . “ ( قصص الأنبياء ص 70 ، 71 ) . 








( 2532 ) مضى الشاعر هنا في تفسيره الرمزيّ لقصة الناقة وفصيلها ، فقال إنّ فصيل الناقة ، رمز لخاطر الوليّ . وكان قد ذكر في بيت سابق ( 2515 ) أن الناقة رمز لجسم النبيّ أو الوليّ ، وأما صالح فرمز للروح .




[ شرح من بيت 2550 إلى 2700 ] 
( 2559 - 2560 ) إن عصيان قوم صالح ، وطغيانهم الذي استوجب العقاب لم يمنعا هذا الرسول الكريم من أن يأسى عليهم ، ويبكيهم بدموع الرحمة والرثاء . 




( 2570 - 2573 ) يتحدث الشاعر في هذا البيت وما يليه عن اختلاط الخير والشر في هذا الدنيا . ويذكر أنه ، برغم هذا الاختلاط البادي في الحياة بين الأخيار والأشرار ، هناك فارق يباعد بين كل فريق منهما . ومما يشبه تلك الحال ذهَبُ المنجم الذي يكون مختلطاً بالتراب ، أو العقد الذي يضم حبّاتٍ


“ 565 “




من الدرّ النفيس وأُخرى من النحاس . فهذا التقارب لا يعني الامتزاج ، فكل عنصر يبقى محتفظاً بطبيعته رغم اختلاطه بغيره . 


( 2583 ) “ العين التي تبصر الحظيرة “ هي العين الحسية التي لا شأن لها بالمعنويات . والحظيرة هنا ترمز إلى عالم الحس . 


( 2584 ) كم في الكون من مغريات تبدو حلوة المذاق ، مع أن السم كامن فيها . وينطبق هذا على الماديات ، وكذلك على المعنويات . فالملق مثلًا يبدو لذيذاً سائغاً لمن يجد في طبعه ميلًا إلى تلقيه ، ولكن عاقبته تكون وخيمة في نهاية الأمر . 


( 2585 ) من الناس من أوتي قدرة على التمييز قبل معاناه الأمر ، ومنهم من لا يستطيع ذلك إلا حين يقترب منه بعض الشيء . 


( 2592 ) كان من المعتقد في زمن الشاعر أن العقيق يكتسب لونه وبريقه من نور الشمس . 


( 2598 ) قد يكون السم والحية هنا رمزاً لمتع الحياة . فهذه المتع تصبح سائغة مباحة لمن يعرف كيف يقف عند حد في تقلبها ، ومن أوتي من قوة الروح ما يجعله آمناً من سمومها ومخاطرها . يقول الترمذي عن المريد : “ فينبغي أن ينفي كل فرح للنفس فيه نصيب ، حتى يصل إلى ربه تعالى : فإذا وصل إلى ربّه عزّ وجل امتلأ قلبه به فرحاً وسروراً ويقيناً ، فكل شيء مدّ إليه يداً من دنيا أو آخرة لم يضره لأنه منه يقبل ، فإذا قبله منه حمده عليه وشكره ، وكانت جوارحه مستقيمة حافظة للحدود “ . ( الرياضة وأدب النفس ، ص 63 ) . 
.

* * *
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: