الأربعاء، 5 أغسطس 2020

13 - كيف تنازع أربعة اشخاص حول العنب لأن كلا منهم كان يعرفه باسم مختلف عما يعرفه الآخر .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

13 - كيف تنازع أربعة اشخاص حول العنب لأن كلا منهم كان يعرفه باسم مختلف عما يعرفه الآخر .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

13 - كيف تنازع أربعة اشخاص حول العنب لأن كلا منهم كان يعرفه باسم مختلف عما يعرفه الآخر .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

كيف تنازع أربعة اشخاص حول العنب لأن كلا منهم كان يعرفه باسم مختلف عما يعرفه الآخر
[ بيان أصل القصة ]
أعطى رجل درهما لأربعة أشخاص ، فقال أحدهم ( وكان فارسيا ) :
“ سأشترى بهذا انكور “ “ 1 “ .
فقال ثانيهم ، وكان عربيا : “ انى أريد عنبا ، لا أنكور ، أيها الخبيث “ .
فقال ثالثهم ، وكان تركيا : “ أنا لا أريد عنبا ، بل أريد ( اوزوم “ “ 2 “ .
فقال رابعهم وكان روميا : “ دعونا من هذا القول ، فنحن نريد ( استافيل “ 3 “ ) “ .
 
3685 - وأدى التنازع بين هؤلاء إلى العراك ذلك لأنهم كانوا غافلين عن سر الأسماء .
وأخذ هؤلاء من جراء حماقتهم - يتلاكمون ، فقد كانوا مفعمين بالجهل ، 
خاوين من المعرفة فلو كان هناك رجل متعدد اللغات - من أصحاب السر الأعزاء - لأقر بينهم الصلح !
.................................................................
( 1 ) “ انكور “ كلمة فارسية ، معناها “ عنب “
( 2 ) اسم العنب بالتركية .
( 3 ) اسم العنب باليونانية .


 
“ 383 “
 
ولكان قال لهم : “ سوف أحقق رغائبكم جميعا بهذا الدرهم الواحد ! 
فإنكم لو أسلمتم إلى قلوبكم ، مجردة من الحقد ، لصنع درهمكم الكثير من أجلكم .
 
3690 - ولأصبح درهمكم الواحد ( منفِّذا ) لأربع رغاب ! ولصار أربعة أعداء - بالاتحاد - رجلا واحدا !
 ان قول كل واحد منكم يجر إلى الخصومة والفراق ! وقولي أنا يقر بينكم الوفاق ! 
فاسكتوا أنتم وكونوا منصتين ، حتى أكون أنا لسانكم في القول والكلام !
 “ فمع أن كلامكم قد يكون وثيق التوافق ، فان أثره يكون جرثومة النزاع والفرقة ! 
ان الحرارة المستعارة لا تولد أثرا ، أما الحرارة الطبيعية فلها الفضل ( الحقيقي ) .
 
3695 فلو أنك أدفأت الخل بالنار ، فأنت حين تشربه تزداد - بدون شك - احساسا بيرودته .
ذلك لأن حرارته تلك ظاهرية ( مفتلعلة ) ، وطبيعة أصله البرودة والحدة .
ولو كان الدبس مثلجا - يا بنى - فإنك حين تشربه يزيد الحرارة في كبدك .
وعلى هذا ، يكون رياء الشيخ خيرا من اخلاصنا ، لأنه يكون عن بصيرة ، على حين أن اخلاصنا لا بصيرة فيه !


 
“ 384 “
 
ان حديث الشيخ يؤدى إلى الوفاق ، وحديث أهل الحسد يثير الشقاق .
 
3700 كمثل سليمان الذي النطلق ( برسالته ) من جانب الحق - وكان يعرف منطق الطير كافة - 
ففي زمان عدله أنس الغزال إلى النمر ، وانصرفا عن الصراع وأصبحت الحمامة آمنة من مخالب الباز ! 
ولم يكن للحمل من الذئب احتراز ! لقد أصبح سليمان وسيطا بين المتعادين ، وساد الوفاق بين الطير كافة .
وهاأنت ذا كالنملة ، تجرى وراء حبة . أفق ، وابحث عن سليمان ! لماذا تبقى غويا ؟
 
3705 - ان طالب الحبة ، تكون الحبة له شركا ، وأما طالب سليمان فيظفر بكليهما ( سليمان والحبة ) !
 وأطيار النفوس - في هذا الزمن الأخير - لا يأمن أي منها سواه لحظة واحدة ! 
ولزماننا هذا أيضا سليمان ، وهو الذي يقر الوئام ، فلا يبقى لدنيا جور ! 
فاذكر قوله تعالى :” وَإنْ منْ أُمَّةٍ إلَّا خَلا فيها نَذيرٌ ““ 1 “ .
( ومعنى ذلك ) أنه قال : “ ان أمتي لا تكون خالية من خليفة حق ، وصاحب همة “ .
.................................................................
( 1 ) فاطر ، 35 : 24 .




 
“ 385 “
 
3710 - فهو الذي يجعل طيور الأرواح ، وكأنها قلب واحد ! هو الذي يجعلها - بصفائها -
 متحررة من الغش والأحقاد ! فتصبح ذات شفقة كأنها والدة ! ولقد قال ( الرسول ) :
“ المؤمنون كنفس واحدة “ .
لقد صاروا نفسا واحدة ( بفضل ) الرسول الحق ، والا ، فان كلا منهم كان عدوا مطلقا لسواه .
 
ارتفاع الخلاف والعداوة من بين الأنصار ببركات الرسول 
صلى الله عليه وسلم
 
القبيلتان اللتان عرفتا باسم الأوس والخزرج ، كانت كل منهما متعطشة لدماء الأخرى .
وبفضل المصطفى تلاشت أحقادهم القدمية في نور الاسلام والصفاء .
 
3715 - ففي البداية أصبح هؤلاء الأعداء اخوانا ، مثل حبات العنب في البستان .
وبنصحه إياهم ( بقوله تعالى : “ انما المؤمنون اخوة “ ، تكسرت ( هذه الوحدات المنفصلة ) فأصبحوا جسدا واحدا .
ان الاخوان شبيهون بصورة حبات العنب ، وهذه حين تعتصر ، تصبح رحيقا واحدا .
وهناك تضاد بين العنب الناضج والعنب الفج ، فإذا ما نضج العنب الفج صار رفيقا طيبا . 


“ 386 “
 
أما العنب الذي يبقى صلبا كالحجارة فجا فان الحق هو الذي سما كافرا أصيلا ، منذ الأزل .
 
3720 - فهذا ليس بأخ ، ولا هو ضمن نطاق النفس الواحدة . ان يكون في شقاوته تعسا ملحدا .
فلو أنني تحدثت عما يضمره في الخفاء لثارت في الدنيا فتنة للأفهام .
فمن الأفضل ألا يذكر سر ذلك الكافر الأعمى ! فخير لنا ان يكون دخان الجحيم بعيدا عن ارم “ 1 “ .
ان الأعناب الفجة الطيبة هي تلك التي تكون قابلة ( للنضج ) ، فهذه هي التي تغدو - في عاقبة الأمر - قلبا واحدا ، بأنفاس أهل القلوب .
انها تندفع مسرعة نحو طبيعة الأعناب الناضجة ، حتى تزول الثنائية والحقد والصراع .
 
3725 - ثم هي في حال النضج تمزق جلودها ، حتى تتحد ، وتصير الوحدة صفة لها .
ان الصديق يصبح عدوا طالما كان ثنائيا . وليس هناك واحد قط يكون في حرب مع ذاته .
فتبارك عشق ذلك الأستاذ الكلى “ 2 “ ، الذي وحد مئات الألوف من الذرات !
.................................................................
( 1 ) ارم مدينة عاد ، وكانت ذات فخامة أسطورية . وقد استعيرت هنا رمزا للجنة .
( 2 ) فضلنا رواية “ كلى اوستاد “ على “ كل اوستاد “ .


 
“ 387 “
 
انها كانت مبعثرة كالتراب فوق الطريق ، فجعلتها يد الخزاف ابريقا واحدا !
 ( ومع ذلك ) فاتحاد الأجسام المفطورة من الماء والطين يكون ناقصا ، فليس اتحاد الأرواح شبيها بذلك .
 
3730  - ولو أنني ذكرت هنا نظائر على سبيل المثال ، لخشيت أن تدفع الفهم إلى الاختلال .
فهنا الآن سليمان ، لكننا نحن في عمى من افراطنا في بعد النظر ! 
فالنظر إلى البعيد يصيب الانسان بالعمى ، كما يكون النائم في القصر أعمى عن القصر .
اننا مولعون بدقيق الكلام ، متعشقون لحل المشكلات ،
 إلى حد أننا نعقد الأمور ثم نعمل على حلها ، ونضع الكثير من القواعد للمشكلات وحلها !
 
 3735  - كطائر يحل عقد الشباك ، ثم يربطها حينا ليصبح مكتمل البراعة 
فهذا يكون محروما من الغياض والمروج ،  تنقضى حياته في معالجة العقد .
وفي الحق أنه ليس يهن أمامه أي شرك قط ، بل إن جناحيه يتكسران على الدوام .
فأقلل من مصارعة العقد حتى لا تتقطع قوادمك وخوافيك من جراء كرك وفرك .
ان مئات الألوف من الطير قد حطمت أجنحتها ، ومع ذلك فهي لم تغلق كمين العوارض هذا !
 
 3740 - فاقرأ عن حالها في القرآن أيها الحريص ! وانظر قوله تعالى :


 
“ 388 “
 
“ فَنَقَّبُوا في الْبلاد هَلْ منْ مَحيصٍ ““ 1 “ .
ان نزاع التركي والرومي والعربي لم يحل مشكلة “ الأنكور “ “ 2 “ والعنب .
وما لم يتدخل سليمان اللسَسن المعنوي فان هذه الثنائية لن تزول ! 
فيا جماعة الطير المتنازعة ! استعموا كالبزاة لذلك الطبل الذي يقرعه للباز المليك ! 
فهلموا من كل جانب ، وانطلقوا من خلافاتكم سعداء نحو الاتحاد !
 
 3745  - حيثما كنتم فولوا وجهكم * نحوه هذا الذي لم ينهكم “ 3 “اننا طيور عيماء ، 
وما أبعدنا عن النضج ، ذلك لأننا غفلنا لحظة عن معرفة سليمان !
 لقد صرنا كالبوم أعداء للبزاة ، فلا غرو أننا تخلفنا وأصبحنا من سكان الخراب ! 
واننا من فرط ما نعانى من جهل وعمى نتعمد ايقاع الأذى بأعزاء الله .
فجماعة الطير التي استنارت بنور سليمان ، كيف تقتلع لبرىء قوادمه وخوافيه ؟
 
3750 - انها لتحمل الحبِّ للعاجزين فهذه الطيور الطبية قد برئت من الخلاف والحقد .
.................................................................
( 1 ) انظر : سورة ق ، 50 : 36 .
( 2 ) “ انكور “ كلمة فارسية ، معناها “ عنب “ .
( 3 ) هذا البيت عربى في الأصل . وفيه اقتباس من القرآن الكريم . انظر :
سورة البقرة ، 2 : 144 ، 150 .




 
“ 389 “
 
وهدهد هؤلاء - من أجل التقديس - يقتحم طريق مائة مثل بلقيس !
 وأما غرابهم فهو - وان كان في صورة الغراب - باز في همته ، وما زاع “ 1 “ ( عن السبيل ) ! 
ولقلق هؤلاء الذي يصيح “ لك ، لك “ ينفث في الشك نيران التوحيد ! 
وحمامتهم لا خوف عندها من جوارح الطير ! ان الباز ليحنى رأسه أمام تلك الحمامة !
 
 3755 وبلبل هؤلاء الذي يثير الشجون ، يضم في باطنه حديقة ورد !
 وأما ببغاؤهم فكانت دائما متحررة من السُكرَّ . فقد تجلى لها من باطنها قند الخلود ! 
وسيقان طواويسهم تبدو للنظر أحلى من أجنحة سائر الطواويس !
 ان منطق الطيور الملكية ليس الا صدى . فأين منطق طيور سليمان ؟
فأنى لك أن تعرف منطق الطير ما دمت لم تر سليمان لحظة واحدة ؟
 
3760 ان ذلك الطائر الذي يطربك نشيده قد تجاوز جناحه المشرق والمغرب ! 
فكل نداء له يمتد من الكرسي إلى الثرى ، وهو من الثرى حتى العرش في كروفر !
 وأما الطائر الذي يمضى في غير سبيل سليمان ، فهو عاشق للظلمة ، مثل الخفاش .
.................................................................
( 1 ) انظر : سورة النجم ، 53 : 17 .
 
“ 390 “
 
فاجعل نفسك أليفا لسليمان ، أيها الخفاش المرتد ، حتى لا تبقى مخلدا في الظلام .
فلو أنت خطوت ذراعا واحدة في تلك السبيل لغدوت كالذراع أساسا للقياس !
 
 3765 - وان قفزت نحو ذلك الجانب - وأنت أعرج متعثر الخطى - خلصت من كل عاهاتك وأمر اضك !
 
قصة افراخ البط التي ربتها الطيور الأليفة
 
انك سليل البط ، مع أن طائرا أليفا أظلك بجناحه ورباك لقد كانت أمك من بط البحار ، وأما مربيك فكان ترابيا ، يعشق الجفاف .
فذلك الميل للبحار الكامن في قلبك ليس سوى طبيعة لروحك قبستها من أمك .
وأما ميلك للجفاف فهو من مربيك ، فدعك من هذا المربى فإنه سىء الرأي .
 
3770 دع هذا المربى فوق اليبس ، وتقدم ! وخض مثل البط بحر المعاني ! 
ومهما حذرتك أمك من الماء فلا تخف ، بل انطلق مسرعا نحو البحر .
انك من جنس البط ، تعيش فوق اليبس ، وفوق الماء ولست كالطائر الأليف مأواك حفرة ( في الثرى ) .


 
“ 391 “
 
انك مليك ( على مقتضى قوله تعالى ) :” كَرَّمْنا بَني آدَمَ ““ 1 “ وانك لتضع قدمك فوق اليابسة وفوق البحر على السواء !
 فأنت في روحك ( ممن شملهم معنى قوله ) :” وَحَمَلْناهُمْ في الْبَرِّ وَالْبَحْر ““ 2 “ . فتقدم إلى الأمام متخليا عن الثرى .
 
3775 - فليس للملائكة سبيل إلى البر ، كما أن جنس الحيوان لا علم له بالبحر .
انك في الجسم حيوان ولكنك بروحك من الملائكة ، وبذلك يستوى عندك السير فوق الأرض وكذلك فوق الفلك .
وهكذا يكون البصير الذي يوحى إلى قلبه - في ظاهره - بشرا مثلكم .
فهيكلة الترابى قد سقط على الأرض ، وأما روحه فدائرة في ذلك الفلك العلوي .
اننا جميعا طيور مائية ، أيها الغلام . وان البحر ليعلم لغتنا حق العلم !
 
 3780 - فالبحر جاء ( بالنسبة لنا ) شبيها بسليمان ، ونحن كالطير . وفي سليمان سيكون مسيرنا حتى الأبد .
فلتخص البحر بقدميك مع سليمان حتى يضع الماء لك مائة درع شبيهة بما صنع داود .
وان سليمان هذا الماثل أمام الجميع ، لكن الغيرة ساحرة تحجب البصر !
.................................................................
( 1 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر “ الآية . ( سورة الإسراء ، 17 : 70 ) .
( 2 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر “ الآية . ( سورة الإسراء ، 17 : 70 ) .


 
“ 392 “
 
انه أمامنا ، ونحن في ملال منه ، وذلك من جراء جهلنا وغفلتنا وفضولنا !
 فهزيم الرعد يصيب الظامىء بألم الرأس ما دام لا يعلم أن هذا يجر وراءه سحاب السعد .
 
3785 - فتبقى عينه متطلعة إلى النهر الجاري ، ولا علم له بمذاق ماء السماء .
لقد حث مركب همته نحو الأسباب ، فلا جرم أنه قد بقي محروما من مسبب الأسباب .
وأما ذلك الذي يرى المسبب عيانا فكيف يسلم قلبه إلى الأسباب الدنيوية ؟
 
كيف عجب الحجاج من كرامات ذلك الزاهد
الذي وجدوه منفردا في البادية
 
عكف زاهد في وسط البيداء ، وكان مستغرقا في العبادة كأهل عبادان .
ووصل الحجاج من شتى البلاد إلى ذلك المكان ، ووقعت أعينهم على ذلك الزاهد الضامر .
 
3790 ان مكان الزاهد كان مقفرا من الماء لكن الزاهد كان ندىَّ المزاج ، فوقاه هذا من سموم البادية ! 
ولقد تحير الحُجاج في أمر وحدته ، وفيما نعم به من سلامة بين الآفات !




 
“ 393 “
 
لقد كان واقفا يصلى فوق الرمال ، تلك الرمال التي يجيش بحرها ماء الإبريق .
وكأنما كان ثملا وسط الخضرة والورود ، أو كأنه قد امتطى صهوة البراق أو دلدل “ 1 “ ! 
وكأنما قدماه كانتا فوق الحرير والحلل ، أو كأن ريح السموم كانت عنده ألطف من ريح الصبا !
 
 3795 - فوقف الحجاج ينتظرونه وأما هو فقد بقي واقفا في الصلاة وقد استغرق في فكر طويل ! 
وحينما عاد هذا الفقير من استغراقه الفكري ، فان واحدا من تلك الجماعة - كان حتى القلب مشرق الضمير 
- أبصر الماء يقطر من يديه ووجهه ، كما أبصر ثيابه مبللة من آثار الوضوء !
 فسأله : “ من أين لك الماء ؟ “ ، فرفع يده مشيرا إلى أنه من السماء .
فقال : “ وهل يجيئك حين تطلبه بدون بئر ولا حبل من مسد ؟
 
3800 - ألا فلتحل مشكلنا يا سلطان الدين ، فلعل حالك يلهمنا اليقين !
 واكشف لنا سرا من أسرارك حتى نقطِّع عن أو ساطنا الزنانير “ “ 2 “ .
فتوجه الزاهد ببصره نحو السماء قائلا : “ يا الهى ! أجب دعاء الحجاج !
.................................................................
( 1 ) دلدل اسم بغلة كانت للرسول وقيل كانت للامام علي بن أبى طالب
( 2 ) “ تقطيع الزنار “ هنا كناية عن اعتناق الاسلام . ومعنى البيت هو :
ان هؤلاء الحجاج طلبوا من الزاهد أن يكشف لهم سرا من أسراره ليكون هاديا لهم إلى الايمان الحق .
 
“ 394 “
 
لقد اعتدت أن ألتمس الرزق من السماء . وانك أنت الذي فتحت لي في السماء بابا !
 يا من أظهرت المكان من اللامكان ، وجعلتنا نعاين ( معنى قولك ) :” وَفي السَّماء رزْقُكُمْ ““ 1 “ .
 
3805 - وبينما هو في تلك المناجاة إذا بسحابة لطيفة قد ظهرت مسرعة ، كفيل يحمل ماء ! 
وأخذت تمطر الماء وكأنما كان ينصب من أفواه القرب ! ثم استقر الماء في الحفر والكهوف !
 لقد كانت السحابة تسكب الدموع ، كما تنصب القرب ، وأما الحجاج فإنهم جميعا فتحوا قربهم .
فمن جراء تلك الفعال العجبية أخذ جماعة منهم يمزقون زنانيرهم .
وجماعة أخرى زاد يقينها بتلك العجائب ، والله أعلم بالرشاد .
 
3810 - وجماعة ثالثة لم تتقبل ، فهؤلاء أهل مرارة “ 2 “ وفجاجة ، وهم في نقص سرمدي . وهنا تم الكلام .
 
تمت ترجمة الكتاب الثاني من المثنوي
.................................................................
( 1 ) الذاريات ، 51 : 22 .
( 2 ) حرفيا : “ أهل حموضة . . . “ .

* * *
شرح كيف تنازع أربعة اشخاص حول العنب لأن كلا منهم كان يعرفه باسم مختلف عما يعرفه الآخر


( 3687 ) “ الرجل المتعدد اللغات “ هو العارف القادر على ادراك الجوهر الواحد ، الكامن وراء اختلاف الألفاظ والأسماء .
 
( 3695 - 3696 ) نقل ابن البيطار عن الرازي أنه قال : “ الخل بارد مطفىء ، ويطفئ حرق النار أسرع من كل شئ “ . ( مفردات ، ج 1 ، 66 ) . 
و “ الخل “ هنا رمز إلى العلم التقليدى ، وهذا يكون بدون حرارة مهما اتخذ طابع الاخلاص .
( 3697 ) “ الدبس “ رمز للعرفان الروحي ، فهو الذي ينطوى على حرارة حقيقية ، مهما ظهر على خلاف ذلك .
 
( 3705 ) من سعى وراء المادة أهلكه مسعاه ، وأما من سلك سبيل الروح ظفر بالروح والمادة معا .
 
( 3707 - 3708 ) “ في زماننا هذا - وفي كل زمان - عارف روحي يقر الوئام بين النفوس المتصارعة ، لو أنها استمعت اليه ، وآمنت بجوهر عرفانه “ .
 
( 3716 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم “ . ( 49 : 10 ) .
 
( 3718 ) “ العنب الناضج “ رمز للمؤمن ، وأما “ العنب الفجّ “ فهو رمز للكافر .
 
( 3725 ) النضج الروحي يؤدى إلى التحرر من الأنانية الذاتية ، ويمهد سبيل الوحدة بين الناس .
 
( 3727 ) المحبة الإلهية هي وحدها السبيل التي تجمع بين البشر في



“ 596 “
 
وجود حقيقي واحد .
 
( 3729 ) الوحدة التي يصنعها الله من الأرواح ليست شبيهة بخلق الأجساد من الماء والطين . فوحدة الجسد قابلة للتفكك ، كما يحدث عند الموت ، لكن اتحاد الأرواح لا يكون عرضة لذلك .
 
( 3731 ) في اعتقادي أن “ سليمان “ هنا رمز للمحبة الإلهية التي توحد القلوب والأرواح . فالشاعر يقول إن هذه قريبة من الروح ، ومع ذلك نجد طلاب العلم التقليدى يتركون الحل القريب ، وينظرون إلى أمور بعيدة معقدة ، تعميهم عن حقيقة أرواحهم ، وتصرفهم إلى ألوان من البحث العقيم .
 
( 3732 ) نظر الانسان إلى ما بعد عنه يعميه عما هو قريب منه .
يسعى الانسان إلى معرفة إلى بالعقل والأدلة العقلية ، مع أن القلب هو خير وسيلة لمعرفة الله ، وأقرب طريق اليه . فمن الناس من يترك السبيل القريب ( سبيل القلب ) ، ويلجأ إلى السبيل البعيد ( سبيل العقل والأدلة العقلية ) .
وهذه الغفلة عن القلب وجلاله وجماله شبيهة بغفلة انسان ينام في قصر ، فلا يشعر بما حوله من رونق وبهاء .
 
( 3733 ) أوضح الشاعر هنا ما كان يقصده بالنظر إلى البعيد .
ويتجلى ذلك عنده في الولع بدقيق الكلام ، والتعشق لحل المشكلات الكلامية ، عن طريق الجدل والبحث النظري .
 
( 3734 - 3735 ) هذا النظر العقلي ، المجرد من الشعور والاحساس الروحي ، يزيد الأمور تعقيدا ، ويزيد الانسان سعيا إلى الايضاح ، فلا يكاد يدركه ، ويأخذه في وضع القواعد التي يظنها موصلة إلى الحل المنشود ، فكأنما هو طائر يشغل نفسه بشباك تأسره ، يحل عقدها ، ثم يعود إلى ربطها ، ظانا أنه بذلك يصبح مكتمل البراعة .
 
( 3736 - 3737 ) من شغل نفسه بالجدل العقلي العقيم ، وحرم نفسه من جمال الروح ، وتأمل مباهجها ، شبيه بذلك الطائر الذي شغل


 
“ 597 “
 
نفسه بحل عقد الشباك ، وإعادة ربطها ، فحُرم بذلك من الغياض والمروج ، وضاع عمره في معالجة العقد . فمثل هذا الطائر العنيد يتكسر جناحاه من معاناة العقد ، وهو في حقيقة الأمر لا يصل إلى شئ من مراده ، لأن الشباك تبقى موجودة برغم جهوده . وهكذا حال من أضاع حياته في الجدل والنظر الخاوي من الشعور ، فهو يعيش أسير الجدل ، ولا يتحقق له حل المعضلات .
 
( 3738 - 3739 ) أقلل من هذا الصراع الذي لا جدوى منه ، وإضاعة الجهد في أمور لا يتحقق من روائها شئ سوى العناء . فهذا الصراع المرير ، المبنى على الحيلة والذكاء ، لم يق الانسان مما يخشاه من العوارض والمخدورات . ولقد أقعده انشغاله بمثل هذا الصراع عن التحليق في آفاق الروح الفساح .
 
( 3740 ) ان الدهاء والحذر والعمل على مغالبة القضاء ، كلها لا تمكن المرء من الخلاص مما قدر له . ويستهشد الشاعر على ذلك بقوله تعالى :
“ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص “ . ( 50 : 36 ) .
ومما هو جدير بالانتباه هنا أن الشاعر لا يدعو إلى الاستسلام وترك الجهد ، وانما هو يدعو إلى احساس الروح بسلطان الخالق ، وابتعاد الانسان عن الظن بأن في وسعه أن يصنع لفنسه شيئا لا يريده له الله . وهذا هو التوكل بمعناه الروحي ، الذي عبر عنه ابن عربى بقوله :
“ انه اعتقاد القلب على الله ، مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم . ( الفتوحات المكية ، ج 2 ، 264 ) .
 
( 3743 ) “ أيها المتنازعون المتصارعون كالطيور التي تصطرح على القوت . ليتكم استمعتم إلى نداء الله بأرواحكم ، كما يستع الباز إلى دعاء المليك حين يقرع له الطبل ، اذن لا ستجبتم جميعا لهذا النداء ، وزوال كل ما بينكم من أسباب الفرقة والصراع “ .
 
“ 598 “
 
 
( 3746 ) غفلة الروح عن المحبة الإلهية تجعلها عمياء بعيدة عن النضح ، حالها كحال الطير التي غفلت عن معرفة سليمان .
 
( 3747 ) الغفلة عن المحبة الإلهية تجعل أصحابها على خلاف مع العارفين . يعيش هؤلاء بأرواحهم‌فيعالم الروح ، على حين أن الغافلين من أسارى الحس يتعلقون بعالم مآله إلى الخراب . وهؤلاء الحسيون في عداوتهم للعارفين شبيهون بالبوم التي تتعلق بالخراب ، وتظهر العداء للبيزان المحلقة في آفاق السماء .
 
( 3748 ) في هذا البيت ايضاح للرمز في الأبيات السابقة عليه .
 
( 3749 ) جماعة العارفين الذين استناروا بالمحبة الإلهية ، كيف يقترفون إساءة إلى مخلوق ؟
 
( 3751 ) قصة سليمان وبليقس والهدهد مذكورة في القرآن الكريم . ( سورة النمل ، 27 : 20 - 23 ) . 
والهدهد هو الذي جاء إلى سليمان بنبأ بلقيس .
وقد أصبح الهدهد رمزا للعارف في الشعر الصوفي ويتجلى ذلك في الدور الذي أسنده اليه الشاعر فريد الدين العطار في منظومته الصوفية “ منطق الطير “ ، حيث جعله قائد الطير في بحثها عن العنقاء .
 
( 3752 ) ان أدنى أهل العرفان منزلة - وهو من يكون بينهم كالغراب بين الطير - يكون بريئا من الزيغ والضلال .
 
( 3755 ) من هؤلاء العارفين من هو سعيد كالبلبل في الحديقة ، لكن سعادته تكون مستمدةمن حديقة باطنه التي تفتحت فيها الورد فحديثه المبتهج افصاح عن الباطن ، وليس انفعالا بالظاهر .
 
( 3756 ) “ البيغاء “ في الشعر الصوفي كثيرا ما تستخدم رمزا لمعنى رفيع ، هو الروح الذي أفنى ذاته في الخالق ، فأصبح صدى للإرادة الإلهية ، يفصح عنها افصاحا أمينا ، كما تفعل الببغاء بما تسمعه من الأصواب . والعارف الذي وصل إلى تلك المكانة ينطلق في التعبير عن

 
“ 599 “
 
احساسه الباطني ، بدون حاجة إلى ما يغريه بذلك ، كما يكون من اغراء الببغاء بالسكر . فمثل ذلك الروح يكون مفعما باللذة والبهجة الخالدة .
 
( 3757 ) سيقان الطواويس تعد مثالا للقبح . ومع ذلك فسيقان هذه الطواويس التي تنتمى إلى العرفان ، أبهى من أجنحة طواويس الدنيا .
ومعنى ذلك أن أدنى ما عند العارفين يفوق في بهائه أسمى ما عند أهل الحس .
 
( 3758 ) منطق الطيور الدنيوية ليس الا صدى ومحاكاة ، أما منطق طيور سليمان فمن نوع فريد ، لأنه من الهام الله . و “ الطيور الملكية “ فرمز للعارفين .
 
( 3759 ) أنى لك أن تعرف نداء الروح ، إذا كنت لم تنعم بلحظة واحدة من الأنس بالخالق .


( 3760 ) ان العارف تتجاوز دعوته حدود المكان ، ولا تبقى أسيرة لمشرق ولا لمغرب . وأسمى لون من العرفان رسالات الأنبياء .
 
( 3761 ) مثل هذا العارف لا تحجبه آدميته عن الوصول إلى الخالق . فهو بين الخلق ، وروحه مع الخالق ، في الوقت ذاته .
 
( 3762 ) “ سبيل سليمان “ رمز سبيل الله . وما دام سبيل الله هو الطريق إلى النور واليقين ، فمن تخلى عن هذا الطريق فهو عاشق للكفر والجهل والضلال ، وهو في عشق الظلمة شبيه بالخفاش .
 
( 3764 ) “ لو خطوت نحن الله خطوة واحدة لغدا سلولك هو السلوك المثالي الذي يقاس عليه “ .
 
( 3766 - 3787 ) في هذه الأبيات تمثيل رمزى للأصل الروحي للانسان ، والكيان المادي الذي يحجب عنه ادراك حقيقة هذا الأصل .
وقد رمز الشاعر للعالم الروحي بالبحر ، ولعالم الدنيا بالبر . والانسان طائر بحرى ، تربى في البر فنسى أصله . والشاعر يدعو الانسان إلى


 
“ 600 “
 
التسامى إلى أصله ، بعد التعرف على حقيقة ذاته .
( 3767 ) “ انك من أصل روحي ، لكن واقعك المادي يربطك بالمادة ويجعلك متعلقا بها “ .


( 3768 - 3769 ) النزعة الروحية في الانسان مصدرها أصله الروحي . أما النزعة المادية فمصدرها ذلك العالم الحسيّ الذي غذاه وربى جسده .
 
( 3771 ) يريد “ بالأم “ هنا المربية ، وهي الأم الحسية ، التي تصرف الانسان عن التطلع إلى أصله الروحي .


( 3772 ) الانسان في حقيقته قادر على الوصول إلى عالم الروح ، برغم ارتباطه الجسدي بعالم الحس .
 
( 3773 - 3774 ) فسر الشاعر قوله تعالى : “ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر “ ( الاسراء ، 17 : 70 ) ، على أنه رمز إلى أن الله كرّم الانسان بأن جعله منتميا إلى عالمي الروح والحس في وقت واحد .
 
( 3775 ) الجمع بين الروح والحس هو السرّ في تفضيل الانسان على كل من الملائكة ، وهي كائنات روحية ، والحيوانات ، وهي كائنات حسية .
 
( 3777 - 3778 ) الأنبياء والرسل هم المثل العليا للكمال الانساني .
وهؤلاء يعيشون في الأرض بهيكل ترابىّ ، وتدور أرواحهم في فلك روحي .
 
( 3779 ) قال جلال الدين في ديوان شمس تبريز :خلق جو مرغابيان زاده ز درياى جان * كي كند اينجا مقام مرغ كزين بحر خاست( الخلق طيور مائية ، ولدت من بحر الروح ، فيكف يقيم هنا طائر انطلق من ذلك البحر ) .
 
( 3782 ) ان الله حاضر أمام الجيمع ، لكن غيرته تحجب بصيرة من يتعلقون بسواه . فالله لا يتجلى الا لمن وهب القلب كله للخالق .


( 3783 - 3786 ) الجهل والغفلة والفضول ، كلها صفات تصرف


 
“ 601 “
 
الانسان عن الله ، وتجعله يغفل عن نبع الوجود كله ، ويتعلق ببعض الأسباب ، غافلا عن مسبب الأسباب .
( 3784 ) العقل الذي لا يستطيع أن يتخطى الظاهر المحسوس يبقى متعلقا بهذا الظاهر ، غافلا عما استتر وراءه من المعنى .
 
( 3785 ) المتعلق بالحس لا يستطيع تصور لذة خارج العالم الحسى .
ولهذا فان نفسه تبقى متعلقة بما يحيط به ، عاجزة عن التحرر منه .
 
( 3788 ) بدأ الشاعر هنا رواية قصة زاهد رآه الحجاج في الصحراء ، يصلى غير عابىء بالقيظ ، فلما عجبوا من أمره وجدوا الماء يقطر من يديه .
ولما سألوه عن سرّ ذلك دعا ربه فأمطرت السماء مطرا غزيرا ، وشرب الحجاج وملؤوا قربهم . ومثل هذا النوع من الكرامات يرد في تراجم أقطاب الصوفية . ومن أمثلة ذلك ما يُروى عن إبراهيم بن أدهم في وصف انصرافه عن الدنيا . قال : “ توجهت إلى مكة ، فبينا أنا في البادية ، إذا برجل يسير ، وليس معه اناء ولا زاد ، فلما أمسى وصلى المغرب ، حرك شفتيه بكلام لم أفهمه ، فإذا أنا باناء فيه طعام ، واناء فيه شراب ، فأكلت وشربت ، وكنت معه على هذا أياما ، وعلمني ( اسم الله الأعظم ) ثم غاب عنى وبقيت وحدى “ 1 “ . . . “


 أما قول الشاعر : “ وكان مستغرقا في العبادة كأهل عبادان “ فيشير إلى ما يروى عن عبادان ( الجزيرة الواقعة في دلتا شط العرب ) من أنها كانت موضعا “ فيه قوم مقيمون للعبادة والانقطاع ، وكانوا قديما في وجه الثغر ، ويسمى الموضع بذلك “ . ( ياقوت : معجم البلدان ، مادة عبادان ، ج 4 ، ص 74 ) .
 
تمت شروح الكتاب الثاني من المثنوي
.................................................................
( 1 ) السلمى : طبقات الصوفية ، ص 30 .

*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.

* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: