السبت، 13 يونيو 2020

الباب السابع الجسم هو المظهر للرّوح الّتي هي النّور المظهر للأشياء كلّها .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب السابع الجسم هو المظهر للرّوح الّتي هي النّور المظهر للأشياء كلّها .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب السابع الجسم هو المظهر للرّوح الّتي هي النّور المظهر للأشياء كلّها .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه  الله عنه

 الباب السابع الجسم هو المظهر للرّوح الّتي هي النّور المظهر للأشياء كلّها 

قال الشيخ رضي اللّه عنه : ومن ذلك . أي ، ومن بعض ما تضمّنه هذا الباب من أنواع العلوم : سرّ الكيف والكم ، وما لهما من الحكم .

لما كان السؤال بكيف وكم ، من لوازم العالم المحسوس ، الذي هو منصّة الأجسام ، ومظهر الكثافة والأجرام .

عبّر بهما عن الجسم الكلّي ولوازمه ، والنفس الكلية وعوالمها . 

فسرّ ظهور العالم الجسماني ، هو لتحقّق الإنسان بالشأن الرحماني ، حتى يظهر بالفعل في صورة جزئية مخصوصة كاملة النشأة ، ما هو ثابت بالقوة في حقيقة الوجود الكلّي الجامع ؛ لتكون تلك الصورة للوجود الكلّي ، كالروح للهيكل الحيواني ، وكالمعنى للفظ ، وكالملك للمملكة . .

فلهذه الحكمة ؛ أول ما خلق اللّه من عالم الأجسام ، العرش .

وجعله محيطا بالمحيطات كلها، كما يحيط الجسم الإنساني بجميع ما حواه هيكله المخصوص.

واستوى سبحانه على العرش ، استواء مخصوصا ، هو عليه من غير تغيير لشأنه الذي كان له قبل خلق العرش وما حواه . 

وذلك الاستواء - في ضرب المثل - كاستواء الروح على الجسم ؛ فالجسم الجزئيّ عرش جزئيّ للروح الجزئية ، والجسم الكليّ عرش كليّ للروح الكلية ، المعبّر عنها بالحقيقة المحمدية من حيث تعيّنها ، وبالحقيقة الإلهية من حيث عينها .

ولا شك أن الكليّ صادق على الجزئي .

فاعرف بما ذكرته لك ، من أنت ؟ وما محلّك ؟

تعلم حينئذ أن جسمك ، بل الجسم الكليّ : هو البيت المعمور بالقوى .

 

القوى ، عبارة عن الملائكة الموكّلة بتدبير العالم الكبير ، كما أن القوى الحيوانية موكّلة بتدبير جسمك ؛ الذي هو العالم الصغير بالنسبة إلى الجرم ، لقوله تعالى :لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ غافر : 57 ] الآية ،

وأما بالنسبة إلى القدرة ؛ فإنك أنت العالم الأكبر ، والسماوات والأرض بما فيها ، هو العالم الأصغر، لقوله تعالى :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ[ الجاثية : 13 ].

فالسماوات بما أظلّت ، والأرض بما أقلّت ، مسخّرة لك .

لكونك أعزّ قدرا ، وأعظم فخرا ؛ ولهذا تفنى السماوات والأرض يوم القيامة ، وأنت باق إلى أبد الآبدين .

فجسمك الذي هو البيت المعمور ، بقواك التي هي ملائكة تسخيرك ؛ هو العرش الكريم . . إذ لا موجود أكرم على اللّه منك .

والجسم الكليّ هو العرش المحيط ، لأنه جامع للموجودات الجسمانية ، وليس وراءه إلا عالم الجبروت .

وسيأتي الكلام على العرش العظيم والعرش المجيد ، في موضعه من هذا الكتاب إن شاء اللّه .

إعلم أن الشيخ رضي اللّه عنه ، أراد أن يبين لك في هذه النبذة ، سرّ خلق العالم . 

فبدأ بذكر العرش ، لأنه أول متعيّن في الصورة ، وإليه الإشارة بقوله : والذي كان عليه الاستواء .

إشارة إلى قوله تعالى :الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى( 5 ) [ طه : 5 ] .

وقد كان الشيخ رضي اللّه عنه فيما مضى - وبيّنّاه لك - أن الروح المعبّر عنها بالحقيقة المحمدية ، وبالعقل الأول ، وبالقلم الأعلى ؛ هي أول مخلوق . 

وهي - أعني هذه الروح - كلية وأرواحنا جزئياتها .

فلهذا المعنى ، أشرقت تلك المعاني الكمالية الموجودة في الحقيقة المحمدية ، في ذواتنا . وإلى هذا المعنى ، أشار بقوله تعالى :لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [ الأحزاب : 21 ]. وقوله تعالى :قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ[ الممتحنة : 4 ].

 

وإلى هذا الإشراق في الأجسام أشار الشيخ رضي اللّه عنه بقوله :

محل الظهور المشرق بالنور . يعني : أن العالم الجسماني محل كمال الظهور الإلهي ؛ لأن الجسم الإنساني ، آخر ظاهر من مراتب الوجود .

ولهذا ؛ كان الإنسان البشري ، نوع الأنواع على الإطلاق ؛ وكان الإنسان الحقيقي ، جنس الأجناس .

لأنه أول كل موجود ، فحاز رتبة الإحاطة ؛ فهو : الأول والآخر .

وكان الإنسان مشرقا بأنوار الكمالات ، معنى وصورة .

فإشراقه المعنوي ، هو حقائق قواه المعبّر عنها بالعقل ، والخيال ، والهمّة ، والمصوّرة ، والإرادة . . وأمثال ذلك .

فهذه القوى منه ، هي عين الملائكة المدبّرة للعالم الكبير ؛ فالعقل من مظاهر جبريل ، والخيال من مظاهر إسرافيل ، والمصوّرة من مظاهر عزرائيل ، والإرادة من مظاهر ميكائيل . . وقس على ذلك ، باقي قواه المعنوية .

وأما إشراقه الصوري ؛ فالعينان لعالم جسمه ، كالشمس والقمر للعالم الكبير .

واللمس والشمّ والذوق والأذنان ، كالخمس الكواكب الأخرى من العالم الكبير . .

فأشرق كلا العالمين الجسمانيين بالنور .

وعلى الحقيقة ؛ العالم الجسماني هو واحد ، لأنه عبارة عن العرش وما حواه ، فهو محل الظهور الإلهي ، وهو « المشرق بالنور » أراد بالنور ، عبارة عن حقائق الكمال الظاهرة فيه ، من تجليات الحق تعالى .


وعن الجسم عبّر بقوله : كلمة الحق .

يعني : أنه نتيجة كلمة كُنْ[ النّحل : 40 ] لأن الأرواح متعيّنة في العلم الإلهي ، فهي هناك أعيان ثابتة ، قديمة بقدم الحقّ .

والجسم ، هذا المحسوس ، إنما ظهر بواسطة الكلمة ، على ما كانت الروح عليها من الصورة في العلم الإلهي . فكان الجسم أصلا - من هذا الوجه - لظهور أعيان الممكنات ، إذ هو المتعلّق به كلمة الحضرة ، لكونه أتمّ المجالي ظهورا في المراتب الكونية .

ومن ثمّ ، كان الجسم : مقعد الصدق . لأنه محل ثابت متمكّن بيّن من كل وجه ، وبكل اعتبار ونسبة . ومعدن الإرفاق .

وكان الجسم معدن الإرفاق ، وهي المعاني الكمالية التي تحصل للأرواح بسبب الجسم . . وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم « بكشف الستور عن مخدرات النور » فمن أراد معرفة ذلك ، فليطالع هنالك .

ولما كان الجسم هو المتجلّي بجارحة السمع والبصر ،

 

قال الشيخ مشيرا إلى ذلك : ومظهر الأوفاق .

يعني : الجسم مظهر للصفات ، الموافقة لنعوت الحق تعالى ، من السمع والبصر ؛ إلى غير ذلك من القبضة ، واليمين ، والتبشّش ، والتعجّب ، والنسيان في قوله تعالى :فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ [ الأعراف : 51 ] ،

والنّفس في قوله صلى اللّه عليه وسلم : « لا تسبّوا الريح فإنها من نفس الرحمن » . رواه الحاكم في المستدرك وابن ماجة في سننه  ورواه غيرهما .

 

والصورة في قوله عليه الصلاة والسلام : " رأيت ربي في صورة شاب  . الحديث "

 

والذراع كما في قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث : « إن جلد الكافر أربعين ذراعا بذراع الجبار » . رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه ورواه غيرهما .

فكلّ هذه الصفات ، هي للجسم حقيقة .

وقد وافقت ما هو للّه ، سواء أوّلتها في حق اللّه تعالى ، أم لم تأوّل . لأن الشارع صلى اللّه عليه وسلم ، قد نسبها إليه تعالى ؛ فكان الجسم محلا لظهور الأمور الموافقة للنعوت الكمالية .

 

فالجسم : محل البركات . لتزايد الظهور . في مرتبته ، ولكونه يحصّل للروح - بواسطة الامتزاج به - علوما ، لا يمكنها أن تعرفها إلا بالجسم . 

فهو محل البركة للروح ، ومحل زيادة الظهور للحق . 

ومعيّن الحركات والسكنات . لما فيه من قوة الكثافة ، وتكاثف القوة التي بواسطتها تحصل للأرواح الحركات والسكنات الجزئية المضافة إلى الأجسام . وبه .

أي بوجود الجسم . عرفت المقادير والأوزان .

لأن الجسم محل ذلك ، وموضعه ، ومجلاه ، ومظهره . وبه سمي الثقلان .

لثقل الجسد ورسوبه ، له - أي للجسد - من الأسماء المتين ، بالتاء المثناة من فوق ، لما فيه من القوة والمتانة .

وهو الذي أبان النور المبين .

أي : الجسم هو المظهر للروح ، التي هي النور المظهر للأشياء كلها .

فلولا الجسم ، لما حصل للروح ما حصل من الكمال ، ولا استطاعت أن تظهر بشيء من ذلك في العالم . حكم . أي الجسم . في النور بالقسمة .

النور هو الوجود ، لأنه إنما وقع الظهور به ؛ فلولا الوجود ، لما ظهر الموجود ، ولا عرف العبد ولا المعبود .

وما ظهرت القسمة في الوجود ، إلا بسبب الأجسام ، لكون الأبعاد الثلاثة لازمة لها ، لكونها مركبة كثيفة ؛ ولأجل ذلك : ظهرت بوجوده الظلالات والظلمة .

لأن الكثافة الجسمانية لا تخرقها الأنوار طبعا ؛ ولأجل ذلك ، ظهر بوجود الجسم ، الظّلّ .

وكذلك الظلمة ، إنما ظهرت بواسطته ، لأن الليل هو عبارة عن استتار الشمس بالأرض عن أهل الأرض ؛ وكذلك الخسوف ، عبارة عن حيلولة الأرض بين الشمس وبين جرم القمر .

فلولا توسّط الأرض ، لما ظهرت هذه الظلمة الموجودة .

فالظلمة من طبع الأجسام . وكذلك ، من غلب عليه العمل بمقتضى الأمور الجسمانية ، يكون في ظلمة من ذلك البرزخ ، حتى يؤول أمره إلى النار.

 فالجسم أصل في كمال النور ، وأصل في الظلمة .

ومنه ، أي من الجسم . تتفجّر ينابيع الحكم .

لوجود الحواس الخمس فيه ؛ فلكل حاسة من الحواس ، حكمة مخصوصة ليست لغيرها ؛ فلا تنال الروح هذه الحكم ، إلا بواسطة الجسم . 

فالعين ينبوع الحكم التي لا تحصل إلا بالمعاينة ، كالألوان ، والحسن المشهود ، والطراوة ، والهيئات ، والأوضاع . فكلّ من خلق أعمى ، لا عين له ، ليس يعرف شيئا من هذه الحكم المستفادة بواسطة البصر ، لا في الدنيا ، ولا في البرزخ ، ولا في الآخرة . 

بل فاتته هذه الحكم على الإطلاق ، فلا يشعر بها ، ولا سبيل له إلى معرفتها .

والأذن ينبوع الحكم التي لا تحصل إلا بالاستماع ، كعلوم القرون الماضية ، وعلوم الأخبار ، والأحاديث المروية عن الرسل ، وعن اللّه بواسطتهم .

بل ولا يعرف الرسالة ولا الرسل ، كلّ من خلق أصمّ .

ولهذا ، يكون كلّ أصم ، خلق أبكم . لأنه لا يسمع من أحد ، شيئا من الكلام .

فلا يشعر بأوضاع الكلمات ، ولا يعرف لذة الأنغام ، ولا يحسّ بخشونة الأصوات الكريهة . . وقس على ذلك ، الشّمّ ، والذّوق ، واللمس ؛ في معرفة الروائح ، والأطعمة ، والنعومة والخشونة .

فكلّ حاسة من الحواس الخمس ، ينبوع حكم كثيرة مخصوصة بها ، لا تصحّ للروح معرفتها ، إلا بواسطة تلك الحاسة ، ولهذا ، احتاجت الروح في نيل الكمالات ، إلى الامتزاج بالجسم ؛ فالجسم محل ظهور هذه الكمالات .

وتبرز ، يعني : من الجسم . جوامع الكلم ، بواسطة اللسان . يحوي على رموز النصائح وكنوز المصالح .

أراد برموز النصائح : الاعتبار الحاصل للروح ، بواسطة حواس الجسم . وأراد بكنوز المصالح : الأعمال الصالحة من الأفعال ، والأقوال ، والعلوم ، والمعارف الإلهية ؛ الحاصلة للروح بواسطة الجسم .

لأنها تزداد شرفا عند اللّه بذلك ، فهي كنوز المصالح لها .

الشّهادة سخافته ، والغيب كثافته . أراد بالشهادة هنا ، عالم الملك ؛ وبالغيب ، عالم الملكوت .

والمراد : أن ظهور عالم الشهادة ، بواسطة رقة سطح الأجسام ، لأنها هي المشهودة من عالم الملك ؛ وبطون عالم الغيب ، بواسطة الكثافة الجسمانية ، لأنها هي المانعة عن ذلك . 

ألا تراك إذا رأيت جسما من الأجسام ، فإن رقة مسطحة - وهو ظاهره الذي عبّر عنه الشيخ بسخافته - مشهود ، ذو الغيب والشهادة .

 

تستّر - أي الجسم بالجسم . للغيرة الإلهية على ذاته تعالى ، إذ هو عين الجسم ! وسبب هذه الغيرة : حتى لا يرى راء غيره .

فلا يبصر مبصر غير ظاهر الجسم ، صيانة من الحقّ تعالى - إذ هو عين الجسم - لباطن الجسم ؛ إذ هو من أشرف مظاهر الوجود ، لأنه المفصّل لجمليات مراتب الوجود ،

حيث أنه : يتقلّب . أي الجسم . في جميع الأحوال ، كاللطافة والكثافة ، والصغر والكبر ، والطول والعرض ، والعمق والسمك ، والبعد والقرب ، والتوسّط ، والحسن والقبح ، والفناء والبقاء ؛ إلى غير ذلك من الأحوال اللازمة للجسم ، والعارضة له . 

فلولا شرفه ، لما كانت له الأحوال كلها .

فهو يدخل في كل طور من أطوار النقص والكمال ، ويقبل بذاته التصرّف في جميع الأعمال .

يعني : أن للجسم - من حيث هو - قابلية لكل عمل من الأعمال المتنوعة ؛ مما يستحيل عادة ، كقتل العصفور بازا ؛ أو يستحيل عقلا ، كحمل النملة جملا .

فإن في قابليتها ، القبول لذلك . فلو حصل الاستعداد ، ووافق القدر ، أمكنها فعل ذلك المستحيل . . وإنما حصل هذا السرّ - الذي أودعه في الجسم - من قدرته .

 

تنبيه : إعلم أن الأجسام على أربعة أقسام :

القسم الأول : هو المعدن . وهو عبارة عن كل جماد لا نمو له ، سواء كان مائعا أو منعقدا .

القسم الثاني : هو النبات . وهو كل نامي من الأجسام ، لا روح فيه طبعا .

القسم الثالث : هو الحيوان . وكل نامي ذي روح من الأجسام .

القسم الرابع : هو السماوات ، والأجرام النورانية ، والأفلاك العلوية ؛ فإن كلّا من ذلك ، أرواح قائمة متجسدة .

وإنما صحّ إطلاق لفظ الجسم عليها ، لكونها تقبل الأبعاد الثلاثة التي هي من طبع الجسم - وهي الطول والعرض والعمق - فكانت أجساما ، لأنها من تمام عالم الملك . وعالم الملك ، عبارة عن مرتبة الطور الجسماني .

 

وقد ذكر الشيخ - رضي اللّه عنه - في الباب الذي ذكره في هذه النبذة ، خلاصة ما فيه . وهو الباب السابع من الفتوحات .

 

إن عمر الأرض ، أحد وسبعون ألف سنة من سني الدنيا ؛ فلا تظن أن ذلك على الإطلاق ، بل عمر العالم الدنياوي من وقت مخصوص وإلا ، فعمر هذا العالم أطول من أن يحصر ، أو يحصى بآلاف الألوف من السنين .

 

وقد ذكر الشيخ ما يدلّ على ذلك مصرّحا في الفتوحات المكية ، حين ذكر أن في الأهرام الموجودة بأرض مصر ، كتابة بقلم غريب ، يقرؤها من يعرفها .

ومفهوم تلك الكتابة ، أن باني تلك الأهرام ، بناها والنسر الطائر في الحمل ؛

 

وقال الشيخ رضي اللّه عنه : إن النسر الطائر لا ينتقل من برج إلى غيره ، إلا بعد مضي ثلاثين ألف سنة ، وهو اليوم في الدلو ؛ فقد قطع عشرة أبراج ، ولا يتأتى ذلك إلا بعد ثلاثمائة ألف سنة .

وإذا كان هذا عمر الأهرام ، فأين أنت من عمر الدنيا ؟

فإذا كانت الدنيا المخلوقة للزوال بهذه المثابة من طول العمر ، فما قولك في الجنة والنار المخلوقتان للبقاء ؟

فلا تحمل كلام الشيخ - رضي اللّه عنه - في الفتوحات ، من أن عمر الجنة أو النار كذا كذا سنة ، على ظاهره ، بل ذلك من وقت مخصوص .

لما كان الجسم الإنساني ، كالعالم الدنياوي ، بالوضع والتفصيل .

فإن حكم العالم الدنياوي إلى الزوال والفناء ، لأن ذلك من لازم الجسم الإنساني ؛ فكلّ منهما نسخة للآخر ، وعمر كلّ منهما على حسب هيكله ، فكان عمر الإنسان قصيرا ، لأن


 

هيكله صغير ؛ وكان عمر العالم الدنياوي طويلا ، لكبر هيكله . . ولا بد له من الانعدام والفناء ، كما أنه لا بد للإنسان من ذلك . فافهم !

 

ولما كان العالم الأخراوي ، نسخة من باطن الإنسان وروحه - إذ كلّ منهما نسخة للآخر - فكانت الآخرة ، كالروح الإنسانية ؛ باقية بإبقاء اللّه تعالى .

فلا يتوهّم أن الجنة والنار تفنيان بحال ، وما ورد من أن النار تفنى ، وينبت محلها شجر الجرجير، إنما ذلك من حيث أقوات مخصوصة . ففناؤها وزوالها ، فناء مقيّد ، لا فناء مطلق.

 

لأن الآخرة ، محل مشهود الأعيان الثابتة - التي هي معلومات العلم - لأن اللّه تعالى يظهرها يومئذ ، فيرى منها كل أحد ، على حسب حاله ومقامه عند اللّه .

 

ولا شك أن النار معلوم العلم الإلهي ، فلا سبيل إلى زوال المعلوم عن العلم .

 

وقد كشفت بذلك ، عن أسرار شريفة ، لم يسمح بها أحد من المحقّقين ؛ غيرة على تفاصيل المعرفة باللّه .

وفي هذه النبذة ، زبدة جميع ما أفرده الشيخ في الباب السابع من الفتوحات المكية . فافهم ، أرشدك اللّه للصواب .

*

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: