السبت، 13 يونيو 2020

الباب السادس جرى بنا جواد البنان في هذا البيان حتّى أظهر ما لم يخطر إظهاره في الجنان .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب السادس جرى بنا جواد البنان في هذا البيان حتّى أظهر ما لم يخطر إظهاره في الجنان .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب السادس جرى بنا جواد البنان في هذا البيان حتّى أظهر ما لم يخطر إظهاره في الجنان .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه  الله عنه

الباب السادس جرى بنا جواد البنان في هذا البيان حتّى أظهر ما لم يخطر إظهاره في الجنان

قال الشيخ رضي اللّه عنه : ومن ذلك . أي ، ومن بعض ما تضمّنه هذا الباب من فنون العلم المشار إليه أولا . سرّ الروح وتشبيهه بيوح .

الألف واللام في الروح ، للعهد - وتقديره : سرّ الروح الكلية المشرقة من الهياكل الجزئية ، التي يصحّ وقوعها على كل فرد من أفراد هذا النوع الإنساني .

وتشبّهت هذه الروح بيوح ، وهو اسم من أسماء الشمس ، والمراد به هنا الحق تعالى ، لأنه نور السماوات والأرض .

فالإنسان ، هو « المثل » الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[ الشّورى : 11]. ، في الأرض ولا في السماء ، لكونه نسخة كاملة جامعة شاملة .

وقد صرّحنا في كتاب « الكمالات الإلهية » عن حقيقة هذه النسخة وكيفية معناها ، وكشفنا عن ذلك أيضا على التفصيل - بعبارة مبسوطة - في كتابنا الموسوم " بإنسان عين الوجود ووجود عين الإنسان الموجود " فمن أراد تحقيق هذه المعرفة ، فليكشف عن محلها من هذين الكتابين . .

وسأذكر لك من ذلك طرفا جامعا ، وهو :

إن اللّه تعالى ، لما أحبّ الظهور من ذاته لذاته ، بمقتضى ذاته ؛ قسّم ذاته قسمين - من غير تعدّد في العين - فسمى أحد القسمين بالواجب ، والقديم ، والرب ، والفاعل . وسمى القسم الثاني بالممكن ، والمحدث ، والعبد ، والمنفعل .

فأول ما أظهر من ذلك القسم الثاني ، محل حكميّ سماه بالهباء والهيولى والقدرة ؛ لأن العالم كله متحيّز ، ولا بد للمتحيّز من مكان يحلّه . فإن كان المكان مخلوقا ، فقد دخل في حكم العالم ، ولا بد له من مكان ؛ هكذا إلى أن يتسلسل ، أو يدور ، أو ينتهي لمحلّ حكم لا يقال إنه خلق ، ( لئلا لغيره ) « 1 » ؛ كما أن غيره لا يكون ظرفا له .

 

فالهباء ، هو الحقّ المخلوق ، وتقيّد الحقّ هنا بالخلقية في هذه المرتبة ، من أجل ذلك الانقسام .

وهذا المعنيّ بالهباء ، هو الهيولى المعبّر عند المحقّقين عنها بالعقل الأول والروح المحمدية والقلم الأعلى .

فكانت الحقيقة المحمدية ، أول مخلوق . وكانت على النسخة الإلهية، صورة ومعنى.

أما من حيث الصورة ، فكما أن الوجود المخلوق صورة الحقّ ، والحقّ روحه ؛ ذلك الإنسان ، قد خلق اللّه فيه نسخة كل شيء من صور الموجودات وحقائقها - جملة وتفصيلا - فهو على صورة الخلق ، لأن العالم صورته .

وأما كونه على النسخة المعنوية للحق - أيضا - فلأنك تجدك قابلا لكل اسم وصفة على التمام والكمال ، فقل في الأسماء الذاتية أولا إنك « أحد » ذا أحديّة غير مجهولة في كل شيء ، لأنها عبارة عن صرافة ذات الشيء ، بالنظر إليه من حيث هو ذاتيّ . . 

فمتى عرفت أنك هو ، كانت هذه الأحدية - التي ذكرتها لك - نفي أحدية الواجب بذاته ؛ وقس على ذلك .

فليس شيء من تجليات الأسماء والصفات ، أعلى من تجلّي الأحدية ؛ ولعزّتها ، منع أهل اللّه أن يكون لغير اللّه قدم في تجلي الأحدية .

وسرّ المنع ، أن الأحديّة - من حيث هي أحديّة - تقتضي عدم التعدّد فيها من كل وجه وبكل اعتبار ، فكيف لخلق فيها قدم مع حقّ ؟

وذلك مشعر بالتغاير والإثنينية ، وهذا محال غير ممكن في تجلّي الأحدية .

فإذا قد صحّت لك نسخة منها ، فبالأولى أن يصحّ لك جميع ما تحتها من الكمالات المعبّر عنها بالأسماء والصفات .

فأنت الحيّ ، وأنت العليم ، وأنت القدير ، وأنت المريد ، وأنت السميع ، وأنت البصير ، وأنت المتكلّم .

وهذه السبعة ، هي أمهات الكمال وأئمة الأسماء والصفات ؛ قد سميت بها ظاهرا ، وسوف أكشف لك عن مواقع نجومها باطنا :

أما الحيّ ؛ فأنت متصف به لأن الحقّ سبحانه وتعالى ، كما أنه عين الوجود الساري في أعيان الممكنات ، كذلك أنت سار في أعيان الموجودات بهمّتك ؛ ألا تراك إذا افتكرت في السماء ، كيف تسري روحك فيها ؟ 

وفي الأرض ، وفي جميع ما تفكر فيه ، أنت كذلك سار فيه بروحك ؛ فحياتك هي القائمة بحياة كل ما سرت فيه .

 

وأما العلم ؛ فأنت متصف به من حيث عقلك ، لأنه عين علم اللّه به وبمعلوماته ، فهو المحيط بالحقّ والخلق ؛ ألا ترى إلى عقلك ، كيف عرفت به الحقّ والخلق ؟

فلولا أنه الصفة العلمية الإلهية ، لما اتسع لمعرفة الحق تعالى .

وسبب ذلك ، أنك لا بد أن تطلق اسم الحق في علمك على شيء ، تضيف إليه ما هو للحق من صفات الكمال ، وذلك الشيء الذي أطلقت هذا الاسم عليه ، هو في عقلك معلوم لك ، وهو عين الحق تعالى ، الذي أضفت إليه ما أضفت من صفات الجمال والجلال والكمال ؛ فلو لم يكن عقلك ، عين الصفة العلمية الإلهية ، لما ظهر هو فيها ؛ لأنه سبحانه ليس له محل إلا العلم . . وقد عرّفت بذلك أسرار كثيرة .

 

إن كنت من أهل اللّه ، فقس بالإرادة والقدرة على ما ذكرت ، وتأمّل هل تجد حقيقة هذين الوصفين لك في حال تصوّرك للأشياء في مخيّلتك وتخيّلك ، فتتكوّن كما تريد أم لا ؟

ومتى عرفت ذلك ، لم تفتك معرفة السميع والبصير والمتكلم منك ، وتتحقّق هذه المعرفة .

فيجب عليك ، أن تسعى في زوال الموانع لك عن تحقيق ما تجده من كمالك ، ليظهر جسمك بما هو لروحك .

فإذن : تصوّر ، في العالم وتكوّنه ، ما كنت تصوّره في العالم الخيالي ؛ تستبرزه مشهودا للحسّ ، كما كان مشهودا للخيال ، وبذلك تعرف أنك

المعبّر عنه بمسمى الأسماء الحسنى والصفات العلى !

جرى بنا جواد البنان في هذا البيان ، حتى أظهر ما لم يخطر إظهاره في الجنان ، من كل علم لا يسعه الكيان ؛ فلنقبض العنان ، ولنرجع إلى ما كنا بصدده من شرح هذه الكلمات الحسان .

 

قال الشيخ رضي اللّه عنه : أشرقت أرض الأجسام بالنفوس ، كما أشرقت الأرض بأنوار النفوس .

لما أظهر الشيخ رضي اللّه عنه - فيما سبق - أن الإنسان نسخة للحق ، أراد أن يظهر كونه نسخة للخلق ؛ فشبّه روحه بالشمس التي هي روح العالم الدنياوي ، وشبّه الإشراق بالإشراق ، لأن النفس الجزئية متصرّفة في الهيكل الإنساني ، ومدبّرة له ؛ كما تتصرّف الشمس في العالم الدنياوي ، وتدبّره على مرّ الدهور .

 

وكلّ من النفوس والشموس ، عين كلّ على الحقيقة ؛ إذ هذه الصورة كلها ، راجعة للوجه الواحد الظاهر في مرائي مختلفة الأشكال والمقادير .

 

فلهذا ، قال الشيخ رضي اللّه عنه : وإنما لم تفرد العين ، لأنها ما أشرقت ، إلا بما حصل فيها من نور الكون ، وإن كان الأصل ، ذلك الواحد ؛ فليس ما صدر عنه بأمر زائد ، فعدّدته الأماكن ، لما أنزل نفسه فيها منزلة الساكن .

زبدة هذا الكلامه ، وخلاصة هذه المسألة : أن اللّه تعالى ، هو المتجلّي بأعيان الموجودات على حسب ما تقضيه قابلية كل هيئة لكل موجود ، كما أن الصورة تظهر في كل مرآة بحسب تلك المرآة ؛ فاختلفت الصور المرئية لاختلاف المرائي ، وحقيقة الصورة واحدة كما أن الحق تعالى واحد متعدّد بحسب تعدّد الموجودات ؛ وبالحقيقة ، لا تعدّد ، لأن الشيء الواحد إذا تعدّد باعتبارات كثيرة راجعة إليه ، هو واحد غير متعدّد في نفسه .

وهذه الاعتبارات هي الأسماء والصفات ، التي هي أعيان الممكنات ، وإلى ذلك ، أشار بقوله : فللحقيقة رقائق ، يعبّر عنها بالخلائق .

 

أطلق هنا لفظ « الحقيقة » والمراد بها : الحقيقة الإلهية .

لها " رقائق " أي معاني كمالية ، هي أعيان الأسماء والصفات المظهرة لحقائقها في ذوات الموجودات ، على سائر النعوت والنسب والإضافات والاعتبارات ؛ فهي هوية شيء واحد ، من كل الوجوه بالذات ،

وقد شرحنا في هذه النبذة ، جميع ما تضمّنه الباب السادس من كتاب الفتوحات المكية ؛ فتأمّل ذلك ، أرشدك اللّه للصواب ، وعلّمك الحكمة وفصل الخطاب.

*

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: