السبت، 13 يونيو 2020

الباب الرابع ما هذه المظاهر المشهودة إلّا عين الظّاهر فيها وهو اللّه  .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب الرابع ما هذه المظاهر المشهودة إلّا عين الظّاهر فيها وهو اللّه .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الباب الرابع ما هذه المظاهر المشهودة إلّا عين الظّاهر فيها وهو اللّه .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه  الله عنه

الباب الرابع ما هذه المظاهر المشهودة إلّا عين الظّاهر فيها وهو اللّه

قال الشيخ رضي اللّه عنه : ومن ذلك . أي ، ومن بعض ما تضمّنه هذا الباب .

سرّ البدء اللطيف ، وما جاء فيه من التعريف . يريد : سرّ بداء العالم . واللطيف صفة سرّ البداء ، والضمير راجع إلى السّرّ .

وسوف أنبّهك على مقدمة ، تعرف بها معنى كل ما يرد في هذه النبذة التي جمعت جميع ما في الباب الرابع من كتاب الفتوحات المكية .

وذلك : أن اللّه تعالى لما أحبّ في شأن ذاته البطوني ، أن يظهر في كنزيته ، لما يقتضيه شأن ذاته الظهوري من الظهور على حكم شؤونه الذاتية . 

فتشكّل وتصوّر بأشكال العالم وصوره ونسبه وإضافاته وأحكامه جميعا ؛ صورة ومعنى ، بطونا وظهورا ، فناء وبقاء ، عينا وحكما ، وجودا وشهودا .

فمثله تعالى في هذا المعنى - وللّه المثلى الأعلى - كمثل النفس الناطقة في هيكل الإنسان ، إذا حدّثت نفسها بنفسها ، فتكون هي المتكلّمة والسامعة ، وهي عين كلامها ؛ لأنها تتصور لنفسها بصورة مفهوم ما تكلّمت به .

فهي الكلام والمتكلّم والسامع ، وكذلك الحق تعالى ، عين العالم المسمّى بالخلق ، وعين الخالق له المسمّى بالحق. يبدءان لأسمائه وصفاته ، ترتيبا تقتضيه كل صفة، لما هي عليه في شأنها.

فلكل اسم مرتبة في ظهور العالم ، فهو ناظر إلى العالم ، من حيث تلك المرتبة والمقتضى ، لإيجاد الكون من جهة تلك الصفة .

فنقول - مثلا - إن الصفة العلمية أول متوجهة لإيجاد العالم ، وإن الصفة الإرادية أول متوجهة لتخصيص كل شيء على ما هو عليه من الهيئة والترتيب ، وإن الصفة القادرية أول متوجهة لظهور العالم في الحسّ .

لكن توجّه كل صفة من هذه الثلاثة المذكورة ، على ترتيب ذكرها ؛ فالعلم له التقدّم ، ثم الإرادة ، ثم القدرة ، وعلى ذلك فقس واحكم ، إلى أن تستوفي جميع الأسماء والصفات ؛ فإن أحكامها المتعلّقة أعيان وجودية ، يسمعها الكاشف ويراها .

فاعتبر ذلك حتى تستوفي مقتضياتها ، إلى أن يتمّ الأمر بظهور كل المراتب الكونية ، علوّا وسفلا ، لطيفا وكثيفا .

 

فتنبّه لهذه المقدمة ، تفهم جميع ما أراده الشيخ - رضي اللّه عنه - بقوله : إن العالم علامة .

يعني : أنه علامة على موجده تعالى ، يعرف هو - سبحانه - بالعالم - وتحقيقه ؛ أن كلّ وجه من وجوه العالم ، راجع إلى صفة من الصفات الإلهية .

وتقدير ذلك : إن العالم من حيث كونه موجودا ، أثر صفة اسمه الموجد ؛ ومن حيث كونه على هيئة مخصوصة ، أثر اسمه المريد ؛ ومن حيث كونه بارزا - من غير مادة ، ولا تعيّن - أثر اسمه القادر ؛ ومن حيث كونه مخلوقا ، أثر اسمه الخالق ؛ ومن حيث كونه مرزوقا ، أثر اسمه الرازق ؛ ومن حيث كونه مرئيا ، أثر اسمه البصير ؛ ومن حيث كونه مسموعا ، أثر اسمه السميع ، وقس على ذلك ؛ فهذه الأسماء هي المظهرة لأعيان هذه الآثار ، وإن شئت قلت : هذه الآثار هي التي أظهرت هذه الأسماء .

وعلى الحقيقة ، هو واحد في واحد لواحد .

فلهذا قال : بدؤه ممّن فهو علامة على من .

يعني : إذا كان الحق عين العالم ، فمن أين بدأ العالم ؟ بل هو في نفسه ، كما كان عليه فإذن : ليس هو علامة على شيء ، لأنه ما ثمّ غيره . فلا يقال إن الشيء الواحد ، يكون علامة على نفسه لنفسه .

إذ لا مغايرة في نفسه لنفسه ، فلا بدأ ، ولا ظهر ، ولا بطن ، ولا استتر ؛ إذ الحقّ هو الكل .

وإلى هذا المعنى ، أشار بقوله : ما استتر عين حتى يظهر كون . يعني : ما استترت ذاته ، ليظهر غيره .

ولما تحقّق الشيخ - رضي اللّه عنه - بشهود واحدية الحق تعالى في كثرة الموجودات ، وعاين كثرة تنوعات تجلياته في الأسماء والصفات ؛ قال : رأينا رسوما ظاهرة . أراد بالرسوم ، الأسماء والصفات التي هي الظاهرة في العالم بحقائقها وآثارها . ورأينا ربوعا .

يعني بذلك ، المظاهر الكونية . دائرة ، فانية لظهور الحق تعالى . وقد كانت تلك المظاهر الكونية ، التي يعبّر عنها بالسوى والعالم . قبل ذلك .

 

أي ، قبل شهودنا فيها أحدية الحقّ . عامرة ، لكوننا كنا نراها ، ونظنّ أن لها وجودا ؛ فكانت من حيثنا ، وجودية وناهية وآمرة ،

فسألناها : ما وراءك يا عصام ؟ .

تكلّم الشيخ على لسان حال الوجود .

فكلّ من نظر بعين اليقين ، وجد اللّه وراء الموجودات ، من حيث استنادها إليه الاستناد الإيجادي ؛

وإن شئت قلت : من حيث كونها مظاهر ، وهو الظاهر . ولأجل ذلك ، قال إن الحال أجابه ؛ فقالت : ما يكون به الاعتصام . الاعتصام هو الاحتفاظ ، فلولا نظر اللّه في العالم وجوده ، لعدم العالم ؛ فباللّه عصمة العالم وحفظه .

ولهذا قال : فقلت ما ثمّ إلا اللّه وحبله ، وما لا يسع أحدا جهله . يعني : ما هذه المظاهر المشهودة ، إلا عين الظاهر فيها ، وهو اللّه .

وحبله الذي به الاعتصام ، هو صفاته الحاكمة بتنوع الموجودات .

فشبّه الاعتصام بالحبل ، للارتباط المعقول بين الأثر والمؤثر ؛ وعن ذلك كنّى بقوله « ما لا يسع أحدا جهله » لظهور آياته في مصنوعاته .

 

فقال ؛ يعني : لسان العالم . لولا الكثائف ؛

يعني : المخلوقات التي هي حجب على صانعها ، لأن الحجاب من طبعه أن يكون كثيفا ، وإلا لما حجب

. فلولا هذه الحجب الكثيفة ، ما علمت اللطائف . أراد باللطائف ؛ حقائق الأسماء والصفات .

ولولا آثارها . الضمير راجع إلى اللطائف ،

يعني : ولولا آثار الأسماء والصفات . ما ظهر منارها .

أي منار الكثائف التي هي المخلوقات على الإطلاق ؛

يعني : لولا العالم ، ما عرفت أسماء الحق وصفاته ؛ ولولا أسماء اللّه وصفاته ، لما ظهر العالم . فمن خبت ناره ، انهد مناره .

يعني : فكلّ مظهر سكنت ناره - لبطون تجلي الاسم الحاكم عليه - انهدم وفني من حيث الحسّ ، فصار له حضرة القدس ، على ما عليه ؟؛ لأنه كان ثمّ قبل ظهوره، وصار إليه بعد بطونه.

فما ازدادت حضرة القدس بدخوله فيها ، وما انتقصت بخروجه عنها . وما ينمّ به إلا الحسّ . 

يعني : وما ينمّ بوجود الموجودات ، إلا مراتب الحسّ .

لولا الحسّ . 

أي ، العالم المحسوس الدالّ على اللّه . بشهود الأثر . برؤية أثر الأسماء الإلهية ، والصفات الكمالية ، فلولا ذلك . ما عرف للطيف خبر . اللطيف هو اللّه ،

 

وتقديره : لولا الموجودات ، لما عرف الموجد سبحانه وتعالى .

ولما فرغ الشيخ - رضي اللّه عنه - من الكلام على العالم عموما ، خصّص بذكر الإنسان .

فقال : النّفس عمياء . يعني عن شهود كمال اللّه تعالى . للقرب المفرط .

حيث يقول اللّه تعالى :وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ[ ق : 16].

لأنه سبحانه عين النفس ، فجهلت النفس حقيقتها من أجل ذلك القرب ، ومن أجل ما تشهده الحواس من كثائف الحجب .

وظاهر الأمر : فصارت النفس بواسطة هذين الأمرين ، جاهلة باللّه طبعا .

وهي ، يعني النفس . الصّمّاء عن إدراك الوسواس .

أراد بالوسواس ، الخواطر الإلهية التي ترد على النفوس بالفطرة .

وإنما صمّت آذان النفوس عن إدراك هذه الخواطر ، لأن المادة حاكمة على النفس بالعقل والمقتضيات البشرية ، فامتنعت عن سماع ما يرد من الحق لأجل ذلك . وهي الخرساء فلا تفصح .

يعني : أن النفس صارت خرساء بالطبع الحيواني ، فلا تفصح عن سرّ من الأسرار الإلهية المودعة فيها ، لكونها بشرية بحكم الطبع في قيد الجسم وحصره .

وهي . يعني النفس ؛ العجماء . إنما اعتجمت النفس بفراقها ما في قابليتها من الكمالات ؛ وإنما فارقته لعدم اشتغالها به ، بسبب ما أخذها عنه من الأمور الحسّيّة .

فلا تعقل النفس ما هي حاوية له من الكمالات الإلهية فتوضّح وتخبر عنه .

ولولا اشتغالها عن المعنى بالحسّ ، لظهر بالفعل ما هو باطن فيها بالقوة من أوصاف الكمال ونعوت الجلال والجمال .

وإلى ذلك أشار بهذه الأبيات :

سرى اللّطيف من اللّطيف فناسبه * وبدا له منه الخلاف فعاتبه

اللطيف الأول هو النفس ، واللطيف الثاني هو ذات واجب الوجود .

يعني :

أن النفس على الحقيقة ، مخلوقة من نور ذات الواجب بذاته ؛ ولهذا وجدت فيها من الكمالات ، جميع ما وصفت الحقّ به - وقد بيّنا كيفية مضاهاتها للحق والخلق على التفصيل ، 

في كتابنا الموسوم " بإنسان عين الوجود ، ووجود عين الإنسان الموجود " فمن شاء أن يعلم ذلك ، فليطالع فيه - وحوت من النقائص جميع ما في الوجود ؛ فجمعت من كلا وصفي الحقّ والخلق ، ما استوعب الأمر على ما هو عليه .

ولهذا قال « فناسبه » لأن الحقّ تعالى جامع لذلك ، فحصلت المناسبة بين النفس - التي هي روح العالم الإنساني - وبين الحقّ ، الذي هو روح العالم .

 

وأما قوله « بدا له منه الخلاف » فهو إشارة إلى ما يقع للنفس من النزول والركون إلى المقتضيات الأرضية التي لأجلها يكون العتاب ، وإليه الإشارة بقوله " فعاتبه " ، ثم قال :

وتوجّهت منه إليه حقوقه * فدعاه للقاضي العليم وطالبه

 

يعني : واقتضى الحال أن يتوجّه على النفس حقوق كثيرة لموجدها ، إذ للصانع حقّ على مصنوعه لا ينكره العقل طبعا ، والقاضي هو العقل ،

فعبّر عن إرجاع الحقّ للنفس إلى العقل - لتعرفه النفس - بقوله « فدعاه للقاضي العليم » فطالبه ، بأداء حقّ الصانع عليه .

ونعت القاضي - المعبّر به عن العقل - أنه عليم ، لأن العقل من طبعه درك الأمور كلها ، لما أودع اللّه فيه من مكنون علمه ، كما سبق بيانه .

فعندما رجعت النفس إلى مقتضى العقل ، عرفت بحكم العقل ، أن نزولها إلى مقتضى حكم الجسم وبال عليها ، فعبّر عن هذا المعنى بقوله : نادى عليه .

يعني : نادى العقل على النفس .

تجرّسا . التجريس ، التعزيز على سبيل الإهانة تهكّما إذ العقل يقضي أن يكون : هذا جزاء من عامل الجنس البعيد وصاحبه .

الإشارة بقوله "هذا " إلى النزول والانحصار والتقييد والعجز والاحتباس بحكم سجن الطبع ، فذلك جزاء كل نفس اشتغلت بالظاهر عن حكم الباطن ؛ لأنها تألفه وتنسى ذلك المعنى طبعا .

فما أنزلها عن التحقّق بحقائق الكمال ، إلا فعلها ، فإذن نزولها جزاء ما صنعت .

وعن الجسم ومقتضياته ، عبّر بالجنس البعيد . فنزول النفس إلى العجز ، لأمرين : أحدهما ، العمل بمقتضى الجسم ؛ والثاني ، مصاحبة الجسم . فالأول عارض ، والثاني لازم .

فينبغي أن يسعى المرء أولا في زوال حكم العارض ، حتى إذا انفكّ عن الجسم ، حصل له اللازم أيضا ، فيخلص إلى الكمال المطلق من كل وجه .

وعن الرجوع عن المقتضيات البشرية عبّر بقوله :

ليتوب من سمع النّداء فيرعوي * عنه ويعلم أنّه إن جانبه

تظفر يداه بكلّ خير شامل * فاستعمل الإرسال فيه وكاتبه

اللام في « ليتوب » للتعليل ،

يعني : إنما نادى العقل مجرّسا للنفس ، لتحصل منها التوبة ، وهي الرجوع عن حكم الجسم ومقتضاه ، إلى الحقّ ؛ فتلزم مشاهدته منها فيها - ولتعلم النفس ، بما أوضحه العقل ، أنها إن جانبت الجسم - المعبّر عنه بالجنس البعيد - فتركت العمل بمقتضاه ، وخالفت أحكامه ؛ ظفرت يداها بالصفات الإلهية ، التي هي في قوة النفس وقابليتها ، فتستعمل الاسترسال في ذلك بشهودها لحقائقها الحقيقية ؛ لأنها عين المعبّر عنه بالذات الإلهية،

وإلى النفس أشار بقوله : هو اللطيف في أسمائه الحسنى ، وبها ظهر الملأ الأعلى والأدنى .

يعني : أن النفس المعبّر عنها بالذات ، ظاهرة في الأسماء الحسنى والصفات العليا التي ظهرت بواسطتها الموجودات ؛ فالضمير في قوله « بها » راجع إلى الأسماء الحسنى . وقد شرحنا لك في أول هذه النبذة ، عن كيفية كونها توسّطت في إيجاد هذا العالم .

وعبّر عن ذلك بقوله : لما تجاوزت تحاورت ، الأول بالجيم ، والثاني بالحاء المهملة . يعني : لما حصلت المجاورة بين الأسماء الإلهية والصفات الربانية ، لأنها كانت في محلّ واحد فخاطبت بعضها بعضا بحكم المقتضى ؛ وعن ذلك عبّر بقوله « تحاورت » . وقد قلنا لك إنها طلبت ظهور آثارها ، وإن الكلام على الحال .

وذلك واقع صورة في الآزال ، علم تحقّقه .

وعن لسان حالها المطالب بمقتضى آثارها ، عبّر بقوله : ولما تكاثرت ، تسامرت . فرأت أنفسها على حقائق ، ما لها من طرائق .

يعني : رأت الأسماء والصفات أنفسها على حقائق مختلفة ، فلتلك الحقائق ظهور في الوجود .

فكان الأمر : سماؤها ما لها من فروج .

كنّى عنها بالسماء ، لأن السماء لها العلو على الأرض ، كما أن المؤثّر له العلو على ما أثّر فيه ؛ وإنّي بقوله وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ( 6 ) [ ق : 6 ] عن عدم ظهور مؤثراتها في ذلك الموطن ، فاقتضاه حالها ؛

وعن ذلك عبّر بقوله : فطلبت أرضا تنبت فيها من كل زوج بهيج . يعني : طلبت الأسماء والصفات الإلهية ، المعبّر عنها بالسماء ، أرضا ؛ أي محلا تظهر فيه آثارها . وعن ذلك عبّر بقوله وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ( 7 ) [ ق : 7 ]

يعني : فاشتاقت أن تظهر هذه الأسماء والصفات ، كلّ معنى لطيف من معاني آثارها ، في الموجودات .

فقالت . أي لسان حال الأسماء والصفات عند اقتضاء الظهور : المفتاح في النكاح . يعني : فتح باب الإيجاد ، بظهور الكون في تناكح الأسماء ، أي توالج بعضها في بعض ، لظهور هذا العالم . فعبّر عن دخول حكم الأسماء بعضها على بعض ، بالنكاح .

ولا بدّ من ثلاثة ، ليصح النكاح المعنوي . ولأجل ذلك بني عليه النكاح الصوري ، فلا يصحّ النكاح في ظاهر الأمر ، إلا بثلاثة .

وهم : وليّ ، وشاهديّ عدل ، لهذا القضاء الفصل .

فالثلاثة المتصدرة المشروطة في نكاح الأسماء الإلهية ، هم :

الاسم الذاتي ، وهو اللّه .

والاسم الرحمن ، لأنه يرحم أسماءه وصفاته فيظهر آثارها .

والاسم الرحيم ، لأنه به ترحم الموجودات . هذا نكاح أقدسيّ ، وثمّ نكاح قدسيّ ! .

والثلاثة المشروطة في الأسماء ، لنكاحها الثاني وتداخل بعضها في بعض لظهور العالم كله - أعلاه وأسفله ، أوله وآخره - هو : العلم والإرادة والقدرة .

فالعلم هو محل ظور المعلومات ، ومنصّة وجود الأسماء والصفات .

والإرادة هي المخصّصة لكل موجود ، على حكم ما يقتضيه حال الكمال .

والقدرة هي المبرزة له من العلم إلى العين ، فهذه شروط صحة النكاح المعنوي الأسمائي الأزلي الأبدي .

فالنكاح الأول ، لتعلّق الأسماء والصفات بحقائقها ، ولكمال ظهورها .

والنكاح الثاني، لظهور الموجودات وتحقيق بروزها، ليتم به مقتضى الكمال، فافهم .

 

ولما كانت الكلمة الإلهية ، التي هي مجلى العلم والإرادة والقدرة ، وهي : كن ، متعلقة بالمعلوم ، لشمول معاني الكمال له تعالى ، لقوله عزّ وجلّ :إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ( 40 ) [ النّحل : 40 ] .

فالشيء هو معلوم بالصفة العلمية ، ومراد بالصفة الإرادية .

وكلمة كُنْ[ النّحل : 40 ] هي المتعلقة بعين ذلك المعلوم في العلم ، وصفة القدرة هي المخرجة له من العلم إلى العين .

عبّر عن ذلك بقوله :

فقال العليم ، يعني الصفة العلمية أعطت أنه : لا بد من كلمة كُنْ[ النّحل : 40 ] لظهور هذه الأعيان الثابتة في العلم ، وخروجها من محلها إلى العالم العيني .

وعن كلمة كُنْ[ النّحل : 40 ]

عبّر بقوله : بسم اللّه الرحمن الرحيم . ومن ثمّ قال بعض العارفين : « بسم اللّه الرحمن الرحيم من العارف ، ككن من اللّه . . »

وسوف يذكره الشيخ فيما يلي في هذا الفصل - إن شاء اللّه تعالى - ولولا أن الكلام يأتي على بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ( 1 ) [ الفاتحة : 1 ] في أثناء هذا الباب ، لتحدثنا هنا حسبما أراده الشيخ رضي اللّه عنه .

 

فهذا يا وليّ ، الشاهدان والوليّ .

لما كان الاسم اللّه ، والاسم الرحمن ، والاسم الرحيم ؛ موجودا في البسملة .

أشار الشيخ رضي اللّه عنه إلى ذلك - حسبما ذكرنا ذلك آنفا - فجعل الوليّ هو الاسم اللّه ، والشاهدان هما الرحمن والرحيم ، على النمط السابق .

ففي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ( 1 ) [ الفاتحة : 1 ] سرّ النكاحين المعقودين لظهور حقائق الحقّ وحقائق الخلق . . فتأمّل ، ترشد إن شاء اللّه تعالى .

 

قال الشيخ رضي اللّه عنه : فهذا . يعني ما عبّرنا عنه من لسان حال الكمال في الأزل : كان أول تركيب الأدلة . أراد بالأدلة ؛ المصنوعات وبروزها .

يعني : بذلك المعقول آنفا، كان سبب تركيب المصنوعات وبروزها على لسان العموم.

وأما على الخصوص ، فالأدلة هي الأسماء والصفات الإلهية ؛ لما اقتضاه الشأن الإلهي ، من حيث ما هو الأمر عليه ، ليكون ذات واجب الوجود ، منعوتا بنعوت الكمال والجلال والجمال .

فركوب كل اسم علما ، على صفة منصّته ؛ وتركيب كل صفة منصّة ، على شأن إلهي ، فقال تعالى :وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى[ الأعراف : 180 ] .

لأن الشيء في نفسه ، لا يحتاج إلى اسم يميّز به نفسه لنفسه .

هذا إذا كان ثمّ موجود آخر ، فكيف إذا لم يكن ثمّ غيره ؟ فبالأولى .

ولما لاح هذا المعنى لبصائر المعتزلة ، من حيث أنهم لم يشعروا به ، ذهبوا إلى أن القدم للذات فقط ، ليس لشيء من الصفات عندهم قدم في القدم ؛ فقالوا بأن جميع الأسماء والصفات الإلهية مخلوقة .

وفاتهم نصف المعرفة باللّه ، كما فات من قال بأنها قديمة على الإطلاق ، لقدم الذات ، ولم يجمع بين الحكمين ، إلا عارف باللّه .

ولا يكون ذلك ، إلا لمن أشهده اللّه حقائق الأشياء ، فعرفها ، وعرف مجاليها - على ما هي عليه جملة وتفصيلا - فعرف كيف ينسب كل اسم أو صفة إلى اللّه ، فيحكم بأنه قديم ؛ وكيف ينسبه إليه ، فيعرف بأنه - أي الاسم والصفة - محدث .

ولم يقف على وجه دون آخر ، لأن الحقّ هو الجمعية .

وبعد هذا ، عرضت الشّبه المضلّة .

يعني : عرضت على العقول أمور ، يعطي بعضها الاشتباه بالحقّ ، فضلّت أهل تلك العقول عن الطريق الإلهي الذي هو له تعالى . على أن الطريق المضلّة ، أيضا ، له وإليه ، لكن هذه على العموم وبحكم الوسائط البعيدة ، وتلك على الخصوص وبالوسائط القريبة ، وقد شرحنا لك في هذه النبذة جميع ما أراده الشيخ رضي اللّه عنه ، ونبّه عليه في الباب الرابع من كتاب الفتوحات .

واللّه الموفق .

*

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: