الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

28 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3396 - 3720 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

28 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3396 - 3720 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

28 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3396 - 3720 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3396 - 3720 



شرح في بيان أنّ إبليس كان أول شخص عارض النصَّ بالقياس
( 3396 ) كان إبليس أول من استخدم القياس ، حين كانت الحقائق واضحة ، تجلوها أنوار اللَّه ، المنبثقة من وحيه ، وصريح أمره . 

( 3402 ) إشارة إلى إسلام عكرمة بن أبي جهل ( وقد مات شهيداً في إحدى وقائع الشام ) ، وإلى ضلال ابن نوح ، وهلاكه في ضلاله وكفره . وقد ذكر القرآن قصته في قوله تعالى ،” وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ . 
قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ “. ( هود ، 11 : 42 - 43 ) . 

( 3404 ) إن العالم الورع يستخدم القياس حين لا يكون هناك أمر إلهي صريح . 

( 3407 - 3408 ) إنك قد تستمع إلى وحي إلهي ، فتحفظ ظاهر لفظه من غير أن تدرك كنهه وجوهره . وعلى أساس هذا الإدراك الظاهري تنشىء القياسات ، التي لا صلة لها بجوهر الوحي ، بل هي قد انبثقت من خيالك المحض “ . 

( 3410 ) لقد تعلمت من الوحي الإلهي ظاهر لفظه ، ولم تفطن إلى حقيقته ، فدفعك هذا إلى أن تلتمس في القياس وسيلة لإدراك ما استغلق

“ 602 “

عليك فهمه “ . 
( 3411 ) القياس الفاسد يؤذي . وقصة الأصم الذي ذهب ليعود المريض مثال يوضح ذلك . 

( 3412 ) يشير الشاعر إلى قصة كاتب الوحي الذي ضلّ . ( انظر الأبيات 3228 - 3239 ، وتعليقاتها ) . 

( 3422 ) “ إننا سوف نعدّ لأهل الأرض نظاماً سماوياً ، ثم ننزل إلى الأرض لنقرّه فيها ، ونرسي بذلك قواعد الأمن بين الناس “ . 

( 3425 ) لقد تجلى خطأ هاروت وماورت حينما سعيا لإقرار ما يليق بالملائكة بين أبناء العالم الدنيوي . فقد كان هذا من القياس الفاسد ، فكانت نتيجته وبالا عليهما . ولعل الشاعر يهدف من وراء ذلك إلى القول بأن المعرفة الروحية يجب ألا يقصد بها الجهلاء ، الذين لم يعدّوا لتلقيها ، ولم يصبحوا أهلا لتذوقها . والعارف الذي يفعل ذلك يكون شبيها بهذين الملكين اللذين قاسا أحوال أهل الأرض بأحوالهما . 

( 3426 ) ذكر نيكولسون في تعليقه نص بيت سنائي ، الذي أشار إليه جلال الدين ، وفيه يقول :بر مدار از مقام مستي پى * سر همانجا بنه كه خوردي مي( لا تنقل قدمك من مكان سكرك وضع رأسك في المكان الذي احتسيت به الخمر ) . 
والشاعر يوجه هذه النصيحة إلى الصوفية ، الذين يغلبهم الوجد ، فيجري على ألسنتهم من الشطح ما يكون مصدراً لسخرية الناس بهم ، واتهامهم بالمروق ، وتعريضهم للأذى والاضطهاد “ . 

( 3441 - 3442 ) الشاعر يشبه الناس - الذين أوهمهم الجهل والغرور أنهم يسلكون سبيل اليقظة الروحية - بأطفال يمسك كل منهم بذيل الآخر ، ويتوهمون بذلك أنهم يمتطون الجياد . ومثل هذا الظن لا يغني من الحق شيئاً ،

“ 603 “


ولا يمكن أن يوصل إلى أي هدف . 


( 3443 ) إن الشمس هي التي تجلو الظلام على أكمل وجه ، وكذلك الكشف الروحي هو الذي يزيل الظنون ويجلوها . 


( 3444 ) حين تتكشف لكم الحقائق سوف تعلمون أنكم لم تكونوا منطلقين نحو عالم الروح ، ويتضح لكم أنكم كنتم ملازمين لعالم المادة وقد علقت به أقدامكم ، على حين أنكم توهمتم الانطلاق - من غير سعي - نحو عالم الروح . 


( 3445 ) “ الوهم والتفكير العقلي المجرد والحسّ وما يرتبط به من إدراك ، كل أولئك وسائل لا توصل إلى اليقين ، فأنتم باعتمادكم عليها في السعي لإدراك اليقين ، شبيهون بأطفال امتطوا أعواد الغاب ، وهذه لا تنقلهم إلى أي مكان “ .


[ شرح من بيت 3450 إلى 3600 ] 
( 3450 ) إذا أحسن الإنسان استخدام علمه الدنيوي ، وأخلص في نفع الناس به ، متجرداً عن الهوى ، وهبه اللَّه العلم اليقيني الكامل . 
وفي الإحياء حديث يعبر عن هذا المعنى ، يروي عن الرسول قوله : 
“ من عمل بما علم ، ورّثه اللَّه علم ما لم يعلم ، ووفقه فيما يعمل حتى يستوجب الجنة ، ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم ولم يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار “ . ( الغزالي : إحياء ، ج 3 ، ص 23 ) . 


( 3451 ) من تجرّد في علمه من الهوى أصبح علمه الدنيوي سبيلًا إلى المعرفة الروحية . 


( 3453 ) وكيف السبيل إلى الخلاص من الهوى بدون المحبة الإلهية ؟ 
إنه ليس يكفي المرء أن يقنع بمعرفة أسماء اللَّه وصفاته ، بل عليه أن يسلك سبيل المحبة الإلهية . 


( 3454 ) الصفات والأسماء مخبرة عن اللَّه ، وهي تبعث في الإنسان الخيال الذي يجعل الإنسان متعلقاً بخالقه ، وعلى الإنسان حينذاك أن يتخذ من التعلق بالخالق
“ 604 “


ومحبته سبيله إلى الوصال . 
( 3456 ) لا تقف عند حدّ الاسم . بل اجعل من معرفة الاسم مجردّ بداية تنطلق منها إلى معرفة الحقيقة والجوهر . 


( 3457 ) يقول الغزالي : “ ومهما أقبل ( القلب ) على الخيالات الحاصلة من المحسوسات كان ذلك حجاباً له عن مطالعة اللوح المحفوظ . . . كما أن من نظر إلى الماء الذي يحكي صورة الشمس ، لا يكون ناظراً إلى نفس الشمس “ . 
(الإحياء ، ج 3 ، ص 21 ) . 


( 3458 ) إذا أراد الإنسان أن ينطلق من العلم الحسي المحدود ، إلى العلم الروحي الذي لا حدود له ، فلا بد له أن يكون قادراً على الخلاص من الذاتية . ويتمثل ذلك في قطع روابطه بما يكدر صفاء قلبه من علائق الدنيا وهمومها ومغرياتها . 


( 3460 - 3461 ) يقول الغزالي : “ فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر ، وفاض على صدروهم النور ، لا بالعلم والدراسة والكتابة للكتب ، بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها وتفريغ القلب من شواغلها ، والإقبال بكنه الهمة على اللَّه تعالى ، فمن كان اللَّه ، كان اللَّه له “ . 
(الإحياء ، ج 3 ، ص 19 ) . 


( 3464 ) يقول الغزالي : “ فاعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية . فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم ، وتحصيل ما صنّفه المصنّون ، والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة ، بل قالوا : 
الطريق تقويم المجاهدة ، ومحو الصفات المذمومة ، وقطع العلائق كلها ، والإقبال بكنه الهمة على اللَّه تعالى ، ومهما حصل ذلك كان اللَّه هو المتولي لقلب عبده ، والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 19 ) . 


( 3466 ) القصة التي يذكرها الشاعر في الأبيات التالية ، وردت في كتاب الإحياء للغزالي . وقد ذكرها لبيان الفرق بين عمل العلماء ، وعمل الأولياء .


“ 605 “


قال : “ حكي أن أهل الصين وأهل الروم تباهوا بين يدي بعض الملوك بحسن صناعة النقش والصور ، فاستقر رأي الملك على أن يسلم إليهم صُفة لينقش أهل الصين منها جانباً ، وأهل الروم جانباً ويرخى بينهما حجاب يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ، ففعل ذلك ، فجمع أهل الروم من الأصباغ الغريبة مالا ينحصر . ودخل أهل الصين من غير صبغ وأقبلوا يجلون جانبهم ويصقلونه فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم قد فرغوا أيضاً ، فعجب الملك من قولهم ، وأنهم كيف فرغوا من النقش من غير صبغ . فقيل : وكيف فرغتم من غير صبغ ؟ فقالوا : ما عليكم . ارفعوا الحجاب ، فرفعوا وإذا بجانبهم يتلألأ منه عجائب الصنائع الرومية مع زيادة إشراق وبريق ، إذ كان قد صار كالمرآة المجلوة لكثيرة التصقيل ، فازداد حسن جانبهم بمزيد التصقيل . فكذلك عناية الأولياء بتطهير القلب وجلائه وتزكيته وصفائه ، حتى يتلألأ فيه جلية الحق بنهاية الإشراق كفعل أهل الصين . وعناية الحكماء والعلماء بالاكتساب ونقش العلوم ، وتحصيل نقشها في القلب كفعل أهل الروم “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 22 ) ونلحظ أن الغزالي جعل الصينين أهل الصقل ( وهم الصوفية ) ، وجعل الروم أهل النقش والصبغ وهم العلماء . وعلى العكس من هذا نرى جلال الدين يجعل الروم أهل الصقل ، ويجعل الصينيين أهل الصبغ والنقش . ولا غرابة في ذلك فجلال الدين رومي الوطن ، أحسن الظن بقومه ، الذين عاش بينهم . ونجد جلال الدين يأخذ جانب الروم من أول القصة حين يقول : “ وتباحث الصينيون والروم ، فصمد الروم في هذا البحث “ . ( بيت 3469 ) . 


( 3476 ) إن الضوء يسقط على المرئيات فيظهر بألوان شتى . ولكنا إذا جردناه من هذه المرئيات المتعددة ، ونظرنا إليه في منبعه ، وجدناه لوناً واحداً متجانساً . 


( 3485 ) قال الغزالي : “ فالقلب في حكم مرآة قد اكتنفته هذه الأمور المؤثرة فيه . وهذه الآثار على التواصل واصلة إلى القلب . أما الآثار المحمودة التي ذكرناها ، فإنها تزيد مرآة القلب جلاء وإشراقاً ، ونوراً وضياء ، حتى يتلألأ


“ 606 “


فيه جلية الحق . . . وأما الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم ، يتصاعد إلى مرآة القلب ، ولا يزال يتراكم عليه مرة بعد أُخرى إلى أن يسوّد ويظلم ، ويصير بالكلية محجوباً عن اللَّه تعالى “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 12 ) . ويقول أيضاً : 
“ فكذلك القلب مرآة مستعدة لأن ينجلي فيها حقيقة الحق في الأمور كلها “ . 
( المصدر السابق ، ص 13 ) . 


( 3486 - 3488 ) إن قلب موسى قد اتسع لصورة الغيب ، مع أن هذه الصورة لا يحيط بها الفلك ولا العرش ولا الكرسي . 
وقد تناول الغزالي هذا الموضوع بقوله : “ وفي الخبز : قال تعالى : لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع . . . ومن ارتفع الحجاب بينه وبين اللَّه تجلى صورة الملك والملكوت في قلبه ، فيرى جنة عرض بعضها السماوات والأرض ، أما جملتها فأكثر سعة من السماوات والأرض ، لأن السماوات والأرض عبارة عن عالم الملك والشهادة ، وهو إن كان واسع الأطراف متباعد الأكناف فهو متناه على الجملة ، وأما عالم الملكوت - وهي الأسرار الغائبة عن مشاهدة الأبصار ، المخصوصة بإدراك البصائر - فلا نهاية له “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 15 ) . 


( 3489 ) القلب الذي صفا وأصبح خالياً من الشوائب يتجلى به اللَّه كما تتجلى الصورة في المرآة ، والمرآة إذا تجلت بها الصورة ، أصبحت عين الصورة . وفي هذا تعبير عن استغراق قلب الصوفي العارف في محبة اللَّه بصورة لا تدع مجالًا لغير اللَّه . 


( 3492 ) انظر التعليق على البيت 3485 . 


( 3493 ) يشير الشاعر هنا إلى انصراف الصوفية عن علوم الدنيا . 
وانشغالهم بتصفية القلب ، وتلقي ما يبثه اللَّه فيه من اليقين . ويرى الغزالي أن الجمع بين علوم الدنيا وعلوم الآخرة “ لا يكاد يتيسر إلا لمن رسخه اللَّه لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم ، وهم الأنبياء المؤّيدون بروح القدس ، المستمدون من القوة الإلهية التي تتسع لجميع الأمور ولا تضيق عنها . فأما قلوب سائر الخلق
“ 607 “


فإنها إذا استقلت بأمر الدنيا ، انصرفت عن الآخرة ، وقصرت عن الاستكمال فيها “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 18 ) . 


( 3499 ) ذكر الغزالي أن عمر بن الخطاب قال : “ رأى قلبي ربي “ . 
( الإحياء ، ج 3 ، ص 15 ) . وروي عن ابن عمر : “ قيل لرسول اللَّه ، يا رسول اللَّه ، أين اللَّه ؟ في الأرض أو في السماء ؟ قال : في قلوب عباده المؤمنين “ . ( انظر المصدر السابق ) . 


( 3500 ) يشير الشاعر هنا إلى حديث عرف باسم حديث حارثة ، ذُكر في النهاية ( ج 3 ، ص 159 ) . وقد ذكره الهجويري في كشف المحبوب ، والكلاباذي في كتاب التعرف . وكل من هذين أجرى الحديث على لسان حارثة . 
فالحديث لم ينسب صراحة إلى زيد بن حارثة ، وإنما نسب إلى حارثة . 
وقد يكون من الغريب حقاً ألا يُذكر في الحديث اسم زيد ، فيعرف باسم حديث حارثة ، مع أن اسم زيد ذكر في القرآن ، وعرف الرجل باسم زيد بن حارثة ، أو باسم زيد وحده . ولعل الشاعر التبس عليه الأمر ، فاعتبر حارثة هذا زيد بن حارثة ، وتبعه في ذلك شراح المثنوي . 


ونص الحديث كما نقله الكلاباذي في التعرف ( ص 23 ) جاء على الوجه الآتي : 
“ وقال حارثة حين سأله النبي صّلى اللَّه وعليه وسلم ما حقيقة إيمانك ؟ قال : عزفت بنفسي عن الدنيا فأظمأت نهاري وأسهرت ليلي ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وإلى أهل النار يتعادون “ . . . وقال النبي صّلى اللَّه وعليه وسلم : “ من أحب أن ينظر إلى عبد نوّر اللَّه قلبه فينظر إلى حارثة “ . 
ولعل إجماع المصادر التي ذكرناها على الإشارة إلى هذا الحديث باسم حديث حارثة يجعلنا نعتقد أن المقصود به حارثة بن سراقة . وقد كان حارثة بن سراقة هذا أحد شهداء بدر من الأنصار . 
وقد روي هذا الحديث متعلقاً به . يقول صاحب السيرة الحلبية : “ كان حارثة سأل رسول اللَّه صّلى اللَّه وعليه وسلم أن يدعو له بالشهادة فقد جاء أنه قال الحارثة يوماً وقد استقبله ، كيف أصبحت يا حارثة . 
قال : أصبحت مؤمناً باللَّه حقاً . قال : انظر ما تقول ، فإن لكل قول حقيقة . قال : 
يا رسول اللَّه ، عزلت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري ، فكأني


“ 608 “


بعرش ربي بارزاً ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار يتعادون فيها . قال : أبصرت فالزم عبد ، أي أنت عبد بذر اللَّه الإيمان في قلبه . قال : فقلت ادع اللَّه لي بالشهادة ، فدعا رسول اللَّه بذلك “ . 
(علي برهان الدين الحلبي : السيرة الحلبية ، ج 2 ، ص 180 ، 181 . القاهرة ) . 


( 3512 ) وأما قبل البعث ، فإن حقيقة الروح لا تكون معروفة ، فحالها في الدنيا يخفى على عامة الخلق . 


( 3515 ) جميع أرواح الغابرين - في فترة الانتقال بين الموت والبعث - تستقبل الأرواح التي تنطلق من الأجساد . 


( 3519 ) ما دام الإنسان نزيلًا لهذه الحياة الدنيا ، فإن أكثر الناس لا يعرفون طبيعة روحه ، ولا مكانها من الخير والشر ، ذلك لأن القادرين على مثل هذا التمييز قلة نادرة . فالروح في الجسم كالجنين قبل الوضع . 


( 3520 ) هذه القلة النادرة من الناس هم الذين أوتوا الفراسة ، ويروي الصوفية أن الرسول أشار إليها بقوله : “ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللَّه “ “ 1 “ . ( انظر السراج : اللمع ، ص 171 ) . 


( 3533 ) “ حُفَر النفاق السبع - كما أجمع شراح المثنوي - تعبير عن سبع من الخصال القبيحة ، يقابل كل منها باباً من أبواب الجحيم السبعة . 


وهذه الخصال - كما يقول صاحب المنهج القوي - هي الشرك باللَّه ، والسحر ، قتل النفس التي حرّم اللَّه إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات . ( المنهج القوي ، ج 1 ، ص 640 ) . وهذا - بطبيعة الحال - اجتهاد . ولا يمكن الجزم بأن الشاعر قصد هذه الخصال أو سواها بالذات . ومما يسند هذا الشرح ما ذكره المفسرون في بيان أبواب جهنم السبعة .
...............................................................
( 1 ) هذا الحديث كثير الورود في كتب الصوفية . وقد أخرجه الترمذي والطبراني .
“ 609 “


( 3552 ) قوله : “ إن كان التجلي قد جعل من صدرك طور سيناء “ . 
معناه “ إن كان صدرك قد شهد من التجلي ما شهده موسى حين تجلى له الخالق في طور سيناء “ . 
( 3553 - 3554 ) هل يستطيع إنسان أن يطوي قلبه على ما تكشف له من نور اليقين ؟ إن هذا النور ليبدد القلب الذي يطويه ، وليس يفنع في إيقاف ذلك جنون ولا عقل . 


( 3555 - 3556 ) إن اللَّه يحجب عن الناس الكثير من الأسرار ، وفي ذلك خيرهم . فهم لا يعلمون آجالهم . ولا يعرفون كنه مصيرهم يوم الحساب ، وبذلك يعيشون على أمل الغفران والثواب . وهذا الستر الإلهي دليل على أن اللَّه أراد لعباد ذلك . فعلى العباد أيضاً ألا يبوحوا بما يُكشف لهم من الأسرار الغيبية . وكما أن الإنسان قادر على الستر الحسي ، فهو كذلك قادر على الستر المعنوي . فهو يحجب الشمس أو القمر بطرف إصبعه . وهو أيضاً قادر على أن يحجب أسرار القلب بشيء من الإرادة وضبط النفس . 


( 3558 ) لقد فضل اللَّه الإنسان على كافة مخلوقاته . فهذا البحر الشاسع البعيد الأعماق طوع حكمة . أفلا تكون نفسه طوع حكمه ؟ 


( 3559 - 3561 ) وكما سُخرّت للإنسان مخلوقات هذه الحياة الدنيا ، كذلك سُخرّت له ينابيع الجنة وأنهارها ، يجريها كما يشاء ، فتعنو لمراده . 


( 3562 ) ينتقل الشاعر هنا من الحديث عن الإنسان ، وسيطرته على سائر المخلوقات ، إلى الحديث عن القلب ، وسيطرته على جوارح الإنسان وملكاته . 


( 3566 - 3575 ) يتحدث الشاعر هنا عن سيطرة القلب على الأعضاء والملكات الإنسانية . وهذا موضوع كتب عنه الغزالي ، وشبه القلب بملك له في الكيان الإنساني جنود وأعوان تطيع أمره . 
قال : “ وللقلب جندان ، جند يُرى بالأبصار ، وجند لا يرى إلا بالبصائر . وهو في حكم الملك والجنود في حكم الخدم والأعوان . فهذا معنى الجند . فأما جنده المشاهد بالعين فهو اليد والرجل والعين والأذن واللسان وسائر الأعضاء الظاهرة والباطنة ، فإن جميعها


“ 610 “


خادمة للقلب ومسخرّة له . فهو المتصرف فيها والمردد لها . وقد خُلقت مجبولة على طاعته ، لا تستطيع له خلافاً ولا عليه تمرداً . فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت ، وإذا أمر الرجل بالحركة تحركت ، وإذا أمر اللسان بالكلام وجزم الحكم به تكلم . وكذلك سائر الأعضاء “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 5 ) . 
وانتقل الغزالي من الحديث عن الأعضاء إلى الحديث عن قوى الإنسان وملكاته ، فقال : “ فجملة جنود القلب تحصرها ثلاثة أصناف صنف باعث ومستحث . . . وقد يعبر عن هذا الباعث بالإرادة . 
والثاني هو المحرك للأعضاء إلى تحصيل هذه المقاصد ويُعبر عن هذا الثاني بالقدرة : وهي جنود مبثوثة في سائر الأعضاء ، لا سيما العضلات منها والأونار . 
والثالث هو المدرك المتعرف للأشياء كالجواسيس وهي قوة البصر والسمع والشم والذوق واللمس وهي مبثوثة في أعضاء معينة ، ويعبر عن هذا بالعلم والإدراك . 
ومع كل واحد من هذا الجنود الباطنة جنود ظاهرة ، هي الأعضاء المركبة من الشحم واللحم والعصب والدم والعظم التي أُعدت آلات لهذه الجنود . فقوة البطش إنما هي بالأصابع ، وقوة البصر إنما هي بالعين ، وكذا سائر القوى “ . 
(المصدر السابق ، ص 6 ) . 


( 3571 ) “ اليد الخفية “ التي تحرك اليد الظاهرة هي القلب . 


( 3576 ) الحواس الخمس الباطنية هي : الحس المشترك ، والتخيل والتفكر والتذكر والحفظ . ( الغزالي : الإحياء ، ج 3 ، ص 6 ) . 


( 3578 ) أيها القلب ، ما دمت تملك هذه القوة ، فلتكن قوياً صامداً لما يطرق بابك من الهواجس ، قديراً على الاحتفاظ بنقائك وطهرك . وليكن لك من سلطانك ما تقهر به وساوس الشيطان ، وتقصيها عن ساحتك . 


( 3584 - 3597 ) القصة التي حكاها الشاعر عن لقمان وردت بإيجاز في قصص الأنبياء للثعلبي ( ص 393 ) . قال : “ أخبرنا أبو عبد اللَّه الحسين الدينوري عن عكرمة قال : كان لقمان أهون مملوك على سيده . قال : فبعثه مولاه مع


“ 611 “


رفقة إلى بستان له ليأتوه بشيء من ثمره . فجاءوا وليس معهم شيء ، وقد أكلوا الثمرة وأحالوا على لقمان . فقال لمولاه : إن ذا الوجهين لا يكون عند اللَّه أميناً . 
فاسقني وإياهم ماء جميماً ، ثم أرسلنا لنقذفه . ففعل فجعلوا يتقيئون الفاكهة وجعل لقمان يتقياً ماء نقياً فعرف صدقه من كذبهم “ . 


( 3599 ) في يوم الحساب ، يوم تُبلى السرائر ، لا يبقى هناك سر لا ينكشف أمام الخالق ، فحينذاك يتضح العيب الذي كان الإنسان يحسب أنه قد نجا منه ، بعد أن استطاع إخفاء في الدنيا .


[ شرح من بيت 3600 إلى 3750 ] 
( 3600 ) لعل هذا البيت العربي محرّف . فالشطر الثاني منه لا يكاد يرتبط بأوله . ولعل الصواب أن نضع كلمة “ الأحشاء “ أو “ الأمعاء “ بدلًا من “ الأستار “ فيكون المعنى مقتبساً من الآية القرآنية المشار إليها وهي :” وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ “( 47 : 15 ) . ويجوز أن يفهم البيت على أساس أن الماء كشف سرهم فمزّق أستار النفاق ، وأظهر ما كانت تخفيه . 


( 3601 ) وصف اللَّه قلوب العصاة من بني إسرائيل بقوله :” ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ، فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً “. ( البقرة ، 2 : 74 ) . 
ولما كانت قلوب الكفار كالحجارة ، فقد استحقت عذاب النار . ذلك لأن النار هي الفيصل في امتحان الأحجار . 
( 3610 ) إن اللَّه أراد أن يكون هناك غيب محجّب ، طيلة بقاء هذه الدنيا ، فلا تهتف بإعلان ما تكشف لك من الغيب ، ولا تفتح هذا الباب . 


( 3611 ) لا تندفع بإعلان السر . وتحكم في قلبك ولسانك . فالستر في هذه الدنيا أجمل . وخير لكل امرئ أن يسعد بما يتخيله عن حقيقة حاله . 


( 3612 ) فقد يؤدي كشف حقيقة الحال بالنسبة لبعض الناس إلى قنوط هؤلاء من رحمة اللَّه ، وانصرافهم عن عبادته . 
( 3616 ) الحجاب يزيد المهابة بالنسبة لأهل هذه الدنيا . فيجب أن تظل حقائق العالم الغيبي خافية عليهم لتزداد مهابة الغيب في نفوسهم . 
( 3617 ) الشريعة تستشير في قلوب الناس الخوف والرجاء ، وعالم الغيب
“ 612 “


المحجّب عن الأنظار هو الذي يجعل الناس يتحركون في مختلف الاتجاهات ، رجاء وخوفاً . وهو الذي يكون الإيمان به ابتلاء للعباد ، ومحكاً لمعرفة مدى تصديق أرواحهم لما بُلغوا من رسالات السماء . 


( 3618 - 3624 ) يشير الشاعر هنا إلى قصة سليمان حين سرق أحد الشياطين خاتمه فضاع بذلك ملكه ، وأصبح فقيراً ضعيفاً ، يحمل للصيادين السمك من البحر إلى السوق لقاء سمكتين ، كان يأكل إحدا هما ويبيع الأخرى . 
وقد ظل في هذه المحنة أربعين يوماً ، وذات يوم شق سمكة ليتعشى بها فوجد خاتمه في جوفها . وكان هذا الخاتم قد سقط من الشيطان في البحر ، فابتلعته هذه السمكة . وما أن وضع سليمان خاتمه حول إصبعه حتى عاد إليه ملكه . وقد رُويت هذه القصة بصور عديدة ذكر بعضها الثعلبي ( قصص الأنبياء ، 360 - 365 ) . 
وقد ترّدد ذكرها في تفسير قوله تعالى :” وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ “. ( ص ، 38 : 34 ) . 
ويم يرد في أيّ من الروايات التي اطلعت عليها إشارة إلى الفتى الذي ذكر الشاعر أنه رأى سليمان يصيد السمك على شاطىء البحر ، فحار في أمره ، وساءل نفسه : “ أهذا سليمان العظيم يصيد السمك ؟ وإن لم يكن هو فما هذا الشبه بينه وبين سليمان ؟ “ ، حتى إذا عاد لسليمان ملكه شهده على عرشه فانقلب الظن عنده إلى يقين . 
ومغزى القصة أن هناك من الغيب ما يتحرى الإنسان عنه ، فيهتدي - في نهاية الأمر - إلى حقيقتة ، ويصبح ظنه يقيناً . فسليمان على شاطىء البحر كان وهماً في خيال الفتى . وسليمان على عرشه - والخاتم في إصبعه - كان يقيناً لا شك فيه . 


( 3625 ) وردت في إحدى نسخ المثنوي كلمة “ وهم “ بدلًا من “ باك “ ، ومعناها الخوف . فتكون ترجمة البيت “ إن الوهم يكون حيث يكون الحجاب . . . “ ( 3627 ) إن الخيال مشتق من الحقيقة . فالسماء قد تبدو خالية من المطر ،
 “ 613 “ 
ولكن المطر يكون كامناً فيها . والأرض قد تبدو خالية من الخضرة ، ولكن الخضرة كامنة في طبيعتها . فالخيال هنا جزء من اليقين . 


( 3628 ) عامة الخلق في الدنيا لا يطلعون على الغيب ، ذلك لأن اللَّه حجبه عنهم . فلا بد لهم من الإيمان بالغيب ، لكي يصدقوا رسل اللَّه . وإن لم يفعوا ذلك فلا مجال لهذا التصديق . 


( 3629 ) لو أنني فتحت أمام الخلق نوافذ في السماء يطلون منها على الغيب ، لما كنت أخاطبهم قائلًا :” الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ “. ( 67 : 3 ) . فعالم الغيب محتجب عن شهود الخلق حتى يوم البعث . 


( 3630 ) وهذا الحجاب إنما جعل لامتحان الخلق . وقد جعلهم هذا الحجاب في ظلمة ، لا يعرف أي منهم ، ما خُبىء له ، فهم يعيشون في الدنيا بين الخوف والرجاء ، ومنهم من يهتدي ويسلك سواء السبيل ، ومنهم من يضلّ وينحرف عن الجادة . 
( 3631 ) وفي هذه الحياة الدنيا تنعكس الأمور ويعلّق اللصوص رجال الشرطة على المشانق . وقد يكون اللصوص هنا رمزاً للجلاء ، ورجال الشرطة رمزاً للعارفين . وربما يكون الشاعر هنا يشير إلى واقعة محددة من وقائع اضطهاد الصوفية كمصرع الحلاج . 


( 3632 ) تنعكس القيم في هذه الدنيا ، ويسود الجهلاء ، ويذلون العارفين والحكماء . 
( 3634 ) أين من يعبد اللَّه بعد أن يلقاه ، ممن يعبده خاشعاً في هذه الدنيا ، قبل أن يراه ؟ فمثل هذا يستحي من اللَّه لأنه عرفه ، “ والمعرفة توجب الحياء والتعظيم “ . ( القشيري ، ص 142 ) . 


( 3635 - 3636 ) مثل الوفاء للسلطان ممن يكون بعيداً عنه ، كمثل الإخلاص للَّه في الدنيا ، وقبل ملاقاته في الدار الآخرة . فحافظ الثغر يرعى
 “ 614 “ 
حق الملك وهو بعيد عنه ، والعارف يرعى حق اللَّه في هذه الدنيا ، وقبل أن يدخل رحابه في العالم الآخر . 


( 3641 ) لما كان الغيب والغائب والحجاب أفضل للخلق في هذه الدنيا ، وجب الإبقاء على قناع الأسرار . وعلى العارف أن يتجنب البوح بما يتكشف له . 


( 3651 ) الملائكة أيضاً يتفاوتون كالبشر ، ولكل ملك نوره ومنزلته التي تتفق ومدى إشراق هذا النور . 


( 3656 ) انظر اللمع للسراج ( كتاب الصحابة ، ص 166 ) . وقد استشهد هذا المؤلف - في بيان فضل الصحابة - بقوله تعالى :” وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ “. 
( التوبة ، 9 : 100 ) ، وكذلك بالحديث الذي إشارة إليه الشاعر ، ونصه : 
“ أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم “ . 


( 3657 - 3658 ) لو كان كل إنسان قادراً على أن يتلقى الوحي من اللَّه ، الجاز لنا أن ننكر الحاجة إلى رسل اللَّه ، وإلى من سار على نهجهم من الهداة والمصلحين ، فهؤلاء جاءوا شهوداً اللَّه على خلقه . 


( 3659 ) في هذا البيت اقتباس من آية أمر اللَّه رسول أن ينطلق بها ، وذلك قوله تعالى :” قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ “ *. ( 18 : 110 ) . فقد يكون القمر هنا رمزاً للرسول ، أما التراب والسحب والظلال فرموز لكل من يهتدي به ، ويستضيء بنوره ، على اختلاف طبائعهم ، ومراتبهم الروحية ، وقدراتهم على اقتباس النور . 
( 3660 ) لولا الوحي الإلهي لما اختلف الأنبياء عن عامة البشر . 


( 3661 - 3662 ) إنني - بالقياس إلى الصفات الإلهية - خافتُ النور . 
ولكن نوري يمثل مدى الإشراق الذي يقدر على التطلع إليه عامة البشر ، فيتلقون منه الهداية . فهم لا يستطيعون تلقي النور الإلهي بصورة مباشرة ، وفي نور النبوة ما ينير نفوسهم ويخلصها من ظلمات الجهل . 


( 3663 ) كان مزيج الخل والعسل يعتبر دواء لعلاج الكبد .
 “ 615 “ 


( 3665 )  حينما يصبح القلب الإنساني طاهراً من الهوى ، ويتخلص من كافة العلائق المادية ، والآفات الحسية ، يكون مثلُ هذا القلب أهلًا لأن يتجلى به الخالق ، بل يصبح القلب وكأنه عرش اللَّه . وفي الحديث ما يؤيد ذلك ، فقد رُوي عن الرسول أنه قال : “ قلب المؤمن عرش اللَّه “ . 


( 3668 ) قوله : “ لقد قفز من موضع صف النعال ، ورمى نعله “ ، معناه أنه ترك هذه الدار الفانية ، التي لا تعدو أن تكون ممراً وضيعاً بالنسبة لما يجيء وراءها ، كما يكون موضع صف النعال بالنسبة للمسجد أو الدار . ورَمْيُ النعل كناية عن الانصراف عن الدنيا ، ونبذها . فلن تكون له عودة إلى موضع صف النعال ( الدنيا ) ليلتقط نعله ، بل هو قد تخلى عن هذه العودة ودواعيها . 


( 3670 ) إن العارفين الذين سلكوا سبيل الفناء ، لن تجد لهم سبباً يربطهم بهذه الدنيا ، مهما كان هذا السبب واهياً . 


( 3672 ) في البيت اقتباس من آية كمريمة تشير إلى البعث . ولكن الشاعر استخدم مفهوم البعث هنا للدلالة على البعث الروحي ، الذي يؤمن به الصوفية ، وفيه تتجه حواسهم وعقولهم إلى الخالق ، فتكون كالأمواج التي تعود إلى البحر الذي انطلقت منه . 


( 3673 - 3674 ) إذا أقبل ليلى الوعي الحسي ، وزال نهار التجلي ، أعاد اللَّه عقول أهل الكشف إلى وعيها ، وأخرجها من نشوتها ، لتحمل من جديد أعباء هذه الحياة . فهذه العقول كنجوم أشرق عليها النهار فاحتجبت ، فلما جنّ الليل عادت إلى الظهور . وهي لا تكاد تحل في الأجساد حتى يعود إليها وعيها وإدراكها الذي كانت عليه . 


( 3676 ) فهذه الأجساد الخاوية من العقول والأرواح ، قد أصبحت فرساناً يثيرون الغبار حين رد اللَّه عليها العقول والأرواح ، وكذلك الحال بالنسبة لمن ماتوا من المؤمنين وتحللت أجسادهم ، يعيدهم اللَّه يوم القيامة أقوياء أشداء . وهنا ينتقل الشاعر من البعث الروحي بمعناه الصوفي إلى البعث بمعناه الاصطلاحي ، وهو إعادة الموتى إلى الحياة يوم القيامة .
 “ 616 “ 


( 3679 ) في هذا البيت إشارة إلى استحالة إحداث الوجود من العدم . 
فبموجب هذا القول الذي ينطبق مفهومه على الكائنات جميعاً ، يكون إيجاد المعدوم محالًا ، أو يكون المعدوم - على حد تعبير الشاعر - مستعصياً على الوجود ، يستنكر إمكان اقتلاعه من حاله التي هو عليها . ولكن هذا المبدأ لا ينطبق على الخالق ، الذي يخلق من العدم ما يشاء بإرادته . 


( 3680 ) يصور الشاعر إحداث الموجودات من العدم بقدرة اللَّه ، بأن الخالق جرّها من شعرها فأخرجها من حالها التي كانت عليها في عالم الإمكان إلى ما أصبحت عليه في عالم الوجود . 


( 3681 ) بانتقال المعدوم من عالم الإمكان إلى عالم الوجود ، دخل في دنيا لم تكن أحوالها ولا خطوبها تخطر له على بال . 


( 3682 ) إن العدم لمطيعُ أمر ربه فيما أراد ، ولا سبيل له إلى أن يستعصي على قوة اللَّه الخالقة . ومهما كانت له من قوة سلبية كقوة الشياطين فأنى للشياطين أن تستعصي على إرادة سليمان . 


( 3684 ) إن الموجود يخاف العدم . وكذلك العدم ، يخاف أن ينتقل من حاله إلى حال الوجود . وكل من العدم والوجود لا يملك لنفسه أمراً أمام إرادة اللَّه ، التي تستطيع أن تنقله من حاله إلى عكس تلك الحال . 


( 3685 ) ينتقل الشاعر هنا إلى الحديث عن ازديار خوف الإنسان من العدم بازديار خظه من متاع الدنيا . فهذا يزيده ارتباطاً بها ، وحرصاً على البقاء فيها . 
( 3686 ) ليست هناك حياة حقيقية إلا بمحبة اللَّه . أما محبة الدنيا والإقبال عليها ، مهما بدت لذيذة لعشاقها ، فليست إلا معاناة للنزع ، لأنها احتضار للروح يؤدي في النهاية إلى هلاكها . 


( 3687 ) يعرف الشاعر معاناة النزع هنا بأنها اتجاه المرء إلى الموت قبل أن يتحقق له ارتشاف ماء الحياة . وماء الحياة هنا تعبير رمزي عن المحبة الإلهية ، وهي عند الصوفية سبيل البقاء . فإذا قضى الإنسان عمره في تعلق بالحس ورغائبه ، فقد جعل من حياته فترة احتضار روحي ، وكان باستطاعته أن يتجه نحو ماء الحياة فيكتب له الخلود .
“ 617 “


( 3688 ) الناس في هذه الدنيا لا يتفكرون إلا فيها ، ولا يخشون إلا الخروج منها ، وقد صرفهم هذا عن سبيل المحبة ، الإلهية ، واعترتهم إزاءها الشكوك ، مع أنها سبيلهم الوحيد إلى البقاء . 


( 3689 ) قوله : “ وسر في الدجى نحو ربك ، فإنك إن أغفيت ضاع منك الليل “ معناه : “ ولا تضع ليل الحياة في غفلة وسبات ، بل اقطع هذا الليل ساهراً متنبهاً ، لعلك تهتدي إلى ما يحقق لك حياة الخلود . أما من غلبه النوم في هذا الليل ، فقد فاتته الفرصة ، وضاعت حياته سدى . يقول الغزالي : 
“ وليس يمكن العبد أن يصل إلى اللَّه سبحانه ما لم يسكن الدبن ولم يُجاوز الدنيا ، فإن المنزل الأدنى لا بد من قطعه للوصول إلى المنزل الأقصى ، فالدنيا مزرعة الآخرة “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 5 ) . 


( 3690 ) فتّش في هذه الحياة المادية المظلمة عن حياة الروح الصافية المشرقة ، واتخذ من العقل الكليّ هادياً لك في تلك الظلمات . 


( 3691 ) أنظر البيت 574 والتعليق عليه . 


( 3692 ) “ وكيف تستطيع الخلاص من هذه الغفلة ، وأنت الذي تغرس قلبك فيها ، وتجلت على روحك دواعيها ؟ “ . 


( 3693 ) هذه الغفلة الثقيلة جلبها عليك إغراقك النفس في متاع الحياة الدنيا . فقد كنت كتاجر غفل عن بضاعته ، وهي أيام عمره المحدودة ، فأخذ الشيطان يسرق منه تلك الأيام ويعطيه لقاءها ما يشغله به من مغرياته الرخيصة . وصرفتك هذه المغريات عن إدراك الضياع الذي أصابك . 


( 3701 ) “ نور إبراهيم “ هو نور الإيمان باللَّه ، الذي جعله ينجو من الاحتراق بنار الكافرين . 


( 3702 ) النفس الأمارة بالسوء تحرق الجسم كما تحرق النار عود الحطب . وليس سوى الإيمان يطفئ لهيب النفس المضطرم كنار النمرود .


“ 618 “


( 3718 ) إن المال في يد الخاطئين كبذور غرست في أرض ملْحة ، فهي لا تزكو ولا تثمر . أو هو كسيف في يد قاطع الطريق ، لا يتحقق منه سوى الغدر والإيذاء . 


( 3719 - 3720 ) من الواجب أن يميّز الإنسان بين أهل الدين وأهل الضغائن ، وأن يكون دليله في اختيار رفقائه ما يكون عليه هؤلاء من قيمة ذاتية ، وليس ما يربطه بهم من قرابة أو نسب . فالتعصب لذوي القربى لا يحتاج إلى حكمة ولا إدراك رفيع ، فهذا أمر لا يخفى على أحد ، ولو كان من أهل الغفلة .
.

* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: