الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

03 - المقدمة المنظومة والحكمة من التأخير .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

03 - المقدمة المنظومة والحكمة من التأخير .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

03 - المقدمة المنظومة والحكمة من التأخير .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

المقدمة المنظومة والحكمة من التأخير مدة من الزمان
“ 36 “
 
( المثنوى )
[ المقدمة المنظومة والحكمة من التأخير مدة من الزمان ]
01 -  لقد تأخر هذا المثنوى مدة من الزمان ، فلا بدّ من مهلة لكي يصير الدم حليبا صافيا .
فما لم يلد بختك طفلا جديدا ، فان الدم لا يصبح حليبا حلوا ، فكن حسن الانصاف ! 
( وهذا ما تحقق ) حينما ثنى ضياء الحق حسام الدين عنانه عائدا من أوج السماء .
فهو ، إذ كان قد انطلق إلى معراج الحقائق لم تكن - بدون ربيعه - تتفتح البراعم .


05 -   فلما أقبل من البحر نحو الساحل ، أصبح قيثار شعر المثنوى قرينا للمزمار ! 
ان المثنوى الذي كان صيقل الأرواح صارت عودته يوم استفتاح .
وكان مطلع تاريخ هذه التجاورة وذلك الربح عام ستمائة واثنين وستين .
ان بلبلا قد انطلق من هنا ثم عاد ! ولقد أصبح بازا في اصطياد تلك المعاني .
فليكن ساعد الملك مسكنا لهذا الباز ! وليبق هذا الباب مفتوحا أمام الخلق حتى الأبد !

10 - وما آفة هذا الباب الا الهوى والشهوة . والا فهناك مورد لا ينضب
 

“ 37 “


من شراب الروح .
ان الفم والحلق هما الرباط الذي يحجب عن العين ذلك العالم الروحي .

فلتغلق هذا الفم حتى تراه عيانا .
أيها الفم ! انك فوهة الجحيهم ! أيتها الدنيا ! انك لشبيهة بالبرزخ ! 
والنور الخالد ملابس لهذه الدنيا ذات الشأن الوضيع ، فهو كالحليب يجرى ( في الجسد ) بجوار أوعية الدماء .
فإذا ما خطوت - نحو هذا ( النور ) - خطوة بدون احتياط ، صار حليبك دما من جرّاء هذا الاختلاط .


15 - لقد خطا آدم خطوة واحدة وراء شهوة النفس ، فأصبح الزاما عليه أن يفارق صدر الجنان .
وأصبحت الملائكة تفرّ منه كأنما هو الشيطان ! وما أكثر ما سكب من الدمع لقاء لقمة ! 
فمع أن هذا الذنب الذي سعى اليه كان شعرة واحدة ، فقد نبتت هذا الشعرة في كلتا عينيه !
 لقد كان آدم عين النور القديم ، والشعرة في العين تكون كالجبل العظيم .
فلو أن آدم شاور في ذلك ربه ، لما كان عليه - في ندامته - أن يلتزم التماس العذر .

 

20 - فالعقل لو أصبح قرينا لعقل آخر ، كان هذا مانعاً لسوء القول وقبح الفعال .
أما لنفس فإنها إذا اقترنت بغيرها من النفوس تعطل العقل الجزئي وصار بلا عمل .
فالجأ إلى ظل رفيق مشرق كالشمس إذا أحسست باليأس في وحدتك وانفرادك .
اذهب ، وسارع إلى البحث عن هذا الرفيق الالهىّ . فإنك ان

“ 38 “

فعلت ذلك أصبح الله عونا لك ورفيقا .
فذلك الذي قصر نظره على الخلوة ، ( كان عليه ) أن يتعلم من الرفيق في آخر الأمر .

25 - الخلوة واجبة لتجنب الأغيار ، لا الأحباء . فالفراء يرتدى أثناء الشتاء وليس ابان الربيع .
ان العقل إذا أصبح متحدا مع عقل آخر ، زاد النور واتضح بذلك قصد السبيل .
أما النفس ، فهي ان غدت ضاحكة طربة مع غيرها من النفوس زادت بذلك الظلمات واختفت معالم الطريق .
ان الرفيق عينك أيها الرجل الصياد ، فاحفظه نظيفا من القذى ومن أقذار الطريق .
حذار ، ولا تثر الغبار بمكنسة اللسان ! ولا تحمل للعين هدية من تلك الأقذار .

 
30 - فالمؤمن - حين يكون مرآة للمؤمن - يغدو وجهه آمنا من أىّ تلوّث .
والرفيق مرآة للروح في وقت الحزن ، فلا تنفت - أيها الروح - أنفاسك في وجه المرآة .
بل إن عينك في كل لحظة أن تبتلع أنفاسك حتى لا تحجب وجهك بتلك الأنفاس .
فهل أنت أقل ( احساساً ) من التربة ؟ فهذه حين وجدت من الربيع رفيقا تزينت بمائة ألف من النور والزهر! 
وتلك الشجرة التي أصبحت مقترنة بالهواء الحلو تفتحت من رأسها إلى قدمها !

35 وفي الخريف - حينما رأت رفيق الخلاف - سحبت رأسها ووجهها تحت اللحاف !
 

“ 39 “

وقالت : “ ان رفيق السوء مثير للفتنة ، فإذا ما جاء فسبيلى هو النوم .
فأنام وأكون من أصحاب الكهف . وان هؤلاء المحبوسين الخائفين لخير من دقيانوس .
فيقظة هؤلاء كانت مصروفة على دقيانوس ، وأما نومهم فكان ذخرا لشرف الروح ! 
ان النوم - حين يكون مع علم - فهو يقظة . وواهاً على اليقظ الذي جلس مع الجلاء .


40 فالغربان إذا ضربت خيامها فوق شهربهمن “ 1 “ صارت البلابل محتجبة ولزمت الصمت .
ذلك لأن البلبل - بدون بستان الورد - يكون صامتا . وان غيبة الشمس لساحبة لليقظة .
أيتها الشمس ! انك لتتركين هذا البستان ، وذلك لتنشرى الضياء فيما تحت الأرض من عوالم .
أما شمس الروح فليس لها انتقال . وما لها من مشرق غير الروح والعقل .
وبخاصة شمس الروح التي هي من ذلك الجانب ، فان دأبها الاشراق في النهار وأثناء الدجى !


45  فان كنت اسكندرىّ المشرب فتعال إلى مطلع الشمس ! وانك لمصبح بعد ذلك ملكا طاهرا حيثما ذهبت .
بل انك لمصبح موضع اشراق أينما توجهت ، وكل المشارق ستغدو عاشقة لمغربك .
.................................................................
( 1 ) اسم لا حد شهور الشتاء في السنة ، الفارسية ، ويبدأ في 21 ينابر ( كانون الثاني ) من السنة الميلادية .
 

“ 40 “

ان حسك الخفاشى ينطلق مسرعا نحو المغرب ، أما حسك الذي ينثر الدرّ فمتوجه نحو المشرق .
فطريق الحس ، هو درب الحمير أيها الفارس ! فكن ذا حياء يا من أنت مزاحم للحمير ! 
فهناك حواس خمس غير هذه الحواس الخمس . فتلك مثل الذهب الأحمر وهذه مثل النحاس .


50  ففي تلك السوق - حيث المتعاملون مهرة أذكياء - متى يشترى الحس النحاسى كما يشترى الحس الذهبي ؟
ان حسّ الأبدان يقتات من الظلمة ، وأما حسّ الروح فيتغذى من الشمس ! 
فيا من حملت بضاعة الحس نحو الغيب ، أخرج يدك من جيبك كما فعل موسى ! 
ويا من تحليت بصفات شمس المعرفة ، في حين أن شمس السماء أسيرة صفة واحدة ، انك حينا تكون الشمس وحينا تكون البحر . 
وفي وقت أنت جبل قاف ، وفي وقت آخر أنت العنقاء !

 
55  ولست في ذاتك هذا ولا تلك ، يا من أنت فوق الأوهام ، وأكثر من الكثرة ! 
ان الروح رفيقة للعلم وللعقل ، ولكن ما شأن الروح بالعربية أو التركية ؟
فيا من لانقش لك مع تجليك في متعدّد الصور ! ان المشبه والموحد كليهما حائر الفكر ازاءك .
فحينا تجعل المشبه موحدا ، وحينا تقطع الصور الطريق أمام الموحد .
وحينا يهتف بك في سكره أبو الحسن : “ يا صغير السن يا رطب


“ 41 “

البدن “ .

 
60  وحينا هو يعمل على تخريب صورته ، ويتخذ ذلك سبيلا إلى تنزيه الحبيب .
ان مذهب الاعتزال هو عين الحسن . وأما عين العقل فهي أن تكون سنّيا في الوصال .
فأهل الاعتزال مسخرون للحسن . وهم لضلالهم يتظاهرون باتباع السنِّة ! 
فكل من بقي أسير الحس فهو من المعزلة ، وان قال لك : “ انى سنى “ ، فهذا من جهله .
وأما من انطلق من اسار الحس فهو السنى . ان أهل “ الرؤية “ هم عين العقل ، وقد بوركت خطاهم .

 
65 فلو أن الحس الحيواني يرى الميك ، لكان الثور والحمار يبصران الله ! 
ولو لم يكن لك خارج الهواء حس آخر ، غير هذا الحس الحيواني ، فأنى تكون الكرامة لبنى الانسان ؟ 
ومتى يكونون بالحس المشترك موضعا للأسرار .
ان قولك بأن الله مصوّر أو غير مصوّر ، يكون باطلا ، ما لم يحقق خلاصك من الصورة .
انه غير مصور أو مصور أمام ذلك الانسان الذي انطلق من القشر وأضحى كله لبا .


70 - فان كنت أعمى فليس على الأعمى حرج . والا فامض ، فان الصبر مفتاح الفرج .
فالصبر هو الدواء لحجب العين . فهو الذي يحرق تلك الحجب ، وهو الذي يحدث انشراح الصدر .
وحين تصير مرآة القلب صافية نقية ، فإنك ترى نقوشا خارج هذا


“ 42 “

الماء والتراب ! انك لتبصر النقش ، وكذلك النقاش ! وتشاهد فرش الدولة ، وباسط هذا الفراش ! 
ها هوذا خيال حبيبي قد أقبل مثل الخليل ! انه فاتن الصورة كالصنم ولكن معناه . محطم الأصنام .

 
75 - فالشكر لله ، فإنه حينما تبدى لي ، أبصرت روحي صورتها في صورته .
ان تراب أعتاب كان فتنة لقلبى ، فليجلل التراب كل من تسلى عن ترابك .
لقد قلت لنفسي : “ لو أنني مليح الصورة فانى أتقبل هذا منه ، والا فإنه يهزأ منى ، أنا القبيح الوجه ! 
فسبيلى هو أن أنظر إلى نفسي ( لأرى صورتها ) والا فإنه يسخر منى . فأنى لي أن أشترى ؟ “ 1 “ .
انه جميل ، محب للجمال . فهل يختار الشاب الفتى شيخة بالغة الهرم ؟

 
80 - ان الجميل يجتذب الجميل ، فاعلم ذلك . وأتل عليه قوله تعالى :” الطَّيِّباتُ للطَّيِّبينَ ““ 2 “ .
فكل شئ في هذه الدنيا يجتذب اليه شيئا . فالحارّ يجتذب الحارّ والبارد يجتذب البارد .
وأهل الباطل يجتذب أهل الباطل . وأما أهل الخلود فهم سعداء مع الخالدين .
.................................................................
( 1 ) كيف يتسنى لي أن اشترى رضاه عنى مع أنني أتقدم اليه بنفس قبيحة .
( 2 ) انظر : سورة النور ، 24 : 25 .


“ 43 “

ومن كانوا من أهل النار فهم جاذبون لنظرائهم . وأما من كانوا من أهل النور فهم طالبون لأمثالهم .
انك حين أغلقت عينيك تولاك الحزن ، ومتى كان نور العين يصبر عن نور النافذة ؟


85 - فما حزنك الا من اندفاع نور عينيك الذي يطلب الاتحاد العاجل بنور النهار .
فإذا تولاك الحزن وأنت مفتوح العينين ، فاعلم أنك أغلقت عيني قلبك وافتحهما !
ان هذا ما تتفاضاك إياه عينا قلبك لا نهما تلتمسان نورا لا حدود له .
فإذا كان فراق هذين النورين الفانيين قد أصابك بالحزن ففتحت عينيك ، 
فان فراق هذين النورين الخالدين ( لا محالة ) جالب لك الحزن ، فكن على حذر !
 

90 - وهو حين يناديني أنظر إلى نفسي ، ( لأرى ) أأنا لائق بالانجذاب اليه ، أم أنني قبيح الصورة ؟
فلو أن لطيفا مشى في اثره قبيح يكون من السخرية أن هذا يصحب ذاك .
فواعجبا ، متى أرى وجه نفسي ؟ لأعرف لونى أهو مثل النهار أو هو مثل اليلل ! 
ولقد بحثت كثيرا عن صورة روحي ، فلم يستطع انسان قط أن يبدي لي هذه الصورة ! 
فقلت : “ ما آخر هذا ؟ ولأي أمر كانت المرآة ؟ “ انها لكي يعرف كل انسان حقيقة حاله وكنه ذاته .

95 ومرآة الحديد ليست الا لاظهار القشور . وأما مرآه ملامح الروح


“ 44 “

فغالية الثمن .
وما مرآة الروح الا وجه صديق ! وجه ذلك الصديق الذي يكون من تلك الديار .
فقلت : “ أيها القلب ! انشد المرآة الكلية . ولتذهب إلى البحر ، فليس هذا الأمر بمتحقق من النهر “ .
فمن أجل هذا الطلب جاء العبد إلى حادتك فالألم هو الذي اجتذب مريم إلى جذع النخلة .
وحينما أصبحت عينك عينا لقلبى ، صار هذا القلب الأعمى غريقا في الرؤى .

100 - لقد رأيتك المرآة الكلية حتى الأَّبد ، وأبصرت في عينيك صورة نفسي .

فقلت : “ لقد وجدت نفسي آخر الأمر ! لقد وجدت في عينيه طريق النور ! 
“ فقال وهمى : “ ان هذا خيالك فتنبه ! ولتعلمن حقيقة ذاتك من خيالها “ .
فهتفت صورتي من عينك قائلة : “ انني أنت ، وأنت أنا ( يجمعنا ) اتحاد ! 
ففي هذه العين المنيرة الخالدة ، أنى للخيال أن يجد سبيله بين الحائق .

 
105 فان أنت أبصرت صورتك في عيني غيرى ، فاعلم أن تلك من الخيال ، وأعرض عنها ! 
فهاتان تكتحلان بكحل العدم ، وتحتسيان خمرا من تصوير الشيطان فعيون سواي منزل الخيال والعدم . 
فلا جرم أنها تبصر العدم وجودا ! وأما عيني فاتها قد اكتحلت بنور من ذي الجلال ، ولهذا فهي


“ 45 “

منزل الوجود وليست مستقر الخيال .
وما دامت شعرة واحدة ، منك تعترض سبيل ابصارك فان الجوهر يكون في خيالك مثل الخرز .


110 - ولسوف تعلم كيف تميز الجوهر من الخرز حينما يتحقق لك خلاص كلى من الأوهام .
فاستمع إلى تلك الحكاية - أيها العارف بالجوهر - فيها تميز العيان من القياس .

.
* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: