الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

05 - كيف باع الصوفية بهيمة المسافر ليقيموا بثمنها مجلسا للسماع .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

05 - كيف باع الصوفية بهيمة المسافر ليقيموا بثمنها مجلسا للسماع .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

05 - كيف باع الصوفية بهيمة المسافر ليقيموا بثمنها مجلسا للسماع .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

“ 83 “
كيف باع الصوفية بهيمة المسافر ليقيموا بثمنها مجلسا للسماع
 
وصل صوفي مسافر إلى احدى الزوايا وهناك جاء بحماره وقاده إلى الحظيرة .
 
515  وقد اليه بيده قليلا من الماء وبعض العلف ، ولم يفعل كما فعل الصوفي الذي سبق لنا ذكره “ 1 “ 
لقد احتاط للأمر من السهو ومن التخبط ، ولكن - إذا حُمّ القضاء - فأي جدوى للاحتياط ؟
وكان هؤلاء الصوفية معوزين فقراء . والفقر كاد أن ينطوى على كفر يورث البوار .
أيها الغنى البشم ! حذار ولا تهزأ من انحراف ذلك الفقير المتألم ! فهذا الجمع من الصوفية - لفرط فاقتهم - قد اتفقت كلمتهم على بيع الحمار .
 
520  قائلين : “ ان الضرورة تبيح أكل الميتة ، وكن من فساد جعلته الضرورة صلاحا ! “ وسرعان ما باعوا ذلك الحمار الصغير واشتروا بثمنه طعاما شهيا ، وأضاؤوا الشموع ! وتعالت الصيحات في جوانب الخانقاه : “ ان الليلة للطعام الشهى والشره ومجلس السماع !
.................................................................
( 1 ) بدأت قصة ذلك الصوفي في البيت 156 ، ثم استؤنفت في الأبيات 204 - 250 .

“ 84 “
 
وكفانا حملا لهذا الزنبيل وكفانا سؤالا وكفانا صبرا ، وكفانا صوما يطول مداه “ “ 1 “ اننا أيضا من خلق الله ، من ذوى الروح . وها هي ذي السعادة قد حلت الليلة في ضيافتنا ! “
 
 525  وهم بذلك قد غرسوا وبذور الباطل ، إذ قد ظنوا من الروح ما لا شأن له بالروح .
وذلك المسافر أيضا كان متعبا من الطريق الطويل ، فرأى هذا الاقبال والتكريم .
فكل من هؤلاء الصوفية دلله ورعاه ، ولعبوا جميعا نرد الرعاية على أحسن الوجوه ! فلما رأى الصوفي ميلهم اليه ، قال : “ لو أنني لم أطرب الليلة فمتى يكون ذلك ؟ “ فأكلوا لذيذ الطعام ثم بدأ السماع ، فالمتلا جوّ الزواية بالدخان والغبار ،
 
 530 دخان من المطبخ ، وغبار يتصاعد من الأرض ، تدقها أقدام الراقصين ! 
وأرواح ثائرة غلب عليها الاشتياق والوجد ! فتارة كانوا يصفقون بالأيدي ، 
وتارة يدقون بالأقدام . وحينا كانوا يكنسون أرض الصفة بجباههم .
ان الصوفي يطول انتظاره لينال مبتغاه من الدنيا ، ولهذا فان الصوفي يكون كثير الأكل !
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ يدوم ثلاثة أيام “ .
 
“ 85 “
 
وما كذلك يكون الصوفي الذي اغتذى حتى شبع من نور الحق ، فان هذا يكون بريئا من عار التسول ! 
وليس من أمثال هذا الصوفي سوى قلة بين آلاف . وفي ظلال دولة هؤلاء تعيش الكثرة الباقية .
 
535  وحينما اكتمل السماع من أوله إلى آخره ، بدأ المطرب من جديد يعزف نغمة قوية ! 
وبدأ يترنم قائلا : “ ذهب الحمار ! ذهب الحمار ! “ فدفعت حرارة النغمة جملة الحاضرين لمشاركته الغناء .
وبتلك الحرارة ظلوا يرقصون حتى السحر ، ويصفقون بالأكف مرددين : “ ان الحمار مضى وولى يا فتى “ .
وعلى سبيل التقليد بدأ هذا الصوفي أيضا يترنم مرددا : “ ذهب الحمار ! “ .
وحينما انقضت هذه النشورة والانفعال وذاك السماع ، بزغ الصبح ، فقالوا جميعا : “ الوداع “ .
 
540 - وخلت الزاوية الا من هذا الصوفي . وكان هذا المسافر يمسح الغبار عن متاعه .
وأخرج الصوفي متاعه من الحجرة ليربطه فوق الحمار . وكان ينشد رفيقا للسفر .
ولقد سارع عله يلحق برفقاء الطريق . ودخل الحظيرة فلم يجد حماره فيها ! 
فقال : “ لعلّ ذلك الخادم قد أخذه إلى الماء ، فإنه لم يشرب بالأمس الا قدرا ضيئلا “ .
 
“ 86 “
 
وأقبل الخادم فسأله الصوفىّ : “ أين الحمار ؟ “ فقال له الخادم :
“ انظر إلى لحيتك ! “ فقام بينهما العراك .
 
545  فقال الصوفي : “ انني قد أسلمت إليك هذا الحمار . وجعلتك موكلا به ، 
فالزم حدود هذا البحث ولا تجادلنى . وردّ إلى ما أودعته عندك ! 
انني أطلب منك ما كنت أسلمتك إياه . فلتعد الىّ ما كنت قد أرسلته إليك .
ولقد قال الرسول : “ ان كل ما أخذته يدلك لا بد لها أن تعيده في عاقبة الأمر .
فان كنت - لعنادك - لا ترضى بهذا ، فهلمّ أنا وأنت إلى منزل قاضى الشريعة .
 
550  فقال الخادم : “ لقد كنت مغلوبا على أمرى فان الصوفية تهجموا علىّ فغدوت خائفا على روحي ! 
فهل تلقى بين القطط كبدا وأحشاء ثم تبحث بعد ذلك عن أثر لها ؟
ان رغيفا من الخبز بين مائة من الجياع شبيه بقطة هزيلة أمام مائة كلب ! 
“ فقال الصوفي : “ فلنسلم أنهم قد أخذوه منك ظلما ، وأنهم أصبحوا قاصدين دمى ، 
أنا المسكين ، فإنك لم تجىء ، ولم تقل لي : “ ها هم أولاء يأخذون حمارك ، أيها المسكين ! “
 
“ 87 “
 
555 حتى أبتاع حماري ممن عساه يكون قد اشتراه والا اقتسم الصوفية بينهم مالي .
لقد كانت هناك مائة وسيلة لتدارك الأمر ، حينما كان الصوفية حاضرين ، أما الآن فقد تفرقوا في الأقاليم .
فبمن أمسك الآن ؟ . ومن ذا الذي آخذه إلى القاضي ؟ ان هذا القضاء قد هبط فوق رأسي من جرّائك ! 
كيف لا تجىء ولا تقول لي : “ أيها الغريب ، لقد وقع بك مثل هذا الظلم الرهيب ! “ فقال الخادم : “ والله ، انى قد جئت إليك مرارا ، حتى أنبئك بهذه الأعمال ،
 
 560 فكنت تقول لي : “ ان الحمار مضى وولى يا فتى ! “ ، وكنت أكثر انفعالا من جميع الناطقين بهذا القول .
فكنت دائما أرجع قائلا : “ انه واقف على هذا الأمر . وهو راض بهذا القضاء ، فهو رجل عارف !
 “ فقال الصوفىّ : “ انهم جميعا كانوا يحسنون ترديد هذا القول ولقد راق لي أنا أيضا أن أردده !
 وان تقليد هؤلاء هو الذي أسملنى للريح . فعلى هذا التقليد مئتان من العنات ! 
وبخاصة تقليد مثل هؤلاء الذين لا طائل وراءهم . فليكن سخط إبراهيم على الآفلين !
 
 565 ان ذوق هذه الجماعة كان يلقى بأصدائه في قلبي ، فتحقق للقلب من تلك الأصداء ذوق مماثل ! “


“ 88 “
 
ولا بدّ لك من أن تشرق عليك “ 1 “ أشعة الرفقاء الطيبين ، حتى تغدو مستمدا ماءك من البحر ، بدون ( هداية من تلك ) الأشعة .
واعلم أن أول نور “ 2 “ وقع عليك انما هو التقليد . فإذا تتابع الاشراق فهذا هو التحقيق .
فلا تنقطع عن الرفقاء ما لم يكتمل لك التحقيق . ولا تنفصل عن الصدف ، فان هذه القطرة لم تصبح بعد درّا .
فان كنت تريد أن يتحقق الصفاء لعينك وسمعك وعقلك ، فلتمزقن ما يغشيها من أستار الطمع !
 
 570 ذلك لأن تقليد هذا الصوفي كان مبعثه الطمع ، فحجب عقله عن النور واللمع .
فالحرص على الطعام الشهىّ ، والحرص على الذوق والسماع ، وقفا حائلا بين عقله وبين الاطلاع .
فلو أن الطمع استقر في المرآة ، لصارت تلك المرآة مثيلة لنا في النفاق ! ولو أن الميزان أصيب بالطمع في المال ، متى كان الميزان يقول الصدق حين وصف الحال ؟
ان كل نبي خاطب قومه في صفاء قائلا : “ أنا لا أطلب منكم أجرا على رسالتي .
 
575 فلست سوى دليل ، وما المشترى الا الله . ولقد جعل الحق أجرى في كلتا الناحيتين “ 3 “ .
................................................................
( 1 ) حرفيا : “ تنعكس فوقك “ .
( 2 ) حرفيا : “ انعكاس “ .
( 3 ) الناحيتان هنا هما الدنيا والأخرة .


“ 89 “
 
فماذا يكون جزاء عملي ؟ انه رؤية الحبيب ! حتى وان أعطاني أبو بكر أربعين ألف ( درهم ) .
فهذه الآلاف الأربعون التي وهبني إياها ليست أجرى . ومتى يكون الشبه “ 1 “ مثيلا لدر عدن ؟
وهأنذا أروى لك حكاية ، فاستمع إليها بعقلك ، حتى تعلم أن الطمع قد أصبح حجابا لأذنك ! 
فكل من كان طامعا غدا متعثر اللسان . ومع الطمع ، كيف يحل النور بالعين والقلب ؟
 
580 ان خيال الجاه والمال يكون أمام البصر كالشعرة حين تصيب العين .
وما كذلك من كان ثملا ، قد امتلأت روحه بالحق ، فإنه يظل حرا ، حتى ولو أعطيته الكنوز ! 
فكل من سعدت نفسه بمشاهدة الحق ، يبدو هذا العالم ميتا أمام عينيه .
لكن هذا الصوفي كان بعيدا عن نشوة الشهود ، فلا جرم أنه كان - من حرصه - في ظلمة كالأعمى .
وقد يستمع المبهور بالحرص إلى مائة حكاية ، فلا تنفذ نادرة منها في أذن حرصه !
 
كيف بعث القاضي بالمنادين للطواف بمفلس حول المدينة
 
585 كان هناك رجل مفلس ، لا سكن له ولا دار ، فاستقر في سجن
....................................................
( 1 ) “ الشبه “ هو النحاس الأصفر .


“ 90 “

وقيد لا فكاك منه ! وكان يأكل طعام رفاقه في السجن ، فأصبح بطمعه ثقيلا على قلوب الخلق ، كأنه جبل قاف .
فما كان أحد يجسر على أن يتناول لقمة ، ذلك لأن هذا الملتهم كان ينقضّ عليها ! 
وكل من كان بعيدا عن دعوة الرحمن ، فعينه عين متسول ولو كان سلطانا ! 
لقد داس هذا الرجل كل مروءة بقدميه ، وأصبح السجن جحيما من جراء هذا الجشع الأكول .
 
590 فلو أنك هربت على أمل في الراحة ، فقد تواجهك الآفة من ذلك الطرق أيضا ! 
فما من ركن خلا من الوحوش أو الفخاخ . وليست هناك راحة الا في خلوة الحق .
وحتى زاوية سجن الدنيا التي لا مفر منها ، ليست بدون أجر أو بلا تكلفة ! 
فوالله لو أنك نزلت في جحر فأر ، فهناك أيضا تكون مبتلى بمخالب القط .
ان الانسان ليتضخم جسمه من الخيال ، ان كانت خيالاته ذات جمال !
 
 595 وان أظهرت له خيالاته ما يسوء ، ذاب كما ينصهر الشمع من النار ! 
فلو أنك كنت بين الحيات والعقارب ، وألقى الله في نفسك خيالات طيبة عنها ،


“ 91 “
 
لأصبحت الحيات والعقارب مؤنسة لك . فان خيالك هذا يكون كالكيمياء للنحاس !
 ان الصبر قد غدا بالخيال الجميل حلو المذاق . ذلك لأنه قد أقبل مبشرا بعلامات الفرج “ 1 “ .
وان الفرج ليأتي من ايمان الضمير . أما ضعف الايمان فيأس وعذاب .
 
600  والصبر يحظى بتاج من الايمان ، لأن من لا صبر له لا ايمان له .
ولقد قال الرسول : “ ان الله يهب الايمان لمن لم يكن الصبر في طبيعته “ “ 2 “ .
ان ذلك الشخص الذي يكون في عينك شبيها بالثعبان ، قد يكون صورة جميلة في نظر غيرك .
ذلك لأنه يتجلى لعينك خيال كفره ، على حين يتجلى لعين محبِّه خيال ايمانه .
وهاتان الصفتان تجتمعان في شخص واحد ، فحينا يكون سمكة ، وحينا يكون شصا !
 
605  فنصفه يكون مؤمنا ونصفه يكون كافرا ! نصفه يكون من الحرص ونصفه الآخر من الصبر ! 
ولقد قال تعالى : “ ان منكم مؤمنا ، كما قال أيضا ان منكم كافرا عريقا في كفره “ 3 “ .
فمثل هذا الانسان كثور نصفه الأيسر أسود ، ونصفه الآخر
...................................................................
( 1 ) إشارة إلى القول المعروف : “ الصبر مفتاح الفرج “ .
( 2 ) هذا ترجمة لمعنى الحديث : انظر لفظ الحديث في التعليقات .
( 3 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير “ . ( 64 : 2 ) .

“ 92 “
 
ابيض مثل القمر ! فكل من يرى هذا النصف فإنه يعرض عنه ، وأما من يرى النصف الآخر ، فإنه يسعى اليه ! 
لقد كان يوسف يبدو في أعين اخوته قبيحا كالبغل ، وهو ذاته كان في نظر يعقوب شبيها بالحور !
 
 610  فالخيال القبيح هو الذي جعل العين الحسية وعين العقل المحتجبة تريانه قبيحا .
واعلم أن هذه العين الظاهرة ظلّ لتلك العين المحتجبة . فكل ما تراه عين الباطن ، تدور نحوه عين الظاهر .
وانك أيها الانسان مكاني ولكن أصلك في اللامكان . فلتغلق هذا الدكان ولتفتح ذلك الدكان .
فلا تهرب إلى هذا العالم ذي الجهات الست ، ففي هذه الجهات أسوأ مواقع أحجار النرد ، حيث تحق الهزيمة .
 
كيف شكا أهل السجن إلى وكيل القاضي من عدوان ذلك المفلس
 
فذهب أهل السجن يشكون أمرهم إلى وكيل القاضي ، وكان رجلا واسع الادراك .
 
615  قائلين : “ لتحمل سلامنا الآن إلى القاضي ، ثم أبلغه تأذينا من هذا الرجل السافل .
فلقد أقام بالسجن على الدوام هذا الرجل المتلاف المضرّ ! وهو كالذبابة حاضر في كل طعام ، يتصدى متوقحا بدون دعوة
 
“ 93 “
 
أو سلام ! طعام ستين شخصا أمامه لا يعد شيئا ، وهو يصطنع الصمم لو قلت له “ كفاك ! “ فليس يجد رجل من السجناء لقمة . وإذا استطاع بمائة حيلة أن يجد شيئا يأكله .
 
620 غشيه في الحال هذا الجهنمي الحلق ، وكل حجته أن الله أمر البشر بقوله : 
“ كلوا . . . “ فلتخلِّصنا من ذلك القحط الذي دام ثلاث سنين ، وليدم الله ظل مولانا إلى الأبد ! 
فاما أخرجت من السجن ذلك الجاموس الأكول ، أو خصصت له مؤونة من أحد الأوقاف .
فيا من سعدت بك الذكور والا ناث ، أنصفنا بعد التك ، فإنك أنت المستغاث ! 
“ فتوجه إلى القاضي هذا الوكيل المهذب ، ونقل اليه شكاية هؤلاء ، بكل تفصيلاتها .
 
625  فاستدعى القاضي ذلك المفلس من السجن للمثول أمامه ، ثم استفسر عن حاله من كبار أعوانه .
فثبت لدى القاضي كل ما تقدم به هذا الجمع في شكايتهم .
فقال له القاضي : “ انهض من هذا السجن ، ولتتوجه إلى منزلك الموروث “ .
فقال المفلس : “ ليس لي منزل سوى احسانك . انني مثل الكافر ، وسجنك هو جنتي ! 
فلو أنك أخرجتني من السجن وأقصيتنى ، فلسوف أموت من الفاقة والكد “ .

“ 94 “
 
630  فهو كإبليس الذي كان يخاطب الله بقوله :” أَنْظرْني إلى يَوْم يُبْعَثُونَ “ *” 1 “ .
فاننى سعيد في سجن الدينا هذا ، حيث أنى هاهنا أقتل أبناء عدوى !
 فكل من كان منهم صاحب قوت من الايمان ، أو يمتلك رغيفا تزود به للطريق ،
 فاننى آخذه منه ، تارة بالمكر وتارة بالخداع ، حتى تتعالى منهم صيحات الندم .
فأنا حينا أهددهم بالفاقة والمسكنة ، وحينا أحجب أبصارهم بغدائر الشعر والخال ! “
 
635  ان قوت الايمان قليل في هذا السجن ، والقليل الذي يوجد منه مهدد بعدوان هذا الكلب ! 
وقوت الذوق يتحقق بالصلاة والصيام وبمائة من أفعال الخضوع ، فيختلسه الشيطان دفعة واحدة !
أستعيذ الله من شيطانه * قد هلكنا آه من طغيانه “ 2 “انه كلب واحد كلنه يجد سبيله إلى الألوف ! 
وكل من تطرق اليه الشيطان فقد أصبح هو الشيطان ! وكل من استشعرت منه البرودة 
فاعلم أن الشيطان كامن فيه ! ان الشيطان قد اتخذ من جلد هذا خباء !
 
 640 وحين لا يجد الشيطان صورة فإنه يظهر لك في الخيال ، ليدفع خيالك إلى أن يقودك نحو الوبال .
فحينما هو خيال اللهو وحينا طيف الدكان . وطورا هو خيال العلم
...................................................................
( 1 ) الأعراف ، 7 : 14 .
( 2 ) هذا البيت عربى في الأصل .

“ 95 “
 
وطورا خيال السكن والدار .
فحذار ، وأكثر من ذكر ربك في كل لحظة ، ولا يكن ذلك باللسان وحده ، بل بالروح ذاتها .
فقال القاضي للمفلس : “ أقم البينة على افلاسك “ . فأجاب بقوله : “ هاك أهل السجن شهداء على ذلك “ .
فقال القاضي : “ انهم متهمون في شهادتهم ، ذلك لأنهم يهربون منك ويبكون دما ( من عدوانك ) .


645  وهم جميعا يطلبون الخلاص منك ، فهذا الغرض ربما جعلهم يشهدون بالباطل “ .
فقال جميع أهل المحكمة : “ نحن أيضا شهود على افلاس هذا الرجل وعلى ادبار حاله “ .
وكل من سأله القاضي عن حال قال : “ أيها المولى ! انفض يدك من هذا الرجل “ .
فقال القاضي : “ طوفوا به حول المدينة وأعلنوا أن هذا مفلس ، وعربيد مسرف .
ونادوا معلنين أمره في جميع الطرق . واقرعوا طبل افلاسه في كل مكان .
650 فلا يبعه أحد قط نسيئا ، ولا يقرضه انسان قط دانقا .
فكل من يحضره الىّ هنا بدعوى احتيال ، فانى لن أبعث به بعد ذلك إلى السجن .
ان افلاسه قد أصبح ثابتا أمامى ، وليس في حوزته شئ قط ، لا نقد ولا يضاعة “ .

“ 96 “
 
والانسان يقيم في حبس هذه الدنيا ، وذلك من أجل أن يثبت افلاسه .
وان الله قد نادى أيضا بافلاس إبليس في القرآن الكريم ،
 
 655  قائلا : انه مخادع مفلس قبيح القول ، فلايكن أحد شريكا له ولا نديما ! 
وان فعلت ذلك ، ثم اتخذته عذرا لك ، فهو مفلس ، فأنى لك أن تنال منه ربحا ؟
وحين اشتعلت هذه الفتنة ، أحضروا جمل كردى كان يبيع الحطب .
فأخذ الكردي المسكين يصيح وينتحب ، كما أنه أسعد الموكل بدانق ( على سبيل الرشوة ) ،
 لكنهم أخذوا بعيره من وقت الضحى حتى الليل ، ولم يجد صراخه نفعا .
 
660  وجلس فوق الجمل ذلك القحط الكبير ، وأما صاحب الجمل فكان يجرى وراءه .
فسارعوا إلى الطواف به من ناحية إلى ناحية ، ومن شارع إلى شارع ، حتى عرفته كل المدينة عيانا .
وأمام كل حمام وكل سوق كان جميع الناس يتأملون شكله .
وكان هناك عشرة منادين من ذوى الأصوات الجهيرة ينادون بالتركية والرومية والكردية والعربية :
“ ان هذا رجل مفلس لا يملك شيئا . فلا يقرضه أحد من الناس فلسا .
 
665  انه لا يملك مثقال حبة لا ظاهرا ولا باطنا ! انه مفلس زائف

“ 97 “
 
مخادع ، وقربة منتفخة ! فحذار ، حذار . لا تتعاملوا معه . وحينما ترونه فأحكموا عقد أكياسكم “ 1 “ .
فان أنتم أحضرتم هذا الرجل المنحل إلى المحكمة ، فانى لن أرسل جثة إلى السجن .
انه لطيف القول ، لكن حلقه شديد الاتساع . يبدو مدثَّرا بجديد الثياب ، لكنه من الداخل خلق الشعار “ 2 “ .
فلو أنه لبس هذا الثوب ليتخذ منه أداة للمكر ، فهو عارية اتخذها ليخدع عامة الخلق .
 
670  فلتعلم - أيها الرجل الطيب - أن لفظ الحكمة على لسان غير الحكيم ليس الا حللا مستعارة .
فاللص قادر على أن يرتدى الحلة ، لكن كيف يستطيع ذلك المقطوع اليد أن يأخذ بيدك ؟
وحين أقبل المساء ، نزل المفلس عن الجمل . فقال له الكردي ، ان منزلي بعيد ، وقد تأخر الوقت .
لقد ركبت جملي منذ الصباح . وقد سامحتك في الشعير ، فهل أقل من أن تدفع لي ثمن التبن ؟
......................................................................
( 1 ) الشطر الثاني من البيت ترجم على أساس رواية مختلفة عن رواية النص ، ذكرها نيكولسون في حاشية النص ووجدناها آقرب إلى السياق .
ونص الشطر الثاني في هذه الرواية هو : “ جونكه بينيدش كره محكم كنيد “ .
( 2 ) نص الشطر الثاني من البيت يبدو غامض المعنى . ولكننا لو قرأناه على النحو التالي : “ بادثار ذو شعار شاخ “ اتضح المعنى . وقد جعلنا هذه القراءة أساسا للترجمة . وبهذا ينسجم معنى البيت مع ما يليه .
 
“ 98 “
 
فقال المفلس : “ وفيم كنا ندور حتى الآن ؟ وأين عقلك ؟ أليس في الدار أحد ؟ “
 
675  لقد بلغ طبل افلاسى أجواز السماء السابعة ، وأنت لم تسمع قط بسوء تلك الواقعة ؟
فالطمع الساذج قد سد منافذ أذنيك ، وانه - يا بنى - ليصم ويعمى ! فحتى اللَبنات والأحجار قد سمعت هذا البيان ( الذي أخذ يردد ) : “ ان هذا ان العربيد مفلس خاوى الوفاض “ .
لقد هتفوا بهذا النداء حتى المساء ، لكنه لم يطرق سمع صاحب الجمل ، لأنه كان ممتلئا حافل النفس بالطمع .
ان الله قد ختم على الأسماع والأبصار ! وكم من الصور ، وكم من الأصداء وراء الحجب !
 
680  وهو الذي يوصل إلى العين ما يشاء من الجمال ومن الكمال ومن نظرات المحبة .
وهو الذي يوصل إلى الاذن ما يشاء من الأنغام والبشائر أو من الصراخ .
ان الكون ملىء بالوسائل ولكنك تبقى بدون حيلة ، ما لم يفتح الله لك منفذا إليها .
ومع أنك قد تكون الآن غافلا عن تلك الحيلة ، فان الله يظهرها لك عيانا في وقت الحاجة .
ولقد قال الرسول ان الاله المجيد ، قد خلق لكل داء دواء .

“ 99 “
 
685 لكنك - بدون أمره - لا تستطيع أن تهتدى إلى لون دواء علَّتك ولا رائحته .
فتنبه - أيها الباحث عن العلاج - ووجه عينك نحو اللامكان ، كما تتوجه عين القتيل نحو الروح .
ان هذا العالم قد انبثق من اللامكان . ذلك لأنه من اللامكانية صار لهذا العالم مكان .
فلتعد ثانية من الوجود نحو العدم ان كنت ربانيا ، طالبا ربك .
ان هذا العدم هو مكان الدخل ، فلا تحد عنه ! أما هذا الوجود المنى على الزيادة والنقص ، فمكان الانفاق .
 
690  وما دام العدم هو مقرّ مصنع الحق ، فكل ما كان خارج هذا المقر فليس بذى قيمة .
فلتلهمنا بعض الكلام الدقيق ، الذي يستدّر منلك الرحمة ، أيها الاله الرفيق ! 
فالدعاء منك ، والا ستجابة أيضا منك . والأمان منك والهيبة أيضا تكون منك .
ولو نطقنا بالحظأ فأصلح أخطاءنا ، فإنك أنت المصلح ، يا سلطان الكلام .
ان لديك الكيمياء التي تبدل جوهره فلو كان نهرا من الدماء لجعلته نيلا !
 
 695  ومثل هذه الأفعال الكيماوية بعض قدراتك ، كما أن أمثال هذا الإكسير من أسرارك .
لقد مزجت الماء بالتراب ، ومن الطين والماء صوّرت جسد الانسان .

“ 100 “
 
ثم أعطيته نسبا ، وخالا وعما ، وألفا من الأفكار وسرورا وهما ! 
ثم وهبت بعض الناس الخلاص ، ويسرت لهم البعد عن الهم والسرور .
وحملتهم بعيدا عن الأهل والأقارب وعن طبيعتهم الذاتية وجعلت كل جميل ( في الدينا ) يبدو في أعينهم قبيحا !
 
 700 فكل من هؤلاء كان يرقض كل محسوس ولا يستمسك الا بما خفي ( عن الحواس ) .
فعشقه ظاهر ، وأما معشوقه فمحتجب . والحبيب في الخارج ، وأما الافتتان به ففي هذه الدنيا .
فلتتحرر من كل تعشق للصور ، حتى لا يكون لك تعشق لصورة ، ولا لوجه امرأة .
فالصورة ليست هي المعشوق ، وسواء في ذلك أكان العشق دنيويا أو أخرويا .
فذلك الذي تعشقته من أجل صورته ، لماذا تخليت عنه حينما فارقته الروح ؟
 
705 ان الصورة لم تبرح مكانها ، فلماذا هذا الانصراف ؟ أيها العاشق !
 ألا فلتعد إلى البحث عن معشوقك الحق ! فلو كان المعشوق هو ذلك المحسوس ، لكان كل ذي حسن عاشقا له .
ومن شأن العشق أنه هو الذي يزيد الوفاء ، فكيف يتحول الوفاء ويتخذ صورة أخرى ؟
ان نور الشمس قد أشرق فوق جدار ، فاكتسب الجدار منها

“ 101 “
 
نورا مستعارا .
فكيف سخرت قلبك لجدار من اللبن ، أيها الغرّ ؟ ألا فلتطلب الأصل الذي يضئ على الدوام .
 
710  وأنت ، أيها المتعشق لعقله ، يا من رأيت نفسك أعظم من عُبَّاد الصورة ! 
اعلم أن نور حسك قبس مستعار من نور العقل الكلىّ . انه ذهب أشرق فوق نحاسك .
ان الجمال في البشر كقشرة التذهيب . والا فكيف صارت فاتنتك قبيحة كالمحار الهرم ؟
لقد كانت شبيهة بالملك ، فأصبحت مثل الشيطان ! ذلك لأن جمالها كان مستعار ( ولم يكن ومن جوهرها ) .
ان الخالق يأخذ هذا الجمال رويدا رويدا . وهكذا الغصن يمضى نحو الذبول رويدا رويدا .
 
715 فاذهب واقرأ قوله تعالى :” وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ في الْخَلْق ““ 1 “ ، واطلب القلب ، ولا تتلهف على العظام .
فجمال القلب جمال خالد ، شفتاه تسقيانك من ماء الحياة بل إنه هو الماء ، 
وهو الساقي ، وهو الثمل . فهذه الثلاثة تغدو واحدا حينما يتحطم طلسمك .
وانك لن تدرك هذه الوحدة عن طريق القياس . فابذل خضوعك ، وأقلل من الهراء ، أيها الخاوي من العرفان !
....................................................
( 1 ) يس ، 36 : 68 .

“ 102 “
 
ان المعنى - عندك - ليس الا صورة مستعارة وما ابتهاجك الا بانسجام ظاهري شبيه بالقافية .
 
720  فالمعنى هو الذي يستوى عليك ، ويجعلك بدون حاجة إلى الصورة .
وليس المعنى هو الذي يجعل الانسان أعمى أصم ، ويزيد المرء تعشقا للصورة .
ان نصيب الأعمى هو ذلك الخيال الذي يضاعف الهموم .
أما نصيب العين فتلك الخيالات المنبعثة من فناء الذات .
وحروف القرآن هي الجوهر عند من فقدوا الابصار . فهؤلاء لا يرون الحمار ، ويوجهون ضرباتهم إلى السرج .
فان كنت بصيرا فامض وراء الحمار ، فقد فرّ . والا ، فإلى متى تحيك السرج ، يا عابد السرج !
 
 725  فما دام الحمار موجودا ، فالسرج يكون لك يقينا . فالخبز لن ينقطع عنك ما دمت ذا روح .
ان ظهر الحمار دكان ومال وربح ! ودرّ قلبك هو الذخيرة لمائة من الأجساد ! 
فلتركب حمارا عارى الظهر ، يا أبا الفضول . أو لم يمتط الرسول حمارا عارى الظهر ؟
ان الرسول قد ركب الحمار بلا سرج . بل إنه أيضا قد سافر ماشيا .
لقد هرب حمار نفسك فاربطه في وتد . والا فإلى متى يهرب من العمل وحمل الأثقال .


“ 103 “
 
730  ان عليه ان يحمل أعباء الصبر والشكر ، سواء أدام ذلك مائة عام أو ثلاثين أو عشرين .
وما حمل وازر قط وزر غيره . ولا حصد انسان شيئا قط إذا لم يزرع .
فهذا “ 1 “ طمع فجّ . فلا تأكل الفج يا بنى ، فان أكل الفج مسبب لا عتلال البشر .
( ولا تحدّث نفسك قائلا ) : ان فلانا قد عثر بأحد الكنوز ، وانى أريد ذلك أيضا ، فلا عمل ، ولا دكان ! “ فذلك شأن الحظّ ، وهو أيضا نادر . فالكسب واجب ما دام الجسم قادرا .
 
735  ومتى كان التكسب مانعا للكنز ؟ فلا تنسحب من العمل ، فالكنز ذاته في أعقاب ذلك .
ولا تغد أسيرا للفظة “ لو “ ، قائلا : “ لو أنني فعلت هذا أو ذاك “ .
فان الرسول رب الوفاق قد نهى عن قول “ لو “ ، وذكر أنها صورة من النفاق .
فالمنافق الذي قد لقى حتفه وهو يقول “ لو “ ، لم يظفر بسوى الحسرة من هذا القول .
 
مثــــل
 
كان غريب يفتش في عجلة عن منزل يقطنه ، فأخذه صديق إلى منزل خراب ،
.................................................................
( 1 ) الإشارة هنا إلى توقع الحصاد بدون زرع .


 
“ 104 “
 
740  وقال هذا الصديق : “ لو أن هذا المنزل كان له سقف ، لكان لك مسكن في جواري ، 
وكان عيالك أيضا يستريحون فيه ، لو كانت في وسطه غرفة أخرى “ .
فقال الغريب : “ نعم ، ان من الخير أن يكون المرء بجوار أصحابه .
لكن أحدا - يا حبيبي - لا يستطيع أن يقيم في ( لو ) “ .
ان جملة أهل الدنيا طلاب للسعادة . لكنهم في حجيم من الحرص على السعادة الزائفة .
وجملة الشيوخ والأحداث قد أصبحوا طالبين للذهب ، لكن أعين العامة لا تميز الذهب الأصيل من الزائف .
 
745  ان الذهب على الخالص قد أضفي التماعا على الزائف . فلا تتخير الذهب على أساس من الظن ، بدون محك .
فإن كان لديك محك فامض في اختيارك ، والا ، فاقصد عالما واجعل نفسك رهن اشارته .
فلا بد لك من محك في حنايا روحك ، فإن لم تكن تعلم ، فلا تمض في الطريق وحيدا .
ان صوت الغيلان يكون صوتا مألوفا . وتلك الألفة هي التي تجتذبك نحو الفناء ! 
انه صوت ينادى قائلا : “ حذار أيتها القافلة ! تقدموا نحوى . هاكم الطريق والصُوَى “ 1 “ .
.................................................................
( 1 ) جمع صوة ، أحجار تكون دليلا على الطريق .



“ 105 “
 
750  ان الغول ينادى كل شخص باسمه قائلا : “ يا فلان “ ، حتى يجعل هذا السيد من الآفلين .
فحين يصل إلى هناك يرى الذئاب والأسود . ويرى العمر ضائعا والطريق بعيدا ، والوقت قد تأخر .
فلتخبرنى ، كيف يكون صوت الغول ؟ انه “ أريد المال ، أريد الجاه والرونق ! 
“ وهذه الأصوات تزأر في باطنك . فلتمنعها حتى تتكشف لك الأسرار .
ولتذكر الله ، ولتبدد أصوات الغيلان ، ولتحجب نرجس عينيك عن هذا النسر ( الجارح ) “ 1 “ .
 
755  ولتميز كاذب الاصباح من صادقه . ولتفرق بين الكأس ولون النبيذ .
فعساك - بالصبر والمثابرة - ينبثق لك بصر روحي من هاتين العينين ، اللتين تبصران الألوان السبعة .
فترى بهما ألوانا غير هذه الألوان . وتبصر بهما الجواهر بدلا من الأحجار .
بل ما شأن الجواهر ؟ لعلك تصبح بحرا ، أو لعلك تبصير شمسا تذرع الفلك !
 ان الصانع قد احتجب في مصنعه ، فادخل في هذا المنصع تر الصانع عيانا .
.................................................................
( 1 ) يشبه الأطماع التي تحجب الابصار بنسر جارح يعدو على العيون فيقتلعها بمخالبه .
 
“ 106 “
 
760  ولما كان الصنع قد نسج ستارا حول الصانع فإنك لن تستطيع أن تراه خارج صنعه .
ولما كان المصنع هو محل وجود الصانع ، فكل من كان خارجه فقد غفل عن الصانع .
فلتدخل في هذا المصنع ، وأعنى به العدم حتى ترى الصنع والصانع معا .
ولما كان المصنع هو مكان الشهود الواضح ففي خارجه يكون احتجاب الأبصار .
ان فرعون العنيد قد اتجه إلى تأكيد هذا الوجود المحسوس ، فلا جرم أنه كان أعمى عن ذلك المصنع .
 
765  ولا جرم أنه أراد تغيير القدر ، حتى يحول القضاء عن بابه ! 
على حين كان القضاء ذاته يكتم في كل لحظة سخريته من شوارب ذلك المحتال !
 لقد قتل الآلاف من الأطفال الأبرياء حتى يتحول عنه حكم الاله وتقديره ! 
لقد ارتكب الآلاف من المظالم وإراقة الدماء ، حتى لا يظهر في الدنيا موسى الرسول .
لقد أراق كل هذا الدم ، ومع ذلك ولد موسى ، وجئ به إلى الدنيا لقهر فرعون .
 
770  ولو أنه كان قد أبصر مصنع الاله الخالد ، لجمدت يداه وساقاه عن اصطناع الحيلة .
فقد كان موسى ينعم في منزل فرعون بالعافية ، على حين كان

“ 107 “
 
فرعون في الخارج يقتل الأطفال جزافا ! وهكذا يكون صاحب النفس الأمارة 
الذي يبالغ في رعاية الجسد . ويظن بسواه ظن الحقد والضغينة .
قائلا : “ ان هذا عدو ، وذاك حسود بغيض ! “ وليس له من حسود ولا عدو سوى ذلك الجسد .
انه مثل فرعون ، وجسمه يكون له بمثابة موسى ، وهو يعدو في الخارج هاتفا “ أين العدو ؟ “
 
 775 ونفسه الحسية تقبع مدلله في منزل البدن ، على حين أنه يعض يده في حقده على غيره !
 
كيف لام الناس شخصا على قتل أمه لا تهامه إياها بالزنى
 
ان الحنق قد دفع ذلك الشخص إلى أن يقتل أمه ، وذلك بطعنات خنجره وضربات قبضته !
 فقال له أحد الناس : “ انك لخبث جوهرك لم تتذكر ما للأمومة من حق عليك ! 
لماذا قتلت أمك ؟ خبرني . قل لي ماذا صنعت ، أيها الخبيث الطبع ! 
“ فقال القاتل : “ لقد فعلت أمرا فيه عارها ، فقتلتها لأن في التراب سترا لها “ .
 
780  فقال : “ فلتقتل ذلك الرجل ، أيها الهمام ! “ فقال القاتل :
“ سيكون على اذن أن أقتل كل يوم رجلا !



“ 108 “
 
لقد قتلتها فخلصت من دماء الخلق ! لقد قطعت حلقها ، وذلك خير من ضرب أعناق الخلق !
 “ ان نفسك الحسية هي تلك الأم الخبيثة الطباع ، التي شارع فسادها في كل ناحية .
فلتقتلها فإنك من أجل هذه النفس الدنيئة تعتيد في كل لحظة على عزيز .
وبها أصبحت هذه الدنيا الجميلة ضائقة بك . ومن جرائها لك مع الحق ومع الخلق صراع !
 
 785 فلو أنك قتلت النفس الحسية لخلصت من الاعتذار ، ولم يبق لك عدو في هذه الدنيا .
فلو أن أحدا أثار حول قولنا هذا اشكالا فيما يتلعق بالأنبياء .
والأولياء ، قائلا : “ ألم تكن النفس الحسية قتيلة عند الأنبياء ؟ فلماذا كان لهؤلاء أعداء وحساد ؟
 “ فلتصغ الآن يا طالب الصواب ، ولتستمع إلى ما لمشكل هذه الشبهة من جواب :
ان هؤلاء المنكرين كانوا أعداء لأنفسهم . ولهذا فقد وجهوا إلى أنفسهم مثل هذه الضربات .
 
790  فالعدو هو الذي يتهجم على روح سواه ، وليس بعدو من تصدى لذات روحه .
فالخفاش الحقير ليس عدو للشمس . لكنه في حجابه عدو لنفسه !
 فاشراق الشمس هو الذي يقتله . ولكن ، هل كانت الشمس


“ 109 “
 
تتحمل منه قط عناء ؟
ان العدو هو ذلك الذي يجئ منه العذاب . انه ذلك الذي يحجب عن العقيق ضياء الشمس .
وجميع الكافرين هم حاجبوا أنفسهم عن ذلك الشعاع الذي يفيض من جوهر الأنبياء
 
795 وكيف يكون الخلق حجابا لبصر ذلك الفريد ( الملهم ) ؟ ان هؤلاء قد أصابوا أعينهم بالعمى أو زيغ البصر .
انهم كالغلام الهندي الذي يحقد على سيده فيقتل نفسه ليغيظ هذا السيد .
فهذا يسقط فوق رأسه من سطح القصر ، وذلك ليلحق الأذى بسيده .
فلو أن المريض سلك سبيل العداوة مع الطبيب ، ولو أن الطفل وجه عداءه لمعلمه ،
 فكلا هما في الحقيقة لا يقطع الطريق الا على نفسه ، وكلاهما يغلق أمام نفسه طريق العقل والروح .
 
800  فلو أن غاسل الثياب غضب على الشمس ، والو أن السمكة غضبت على الماء ،
 فانظر أيا منهما يحيق به الضر وأيا تكون عاقبته سواد الطالع من جراء ذلك !
 فإن كان الحق قد خلقك قبيح الوجه ، فحذار ، ولا تجمع إلى قبح الوجه قبح الطبع ! 
وان حرمك النعل فلا تمش في المحاجر ، وان كنت منشعبا شعبتين فلا تنفسم إلى شعب أربع .
 
“ 110 “
 
وانك لتجهر بالحسد قائلا : “ أنا أقل من فلان ! ها هوذا طالعى يزداد انحدارا “ .
 
805  فالحسد ذاته نقصان وعيب آخر ، بل إنه لأسوأ من جميع النقائص .
ان ذلك الشيطان - حين شعر بسوء السمعة والعار من تخلفه ( عن آدم ) - أوقع نفسه في مائة نقص وحرمان !
 فالحسد قد جعله يطلب بلوغ القمة . ولكن أية قمة ؟ لعلها قمة اهراق الدماء ! 
وكذلك أبو جهل استشعر العار من تفوق محمد ، ودفعه الحسد إلى أن يتعالى بنفسه إلى القمة ، 
وكان اسمه أبا الحكم فصار أبا جهل . وكم من فاضل جعله الحسد عديم الفضل !
 
810 وانى لم أر في عالم السعي والطلب كفاءة قط خيرا من جمال الطبع .
ولقد جعل الله الأنبياء واسطة بينه وبين الخلق ، لكي يظهر ما كمن فيهم من الحسد ، بقلقهم ( إزاء بعث الرسل ) .
ذلك لأنه لا أحد يشعر بالعار من الخضوع لله ، وما من مخلوق على الأرض يكون حاسدا للخالق .
فالانسان يظن الرسول شخصا شبيها به ، ولهذا السبب فإنه يحمل له السحد .
أما وقد أصبحت عظمة الرسول من الأمور المقررة ، فإنها لم تعد تثير الحسد في نفس انسان ، بعد أن لقيت منها القبول .

“ 111 “
 
815  وليس يخلو أي دور من ولى قائم . وسيبقى امتحان الخلق حتى القيامة .
وكل من كان له طبع حميد فقد نجا ، وأما من كان ذا قلب هش كالزجاجة فقد تحطم .
فالامام الحي القائم هو ذلك الولي ، سواء أكان من نسل عمر أم من نسل علىّ .
انه المهدىّ والهادي ، أيها الباحث عن الطريق ! وهو محتجب عنك وفي ذات الوقت جالس في مواجهتك ! 
وهو مثل النور ، وأما العقل فهو له بمثابة جبريل . والولىّ الذي هو أدنى درجة منه كالقنديل ، يستمد منه النور .
 
820  وأما ما هو أقلّ من هذا القنديل فمشكاتنا . وللأنوار درجات في مراتبها .
ذلك لأن نور الحق له سبعمائة حجاب . واعلم أنّ هذه الحجب شبيهه بطباق متعددة .
ووراء كل ستار مقام لقوم ، وكل قوم مصطفون وراء ستارهم ( في تدرج ) حتى الامام .
وأهل الصف الأخير - لضعفهم - لا تطيق أعينهم مواجهة النور الذي أمامهم .
أما أهل ذلك الصفّ السابق على ضعاف البصر ، فهم لا يحتملون المتاع النور إذا زاد تقدمهم .
 
825  والنور الذي هو حياة أول الخلق ( وأعلاهم مقاما ) يكون عناء لروح ذلك الأحول ، وفتنة له .
لكنّ الحول يتناقص قليلا ، قليلا فإذا ما تجاوز المرء الأستار السبعمائة أصبح بحرا .


“ 112 “
 
فالنار التي بها صلاح الحديد أو الذهب كيف يكون بها صلاح السفرجل أو التفاح الرطب ! 
فللتفاح وللسفرجل وكيان خفيف ، وهو - على خلاف الحديد - يتطلب نارا لطيفة .
لكنّ مثل هذه الشُعلات تكون ضعيفة بالقياس إلى الحديد ، فإنه جاذب للهيب ذلك التنين .
 
830  وذلك الحديد هو الدرويش الذي يتحمل المشاق . وهو تحت المطرقة والنار أحمر الوجه سعيد ! 
فهو حاجب النار ، يغشاها بدون واسطة ، ويخوض في قلبها من غير أن تربطه بها رابطة .
ان الماء وأبناء الماء لا ينالون من النار - بدون حجاب - طبخا ولا جدوى .
وهذا الحجاب يكون قدرا أو طاسا ، كما أنّ النعل وسيلة السير للقدم .
أو يكون مكانا بين النار والماء حتى يغدو الهواء ساخنا ويحمل الحرارة إلى الماء .
 
835  فالفقير هو ذلك الذي يكون بلا واسطة ، فيكون للنيران اتصال مباشر بكيانه .
فهو قلب العالم ، الذي بوساطته يتحقق للجسد أداء مهمته بفن .
ولو لم يوجد القلب ، فيكف كان الجسد يعرف القيل والقال ؟
شو لو لم يبحث القلب فهل كان الجسد يعرف البحث والتحري ؟
فموضع شهود الشعاع هو ذلك الحديد . وموضع شهود الله هو



“ 113 “
 
القلب لا الجسد .
وهذه القلوب الجزئية أيضا - إذا قيست بقلب العارف - تبدو شبيهة بالأجساد ، فقلب العارف هو المعدن الصافي .
 
840  ان هذا الكلام يتطلب الكثير من الأمثلة والشرح ، لكنني أخشى - ( لو طال الكلام ) - أن تتعثر أوهام العَوام .
وقد تصبح من جرائه كل محاسننا مثالب ! وهذا الذي قلته لم يكن الا عن تجرد من الذاتية .
فخير للقدم الأعوج أن يكون نعله أعوج . وما للمتسول من مكان الا عند الباب .
 

* * *

شرح كيف باع الصوفية بهيمة المسافر ليقيموا بثمنها مجلسا للسماع





( 514 ) يبدأ الشاعر هنا حكاية أخرى عن آفات التقليد . وأسلوب الشاعر في هذه الحكاية بعيد كل البعد عن الوعظ والتعليم ، فهي تنطوى على صور رائعة لحياة الخانقاه ، وسلوك أدعياء التصوف . والشاعر هنا ، وفي كل موقف مشابه ، يكشف عن قدرته التصويرية الرائعة ، التي تشغل الحواس والخيال بالألوان والظلال والأصوات والروائح في وقت واحد ، وتشتق من الحياة صورا معبرة مؤثرة ترقى إلى أرفع المستويات الفينة . ويقترن هذا كله بأسلوب ساخر ممتع .
( 517 ) يروى عن الرسول أنه قال : “ كاد الفقر أن يكون كفرا “ .
( 533 - 534 ) يحرص الشاعر على أن يميز بين الصوفية العارفين ، وبين المرتزقة من أدعياء التصوف .
( 544 ) “ قول الخادم : “ انظر إلى لحيتك “ ، تعبير ساخر ، معناه :
“ لا تكن أحمق ، وتصرف بحكمة تناسب لحيتك “ .
( 548 ) يرى صاحب المنهج القوى أن هذا البيت يشير إلى الحديث الذي يروى عن الرسول قوله : “ الآخذ ضامن والزعيم غارم “ .
( 555 ) “ لو أنك أخبرتني بما جرى لا بتعت الحمار ممن قد اشتراه ،
 
“ 442 “
 
أو حصلت على ثمنه قبل أن يقتسمه الصوفية “ .
( 564 ) إشارة إلى قوله تعالى حكاية عن إبراهيم : “ لا أحب الآفلين “ ( 6 : 76 ) . و “ الآفلون “ في البيت هم المسخرون للنفس الأمارة بالسوء ، وهي آفلة لأنها ليست بذات بقاء .
( 567 ) تقليد المريد للمرشد العارف هو أول مراحل التحقيق .
( 572 ) لو أن المرآة أصيبت بالطمع لما أظهرت حقيقة الحال ، ولصارت منافقة كالناس . وهكذا القلب الانساني ، إذا دخله الطمع ، لم تبق له قدرة على الادراك الصحيح . وينطبق هذا أيضا على العقل الذي يصرفه الحرص عن سلامة التفكير .
( 574 ) حكى القرآن الكريم عن الأنبياء ما يفيد هذا المعنى . انظر ( 6 : 90 ) ، ( 11 : 51 ) ، ( 26 : 109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180 ) ، ( 42 : 23 ) .
( 576 ) يروى أن أبا بكر أنفق أربعين ألف درهم على الدعوة المحدية . وقيل إنه أنفق أربعين ألف دينار . ( انظر تعليق نيكولسون على هذا البيت ) . وقد أورد فروزانفر مصادر متعددة لهذا الخبر منها طبقات ابن سعد ، وقد جاء فيه قوله : “ كان أبو بكر معروفا بالتجارة .
لقد بعث النبي وعنده أربعون ألف درهم ، فكان ينفق منها ويقوى المسلمين ، حتى قدم المدينة بخمسة آلاف درهم ، ثم كان يفعل فيها ما كان يفعل بمكة “ . ( انظر : مآخذ قصص ، 52 ) .
( 577 ) الأخر المادي لا يمكن أن يرقى إلى مستوى الجزاء الروحي ، ولا مجال لأن يقاس هذا بذاك .
( 578 ) الحكاية التي يشير إليها الشاعر هي حكاية “ القاضي والمفلس “ التي تبدأ روايتها بعد أبيات قليلة . وقد أوردها الشاعر ليبين أن الطمع يحجب الأذن عن استماع الحقائق .
( 583 ) الصوفي الذي فقد حماره كان بعيدا عن نشوة الشهود ،
 
“ 443 “
 
لتعلقه بلذات الحس ، واندفاعه وراءها . ولولا الحرص الذي أعماه لكان بوسع الخادم أن ينبهه إلى فقد حماره .
( 585 ) ذكر فروزانفر أصلا بسيطا للقصة التي تبدأ روايتها في هذا البيت وقد ورد هذا الأصل في محاضرات الراغب ( ج 1 ، ص 297 ) .
يقول : “ وفلس القاضي رجلا فاركبه حمارا فطوف به ، ونودي عليه أن لا يبايع فإنه مفلس ، فلما أنزل قال له صاحب الحمار . هات الكراء فقال له : فيم كنا من أول النهار يا أبله “ . كما أورد فروزانفر صورة أخرى لهذه القصة مأخوذة من كتاب “ أخبار الظرفاء والمتماجنين “ لا بن الجوزي ( انظر : مآخذ قصص ، ص 52 ) .
وهذه الحكاية البسيطة لا تكاد ترتبط بعمل جلال الدين الا ارتباط البذرة الصغيرة بالدوحة الباسقة .
( 586 ) “ جبل قاف “ - في الأساطير الفارسية - هو أعظم جبال الأرض . انظر تعليقنا على البيت 54 .
( 588 ) كل من جرم من الرضى والقناعة وغنى الروح ، بقي حريصا على متاع الدنيا حرص المتسول ، حتى ولو تحقق له ثراء السلاطين .
( 590 - 591 ) حياة الدنيا لا يمكن أن تخلو من الآفات ، والانسان في كل جانب من جوانبها عرضة للعدوان والأذى .
( 592 ) يروى عن الرسول أنه قال : “ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر “ . فهذا السجن الذي فرض على المؤمن يتقاضاه أجرا ويفرض عليه تكاليف .
( 594 ) بعد أن تحدث الشاعر عن متاعب الدنيا ، انتقل إلى الحديث عن موقف الانسان ازاءها . فهو يقول في هذا البيت ان الانسان يستطيع بجميل الخيال أن يجمل الحياة .
( 595 ) الخيال السىء والأوهام القبيحة تقضى على الانسان .

 
“ 444 “
 
[ شرح من بيت 600 إلى بيت 750 ]
( 600 - 601 ) في البيتين إشارة إلى حديث يروى عن الرسول قوله : “ الصبر رأس الايمان “ ، وكذلك قوله : “ من لا صبر له فلا ايمان له “ .
( 603 - 605 ) يبين الشاعر هنا أن الهوى يلون الحكم على الأشخاص ، فعين الرضى يخفى عليها عيب الانسان وعين السخط تبدى مساوئه . ويعجب الشاعر من هذا ، فيقول ان مثل هذا الشخص الذي تتناقض حوله الآراء يكون حينا سمكة وحينا شصا ، أو يكون نصفه مؤمنا ونصفه كافرا ، لو كان لنا أن نصدق هذه الآراء المتناقضة .
( 606 ) يبين الشاعر خطأ الناس في أحكامهم المتناقضة على الفرد الواحد ، ويستشهد على ذلك بقوله تعالى : “ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، والله بما تعملون بصير “ ( 64 : 2 ) . فالمرء لا يكون كافرا ومؤمنا في الوقت ذاته .
( 609 ) من الأمثلة الدالة على خطأ النفس الساخطة في الحكم على الأفراد ما لقيه يوسف من كره اخوته وسوء فعلهم . فسخط نفوسهم عليه جعله يبدو قبيحا في أعينهم .
( 610 - 611 ) ينتهى الشاعر هنا إلى النتيجة التي مهد للوصول إليها ، وهي أن الخيال القبيح يضل عن العقل ، وهذه بدورها تضل عين الحس .
( 612 - 613 ) الانسان - في ظاهره - يبدو حسيا مقيدا بالمكان ، ولكنه بأصله الروحي ينتمى إلى اللامكان . فلو أنه تخلص من سلطان الحس ، فُحتت أمامه عوالم الروح الفساح . ان عليه أن يتخلص من هذا العالم الحسي لأنه يفرض عليه موقعا سيئا ، يجعل الهزيمة حتما عليه .
وقوله : “ العالم ذو الجهات الست “ يقصد به العالم الحسى المقيد بجهات ست هي : اليمين والشمال والأمام والوراء ، والفوقية والتحتية .

“ 445 “
 
ويشبه الشاعر جهات العالم الست بالأقسام الستة فوق لوحة النرد .
( 620 ) في القرآن الكريم آيات كثيرة ورد بها فعل الأمر “ كلوا “ .
انظر مثلا : ( 2 : 57 ، 58 ) ، ( 5 : 88 ) . والشاعر يسخر من هذا النهم الأكول الذي أراد أن يصور الشره على أنه طاعة لأمر الهى .
( 634 ) الشيطان يهدد ويغرى ، يهد الناس بالفاقة ، فليتزمون البخل ، ويغريهم بلذات الحياة فيوقعهم في المعاصي .
( 635 ) الايمان في “ سجن “ الدنيا قليل . ومع قلته فهو مهدد بعدوان الشيطان .
( 638 - 639 ) يروى عن الرسول حديث نصه : “ الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم “ .
( 640 ) إذا لم يظهر الشيطان في صورة مجسدة ، هي أحد مواقف الاغراء ظهر في الخيال .
( 641 ) لا يقتصر اغراء الشيطان على اللهو ، بل هو يغرى بالربح في التجارة ، واتخاذ العلم سبيلا إلى التظاهر وتحقيق المغانم المادية ، وكذلك بامتلاك الدور والقصور .
( 679 ) ان في الغيب صورا كثيرة لكن عين الحسن لا تبصرها ، وفي الغيب أيضا أصداء كثيرة ، لكن أذن الحس لا تسمعها .
( 680 ) الله وحده هو القادر على أن يفتح العين على ما يشاء من مشاهد الجمال والكمال .
( 684 ) الحديث الذي أشار اليه الشاعر يروى عن الرسول قوله :
“ ان الله خلق لكل داء دواء “ .
( 686 ) لعل في البيت إشارة إلى الحديث الذي يروى عن الرسول قوله : “ ان الروح إذا قبض تبعه البصر “ .
( 688 ) يراد بالعدم هنا الوجود غير المادي .
( 689 ) ان العالم الروحي ، ( العالم الذي تنعدم فيه المحسوسات ) ،
 
“ 446 “
 
هو المكان الذي يتحقق للانسان فيه الربح الكامل . ذلك لأن حياته فيه أبدية ، وسعادته خالدة ، أما هذا الوجود المادي فهو مكان الانفاق ، ينفق الانسان فيه أيام حياته فيما لا يجدى ، ويضيع فيه ألوانا من السعادة الروحية ، تحول المادة بينه وبين تحقيقها .
( 690 ) “ العدم مقر مصنع الحق “ يعنى أن الله يخلق كل شئ من العدم .
( 692 ) “ فالدعاء منك والاستجابة أيضا منك “ ، يعنى “ أن الله يلهم الروح الدعاء المستجاب حينما تصبح إرادة الانسان منبثقة من إرادة الخالق “ .
( 698 - 701 ) الشاعر يتحدث في هذه الأبيات عن الصوفية العارفين ، الذين تحرروا من سلطان العالم المادي ، ونجوا من مغرياته ، وأصبح الحس بألوانه لا يغريهم ، بل قنعوا بما وراء الحس ، وعاشوا في هذه الدنيا وأعينهم وقلوبهم متعلقة بعالم الروح .
( 702 - 703 ) كل تعشق للصور الحسية يحجب بصيرة الروح ، ويصرف الانسان عن حب ما يبقى إلى حب مظاهر براقة لا بقاء لها .
( 704 ) العشق الجسدي لا بقاء له . ولو كان له بقاء حقيقي فلماذا يتخلى العاشق عن معشوقه إذا فارقته الروح ؟
( 705 ) الجسد يبقى على صورته المحسوسة بعد أن تفارقه الروح .
فلماذا ينصرف محبه عن التعلق به ؟ ان هذا مدعاة لأن يفكر الانسان في المعشوق الحق ، الذي لا يعتريه من التغير ما يصرف عنه القلوب .
( 706 ) لو كان المعشوق هو الجسد المحسوس ، لبقى حس العاشق متعلقا به ، وان فارقت الروح هذا الجسد .
( 707 ) من طبيعة العشق أنه يزيد الوفاء . فأين الوفاء لجسد المحبوب إذا فارقته الروح ؟ ان الوفاء حينذاك يتخذ صورة أخرى .

 
“ 447 “
 
( 708 ) ان العاشق الصوري ينخدع بالجسد حين يكون حيا بالروح ، ويغفل عن حقيقة حياة الجسد ، وما الجسد الا كجدار أشرق عليه نور الشمس ، فالنور من الشمس لا من الجدار ، والحياة من الروح لا من الجسد .
( 709 ) الافتتان بالجسد الحي كالافتتان بالنور المشرق فوق جدار .
فالجسد سرعان ما تفارقه الروح ، والجدار سرعان ما يزول عنه النور .
فالأولى بالانسان أن يتعلق بمصدر الحياة ، الذي يبث الحياة في جميع الاحياء ، كما تنشر الشمس نورها فوق كل مكان .
( 710 ) المفتون بالعقل الانساني وقدراته ، مضلل كالمفتون بالحس سواء بسواء ذلك لأن قدرة العقل الانساني محدودة .
( 711 ) النور المشرق على الحس قبس مستعار من نور العقل الكلى .
فهذا النور قد استضاءت له الحواس بصورة وقتية ، فأصابت به بعض الادراك ، وما اشراق هذا النور فوق الحواس الا كالتماع قشرة التذهيب فوق النحاس .
( 712 ) وهكذا يكون جمال الجسد بريقا مؤقتا كبريق قشرة التذهيب ، وسرعان ما يزول هذا البريق . وان لم يكن الحال كذلك ، فلماذا تغدو المرأة الفانية قبيحة كالحمار الهرم عندما تبلغ الشيخوخة ؟
( 715 ) الجسم ينحل بطول البقاء ، على حين أن الروح خالدة ، لا تتأثر بالزمان . فعلى الانسان أن يتعلق بالقلب ، ويتخلى عن التعلق بكيان قوامه العظام البالية .
( 717 ) عندما يتحرر الانسان من ذاته يصبح هو الساقي والشارب والنشوة ، ذلك لأن ذاته - بعد فنائها في الذات الإلهية - لا يبقى لها وجود منفصل ، كانفصال الشارب عن الساقي ، أو انفصال طبيعة الاحساس بالنشوة عن تقديم الشراب أو ارتشافه .
( 718 ) ادراك مثل هذه الوحدة لا يمكن تحقيقه بالجدل والقياس ؛

 
 “ 448 “
 
فلا سبيل اليه الا بالطاعة الكاملة والخضوع المطلق .
( 719 ) ان المتعلقين بالمجادلات والقياسات العقلية يحسبونها جوهر الحقيقة ، وما هذه الا صور ظاهرية براقة . انها كالقافية في الشعر ، تروق يرنينها ، لكنها لا تعبر عن جوهر المعنى .
( 720 - 721 ) المعنى الحقيقي لو تجلى لروح الانسان ، لم تبق له حاجة إلى الصور . والمراد بالصور هنا ألوان المناقشات والمجادلات التي يتعلق بظاهرها الحسيون والعقليون . فهذه المعارف هي التي تجعل الانسان حائرا حيرة الأعمى والأصم ، وتصرفه إلى ظاهر العبارات ، وليست هي جوهر الحقيقة ، فهذه لو تجلت للروح ، زالت حاجة الانسان إلى كل هذه المعارف الحسية والعقلية .
( 722 ) ان الحسى كالأعمى ، يتخبط على غير هدى ، في البحث عن الحقيقة ، وحظه من ادراكها كحظ الأعمى من ادراك المبصرات : كل ما يناله منها هو ما يحمله اليه خياله الضيق . أما صاحب البصيرة الروحية فهو كالعين المبصرة ، تكشفت له حقائق العرفان بعد أن تحرر من سلطان ذاته الحسية .
( 723 ) يدافع الشاعر هنا عن طريقة الصوفية في تفسير القرآن . فهم ينشدون المعنى الباطني للآيات . ويقول الشاعر ان الجاهل هو الذي يقف به الفهم عند حروف القرآن ، ويحسب أنها جوهر الكتاب الكريم . ومثل هذا شبيه بمن أخطأ رؤية حماره ، وأخذ يسوق سرجه .
( 724 - 725 ) من أحاط بالجوهر ظفر بالعرض أيضا . أما من ركز اهتمامه في للأعراض . فلا سبيل له إلى الجوهر .
( 726 ) الحمار في البيت رمز للجوهر ، والسرج رمز للأعراض . فظهر الحمار هو الذي يجلب الربح ، وليس السرج الذي يوضع فوق ظهر الحمار . والروح هي التي تمثل القيمة الحقيقة للانسان ، وليس الجسد الذي يكبلها بالقيود ، كما يثقل السرج ظهر الحمار .

 
“ 449 “
 
( 727 - 728 ) لا يزال الشاعر يستخدم “ الحمار “ هنا بصورة رمزية ، وهي أنه جوهر بالقياس إلى السرج . وقوله ان الرسول امتطى حمارا عارى الظهر ، كناية عن سلوكه سبيل الروح وابتعاده عما يكلبها من علائق المادة . وقوله “ انه أيضا قد سافر ماشيا “ كناية عن تجرد روحه من سلطان الجسد بصورة كاملة ، فكأنما كان روحا يسعى بين الناس .
( 729 ) ترك الشاعر هنا استخدام “ الحمار “ في المعنى الرمزى الذي أشرنا اليه من قبل ( 727 - 728 ) ، ونظر اليه من زاوية أخرى ، وهي أنه ذلك الحيوان الذي يسعى وراء حاجات الجسد ، فشبه به النفس الأمارة بالسوء في تمسكها بالحس ولذاته .
( 730 ) على النفس أن تحمل أعباه الصبر والشكر ، مهما طال بها الزمن ، لعلها تتخلص من قيود الحس ونزعاته .
( 731 ) كل نفس مسؤولة عن حمل أعبائها ، فلن تحملها عنها سواها .
وكل نفس سوف تلقى من الجزاء ما يكافىء جهدها ، فلا سبيل إلى الحصاد الا الزراعة .
( 732 - 734 ) في هذه الأبيات دعوة صريحة إلى العمل والجد وبذل الجهد ، ولا تقصر هذه الدعوة على الجهاد الروحي ، بل تمتد إلى الجهاد العملي في هذه الحياة الدنيا . فالأبيات تنتقد التواكل ، والركون إلى الحظ ، وتنادى بوجوب الكسب ما دام الجسم قادرا ، وتدعو إلى العمل وتصفه بأنه هو السبيل إلى الكنز الذي يحلم المتواكلون بالعثور عليه .
وهذا المعنى العملي ينطبق أيضا على جهاد الروح . فلا سبيل إلى المعرفة بدون الصبر والشكر ومجاهدة النفس ، فهي الكنز الذي يظفر به الصوفي لقاء سعيه المتواصل .

 
“ 450 “
 
( 737 ) يذكر شراح المثنوى في تفسير هذا البيت حديثا يروى عن الرسول قوله : “ إياكم وكلمة ( لو ) فإنها من كلام المنافقين “ .
( 738 ) في هذا البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكون من الصالحين “ . ( سورة المنافقون ، 63 : 10 ) .
( 739 - 743 ) إن كلمة “ لو “ شبيهة بالمنزل الخراب . فهذه الكملة لا تصلح لأن تكون محورا للفكر المستقيم ، كما أن المنزل الخراب لا يصلح للسكنى . والحياة الدنيا شبيهة بالمنزل الخراب ، والناس يبحثون فيها عن السعادة فلا يجدونها ، فتواجههم دائما كلمة “ لو “ .
ولو عرفوا السعادة الحقيقة ، لأدركوا أن ما يشقون من أجله في الدنيا ليس هو السعادة الحق ، ولكان بوسعهم أن يميزوا بين الأصيل والزائف ، وإذا ذاك لا يشقون بامتناع السعادة ، لا متناع أسبابها .
( 744 ) الناس جميعا يبحثون عن السعادة بدون أن يدركوا حقيقة جوهرها .
( 745 ) لقد اختلطت القيم أمام الناس وظهرت كلها براقة أمام أعينهم . ومن هذه ما هو صحيح ومنها ما هو زائف . والانسان في حاجة إلى محك صادق للتميز بينها ، كما يُميز الذهب الخالص من الزائف .
( 746 ) إذا كان الانسان قد تحققت له القدرة الذاتية على التمييز ، فليمض في اختياره ، والا فان عليه أن يلتمس مرشدا يهديه .
( 747 ) المحك الصادق هو الذي ينبثق من الادراك الروحي . فمن لم يكن لديه مثل هذا المحك فلا بد له من مرشد صادق ، يقيه أخطار الطريق .
( 748 ) “ الغيلان “ هنا رمز للمغريات والشهوات . وصوتها يكون “ مألوفا “ لأنه ينبثق من الكيان الحسى للانسان . وهذه الألفة ذاتها هي التي تقود الانسان إلى الدمار .

 
“ 451 “
 
( 749 ) ان الشهوات الدنيوية تنادى الانسان بصوتها المغرى ليتبع سبيلها المهلك ، كما تفعل الغول حين تدعو المسافرين في الصحراء إلى اتباع سبيل الضلال والهلاك .


[ شرح من بيت 750 إلى بيت 900 ]
( 750 ) قول الشاعر : “ ان الغول ينادى كل شخص باسمه “ ، يعنى :
أن كل انسان يتلقى النداء الذي يؤثر فيه ، فمحب المال يُغرى بالمال ومحب الجاه يغرى به وهكذا .
( 751 ) في البيت صورة فنية رائعة ، تمثل نتيجة الاستجابة الداعي الهوى والشهوة . ان ذئاب الشهوات وأسودها تحيط به ، ويكون قد ابتعد عن طريق النجاة ، ولم يبق من العمر ما يتسع لا يجاد مخرج أو خلاص .
( 752 ) كشف الشاعر في هذا البيت عما كان يرمز اليه بصوت الغول ، فذكر أنه نداء الحرص على المال والجاه والرونق .
( 755 ) “ لتكن قادرا على تمييز الحقيقة من الأوهام ، فسعادة الدنيا شبيهة بالفجر الكاذب ، أما سعادة الروح فهي الفجر الصادق “ .
( 756 ) الصبر والمثابرة على التأمل الروحي ، والاخلاص القلبي في التعبد وجهاد النفس قد تتيح للعينين بصرا روحيا ، يختلف عن ابصارهما الحسى . ووصفه العينين بأنهما “ تبصران الألوان السبعة “ كناية عن تعلقهما بشتى ألوان العالم المادي التي يشبهها الشاعر بألوان الطيف .
( 757 ) الابصار الروحي يختلف عن الابصار الحسى ، فابصار الروح يقع على الحقائق الجوهرية ، على حين أن ابصار الحس يقف عند المظاهر الصورية .
( 759 ) ان العدم ( عالم الفناء المطلق ) هو مصنع الحق ، ولا سبيل للانسان إلى رؤية الحق الا إذا دخل في هذا العالم . ويتحقق له هذا بنفي الذات الانسانية .
( 760 ) هذه المخلوقات المتعددة ، والمظاهر المتنوعة ، تحجب العيون


 
 “ 452 “
 
عن مشاهدة الصانع ، أي أنها تشغل العيون بتعددها وتنوعها ، فتقف حجابا بينها وبين شهود خالقها . ولهذا فالعدم ( عالم النفي ) هو وحده مكان شهود الخالق .
( 762 - 763 ) عالم الامكان هو الذي يظهر قدرة الخالق وروعة صنعة بأجلى صورة ، فهو دائم الخلق ، يصنع من العدم وجودا ، فمن دخل في “ العدم “ شهد روعة الصنع .
( 764 ) “ فرعون “ رمز للانسان الحسى ، الذي لا يؤمن بقدرة وراء عالم الحس . لقد كن مغرورا بملكه وقوته ، وغفل عن قدرة الله الخالقة ، فأمر بقتل الذكور من بني إسرائيل ، حتى لا يظهر من بينهم من يقوى على أن يزيل ملكه .
( 770 ) لو كان فرعون مدركا لقدرة الله التي لا نهاية لا مكاناتها ، لجمدت يداه وساقاه عن ارتكاب مظالم ما كانت لتجديه نفعا .
( 774 ) الانسان الحسىّ يتصور أن له عدوا خارج كيانه ، فيجهد نفسه في البحث عنه ، مع أن ألد أعدائه نفسه التي بين جنبيه . وهكذا كان فرعون يبحث عن عدوه في كل مكان ، على حين أن العدو الحقيقي “ موسى “ كان ينعم بالسلامة في منزل فرعون .
( 776 - 785 ) يروى الشاعر حكاية رجل قتل أمه لأنها قد ارتكبت الزنى فلما عوتب لا رتكابه تلك الفعلة ، وذكر بأنه كان أولى به أن يقتل شريكها في الزنى قال : “ كان على اذن أن أقتل كل يوم رجلا ! “ وهذه القصة قد رويت لتصوير النفس الحسية ، وما ينبثق عنها من شرور . فهي تدفع الانسان إلى العدوان ، الجرم ، ولا سبيل إلى التخلص من شرها الا بقتلها ، وإذ ذاك يتحقق للانسان الأمن والسلام والسكينة ، ويسود بين الناس الوئام .
( 786 - 801 ) يجيب الشاعر في هذه الأبيات عن شبهة قد تثور في نفس القارئ حول الأنبياء والأولياء ، وطبيعة صلتهم بالناس .

 
“ 453 “
 
فألانبياء والأولياء قد قتلوا نفوسهم الحسية ، فلماذا لم يتحقق السلام بينهم وبين الناس .
ويجيب الشاعر على هذه الشبهة بأن هؤلاء الناس الذين عادوا الأنبياء ، كانوا في حقيقة الأمر أعداء لا نفسهم .
فالخفاش الذي يكره الشمس ليس عدوا لها ، لكنه غير قادر على ابصار نورها ، على حين أن الشمس ذاتها لا تتحمل منه عناء . وجميع الكافرين حجبوا أنفسهم عن الشعاع الذي فاض من جوهر الأنبياء .
فالكفار الذين عادوا الأنبياء مثلهم كمثل المرضى يعادون الطبيب ، أو الصبيان يعادون المعلم .
( 790 ) لم يكن كفر الكافرين مضرا بالأنبياء ، لكنّ ضرر ذلك وقع على الكفار أنفسهم .
( 802 ) “ ان كنت قد خلقت قبيحا فلا تزدد قبحا بحسدك سواك “ .
وقد بدأ الشاعر هنا ينتقل إلى الحديث عن الحسد ، وهو خليقة مرتبطة بحقد الكفار على الأنبياء .
( 803 ) هذا البيت قد فسر تفسيرات غربية لا أرى داعيا لها .
( أنظر أمثلة منها في تعليقات نيكولسون ) . وأعتقد أن الشاعر يريد بهذا البيت أن الانسان إذا كان محروما من احدى النعم ، فعليه ألا يضيف إلى الحرمان ما هو أقسى منه ، ألا وهو الاحساس بالحسد . وإذا كان الانسان موزع الخاطر بين أمرين ، فعليه ألا يزيد الأمر سوءا ، ويصبح مشنتتا بين أربعة أمور متعاكسة .
( 804 - 805 ) انتقل الشاعر من الرمز للحسد إلى الحديث عنه بصريح العبارة ، وذكر أنه أسوأ من جميع النقائص . فالحاسد الذي يستشعر التخلف عن سواه ، يوقعه الحسد في شر النقائص .
( 811 - 813 ) ان بعث الرسل يكشف عما كمن في نفوس الناس من الحسد . فالناس لا يستنكرون الخضوع للخالق ، وليس منهم من هو

 
“ 454 “
 
حاسد لله ، لكنهم يحسدون الرسول إذ يحسبونه بشرا شبيها بهم .
( 815 ) ليس يخلو أي زمن من ولى قائم ، ويكون ظهورة امتحانا للخلق ، يكشف عن كامل الحسد في نفوسهم .
( 817 ) الإمام الحق وهو الولي . ولا عبرة بالنسب في استحقاق مثل هذه الإمامة ، ذلك لأنها مبنية على صفاء الروح والتقوى .
( 818 ) مثل هذا الامام هو المهدى والهادي ، وقد يكون بين الناس ، أو بالقرب منهم ، ومع ذلك تخفى عليهم حقيقته . وهذا وصف القطب الأكبر ، الذي اعتقد الصوفية أنه امام الزمان .
( 819 ) هذا القطب الأكبر يستمد من الله نور العرفان .
أما الولي الذي هو أدنى درجة فيستمد النور من عقل القطب ، فالقطب يحمل العرفان إلى تابعه المباشر ، كما حمل جبريل رسالة السماء إلى الرسل . والأولياء الذين يجيئون في المرتبة بعد القطب الأكبر هم الأبدال . ويقال إن عدد هؤلاء سبعة .
( 820 ) هناك بعد الأبدال أولياء آخرون هم أقل مرتبة من الأبدال ، ودرجتهم في النور أقل من درجة هؤلاء ، فنورهم كالمشكاة ، ونور الأبدال كالقنديل .
( 821 - 826 ) يروى عن الرسول أنه قال : “ ان الله سبعمائة حجاب من نور وظلمة “ . فكأنما كل ولىّ - على مقتضى درجته - ينتمى إلى طبقة من طباق هذا النور .
وقد أورد الغزالي هذا الحديث في “ مشكاة الأنوار “ على النحو التالي : “ ان الله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل من أدركه بصره “ . يقول : وفي بعض الروايات سبعمائة ، وفي بعضها سبعين ألفا . ( ص 84 ) . وقد شرح الغزالي معنى هذا الحديث في الفصل الثالث من “ المشكاة “ ، وعنده أن الأعداد “ سبعمائة “ أو “ سبعين ألفا “ وردت على سبيل التكثير لا على سبيل الحصر . وقد

 
“ 455 “
 
حاول أن يذكر أصناف المحجوبين على سبيل المثال لا الحصر وانتهى إلى قوله : “ فإنهم انما يحجبون بصفاتهم البشرية ، أو بالحس ، أو بالخيال ، أو بمقايسة العقل ، أو بالنور المحض “ . ( ص 93 ) .
وذكر عبد الرحمن الأنصاري هذا الحديث ، ثم علق عليه بقوله :
“ أما الحجب فقد ثبت بالبراهين أن الحق تعالى لا يسره حجاب ، وانما الذي حجبه عن خلقه شدة ظهوره ، وعجز الخلق عن رؤيته لقوة نوره “ .
( مشارق أنوار القلوب ص 125 ) .
( 852 ) النور الذي يطيقه القطب وينعم به ، لا يكون في وسع صاحب الحس الأحول أن يقترب منه .
( 826 ) “ إذا تجاوز المرء الأستار السبعمائة فنى في بحر الوحدة “ .
( 827 - 839 ) كل انسان يأخذ من النور على قدر طاقته الروحية .
وفي هذه الأبيات أمثلة متعددة يصور الشاعر بها هذا المعنى . فالحديد يحتاج في صياغته إلى لهب قوىّ ، على حين أن التفاح أو السفرجل يطبخ بلهب لطيف ، وهكذا .
( 829 ) “ التنين “ رمز للنار القوية المستعرة .
( 836 ) القطب الأكبر بمثابة القلب ، والعالم بمثابة الجسد ، وتدبير العالم بحكمة منوط بالقطب ، كما أن تدبير الجسد منوط بالقلب .
( 839 ) قلب العارف هو المعدن الصافي ، وأما قلوب العامة فكدرة شبيهة بالأجساد .
( 841 ) “ قد يسئ العوام فهم ما نقول ، فتصبح محاسننا مثالب في نظر هؤلاء ، برغم أن كل قولنا صادر عن تجرد من الهوى “ .
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: