الاثنين، 3 أغسطس 2020

02 - مقدمة مولانا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

02 - مقدمة مولانا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

02 - مقدمة مولانا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

مقدمة مولانا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي

“ 85 “

المثنوَي الكتابُ الأول

“ 86 “

مقدمة الكتاب
[ خطبة الكتاب ]
( بسْم اللّه الرّحمَن الرّحيم )

هذا كتاب المثنوي “ 1 “ وهو أصولُ أصول أصول الدين ، في كشف أسرار الوصول واليقين ، وهو فقه اللَّه الأكبر ، وشرع اللَّه الأزهر ، وبرهان اللَّه الأظهر ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، يشرق إشراقاً أنور من الإصباح ، وهو جنان الجنَان ، ذو العيون والأغصان ، منها عين تُسمَّي عند أبناء هذا السبيل سلسبيلا ، وعند أصحاب المقامات والكرمات خيرُ مقاماً وأحسن مقيلا ، الأبرارُ ، فيه يأكلون ويشربون والأحرارُ منه يفرحون ويطربون ، وهو كنيل مصر شرابُ للصابرين ، وحسرةُ على آل فرعون والكافرين ، كما قال يُضلّ به كثيراً ويهدى به كثيراً ، وإنّه شفاء الصدور وجلاء الأحزان ، وكشّاف القرآن ، وسعة الأرزاق ، وتطييب الأخلاق ، بأيدي سفرة كرام بررة ، يمنعون أنْ لا يمسّه إلا المطهرون ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، واللَّه يرصده ويرقبه ، وهو خيرُ حافظا وهو أَرحم الراحمين ، وله ألقاب أخر لقبه اللَّه تعالى ، واقتصرنا على هذا القليل ، والقليل يدل على الكثير ، والجرعة تدل على الغدير ، والحفنة تدل على البيدر الكبير ، يقول العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة اللَّه تعالى محمد بن محمد بن الحسين البلخي تقّبل اللَّه منه : اجتهدت في تطويل
...............................................................
( 1 ) وضع جلال الدين هذه المقدمة باللغة العربية .


“ 87 “


المنظوم المثنوي المشتمل على الغرايب والنوادر ، وغرر المقالات ، ودرر الدلالات ، وطريقة الزهاّد ، وحديقة العباد ، قصيرة المباني ، كثيرة المعاني لا ستدعاء سيدي وسندي ، ومعتمدي ، ومكان الروح من جسدي ، وذخيرة يومي وغدي ، وهو الشيخ قدوة العارفين ، وإمام أهل الهدى واليقين ، مغيث الورى ، أمين القلوب والنهى ، وديعة اللَّه بين خليقته ، وصفوته في بريته ، ووصاياه لنبيّه ، وخباياه عند صفيَّه ، مفتاح خزائن العرش ، أمين كنوز الفرش ، أبو الفضائل حسام الحقّ والدين “ 1 “ حسن بن محمد بن الحسن المعروف بابن أخي ترك ، أبو يزيد “ 2 “ الوقت جنيد “ 3 “ الزمان ، صديق ابن صديق ابن الصديق رضي اللَّه عنه وعنهم الأرموي “ 4 “ الأصل المنتسب إلى الشيخ المكرم “ 5 “ بما قال : أمسيت كردياً وأصبحت عربياً قدس اللَّه روحه وأرواح أخلافه فنعم السلف ونعم الخلف ، له نسب ألقت الشمس عليه رادءها ، وحسب أرخت النجوم إليه أضواءها ، ولم يزل فناؤهم قبلة الإقبال يتوجه إليها

...............................................................
( 1 ) حسن حسام الدين كان وقت نظم المثنوي أقرب تلاميذ جلال الدين إليه ، وقد كان جلال الدين يملي عليه المثنوي . والمعروف أن المثنوي لم يكتب قط بخط الشاعر . بل كانت أول نسخه بخط حسام الدين . وقد أصبح حسام الدين شيخاً للطريقة المولوية بعد وفاة أستاذه جلال الدين عام 672 ه .
وكان نائباً جلال الدين خلال السنوات العشر الأخيرة من حياة الشاعر . وقد توفى حسن حسام الدين عام 683 ه .
( 2 ) هو أبو يزيد البسطامي ، أحد مشهوري الصوفية . توفى عام 260 ه .
( 3 ) الجنيد البغدادي كان أيضاً من مشهوري الصوفية ، وقد توفى عام 297 ه .
( 4 ) نسبة إلى مدينة أرمية التي تقع في إقليم آذربيجان .
( 5 ) ذكر شراح المثنوي أن الشيخ المقصود هنا ، والذي تنسب اليه العبارة المذكورة في النص هو الصوفيّ أبو الوفا بن عقيل الكردي . ويذكر الشعراني أنه كان معاصراً لعبد القادر الجيلاني ( 471 - 561 ه ) . أما العبارة المنسوبة إليه هنا فتشير إلى كرامة وقعت له ، خلاصتها أنه دعي لإلقاء خطبة وعظية ، ولم يكن يعرف العربية فنام ليلته داعياً ربَّه متفكراً ، ورأى الرسول في المنام فأمره الرسول أن يجعل خطابه عن أسرار القرآن . وفي الصباح صعد المنبر وجري لسانه بالعربية . وقد نسبت مثل هذه الكرامة إلى غيره من الصوفية ، كما بيَّن ذلك نيكولسون في تعليقاته .

 

“ 88 “

بنو الولاة ، وكعبة الآمال يطوف بها وفود العفاة ، ولا يزال كذلك ما طلع نجم وذرّ شارق ليكون معتصماً لأولي البصائر الربانيين الروحانيين السمائيين العرشيين النوريين السكوت النظّار ، الغيب الحضّار ، الملوك تحت الأطمار ، أشراف القبائل ، أصحاب الفضائل ، أنوار الدلائل ، آمين يا رب العالمين ، وهذا دعاءُ لا يردّ فإنّه دعاء لأصناف البريّة شامل ، والحمد للَّه ربّ العالمين ، وصلى اللَّه على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين .


“ 89 “

[ ديباجة ] المثنوَي
01 -  استمع للناي كيف يقص حكايته . إنّه يشكو آلام الفراق .

( يقول ) : 
“ إنّني منذ قُطعتُ من منبت الغاب ، والناس رجالًا ونساءً يبكون لبكائي .
إنَّني أَنشد صدراً مزّقه الفراق ، حتى أشرح له ألم الاشتياق .
فكل إنسان أقام بعيداً عن أصله ، يظلّ يبحث عن زمان وصله .

05 -  لقد أصبحتُ في كل مجتمع نائحاً ، وصرت قريناً للبائسين والسعداء .
وقد ظنّ كلّ إنسان أنّه قد أصبح لي رفيقاً ، ولكنّ أحداً لم يُنقّب عما كمن في باطني من الأسرار .
وليس سرّي ببعيد عن نواحي ، ولكنْ أنّى لعين ذلك النورُ أو لأذن ذلك السمعُ الذي به تُدرك الأسرار ؟
وليس الجسم بمستور عن الروح ، ولا الروح بمستور عن الجسم ، ولكنّ رؤية الروح لم يُؤذْن بها لإنسان “ .
إنّ صوت الناي هذا نارُ لا هواء فلا كان من لم تضطرم في قلبه مثل هذه النار .


“ 90 “

 
10 - وهذه النار التي حلِّت في الناي هي نار العشق ، كما أنّ الخمر تجيش بما استقرّ فيها من فورة العشق .
إنّ الناي نديم لكل من فرّفه الدهر عن حبيب ، وإنّ أنغامه قد مزَّقت ما يغشّى أبصارنا من حُجُب .
مَنْ رأى مثل الناي سمّاً وترياقاً ؟ من رأى مثل الناي رفيقاً مشتاقاً ؟
إنّ الناي يروي لنا حديث الطريق الذي ملأته الدماء ، ويقصّ علينا قصص عشق المجنون .
وهذه الحكمة ( التي يرويها ) قد حُرمَّت على من لا عقل له ، فليس هناك من يشتري بضاعة اللسان سوى الأذن .

15 - لقد أصبحتْ أيامُنا متشابهاتٍ في الهموم ، وصارت الحرق والآلام ملازمة لهذه الأيام .
فإذا ذهبت الأيام فقل : « اذهبي ، فلاخوف لدنيا ( من ذهابك ) ، ولتبق أنت يا من ليس لك نظير في الطهر والنقاء » .
كلّ من لم يكن من فصيلة السمك فإنه يشبع من الماء ، وكل من كان بلا رزق طال يومُه .
ولا يستطيع غرُّ أنْ يدرك حال من أَنضجتهم التجارب ، فلنقصر القول على ما قلناه ونكتف به .
أيها الولد ! إلام تظلّ أسير الذهب والفضة ؟ حطّم قيودك وتحرر منها .

20 - إنّك لو أردت أن تغترف البحر بكوز ، فهل يسع هذا الكوز أكثر مما يكفيك يوماً واحداً ؟

“ 91 “

ومع هذا فإنّ عين الحريص ( على الدنيا ) لا تمتلئ ( ولا يغمض لها جفن ) ، وما يحفل الصدف بالدر إلا حين يغتمض .
وكلّ من تمزقت ثيابه من العشق ، فإنه يصبح طاهراً من الحرص ، ومن كلّ العيوب .
فلتَسْعَد أنت يا من عشقُه الجميل سرّ هيامنا ، ويا من هو الطبيب لكل ما نشكوه من علل .
يا من هو الدواء لغرورنا وكبريائنا ! يا من هو لنامثل أفلاطون وجالينوس !


25 - إنّ العشق جعل جسم الأرض يعلو على ألافلاك ، فرقص الجبل وأضحى خفيف الحركة .
العشق حلّ في روح الطور أيّها العاشق ، فسكر الطور وخرّ موسى صعقا « 1 » .
آه لو كانت شفتاي تقترنان بشقتي حبيبي ، إذنْ لكنتُ كالناي أقول ما ينبغي قوُله .
فكلّ من فرقه الدهر عن أهل لسانه ، يصبح بلا لسان حتى ولو سُمع له مائة صوت ! 
وحين يذبل الورد وينقضي عهدُ بستانه ، لا يعود البلبل - بعد هذا - يروي لك قصة ( أشجانه ) .

30 - إن المعشوق هو الكلّ وأما العاشق فحجاب ، والمعشوق هو الحيّ وأما العاشق فميت .
...............................................................
 ( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف : “ فلما تجلىّ ربه للجبل جعله دكاً وخرَّ موسى صعقاً “ . ( 7 : 143 ) .


“ 92 “


وحينما لا تكون للعاشق رعاية من العشق ، فإنّه يبقى تعساً كطائر بلا جناح .
وكيف يكون لي عقل يدرك ما أمامي وما ورائي ، حينما لا يكون نور حبيبي أمامي وورائي ؟
إنّ العشق يقتضينا أن نبوح بهذا القول ، وإلا فيكف تكون المرآة ، إذا لم تعكس صور المرئيات ؟
أوَ تدري لمَ أظلمت صفحة مرآتك ؟ إنّها أظلمت لأنّ الصدأ قد علاها ، ولم ينفصل عنها .

35 - فاستمعوا أيها الأحباب إلى هذه القصة ، فهي تنطوي بحقّ على نقد حالنا .
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: