الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

08 - كيف جاء رسولُ الروم إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

08 - كيف جاء رسولُ الروم إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

08 - كيف جاء رسولُ الروم إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

كيف جاء رسولُ الروم إلى أمير المؤمنين عمر رضي اللَّه عنه وكيف رأى كراماته
[ مجئى الرسول ]
 
1390 - إنّ رسولا من القيصر جاء إلى عمر بالمدينة بعد أنْ طوى الفلاة الشاسعة .
وقال : “ أيها الخدم ! أين قصر الخليفة ، حتى أتجه إليه بحصاني ومتاعي ؟ “ 
فقال له القوم : “ ليس لعمر قصر ، وإنما لعمر قصر الروح المضيء ! 
فهو وإن كان عظيم الشهرة بالإمارة ، فإنه كالدراويش لا يمتلك سوى كوخ ! 
فكيف تستطيع - أيها الأخ - أن تبصر قصره ، وقد نبتت شعرة في عين قلبك ؟
 
1395 - ألا فلتُنظّف عين قلبك من الشعر والعلل ، قبل أنْ تطمح إلى مشاهدة قصره .
فكلّ من كانت له روح تطهرت من الهوس ، سرعان ما يرى الحضرة والإيوان الطاهر .
فمحمدُ حين خلص من النار والدخان ، كان وجهُ اللَّه في كلّ ناحية اتجه إليها “ 1 “ .
فإذا كنتَ رفيقاً لوسواس الهوى الخبيث ، فكيف تدرك معنى :” فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه ““ 2 “ ؟
...........................................................................
( 1 ) قال تعالى : “ وللَّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثمَّ وجه اللَّه “ . سورة البقرة ، 2 : 115
( 2 ) أنظر الآية في الحاشية السابقة .
 
 
“ 221 “
 
وكلّ من فُتح له بابُ في صدره ، فإنه يرى الشمس مشرقة في كلّ مدينة .
 
1400 - إنّ الحقّ - بين الآخرين - ظاهرُ جليّ ، كالبدر بين النجوم .
فضع طرفي إصبعين فوق عينيك ( وانظر ) ! هل ترى من العالم شيئاً ؟
ألا فلتكن منصفاً ! فإنْ أنت لم تر هذا العالم ، فليس بعدم ! وما العيب إلا في إصبع نفسك التعسة .
فتنبّه ، وارفع إصبعك عن عينك ، ثم شاهد - بعد ذلك - ما تشاء .
إن قوم نوح قالوا لنوح : “ أين الثواب ؟ “ ، فقال “ إنه من تلك الناحية التي حجبتموها بما استغشيتم من ثياب “ 1 “ .
 
1405 - لقد أحطتم وجوهكم ورؤوسكم بلفائف الثياب ، فلا جرم أنكم ذوو بصائر ، لكنها لا تبصر ؟
إن الإنسان بصر ، وأما ما عدا ذلك فجلد ، والإبصارُ ( الحقُ ) هو مشاهدة الحبيب .
فإن لم تبصر العينُ الحبيبَ ، فخيرُ لها أن تكون عمياء ! كما أنّ من الخير البعد عن الحبيب الفاني “ .
فحين تَلَقّى رسول الروم بسمعه هذه الألفاط النضرة ، زاد اشتياقه .
فأرسل البصر منقّباً عن عمر ، وترك متاعه وحصانه للضياع .
 
1410 - فمضى مقتفياً أثر ذلك الرجل العظيم ، في كلّ ناحية ، سائلًا عنه كالمجنون .
......................................................................
( 1 ) حرفياً : إنه من ناحية : “ واستعشوا ثيابهم “ . وفي البيت إشارة إلى آية كريمة تتعلق بنوح وقومه وهي : “ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم ، جعلوا أصابعهم في آذانهم واستعشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً “ . ( 71 : 7 ) . فالثواب كان موجوداً بتلك الناحية التي أغلقوها أمام أنفسهم .
 
 
“ 222 “
 
(قائلًا ) : “ أَمثْلُ هذا الرجل يكون في الدنيا ؟ إنه - مثل الروح - محتجب عن الدنيا !
“ لقد بحث عن ليكون له كالعبد ، والباحث لا بدَّ واحد ! ورأته امرأة أعرابية دخيلًا ، فقالت له : “ أنظر ! إنّ عمر تحت تلك النخلة “ .
لقد كان منفرداً عن الخلق تحت جذع النخلة ، فتأمل كيف نام ظلُّ اللَّه في الظل .
 
كيف وجد رسولُ الروم أمير المؤمنين عمر رضي اللَّه عنه نائماً تحت النخلة
 
1415-  فجاء رسول الروم إلى ذلك المكان ، ووقف بعيداً ، فأبصر عمر ، فأخذته رجفة .
لقد وقعت بنفس هذا الرسول مهابةُ لذلك النائم ، ونزلت بروحه حال طيِّبة .
إنّ المحبة والمهابة ضدّان ، ولكنّه رأى هذين الضدين وقد اجتمعا في قلبه ! فقال ، محدّثاً نفسه : “ إنني رأيت الملوك ، وكنت عظيماً أثيراً عند السلاطين .
فما أحسست بهيبة للملوك أو خوف منهم ، فما بال هيبة هذا الرجل قد سلبت لبي ؟
 
1420 - لقد دخلتُ غابةَ الأسود والأنمار ، فلم يتغّير لذلك لونُ وجهي .
وكم اقتحمتُ الصفوفَ وخضت الحروب ، وصُلْتُ كالأسد ساعة الموقف الرهيب .
 
 
“ 223 “
 
وكم تلقيتُ وسدَّدْتُ الضربات العظام ، وكنت ( في ذلك ) أقوى قلباً من الآخرين .
وهذا الرجل الأعزال النائم فوق الثرى ، قد ارتعد منه كل كياني ! فما هذا ؟
إن هذه الهيبة من الخالق ، وليست هيبة مخلوق ! إنها ليست هيبة هذا الرجل ، صاحب الدلق .
 
1425 -  وكل من خاف الحق واختار التقوى ، تهابه الإنس والجن وكل من يراه “ .
وبينما هذا الرسول يتفكر ، عقد يديه احتراماً ، وبعد ساعة ، هبّ عمر من النوم .
 
كيف سلم الرومي على أمير المؤمنين رضي اللَّه عنه
 
فأدى التحية لعمر ثم سلم عليه . ولقد قال الرسول : “ السلام ثم الكلام “ .
فردّ عمر السلام ، ودعاه للاقتراب منه ، وأمنه ، وأجلسه أمامه .
إن عبارة :” أَلَّا تَخافُوا ““ 1 “ لهي نُزُل الخائفين ، وإنها لملأئمةُ للخائف .
 
1430 -  فكل من كان خفائفاً أمن ، وسكن قلبه الجزع .
ولكن كيف تقول : “ لا تَخفْ “ لمن لا يستشعر الخوف ؟ وأي درس تُعلمّه ، وليس محتاجاً للدرس ؟
لقد أسعد عمر ذلك القلب الهلَع ، وعمر ذلك الخاطر الحزب .
وبعد هذا حدّثه بكلام دقيق ، وتكلمّ عما اتصف به الحق – نعم
...........................................................
( 1 ) لعله يريد هنا الإشارة إلى قوله تعالى : “ إنّ الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تَتنَزّلُ عليهم الملائكة ألا تخافوا “ . ( فُصَّلت ، 41 : 29 ) .

 
“ 224 “
 
الرفيق - من صفات طاهرة ، وعن ألطاف الحقّ بالأبدال ، وذلك ليعرف هذا الرومي المقامات والأحوال !
 
 1435 - إنّ الحال مثل جلوة العروس المُزينة ، وأما المقامُ فهو الخلوة بتلك العروس .
فالجلوة يشاهدها المَلك وغيرُ الملك أيضاً ، وأما وقت الخلوة ، فليس هناك سوى الملك العزيز .
إنّ العروس تتجلى أمام العامة والخاصة ، ولكنّ الملك هو الذي يكون جمع مع العروس في الخلوة .
وما أكثر أهل الحال بين الصوفية ، ولكنّ أهل المقام منهم قلة نادرة .
لقد ذكر عمر لرسول الروم منازل النفس ، كما ذكر له أسفار الروح .
 
1440 -  والزمان الذي كان خالياً من الزمان ، ومقام المقدس الذي كان ( دائماً ) مبعث الإجلال .
والهواء الذي كانت عنقاء الروح قد شهدت به - من قبلُ - الطيران والفتوح .
فكان كلّ تحليق لها أعظم من الآفاق ، وأكبر من الأمل ، ومن نهم المشتاق .
فعمر حين وجد هذا الرجلَ صديقاً ، وإنْ كانت له هيئة الأعداء ، ووجد أنّ روحه تنشد الأسرار ، كان الشيخ كاملًا والطالب مشتهياً ، وكان الفارس مسرعاً والجواد ملكيّاً “ 1 “ .
...............................................................
( 1 ) الشيخ الكامل هو عمر ، وأما الطالب فرسول الروم . والفارس أيضاً عمر وأما الجواد الملكيّ المهذّب فهو رسول الروم .
 
 
“ 225 “
 
1445 -  لقد رأى المرشد أن ذلك الرجل قابل للإرشاد ، فغرس البذور الطيّبة في الأرض الطيّبة .
 
سؤال رسول الروح لأمير المؤمنين رضي اللَّه عنه
 
قال الرجل : “ يا أمير المؤمنين ! كيف نزلت الروح من الأعالي إلى الأرض ؟
وكيف دخل القفص ذلك الطائرُ الذي لا حدود له .
فقال عمر : لقد تلا عليها الحقّ رقُى وحكايات .
فحين يتلو رُقاه على العدم - الذي لا عين له ولاأذن - يصبح موّاجاً بالحركة .
وبرقاه تنطلق المعدوماتُ مسرعةً ثابتة الخطى نحو الوجود .
 
1450 - وحينما عاد فتلا رقاه على الموجود ، دفعه - بأمره - إلى العدم بسرعة حصانين .
لقد همس في أذن الورد فجعله يبتسم ، وتحدث إلى الحجر فجعل منه عقيق المنجم .
وتلا آية على الجسم فأصبح روحاً ، وكَلَّم الشمس فأصبحت وضّاءة لا معة .
ثم عاد فألقى في أذنها نكتة رهيبة ، فوقع على وجه الشمس مائة كسوف .
وأيّ قول ألقاه ذلك المتكلم في أذن الحساب ، فصبّ من أعينه الدموع كما تنصبَّ القربَ ؟
 
1455 - وما الذي الحق على مسمع الأرض حتى صارت مراقبة ولزمت الصمت ؟
 
 
“ 226 “
 
وكلّ من كان مبلبل الفكر في تردده ، فقد ألقى الحقّ في أذنه لغزاً معَمّى .
حتى يجعله أسير ظنّين ، ( يحدَّثُ نفسه قائلا ) : “ أأعمل بما قاله لي أم أعمل بضدّه ؟ “ .
ومن الحقّ أيضاً يرجح لديه أحدُ الجانبين ، فيختار هذا الجانب على ذاك ، في كيف الحقّ .
فإذا أردتَ ألا يقع في التردد عقلُ روحك ، فلا تحَشُ أذن الروح بهذا القطن .
 
1460 - حتى تفهم معَميّاته الغامضة ، وتدرك ما بطن من الرمز وما ظهر .
فتصبح أذن روحك محلًا للوحي . فما الوحي ؟ إنه كلام محتجب عن الحس .
فأذن الروح وعين الروح ليستا من هذا الحسّ ( الظاهريّ ) ، أما أذن العقل وأذن الظنّ فهما مفلستان من ذلك الوحي .
إنّ كلمة “ الجبر “ جعلت عشقي بلا صبر “ 1 “ ، وجعلت الخالي من الشعق حبيس الجبر “ 2 “ .
............................................................
إنها تعني صحبة الحق ، لا الجبر ( بمعناه الدارج ) ! إنها البدر في تجليّه ،
( 1 ) ليس للصوفي العاشق إرادة منفصلة عن إرادة الخالق . إنه يسعى ليفني ذاته وإرادته في خالقه . وفي حالة الاتحاد لا تكون هناك إرادتان منفصلتان ، إحداهما للخالق والأخرى للعبد . فالجبر بالنسبة للصوفى هو الفناء في الحق . “ والعشق الذي لا صبر له “ هو الذي يمضي إلى أبعد الحدود والغايات .
( 2 ) الخالي من الشعق هو الذي يقول بوجودٍ منفصل لذاته . وبإرادة منفصلة .
وهذه الإرادة البشرية التي يدّعيها لن تكون شيئاً أمام إرادة الخالق . فهو بهذا يكون حبيس الجبر لأنّ إراداته التي يدّعيها ضعيفة أمام إرادة اللَّه ، وهو يتنصل من مسئوليته الشخصية عن أعماله ، على أساس أن كل ما يعمله مُمْلى عليه ، ولا مهرب له منه . فهو حبيس فكرة الجبر التي يقول بها .
 
 
“ 227 “
 
وليست سحابا يغطيه ! “ 1 “ .
 
1465 - فلو كان هذا جبراً ، فليس من ذلك الجبر العام ، ليس جبر ( النفس ) الأمّارة ( بالسوء ) المستبدّة “ 2 “ .
إنّ الذين يعرفون الجبر “ 3 “ - يا بني - هم أولئك الذين فتح اللَّه لهم بصراً في قلوبهم .
فانكشف لهم الغيب المقبل ، وتلاشى - عندهم - ذكر الماضي .
فالاختيار والجبر - عندهم - غير هما عند الآخرين . إنّ القَطر في الأصداف جوهر .
فكم خارج الأصداف من قَطرة صغيرة أو كبيرة ، ولكنّها في الأصداف درة صغيرة أو كبيرة !
 
 1470 - إنّ لهؤلاء القوم طبع نافجة الغزال ، فهم في الظاهر دمُ ولكنّ باطنهم مسك ! فلا تقل : “ إن هذه المادة دم في ظاهرها ، فيكف تغدو مسكاً عندما تدخل نافجة الغزال ؟ “ ولا تقل : “ إنّ هذا النحاس كان محتقراً في ظاهره ، فكيف يتخذ - في قلب الإكسير - طبيعة الجوهر ؟ “ “ 4 “ .
إنّ الاختيار والجبر كانا عندك خيالًا ، ولكنّهما - عندما حلّا فيهم - أصبحا نور الجلال !
.......................................................
( 1 ) الجبر في رأى الصوفية ، هو وحدة الإرادة الناشئة من الاتحاد بالخالق ، فهو صحبة للحق واستنارة بنوره ، وليس فقدان إرادة أمام إرادته ولا انفصالا عنه .
( 2 ) ليس هذا الجبر بمعناه الصوفىّ شبيهاً بالجبر بفهومه العام ، الذي تعتقد به النفس الأمارة بالسوء ، فترتكب الآثام ، وتنسبها إلى الخالق .
( 3 ) إن الذين تحققت لهم وحدة الإرادة مع الخالق فآمنوا بهذا “ الجبر “ الصوفي هم أولئك الذين أنار اللَّه قلوبهم .
( 4 ) طبيعة المعدن الثمين .

 
“ 228 “
 
فالخبر على المائدة هو ذلك الجماد ، ولكنّه في جسم الإنسان يصبح روحاً مبتهجة .
 
1475  فهو لا يتحول ( عن طبيعته ) في قلب المائدة ، ولكن الروح هي التي تحوّله ( عنها ) بمائها السلسبيل .
فهذه قوة الروح - أيها القارئ الواعي - فكيف تكون قوة روح الروح ؟
 
إنّ كتلة اللحم الآدمية ذات العقل والروح تشقّ الجبل والبحر والمنجم ! فقوة الروح التي تقتلع الجبل ( تتجلّى ) في شقّ الحجر ، وأما قوة .
روح الروح فمجلاها شقّ القمر “ 1 “ .
 
ولو أرواح القلب الغطاء عن وعاء الأسرار لهرعت الروح منطلقة نحو العرش “ 2 “ .


كيف نسب آدم زلته إلى نفسه في قوله : “ رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا “ “ 3 “
وكيف نسب إبليس جرمه إلى اللَّه في قوله :” فَبما أَغْوَيْتَني “ *” 4 “
 
. 1480 أنظر إلى فعلنا وإلى فعل اللَّه ، واعلم أنّ فعلنا موجود ، فذلك ( أمرُ ) ظاهر .
.............................................................................
( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ اقتربت الساعة وانشق القمر “ . ( القمر ، 54 : 1 ) .
( 2 ) الترجمة الحرفية لهذا البيت هي : “ ولو فتح القلب غطاء حافظة الأسرار لا نطلقت الروح نحو العرش بسرعة الأتراك “ . والمراد بسرعة الأتراك السرعة العظيمة لما اشتهر به هؤلاء من سرعة الغارة .
( 3 ) انظر حاشية البيت 1489 .
( 4 ) انظر حاشية البيت 1488
 
 
“ 229 “
 
فلو لم يكن فعل الخلق واقعاً ، لما كان لك أنْ تقول لإنسان :
“ لماذا فعلت هذا ؟ “ .
إنّ خلق الحقّ هو الموجد لأفعالنا ، فأفعالنا إنما هي من آثار خلق اللَّه “ 1 “ .
فالناطق “ 2 “ إما أنْ يرى الحرف أو المعنى ، وإلا فكيف يصبح في لحظة واحدة محيطاً بعرضين .
فلو اتجه إلى المعنى غفل عن الحرف . فليست هناك عين ترى ما أمامها وما وراءها في وقت واحد .
 
1485 -  فأنت إذا نظرت أمامك ، فأنّى لك أن تبصر مارواءك في الوقت ذاته ؟ فلتعرف هذا ! فإذا كانت الروح لا تحيط علماً بالحرف والمعنى ، فكيف تكون خالقة لكليهما ؟
يا بنيّ ! إنّ الحق هو المحيط بكليهما ، فهو الذي لا يؤخرّه على عن عمل آخر .
لقد قال الشيطان :” بما أَغْوَيْتَني ““ 3 “ ، فهذا الشيطان الدني ، قد أخفى فعله .
.......................................................................
( 1 ) هذا البيت والذي سبقه يعبران عن مذهب أبي الحسن الأشعري في الكسب .
( 2 ) الناطق هو المتكلم . يريد الشاعر بهذا البيت أن ينفي خلق الإنسان لأفعاله .
فالإنسان الذي يكون عاجزاً عن إدراك لفظ ما يتكلم به ومعناه في ذات الوقت كيف يكون قادراً على الإحاطة بكل جوانب العمل الذي يعمله .
( 3 ) إشارة إلى قصة إبليس وطرده من الجنة لعصيانه أمر ربه ، وقد وردت في سورة الأعراف . قال تعالى : “ قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين . قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبَّر فيها فأخرج إنك من الصاغرين . قال أنظرني إلى يوم يبعثون . قال إنك من المنظرين .
قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراتك المستقيم “ . ( 7 : 11 - 15 ) .

 
“ 230 “
 
وقال آدم :” رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ““ 1 “ ، وهو - مثلنا - لم يكن غافلًا عن فعل اللَّه .
 
1490 - وقد أخفى فعل اللَّه في ذنبه - تأدباً - فجنى ثماراً لنسبة الذنب إلى نفسه .
وبعد التوبة قال له اللَّه : “ يا آدم ! ألم أخلق فيك هذا الجرم ، وتلك المحن ؟
ألم يكن هذا تقديري وقضائي ؟ فلماذا أخفيتَ ذلك وقت اعتذارك ؟ “ فقال آدم : “ لقد خشيتك ، فلم أتخلّ عن الأدب “ . فقال اللَّه :
“ وإني أيضاً قد حفظتُ لك أدبك “ .
فمن راعى الاحترام ظفر بالاحترام ، ومن أحضر السكر أكل اللوزينج .
 
1495 - فمن تكون الطيبات ؟ إنهن للطيبين . فأسعد صديقك ، ولا تؤلمه ، ثم تأمل ( نتيجة ذلك “ 2 “ ) .
فيا أيها القلب ! إليك مثالًا تميّز به ، حتى تعرف الجبر من الاختيار :
اليد التي تهتزّ من الارتعاش ، واليد التي تهزّها أنت من مكانها .
فلتعلم أنّ الاهتزازين كليهما من خلق اللَّه ، لكنّه ليس من المستطاع قياسُ أحدهما على الآخر .
إنّك لتندم لأنك قد هززت يدك ، ولكنّ كيف يكون الرجل
.......................................................................
( 1 ) اقتباس من قوله تعالى في سورة الأعراف : “ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين “ . ( 7 : 22 ) ، وقد وردت هذه الآية على لسان آدم وحواء بعد أن أضلهما الشيطان ، فأكلا من الشجرة المحرّمة .
( 2 ) الشطر الثاني لهذا البيت في المنهج القوي هو : “ ياررا خوش كن مرنجان وببين “ . وقد آثرنا هذه الرواية على ما يقابلها في طبعة نيكولسون وهي : “ يارا بركش برنجان وببين “ .


 
“ 231 “
 
المرتعش نادماً ؟ “ 1 “
 
1500 - فهذا بحث العقل ، فأيّ بحث هو يا صاحب الحيلة ؟ لعل ضعيفاً يهتدي به إلى هناك “ 2 “ .
إنّ البحث العقلي - ولو كان دُرّاً ومرجاناً - يختلف عن البحث الروحي .
فالبحث الروحي له مقام آخر ، وخمر الروح لها قوام آخر .
فعندما كان البحث العقلي ملائماً ، كان عمر صفيّاً لأبي الحكم ! “ 3 “ .
ولكن - حينما انطلق عمر من العقل نحو الروح - صار أبو الحكم أبا جهل في بحث تلك الأمور !
 
1505 - فقد كان هذا كامل الحسّ ، كامل العقل ، ولكنَّه - إذا نسب إلى الروح - كان جاهلًا .
فاعلم أن بحث العقل والحس متصل بالأثر أو السبب ، وأما بحث الروح فمتصل بالعجب أو بأعجب العجب .
لقد أشرق ضوء الروح - أيها المستضي ! - فلم يعد هناك لازم وملزوم ، ولا ناف ومقتض .
ذلك لأنّ المبصر- الذي بزغ أمامه نور اللَّه - ما أبعده عن الحاجة إلى دليل كالعصا.
................................................................
( 1 ) هذا البيت في طبعة نيكولسون لا يستقيم معناه إلا بوضع كلمة “ هست “ بدلا من كلمة “ نيست “ في الشطر الثاني منه أي بإبدال النفي بالاثبات . ويكون المعنى أن الانسان يندم على فعل يأتيه بإرادته وهو ما رمز له بهز اليد ، وأما الفعل الذي لا يد للانسان فيه - وهو ما رمز له بالارتعاش فليس مما يندم عليه . وهذا يتفق مع الروايات الأخرى لهذا البيت ، ومنها :ز آن پشيماني كه دادي لرزه‌اش * مرتعش را چون پشيمان ديديشوالمعنى : “ إنك نادم لأنك قد هززتها ( اليد ) ولكن متى رأيت المرتعش نادما ؟
( 2 ) أي إلى عالم الحقيقة .
( 3 ) هو أبو الحكم عمرو بن هشام المعروف بأبي جهل .


 
“ 232 “
 
تفسير “ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ “ “ 1 “
 
ها نحن أولاء قد عدنا إلى القصة “ 2 “ مرة أخرى . ومتى كنا قد خرجنا من تلك القصَّة ؟
 
1510 - إنَّا لو أيتنا إلى الجهل فهذا سجنه ، ولو جئنا إلى العلم فهذا إيوانه .
وإذا استسلمنا للكرى فإننا سكارى به ، وإذا صحونا فإنا طوع يديه .
وإذا بكينا فإننا سحابه المحّل بالرزق ، وإذا ضحكنا ، فإنّنا حينذاك برقه .
ونحن - في الغضب والحرب - صدر لقهره ! ونحن - حين الصلح والصفح - صدى لحبّة ! فمن نحن في هذا العالم المعقّد ؟ إننّا كالألف ، فماذا تملك الألفُ ( من الحركة ) ؟ لا شيء قط “ 3 “ .
 
كيف سأل رسول الروم عمر رضي اللَّه عنه عن سبب ابتلاء الأرواح
 بهذه الأجساد الحادثة من الماء والطين
 
1515 - قال : “ يا عمر ! أيّ حكمة كانت ، وأي سرّ وراء حبس تلك الروح الصافية في هذا المكان الكدر ؟
................................................................................
( 1 ) سورة الحديد ، ( 57 : 4 ) .
( 2 ) قصة عمر ورسول الروم .
( 3 ) البشر في الدنيا ساكنون كأنهم حرف الألف . وأيّ حركة تكون للألف ؟ لا شيء .
لأنها لا تقبل الحركات .


 
“ 233 “
 
إنّ الماء الصافي قد أصبح في الطين محتجباً ، والروح الصافية أضحت أسيرة الأبدان “ .
فقال عمر : “ إنك لتبحث بحثاً عميقاً ، وأنت ( بذلك ) تجعل معنى أسيراً لكلمة .
لقد حبست المعنى الحرّ ( الطليق ) ، ( وبذلك ) جعلت الهواء أسيراً للحروف .
وإنك قد فعلت ذلك لفائدة ، يا من أنت غافل عن الفائدة والجدوى “ 1 “ !
 
 1520- ( فاللَّه ) الذي نبعتْ منه الفوائد ، كيف لا يبصر ما قد أبصرناه ؟
إنّ هناك آلاف الفوائد ، ولكن شتان بين كل منها وبين تلك الفائدة “ 2 “ .
فأنفاس نطقك - وهي جزء الأجزاء - جاءت ذات فائدة ، فكيف يكون الكلّ الجامع “ 3 “ خالياً منها ؟
إنك - وأنت الجزئي - تجد عملك ذا فائدة ، فكيف ترفع يدك لطعن الكلّ “ 4 “ ؟
فإنْ لم تكن للكلام فائدة فلا تقله ! وإنْ كانت له فائدة فدع الاعتراض وكن شاكراً !
 
1525 فشكر اللَّه طوق في كل رقبة “ 5 “ ، وليس ( من الشكر ) الجدال وحموضة “ 6 “ الوجه .
..........................................................................
( 1 ) فائدة حبس الروح في البدن .
( 2 ) يقصد “ بتلك الفائدة “ الفائدة التي تتحقق من حبس الأرواح في الأجساد ، والترجمة الحرفية للبيت : “ إن هناك آلاف الفوائد ، وكل منها أقل ( قيمة ) من هذه الفائدة بآلاف المرات “ .
( 3 ) الكلّ الجامع للروح والجسد .
( 4 ) كيف تعترض على أعمال الخالق ، مع أنك ، وأنت الجزئي تجد أعمالك ذات جدوى .
( 5 ) واجب على كل إنسان .
( 6 ) عبوس .


 
“ 234 “
 
فلو كان الشكر لا يعدو حموضة الوجه ، لما استطاع أحدُ أداءه مثل الخلّ .
ولو أُريد للخل أن يجد طريقه إلى الكبد ، فليُصبح “ سركنگبين “ “ 1 “ بممازجة الشهد ! إنّ المعنى في الشعر ليس له اتجاه محدّد ، إنه كحجر المقلاع ، لا ضابط له .
 
في بيان سرّ من أراد أن يجلس مع اللَّه فليجلس مع أهل التصوف
 
إن رسول الروم قد سكر بتلك الكأس أو الكأسين ، فلم تبق في ذاكرته رسالة ولا بلاغ !
 
1530 لقد أصبح مُولَّها بقدرة اللَّه ، وقد جاء إلى هنا سفيراً فأصبح ملكاً ! فالسيل - عندما وصل إلى البحر - صار بحراً ! والحبَّة - حينما وصلت إلى الحقل - صارت حصاداً ! والخبر حين تعلق بالكائن الحيّ ، أصبح - وهو الميت حيّاً عالماً ! والشمع والحطب عندما صارا فداء للنار ، أصبحت ذاتهما المظلمة أنواراً ! وحجر الكحل عندما حلّ بالعيون ، أصبح إبصاراً ، وصارلها حارساً “ 2 “ .
.......................................................................
( 1 ) كلمة فارسية مكونة “ سركه “ بمعنى “ خلّ “ و “ وانگين “ بمعنى عسل .
وكانت تطلق على مزيج الخل والعسل الذي كان يستخدم لعلاج الصفراء .
( 2 ) صار للأعين واقياً من الأمراض .


 
“ 235 “
 
1535 - فما أسعد ذلك الرجل الذي تخلَّص من ذاته ، وأصبح متحداً مع وجود حيّ ! وواهاً على ذلك الحي الذي جلس مع الميت . لقد أصبح ميتاً وفرت منه الحياة ! فإنْ أنت فزعت إلى قرآن الحق فقد امتزجت بأرواح الأنبياء فالقرآن أحوال الأنبياء ، وهؤلاء أسماك بحر الكبرياء الطاهر .
فإذا قرأت القرآن وأنت غير متقبل ( أحكامه ) فافترض ، أنك رأيت الأنبياء والأولياء .
 
1540- وإن قرأيت القصص متقبلًا لها، فإنّ طائر روحك يعروه الضيق في قفصه.
فالطائر الحبيس في القفص - حين لا يسعى إلى الخلاص - يكون ذلك منه جهلًا .
إن الأرواح التي تحررث من أقفاصها إنما هي الأنبياء المرشدون الفضلاء .
فمن الخارج يأتيك صوتهم ، صوت الدين ، قائلًا : “ هذا طريقك للخلاص . . هذا.
إننا بهذا قد خلصنا من القفص الضيّق ، فليس سوى هذا الطريق حيلة لهذا القفص “.
 
1545-  فلتجعل النفس عليلة حزينة شجيّة ، حتى تُمنح الخلاص من قيد الشهرة .
فاشتهار الخلق قيد محكم . وهل يكون هذا القيد - على الطريق - أوهنَ من قيد الحديد ؟
***

شرح كيف جاء رسولُ الروم إلى أمير المؤمنين عمر رضي اللَّه عنه
 وكيف رأى كراماته

( 1394 ) لما كان عمر - كما ذكر الشاعر - يمتلك قصراً روحياً لا مادياً فلا سبيل إلى مشاهدة هذا القصر إلا لمن كان له قلب نقي خلا من شوائب المادة ، وبرئ من نوازع الحرص . فمثل هذه الشوائب تؤذي بصيرة القلب ، كأنها الشعر الذي ينبت في العين ، فيغشي بصرها .

“ 517 “
( 1399 ) في قول الشاعر : وكل من فتح له باب في صدره “ إشارة إلى الكشف الذي يؤمن الصوفية بأنه سبيل العلم اليقيني . 

( 1401 - 1402 ) الشاعر في هذين البيتين يرى أن احتجاب العالم الروحي ليس دليلًا على انعدامه . وهذا الاحتجاب ناشىء من أن النفس الأمّارة بالسوء تحجب قوة الكشف عند الإنسان ، فكأنها تضع إصبعاً على أعين تلك القوة ، فتحجب عنها ما يمكن أن تشاهده . ومثله على ذلك هذا العالم المادي . فالإنسان لو وضع إصبعين فوق عينيه لما شاهد منه شيئاً . 

وليس معنى هذا الاختفاء الناشئ عن احتجاب البصر في العينين أن العالم أصبح عدماً. 

( 1407 ) وُهب الإنسان القدرة على الإبصار الحسي والروحي لكي يعرف خالقه ويهتدي إليه . فإن لم ينفعه في ذلك بصره وبصيرته فلا جدوى منهما . والحبيب الحق هو هدف المشاهدة الحق ، أما الحبيب الفاني ، وهو ما يتلعق به قلب الإنسان من ملاذ هذه الدنيا الفانية فمن الخير للإنسان ألا يجعله هدفه ومبتغاه ، ومحط نظره ومستقر قلبه ووجدانه . 

( 1429 - 1431 ) إن عبارة” أَلَّا تَخافُوا “الواردة في قوله تعالى :” إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا “. ( 41 : 30 ) ، هذه العبارة تبعث السكينة في قلب المؤمن الذي يخشى اللَّه ، فهو حين يستمع إليها يطمئن قلبه ، ويهدأ خاطره . 

أما الكافر الذي لا يخشى اللَّه، فلا تنفعه مثل هذه العبارة ، ولا جدوى له من سماعها. 

( 1434 ) المقامات والأحوال : المقام - في تعريف القشيري - ما يتحقق به العبد بمنزلته من الآداب مما يُتوصل إليه بنوع تصرف ، ويُتحقق به بضرب تطلب . . . وشرطه ألا يرتقي من مقام إلى مقام آخر ما لم يستوف أحكام ذلك المقام ، فإنّ من لا قناعة له لا يصح له التوكل ،

“ 518 “

ومن لا توكل له لا يصح له التسليم . . . “ ( الرسالة ، ص 32 ) . أما تعريف الحال - عند القشيري - فهو أنه “ معنى يرد على القلب من غير تعمد منهم ولا اجتلاب ولا اكتساب لهم من طرب أو حزن أو قبض أو انزعاج أو هيبة أو احتياج ، فالأحوال مواهب ، والمقامات مكاسب . . “ ( المصدر السابق ) . وفي كتاب اللمع لأبي نصر السراج ( ص 65 وما يليها ) تعريفات للمقامات والأحوال مع تعريف بكل مقام وكل حال . والمقامات التي ذكرها السراج هي التوبة ، والورع ، والزهد ، والفقر ، والصبر ، والتوكل والرضا . أما الأحوال فهي المراقبة ، والقرب ، والمحبة ، والخوف ، والرجاء ، والشوق ، والأنس والطمأنينة ، والمشاهدة واليقين . 

وغني عن الذكر أن كلمتي “ مقام ، وحال “ لم تكونا تحملان هذه المعاني الصوفية في عصر عمر . 

( 1438 ) الشاعر هنا يشيد بأصحاب المقامات . والمقامات ( كما يتبيّن في الشروح التي ذكرناها في حاشية 1434 ) تقتضي بذل الجهد لتحقيق درجات معينة يرتقي فيها السالك درجة بعد درجة . وقد وصفها القشيري بأنها مكاسب ، أما الأحوال فهي مواهب ، لا تحتاج إلى بذل جهد . 

وجلال الدين يؤمن دائماً بضرورة السعي والعمل وبذل الجهد . والتصوف عنده سلوك قويم وعمل بنّاء . 

( 1440 ) يصف الشاعر هنا عالم الروح ، ذلك العالم الذي كانت الأرواح منطلقة فيه قبل أن تحل بالأجساد ، وتصبح حبيسة عالم المادة . 

( 1441 ) العنقاء هنا ترجمة لكلمة “ سيمرغ “ الفارسية ، وهي تعني طائراً خرافياً شبيهاً بما تعنيه كلمة العنقاء عند العرب . وقد استخدم هذا الطائر الخرافي كثيراً في الشعر الصوفي الفارسي . وموطن “ العنقاء “ وكذلك “ سيمرغ “ جبل قاف وهو موطن خرافي أيضاً لا يعرف مكانه على وجه التحديد .

“ 519 “

( 1459 ) لا تغلق أُذن الروح عن نداء الغيب بما تشغلها به من مشكلات العالم المادي . 

( 1460 - 1461 ) لا بد من تنقية الروح والوصول بها إلى حالة الصفاء ، وذلك لتكون قادرة على إدراك أسرار العالم الروحي ، وتتحقق لها المعرفة اليقينية عن طريق الكشف والإلهام . 


( 1480 - 1483 ) الظاهر أن مذهب الكسب في تفسير أعمال العباد ، وهو ما قال به أبو الحسن الأشعري ، قد لقي قبولا عند الصوفية منذ وقت مبكر من تاريخهم . 

قال الكلاباذي : “ أجمعوا أنهم لا يتنفسون نفساً ، ولا يطرفون طرفة ، ولا يتحركون حركة ، إلا بقوة يحدثها اللَّه تعالى فيهم ، واستطاعة يخلقها اللَّه لهم ، مع أفعالهم ، لا يتقدّمها ولا يتأخرّ عنها ، ولا يوجد الفعل إلا بها . . . 

وأجمعوا أنّ لهم أفعالًا واكتساباً على الحقيقة ، هم بها مثابون ، وعليها معاقبون ، ولذلك جاء الأمر والنهي ، وعليه ورد الوعد والوعيد “ . 

(التعريف لمذهب أهل التصوف ، ص 46 ، 47 ) . 


( 1488 - 1493 ) تكلّم جلال الدين عن سقوط إبليس وسقوط آدم بهذا الأسلوب في كتابه المنثور “ فيه ما فيه “ . قال : “ عندما لعن اللَّه إبليس وطرده لجرمه ومعارضته ربّه وجداله معه ، قال : أواه ، يا رب ! إنّك فعلت كل هذا ، وكانت هذه فتنتك ، وأنت الآن تلعنني وتبعدني . 

وحينما اقترف آدم الخطيئة ، أخرجه اللَّه من الجنّة . وقال الحقُّ لآدم : يا آدم ، إنّني قدّرت ذلك عليك ، ثم زجرتك على هذا الجرم الذي اقترفته ، فلماذا لم تُسائلني في الأمر ، ولك الحجة في ذلك ؟ 

إنّك لم تقل : إنّ كل شيء منك ، وأنت صانعه ، وكل ما أردته يتحقق في العالم ، وكل ما لم ترده فلا سبيل إلى وقوعه . لقد كانت


“ 520 “
لك هذه الحجة البيّنة الصادقة ، فلماذا لم تقلها ؟ فقال آدم : يا رب ! كنت أعرف ذلك ، ولكني لم أتخلّ عن الأدب في حضرتك ، ولم يترك لي العشق مجالًا للتعاب “ . ( مترجمة عن النصّ الفارسيّ ، فيه ما فيه ، ص 101 ، 102 ، طبعة فروزانفر ، طهران ، 1330 شمسي ) . 

( 1497 - 1499 ) من الأعمال ما لا يكون من فعل الإنسان كالارتعاش مثلًا ، ومنها ما يكون من فعله - عن طريق الكسب - وهي الأعمال التي يُحاسب عليها الإنسان . ومن هنا قال الشاعر ( بيت 1499 ) : 

“ إنك لتندم على فعل أتيته بإرادتك ، ولكن كيف يكون الإنسان نادماً على فعل لا إرادة له فيه ؟ “ وشبيه بهذا ما قاله الكلاباذي : 

“ ومُجْمَعُ على أنّ حركة المرتعش خلق اللَّه ، فكذلك حركة غيره ، غير أنّ اللَّه تعالى خلق لهذا حركة واختياراً ، وخلق لآخر حركة ولم يخلق له اختياراً “ . ( التعرفّ لمذهب أهل التصوف ، ص 46 ) .[ شرح من بيت 1500 إلى 1650 ] 

( 1501 ) إنّ البحث العقليّ - في أرفع مستوياته - لا يمكنه الوصول إلى مستوى البحث الروحيّ . 

( 1517 - 1518 ) يبين عمر لرسول الروم سرّ احتباس الأرواح في الأجساد . ويضرب لذلك مثلًا تلك المعاني العميقة التي كان رسول الروم يسأل عنها . فهي معان مطلقة تتعلق بالروح وطبيعتها ومع ذلك فقد عبر عنها بكلمات محدودة مسموعة . فهو بهذا قد جعل المعنى المطلق أسيراً لكلمات محدّدة . وهو قد فعل ذلك لفائدة منشودة . فلا عجب أنْ تكون هناك فائدة من وراء حبس الأرواح في الأجساد ، وخاصّة لأنّ هذا قد حدث بأمر اللَّه . 

( 1521 ) هناك آلاف الفوائد ، ولكن لا يمكن أنْ تُقاس أية منها بالفائدة التي نجمت عن اجتماع الروح والجسد . 

( 1535 ) الوجود الحيّ في هذا البيت هو الإنسان الكامل أو الصوفيّ الكامل . 

( 1536 ) الميت هنا هو الإنسان الماديّ الغارق في ماديّته ، الذي

“ 521 “

ليس له نصيب من حياة الروح . 

( 1539 ) إذا قرأت القرآن بدون أن تمتزج روحك بمعانيه فأنت كمن شاهد الأنبياء ولكنّه اكتفى بالمشاهدة ، فلم يهتد بهديهم ، ولم يعمل على سلوك سبيلهم الذي دعوا إليه . 

( 1540 ) إذا قرأت القرآن متقبلًا معانيه ، محيطاً بمفهوماته متذوّقاً لها ، فإنّ الروح حينذاك تشعر بضيقها في حبس الجسد ، ويشوقها الانطلاق من هذا الجسد . 

( 1543 ) قول الشاعر : “ فمن الخارج يأتيك صوتهم “ يعني أنّ صوت الأنبياء يناجي الناس من عالم الروح ، مبيناً لهم طريق النجاة . 

( 1544 ) إن الدين كان وسيلتنا للخلاص من أسر المادة . ولا سبيل سواه يؤدي إلى هذا الخلاص . 

( 1545 - 1546 ) يمهد الشاعر بهذين البيتين للقصة التالية ، “ قصة التاجر والببغاء “ ، وتدور حول الشهرة ، وما توقعه بالخلق من مضار . 


.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: