الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

09 - قصة التاجر الذي حَمّله الببغاء رسالةً إلى ببغاوات الهند .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

09 - قصة التاجر الذي حَمّله الببغاء رسالةً إلى ببغاوات الهند .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

09 - قصة التاجر الذي حَمّله الببغاء رسالةً إلى ببغاوات الهند .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

قصة التاجر الذي حَمّله الببغاء رسالةً إلى ببغاوات الهند حينما ذهب للتجارة
[ توصية الببغاء إلى ببغاوات الهند ] 

كان هناك تاجر ، وكان للتاجر ببغاء ؛ ببغاء جميل محبوس في قفص .

“ 236 “

وحينما استعد التاجر للسفر ، وكاد يبدأ الرحلة إلى بلاد الهند ، توجّه بكرمه إلى كل غلام وكل جارية ، 
قائلًا : “ ماذا أُحضرلك ؟ عَجِّل بإخباري ! “


1550 فكلِّ منهم سأله ، حاجة فوعد هذا الرجل الطيّب بإجاتهم جميعاً .
ثم قال للببغاء : “ أي هدية تريد ، حتى أحضرها لك من بلاد الهند ؟ 
“ فقال الببغاء : “ إن هناك ببغاوات ، فإذا ما رأيتهم فخبّرهم عن حالي !
 ( قائلًا ) : إن فلاناً الببغاء - وهو المشتاق إليكم - حبيس عندي بقضاء السماء .
إن يهديكم السلام ، ويسألكم العدل ، ويلتمس منكم أن ( تعلمّوه ) الوسيلة والسبيل إلى الرشاد !

 

1555 ويقول : أيليق أن أُسلم الروح شوقاً إليكم ، وأموت هنا مفترقاً عنكم ؟
وهل يجوز أن أكون أسير القيد الثقيل ، وأنتم حيناً فوق المروج وحيناً على الأشجار ؟
وهل يكون هكذا وفاء الأصدقاء ؟ أنا في هذا الحبس ، وأنتم في حديقة الورد ؟
ألا فلتذكروا - أيها الكرام - ذلك الطائر الذليل ، بصبوح بين المروج ! 
فما أسعد الخليل إذا ذكره خلانه - وخاصة - إذا ( ربطهم ) حبّ ليلى والمجنون “ 1 “ !

 

 1560 فيا من تنادمون ملاحكم الفاتنات الحسان ! فأنذا أشرب أقداحاً قد حفلت بدمي .
ألا فلتشربوا قدحاً على ذكري ، إذا كنتم تريدون ان تؤدّوا حقي !
...........................................................
(1 ) حرفياً : خاصة أن هذه هي ليلى وهذا هو المجنون .


“ 237 “

أو أريقوا جرعة على التراب - حين تشربون - على ذكر هذا الطريح البائس .
عجباً أين هذا العهد ، وذلك الميثاق ؟ أين تلك الوعود التي فاهت بها شفاه حلوة كالسكر ؟
فإن كان فراق العبد لسوء خدمته ، فهذا مجازاة المسئ بالسوء ، فما الفرق ( بين السيد والعبد ) ؟


1565  فيا من تفعل السوء في غضبك وحربك ، وهما ( منك ) أكثر إطراباً من السماع ، وصوت الصنج ! 
ويا من جفاؤك أحلى من السعادة ، وانتقامك أحبّ من الروح !
 إن هذه نارك ، فكيف يكون نورك ؟ وهذا مأتمك ، فكيف يكون عرسك ؟
وليس يدرك غورك أحد ، لما لك من لطف ، ولما لجورك من حلاوة .
وإني لأنوح ، وأخشى أن يصدّقني ، فيقص - بكرمه - من هذا الجور .

 

1570  وإني لشديد العشق لقهره ولطله ، فيا عجبا لعشقى هذين الضدين ! 
واللَّه لو أني مضيت من هذا الشوك إلى البستان ، لأنوحنّ - من أجل هذا - كالبلبل “ .
فما أعجب هذا البلبل الذي يفتح فمه ، ليأكل الشوك مع الورد .
ولكن أي بلبل هذا ؟ إنه عملاق ناريّ ! ومن العشق أصبح كل مرّ - في فمه - حلو المذاق ! 
إنه عاشق للكل ، بل إنه الكل ، فهو عاشق لذاته ، طالب عشق ذاته .


صفة أجنحة طيور العقول الإلهية

1575  وإن قصة ببغاء الروح لهى من هذا القبيل ، فأين المرء الذي


“ 238 “


يكون موضعاً لسر الطيور ( الروحيّة ) ؟
وأين ذلك الطائر الضعيف البريء ، الذي تنطوي ذاته على سليمان وجيشه ؟
فحين ينوح حزيناً - بدون شكر أو شكوى - تضجّ لنواحه السماوات السبع .
وتأتيه - في كل لحظة - مائة رسالة ورسول من اللَّه . ( وحين يقول ) : “ يا رب “ مرة ، فله من اللَّه ستون “ لبيك “ .

وزلّته خير - عند الحقّ - من الطاعة ، وكل إيمانٍ ممزقُ خَلقُ أمام كفره “ 1 “ !

 

1580 ويكون له في كلّ لحظة معراج خاصّ ، ويضع ( اللَّه ) فوق تاجه مائة تاج خاصّ .

وصورته على الأرض ، وأما روحه ففي اللامكان ، ذلك اللامكان الذي هو فوق وهم السالكين .

وليس ذلك اللامكان الذي يتطرق إلى فهمك ، ويتولد لك خيال عنه في كلّ لحظة .

بل إن المكان واللامكان رهن حكمه ، كما تكون الأنهار الأربع طوع حكم ساكن الجنة .

فلتختصر شرح هذا ، ولتصرف وجهك عنه ، ولا تَفُهْ بكلمة فاللَّه أعلم بالصواب .

 

1585  فها نحن أولاء نعود من هذا - أيها الأحباب - إلى الطائر والتاجر وبلاد الهند .

لقد قبل التاجر هذه الرسالة ، وأن يحمل من الببغاء السلام إلى أبناء جنسه .

.........................................................

( 1 ) الكفر هنا ترك التقليد وإخفاء الطاعات . وقد أثر عن الشبلي أنه قال :

طوبى لمن مات في كفره .


“ 239 “

كيف رأى التاجر ببغاوات الهند في البرية وأبلغها رسالة ذلك الببغاء

وحين وصل التاجر إلى أقصى بلاد الهند ، رأى عدداً من الببغاوات في البرية .
فأوقف مركبه ، وأبلغها هذا السلام وتلك الأمانة .
فارتعد بعنف واحد من هذه الببغاوات ، وسقط ، ومات ، وانقطعت أنفاسه !

 
 1590 فندم التاجر على الإدلاء بهذا الخبر ، وقال : “ لقد سعيت لهلاك ذي روح .
لعلّ هذا الطائر قريب لببغائي الصغير ، أو لعلهما جسدان وروح واحد ! 
فلماذا فعلتُ ، هذا ؟ لماذا أبلغت هذه الرسالة ؟ لقد أحرقتُ هذا المسكين بكلامي الفجّ .
إن هذا اللسان كالحجر وهو كالحديد أيضاً “ 1 “ ، وكل ما تناثر من اللسان مثل النار .
فلا تضرب الحجر بالحديد جُزافاً ، حيناً لتنقل خبراً ، وحيناً لتتشدّقّ فخراً .


1595  فالظلام مخيّم وحولك من كل جانب حقول القطن ، فكيف يكون الشرر بين القطن ؟

فما أظلم هؤلاء الناس الذين يغلقون عيونهم وبكلامهم يحرقون عالماً بأسره .
.......................................................................

( 1 ) ترجمة : ( اين زبان چون سنگ وهم آهن وشست ) وقد فضلنا “ آهن “ الواردة في رواية إحدى النسخ المخطوطة على “ آتش “ الواردة في طبعة نيكولسون لأنها أكثر اتفاقاً مع السياق .


“ 240 “

إن كلمة واحدة قد تخرّب عالماً بأكلمة ، وقد تجعل الثعالب الميّة أُسوداً ! 
إن الأرواح في أصلها كنَفَس عيسى “ 1 “ ولكنها ( وهي متجسِّدة ) يكون نَفَسهُا تارة جُرحاً وأُخرى بلسماً .
فلو ارتفع حجاب ( الأجساد ) عن الأرواح لكان كلام كل روح كنفس المسيح .

1600  فإذا أردت أن تقول كلاماً ( حلواً ) كالسكر ، فاصبر عن الحرص ، ولا تأكل هذه الحلوى !
 إنّ الصبر غاية ما يشتهي الأذكياء ، وأما الحلوى فأمل الأطفال .
فكل من اعتصم بالصبر سما إلى السماء ، وكل من أكل الحلوى زاد تخلفاً .

 

تفسير قول فريد الدين العطار قدس اللَّه سرّه :
“ أيها الغافل ! إنك صاحب نفس حسيّة فأحس الدماء وأنت تتمرغ في التراب !
أما صاحب القلب فلو شرب السمّ لأصبح هذا السم ترياقاً “

إن صاحب القلب لا يصاب بأذى ولو شرب السم القائل عياناً .
ذلك لأنه وجد الصحة ، وخلص من الحمْية ، أما الطالب المسكين فهو صريع الحُمىّ .


1605  ولقد قال الرسول : أيها الطالب المستفيد ! أفق ولا تعاند قط مطلوباً “ 2 “ .
...............................................................
( 1 ) أي تهب الحياة كنفس عيسى .
( 2 ) لم نقف على نص لهذا الحديث المنسوب إلى الرسول .

 

“ 241 “

 
إن ذاتك منطوية على النمرود فلا تدخل النار ، وإن أردت دخولها فكن - قبل ذلك - إبراهيم .
وإن لم تكن سباحاً ولا بحاراً فلا تُلق بنفسك في اليمّ غروراً واعتداداً .
إن ( العارف ) يأتي بالجوهر من قاع البحر ، ويستخلص النفع من الضرّ .
فالكامل لو أمسك بالتراب لأصبح ذهباً ، والناقص لو أمسك بالذهب لأصبح تراباً .


1610  وحين يكون الرجل المستقيم مقبولًا لدى الحقّ ، فيده في ( كل ) الأمور يد اللَّه .
وأما الجاهل فيده يد الشيطان ، لأنه أسير شباك التكلف والخداع .
فالجهل يمرّ أمام الكامل فيصبح علماً ، وأما العلم الذي يمرّ بالناقص فيصبح جهلًا .
وكل ما تناوله العليل أصبح علة ، وأما الكامل فلو تناول الكفر لأصبح ديناً .
فيا من تُناول فارساً وأنت على قدميك ! إنك لن تنجو برأسك فَتَوقَّف !


كيف عظم السحرة موسى عليه السلام ( حين قالوا ) :
“ ماذا تأمر ؟ أتلقى عصاك قبلنا أم نلقي نحن ؟ “ “ 1 “

1615  إنّ السحرة في عهد فرعون اللعين - حينما ناصبوا موسى العداء –
.........................................................................
( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى :” قالُوا يا مُوسى إمَّا أَنْ تُلْقيَ وَإمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقينَ “، ( الأعراف ، 7 : 115 ) .


“ 242 “


جلعوه مُقدّماً عليهم ، وقام هؤلاء السحرة بتكريمه .
ذلك لأنهم قالوا له : “ إن الأمر لك ، فإذا أردت فألق عصاك قبلنا “ .
فقال : “ لا ! بل ألقوا أنتم أيها السحرة مكركم أمامنا “ .
فهذا القْدْر من التعظيم اشترى لهم الإيمان “ 1 “ ، لأنه قطع أيديهم وأرجلهم عن المراء “ 2 “ .


1620  فحينما عرف السحرة له حقه ، ضحوا بأيديهم وأرجلهم جزاء لذلك .
إن اللقمة والكملة حلالُ للكامل ، وأنت لست بكامل ، فلا تأكل والزم الصمت ! 
ولما كنت أذناً وهو لسان فإنه ليس من جنسك ! وقد خاطب اللَّه الآذان ( بقوله ) :” أَنْصتُوا “ *” 3 “ .
إنّ الطفل حين يولد ، يكون - في أول الأمر - رضيعاً ويبقى مدة من الزمن صامتاً وكله آذان .
فلا بدّ له من الصمت بعض الوقت حتى يتعلم الكلام .

1625  فإنْ لم يكن أُذنا صاغية ، وظلّ يردّد أصوات الطفولة ، فإنه يغدو أبكم هذا العالم .
إنّ الأصم بطبيعته - ذلك الذي ليست له منذ البداية أُذن - يكون أبكم ، فمتى كان مثله يجيش بالقول .
ولما كان السمع - في أول الأمر - لازماً للنطق ، فلتصل إلى
.......................................................................
( 1 ) إشارة إلى إيمان السحرة عندما رأوا معجزة موسى . قال تعالى : “ “ وألقي السحرة ساجدين ، قالوا آمنا برب العالمين ، رب موسى وهارون “ .( الأعراف 7 : 119 - 121 ) .
( 2 ) تفسير صوفي يشير إلى قول فرعون للسحرة حينما آمنوا بموسي : “ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف “ . ( الأعراف ، 7 : 123 ) .
( 3 ) قال تعالى : “ وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا “ . ( الأعراف . 7 : 204 ) .


“ 243 “


النطق عن طريق السمع .
ادخلوا الأبيات من أبوابها * واطلبوا الأغراض من أسبابها والنطق الذي لا يكون متوقفاً على السمع إنما هو نطق الخالق الذي تنزّه عن الطمع .


1630  إنه المبدع الذي لا يتبع أستاذاً ، وسند الجميع الذي لا يستند على شيء .
وكل من عداه - سواء في الصنع أو في الكلام - تابعُ لأستاذ ، ومحتاجُ إلى مثال .
فإن لم تكن غريباً عن هذا الكلام ، فالبس الدلق ، وأسكب الدمع في إحدى الخرائب .
ولما كان آدم قد نجا - بدموعه - من اللوم ، فإنّ الدموع السائلة دعاء التائب .
لقد هبط آدم إلى الأرض للبكاء ، ليكون منتحباً ، نائحاً حزيناً .

1635  فهو قد نزل من الفردوس ومن أوج السماء السابعة إلى موضوع صفّ النعال ، ملتمساً العذر .
فإذا كنت من ظهر آدم ومن صلبه ، فكن طالباً للعذر ، وكن أيضاً من شيعته ! 
واجعل من نار القلب ودمع العين نُقّلًا ، فإن البستان لا يتفتح إلا بالسحاب والشمس .
وما الذي تعرفه أنت عن مذاق ماء المدامع ، وما أنت إلا عاشق للخبز كالعميان ؟
فلو أنت أخليت هذه الجعبة “ 1 “ من الخبز ، لجعلتها مليئة بجواهر الجلال .

1640  فلتفطم طفل روحك من لبن الشيطان ، ثم اجعلها ، بعد ذلك
.................................................................
( 1 ) يريد بالجعبة هنا البطن .
 

“ 244 “

رفيقة للملائكة .
وإذا ما كنتَ مُظلماً ملولًا مكتئباً ، فاعلم أنك أخ في الرضاعة ، وقرين للشيطان اللعين .
إنّ اللقمة التي تزيد النور والكمال هي تلك التي تُنال من الكسب الحلال .
أما الزيت الذي يجيء فيطفىء سراجنا ، فسمّه ماء ، ما دام يطفئ السراج .
فمن اللقمة الحلال يتولد العلم والحكمة ، ومن اللقمة الحلال ينبعث العشق والرقة .


1645  فإذا أحسست من لقمة بالحسد ، ( ومَلتْ ) إلى الخداع ، وتولد لك منها الجهل والغفلة ، فاعلم أنها لقمة حرام ! 
وهل زرعت قط قمحاً فأثمر لك شعيراً ؟ أم هل رأيت فرساً أنجبت حماراً ؟
إن اللقمة هي البذرة والأفكار ثمرتها ؛ اللقمة هي البحر والأفكار جوهرها .
إن اللقمة الحلال في الفم يتولد منها الميل للعبادة ، والعزم على الذهاب إلى ذلك العالم “ 1 “ .
 

كيف روى التاجر للببغاء ما رآه من ببغاوات الهند

ولقد أثمَّ هذا التاجر تجارته ، وعاد إلى منزله سعيداً قرير العين .


1650  وأحضر لكل غلام هدية ، كما أعطى كل جارية نصيباً “ 2 “ .
..................................................................................
( 1 ) عالم الروح .
( 2 ) كلمة ( نصيب ) من بين معاني ( نشان ) .


“ 245 “

 
فقال الببغاء : “ وأين هدّيتي ؟ ألا فلتحدثني بما قلتَه وما رأيتهَ ! “ فقال التاجر : “ لست فاعلًا ، فإني على ذلك نادم ! 
إنني أُقلبّ كفيّ ، وأعضّ بناني ! فلماذا حملتُ هذه الرسالة الفَجّةَ جزافاً . إن ذلك الجهلي وحماقتي !
 “ فقال البيغاء : “ أيها السيد ! على أيّ شيء أنت نادم ؟ وأيّ شيء يقتضي هذا الغضب الشديد والحزن ؟ “


 1655 فقال التاجر : “ لقد نقلت شكاياتك لجماعة من الببغاوات شبيهة بك .
فأحسّ ببغاء بألمك فانشقت مرارته ، وارتعد ومات .فأصبحتُ نادماً .
وما الذي كان ( يقتضي ) هذا القول ؟ ولكن ما دمتُ قد قلتُه فما فائدة الندم ؟ 
“ فاعلم أن الكلمة التي قفزت فجأة من اللسان شبيهة بالسهم الذي انطلق من القوس .
فهذا السهم لن يعود من طريقه يا بنيّ ! إن إيقاف السيل يجب أن يكون عند منبعه .

 

1660  فإذا انطلق من منبعه أغرق الدنيا . فلو أنه خرّب العالم فما في ذلك عجب .
وفي الغيب آثار تُولدّ الأفعال ، وهذه الأفعال المولّده ليست طوع حكم الخلق .
فاللَّه وحده يخلق كلّ هذه الأفعال المولّده ، وإن كانت تُنسب إلينا فزيد يُطيِّر سهماً تجاه عمرو ، فيصيب السهم عمراً كما ( يُصاب ) النمر .
فيتولد الألم من ذلك مدة عام ، واللَّه هو الذي يخلق الآلام ، لا الناس .

1665  فلو مات زيد الرامي - ساة الرمي - من الوجل ، فإن الآلام تظل تتولد في جسد عمرو حتى ينتهي أجله .
ولما كان عمرو قد مات من الأوجاع التي تولّدت ( من السهم ) فسمّ زيدا الرامي - لهذا السبب - قتّالًا .


“ 246 “


وانسب هذه الأوجاع إليه ، وإن كلها من صنع الخالق .
وهكذا الزرع والتنفس والصيد والجماع ، كل ما تولد عنها إنما هو بقدرة اللَّه .
والأولياء لهم قدرة من اللَّه ، فهم يردّون السهم المنطلق عن طريقه .

 
1670  وحينما يصير الوليّ نادماً ، فإنه يمنع النتائج المتولدة عن الأسباب “ 1 “ ، بقدرة اللَّه .
فهو بانفتاح باب ( اللطف أمامه ) - يجعل ما قيل كأن لم يُقل ، فلا يقع من جرّائه ضرّ ولا أذى “ 2 “ .
ويمحو الكلام من كل القلوب التي سمعته ، ويخفي معالمه .
فإذا أردت - أيها السيد - برهاناً وحجة على ذلك ، فلتقرأ ( قوله تعالى ) :” ما نَنْسَخْ منْ آيَةٍ أَوْ نُنْسها نَأْت بخَيْرٍ منْها ““ 3 “ .
ولتقرأ كذلك آية :” أَنْسَوْكُمْ ذكْري ““ 4 “ ، واعلم أن لهم القدرة على وضع النسيان ( في قلوب الناس ) .


1675  فهم - إذ كانوا قادرين على إحداث التذكر والنسيان - تحقّقت لهم السيطرة على جميع قلوب الخلق .
فإذا سدَّ الولي أمامك طريق النظر ، فليس في إمكانك أن تعمل شيئاً ولو كنت من أُولي الفضل .
....................................................................
( 1 ) حرفياً : “ يغلق أمام الأسباب أبواب ( النتائج ) المتولدة “ . والمعنى أن الولي إذا ندم على فعل سئ فإن هذا الندم يمنع النتائج التي تتولد عن هذا الفعل .
( 2 ) حرفياً : “ فلا يحترق من جرائه سيخ ولا كباب “ .
( 3 ) البقرة ، ( 2 : 106 ) .
( 4 ) قال تعالى : “ إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ، فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري “ . ؟( المؤمنون ، 23 : 108 - 109 ) .


 

“ 247 “


أخلتم أهل السمو سخرياً ؟ ألا فلتقرأ من القرآن” حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذكْري ““ 1 “ .
إن صاحب القرية ملك على الأجساد ، وأما صاحب القلب فملك على قلوبكم .
والعمل قد جاء - بلا شك - فرعاً للإبصار ، وعلى هذا فليس الإنسان إلا إنسان العين !


1680 ولست مكملًا القول في هذا ، فإن المنع يأتيني من أصحاب الصدارة .
ولما كان التذكر والنسيان في الخلق رهن إرادته ، كما أنه يستجيب إلى ضراعتهم “ 2 “ ،
 فإن هذا ( الخالق ) العظيم يخلي قلوبهم كل مساء من مئات الآلاف من ( خواطر ) الخير والشر .
......................................................................
( 1 ) إشارة ثانية إلى قوله تعالى : “ فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون “ . ( المؤمنون ، 23 : 109 ) .
( 2 ) فسر صاحب المنهج القوي ( ج 1 ، ص 317 ، 318 ) قول الشاعر : ( ولما كان التذكر والنسيان في الخلق رهن إرادته ) بقوله : “ وذاك الخليفة الأحسن مائة ألوف خواطر حسنة وقبيحة كل ليلة يفرغها وكل يوم يملؤها لأنه متصرف في قلوب الناس بإرادة اللَّه تعالى كما قال الشيخ الأكبر : يتجلى الحق لمرآة قلب الولي الكامل فيعكس الأنوار من قلبه إلى العالم فيكون باقياً محفوظاً بوصول ذلك الفيض إليها فلا يجسر أحد على فتح الخزائن الإلهية والتصرف فيها إلا بإذن هذا الكامل لأنه صاحب الاسم الأعظم ، ولا يخرج من الباطن إلى الظاهر معنى من المعاني إلا بحكمه ، ولا يدخل من الظاهر في الباطن شيء من الأشياء إلا بأمره . وإن كان يجهله أحياناً عند غلبة البشرية عليه “ . 
ويمكن أن نرجع ضمير ( ويست ) في البيت السابق إلى الخالق جل وعلا لأجل تفهيم عوام الناس “ . وقد ترجم نيكولسون هذا البيت والأبيات التي تليه على أن الضمير بها يعود إلى ( الولي ) ، متبعاً في ذلك التفسير الذي فضّله صاحب المنهج القوي .

ورأينا أن الضمير هنا يعود على اللَّه فقد اختتم الشاعر حديثه عن الأولياء في هذا المقام بقوله في البيت السابق : ( ولست مكملًا القول في هذا . . . ) . والأمور التي تحدث عنها الشاعر في هذا البيت وما يليه من أبيات لا يمكن أن تُنسب إلى بشر ، حتى ولو كان المقصود من هذا البيت ما نقله صاحب المنهج القوي عن ابن العربي ، واتخذه أساساً لتفسيره .


“ 248 “

بينما هو - في النهار - يملؤها من تلك الخواطر ، ويجعل تلك الأصداف حافلة بالدرر .
فتعرف تلك الأفكارُ السابقةُ - بالهداية - سبيلها إلى الأرواح .


1685  فتعود إليك حرفتك وعملك حتى يفتحا أمامك باب الأسباب .
وليست تذهب حرفة الصائغ إلى الحداد ، ولا يصير طبع الرجل المهذب إلى رجل خسيس “ 1 “ .
فكما أنّ الحرف والأخلاق تعود إلى صاحبها كالمتاع يوم الحشر “ 2 “ ، 
كذلك تعود الحرف والأخلاق إلى صاحبها مسرعة بعد النوم .
فهذه الحرف والأخلاق في وقت الصبح تعود إلى مواضعها من الحسن والقبح “ 3 “ .

 
1690  فهي كالحمام الزاجل يعود إلى مدينته بما يحمله إليها من البلاد .

 
كيف استمع الببغاء إلى ما فعلته الببغاوات
وكيف مات في القفص وكيف بكاه صاحبه

 
حين استمع هذا الببغاء إلى ما فعله ببغاء الهند ، عرته هزة شديدة وسقط ومات وأصبح بارد الجسم .
فلما رآه التاجر طريحاً على هذا النحو ، قفز ورمى عمامته على الأرض .
..............................................................
( 1 ) يريد بهذا البيت وما سبقه من أبيات أنّ الأفكار تفترق عن الأرواح ساعة النوم ، ولكنها تعود في الصباح فتلحتق بتلك الأرواح بهداية اللَّه ، فالحرفَ والمعرفة بالصناعات تفارق أصحابها حين ينامون ، لكنهم عندما يستيقظون تعود إليهم حرفهم ومعارفهم التي تفتح أمامهم أبواب الأسباب .
( 2 ) روي عن الرسول - عليه السلام - أنه قال : “ تمونون كما تبعثون وتحشرون كما تموتون “ .
( 3 ) تعود الأخلاق الحسنة إلى أصحابها ويعود القبح إلى أصحابه .



“ 249 “
واندفع التاجر وشقّ جيبه حين رأى الببغاء بهذا اللون ، وعلى تلك الحال .
وقال : “ أيها الببغاء الجميل ذو الصوت الرخيم ! ماذا أصابك ؟
ولماذا أصحبت على تلك الحال ؟
 

1695  فوا أسفاه يا طائري الحلو الغناء ! وأسفاه عليك يا صفي ، وموضع سري .
وا أسفاه عليك يا طائري العذب الألحان ! يا راحي وروحي وروضي وريحاني ! 
فلو كان لسليمان طائر مثل هذا ، متى كان يُشغل بغيره من الطيور ؟
وا أسفاه على هذا الطائر الذي وجدته رخيصاً ، وسرعان ما حولت وجهي عن وجهه ! أيها اللسان ! 
إنك لي مصدر ضرّ كثير ، ولكن ما دمت أنت الناطق ، فماذا أقول لك ؟


1700 - أيها اللسان ! إنك أنت النار ، وأنت البيدر أيضاً ، فإلى متى تشعل هذه النار بهذا البيدر ؟
إنّ الروح تصرخ منك في الخفاء ، وإن كانت تعمل بكل ما تحدثها به ! أيها اللسان ! 
إنك كنز لا حدّ له ، كما أنك ألم لا علاج له ! إنك صفير وخداع للطيور ، 
وإن كنتَ - في الوقت ذاته - مؤنساً لوحشة الهجران ! فلكم تمنحني الأمان “ يا من لا أمان لك ! يا من شددت قوسك للانتقام مني .


1705 - فيا من أطرت مني طائري ! حسبُك ارتعاء في مراعي الظلم ! أجنبي ، أو كن منصفاً ، أو اذكر لي ما يكون سبباً للسرور ! وأسفاه على صبحي الذي كان يحرق الظلمات ! وا أسفاه على نوري الذي كان يتألق به النهار !

 

 

“ 250 “

 
وا أسفاه على طائرى الذي كان مليح الطيران . لقد طار من نهاية حالي إلى بدايته “ 1 “ .
إن الجاهل عاشق للألم حتى الأبد ، فقم واقرأ من قوله تعالى ؟
“ لا أقسم “ حتى قوله” في كَبَدٍ ““ 2 “ .


1710 - لقد كنت مع وجهك خليّا من الكبد ، وكنت في نهرك نقيا من الزيد .
وهذه الآهات مبعثها خيال مشاهدة ( المحبوب ) ، وانفصالي عن وجودي الحق “ 3 “ .
إنها كانت غيرة الحق ، ولا حيلة لنا أمام الحق . وأين القلب الذي لم يمزّقه عشق الحق مائة قطعة ؟
وغيرة الحق هي أنه مغاير لكل شيء ، وأنه فوق كلّ بيان وضجيج ألفاظ .
وا أسفاء ! ليت دمعي كان بحراً لأجعله نثاراً أمام محبوبي الجميل!


  1715- إن ببغائي ، طائري الذكي ، ترجمان فكري وأسراري ، 
قد أخبرني - منذ البداية - بكلّ ما يصيبني - ذات يوم - من عدل أو حيف ، لعلني أذكر ! 
والببغاء الذي يجيء من الوحي صوته ، والذي كان ابتداؤه قبل ابتداء الوجود ،
................................................................................
( 1 ) يريد أن الطائر - بموته - عاد من عالم المادة إلى عالم الروح ، وبهذا طار من نهاية حال صاحبه في هذا العالم المادي إلى عالم الروح الذي كان بداية حال صاحبه .
( 2 ) قال تعالى : “ لا أقسم بهذا البلد ، وأنت حل بهذا البلد ، ووالد وما ولد ، لقد خلقنا الإنسان في كبد “ . ( البلد ، 90 : 1 - 3 ) .
( 3 ) ترجمنا هنا قول الشاعر “ وجود نقد “ بالوجود الحق غير الزائف .


 
“ 251 “


هذا الببغاء مستتر في باطنك ، وقد شهدت خياله فوق هذا وذاك “ 1 “ .
إنه يسلبك السرور ، ( ومع هذا ) فأنت مسرور به . وأنت تتقبل منه الظلم ، كأنما هو عدل .


1720  فيا من كنت تحرق الروح من أجل الجسد ! إنك أحرقت الروح ( وبها ) أضأت الجسد .
أما أنا فقد احترقت ( بالعشق ) ، فهل يريد أحد جذوة ( مني ) كي يشعل القمامة بناري “ 2 “ .
وما دام الوقود هو الذي يكون متقبلًا للنار ، فخذ الوقود الذي يكون جذّاباً للهب 
! فوا أسفاه ! وا أسفاه ! وا أسفاه لأن مثل هذا القمر أصبح مختفياً وراء السحاب .
وكيف لي أن أنبس بكلمة ، ونار القلب قد اضطرمت ، وأسد الهجر قد أصبح هائجاً مفترساً .

 

1725  فهذا الذي يكون - في يقظته - عنيفاً ثملًا ، كيف يكون حاله ، حين يمسك بيده القدح ؟ .
فالأسد الهائج الذي خرج عن طبيعته ، يضيق به المرج المنبسط .
إنني أُفكر في ألقوا في وحبيبي يقول لي : “ لا تفكر إلا في طلعتي “ .
ألا فلتجلس ناعماً يا قافية تفكيري “ 3 “ ! إنك أنت قافية السعادة أمامي ! 
فما الألفاظ حتى تشغل بها فكرك ؟ ما الألفاظ ؟ إنها الأشواك المحيطة بالكرم .
......................................................................
( 1 ) وقد شهدت خاله فيما أمامك وما حولك من مخلوقات العالم الماديّ .
( 2 ) هل يريد أحد أن يقبس نار العشق مني لتخلصه مما علق به من ماديات حقيرة . وقد عبر عن الماديات بكلمة “ القمامة “ احتقاراً لها ، كما ذكر أنّ التخلص منها لا يكون إلا بنار العشق التي تحرقها كما تحرق النار القمامة .
( 3 ) يا مصدر انسجام تفكيري وتوازنه .



“ 252 “



1730 - فلأضربنّ الحرف بالصوت والكلام حتى أستطيع الحديث معك بدون تلك ( الوسائل ) الثلاث .
ولأفضينّ إليك بتلك الكملة التي أخفيتها عن آدم ، يا من أنت ( جمُاع ) أسرار العالم ! 
سأقول لك تلك الكملة التي لم أقلها للخيل ، وأُحدثك بذلك الهمّ الذي لا يعرفه جبريل .
تلك الكملة التي لم ينطق بها المسيح قطّ ، ولم يذكرها اللَّه قطّ - غيرةً عليها - إلا لنا “ 1 “ .
وأي شيء تعنيه “ ما “ “ 2 “ في اللغة ؟ إنها للإثبات والنفي ، وأنا لست إثباتاً ، بل إنني نفي وبلا ذات !


 1735 - لقد وجدت ذاتيتي في انعدام الذاتية ، ولهذا فقد نسبحتُ ذاتيتي في اللاذاتية .
فجملةُ الملوك عبيد لرعاياهم ، وجميع الخلق ، فداءُ من يفديهم .
الملوك جميعاً ينحنون لمن ينحني لهم ، والخلق جميعاً ثملون بحب سُكارى عشقهم .
والصياد يغدو صيداً للطيور حتى يباغتها ، فيجعلها صيداً له .
وقلوب المعشوقين أسيرة لمن فقدوا ( في العشق ) قلوبَهم ، وجملة المعشوقين صيد للعاشقين .


1740 - وكل من رأيته عاشقاً فاعلم أنه معشوق ، فإنه - نسبياً - هذا وذاك .
فإذا كان الظماءُ ينشدون من العالم الماء ، فإنّ الماء في العالم أيضاً ينشُد الظماء !
...................................................................
( 1 ) ورد في المنهج القوي حديث عن الرسول يروي أنه عليه السلام قال :
“ إن للَّه عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولكن يغبطهم الأنبياء والشهداء لقربهم ومقعدهم من اللَّه “ .
( 2 ) وردت في نهاية البيت السابق كلمة “ ما “ بمعنى نحن . وفي هذا البيت صرفها الشاعر عن معناها الفارسي إلى معانيها العربية فقال إنها للنفي وللإثبات .
 

“ 253 “


فإن كنت عاشقاً فالزم الصمت ، وإنْ عرك لك أُذناً فكن ( كلّك ) أُذناً .
ولتُقمْ سدّاً أمام السبيل إذا فاض “ 1 “ ، وإلا فإنه يحدث العار والخراب .
وماذا يضيرني لو يقع الخراب ؟ إنّ كنزاً ملكياً سيكون تحت الأنقاض !


 1745- إنّ غريق الحق يودّ لو يزداد غرقاً ، ( على حين ) تهبط روحه وتعلو مثل موج البحر .
فما الأفضل ؟ قاع البحر أم سطحه ؟ وما الأبهى ؟ سهم الحبيب أم درعه ؟
أيّها القلب ! إنّك لتكون ممزقاً بالوساوس ، لو أنك فرقت بين الطرب والبلاء ! 
فإنْ كان لمرادك مذاق السكر ، أوليس حرمانك من مرادك هو مراد الحبيب ؟
فكل نجم من نجومه ثمن لدم مائة هلال ، وإراقةُ دم العالم حلالُ له .


1750 - ولقد أخذنا الأجر ، ونلنا ثمن الدماء ، ولهذا فقد سارعنا إلى المخاطرة بأرراحنا .
آه ! إنّ حياة العاشقين في الموت ، وإنّك لن تملك قلب الحبيب إلا بفقدان قلبك ! 
لقد سعيتُ إلى قلبه بمائة إعزاز وتدليل ، ولكنّه - لملاله - قدّم لي الأعذار .
قلت : “ فما آخر هذا إنّ العقل والروح عريقا حبّك ! “ فقال :“ دعني ! ولا تحدَّثني بهذه الخرافة !
......................................................
( 1 ) كن مسيطراً على عواطفك ، ولا تدع لسانك ينطلق بالحديث عنها . وتجنب البوح ، بما قد يكشف لك من الأسرار .


“ 254 “


أولست أعرف ما قد فكرت فيه ؟ فيا أيها الثنوي الرؤية ، كيف أبصرت الحبيب ؟

 

1755 - أيها الكبير الروح ! لقد رأيتني ذليلًا ، لأنك شريتني بالثمن البخس ! 
وكل من اشترى بالثمن البخس باع بالثمن البخس ، فالطفل يعطي جوهرة لقاء قرص من الخبر ! 
“ إنني غريق عشق قد غرق فيه عشق الأوّلين والآخرين ! 
ولقد وصفته بإجمال ، ولم أفصلّ في بيانه ، ولولا هذا لا حترقت الأفهام ، واحترق اللسان .
فحينما أقول : “ الشفة “ فإنها تكون “ شفة “ البحر “ “ 1 “ ، وحين أقول “ لا “ فالمراد “ إلا “ .

 
1760 - وإني - من جرّاء ما أتذوق من حلاوة - جلستُ عابس الوجه ، كما أني - لا متلائي بالقول - قد لزمتُ الصمت ! 
وذلك لتستتر حلاوتنا عن كلا العالمينْ وراء حجاب من عبوس الوجه .
وإني لأذكر سراً واحدا من كل مائة سر لَدُنيّ حتى لا يصل هذا الكلام إلى كان أُذن .

تفسير قول الحكيم (سنائي) "إن كل قول جعلك نتخلف عن الطريق يستوى فيه الكفر والايمان 
وكل صورة جعلتك نقع بعيداً عن الحبيب يستوى فيها الحسن والقبح "
وفي معنى قوله - عليه الصلاة والسلام  : “ إن سعداً “ 2 “ لغيور وأنا أغير من سعد واللَّه أغير مني 
ومن غيرته حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن


 “ إنّ العالم جاء غيوراً ، لأن الحقّ قد سبق هذا العالم في الغيرة .
.............................................................
( 1 ) شاطىء البحر .
( 2 ) سعد المذكور في الحديث هو سعد بن عبادة الصحابي المعروف .
 
 

“ 255 “


فهو مثل الروح ، والعالم كالجسم ، والجسم يتقبل من الروح الحسن والقبيح .
 

1765  وكل من صار محرابُ صلاته عين ( اليقين ) ، فاعلم أنّ عودته إلى إيمان ( العوام ) شين ! \
إنّ كلّ من أصبح حافظاً لثياب الملك ، يكون اتجاره من أجل مليكه خسراناً عليه “ 1 “ .
وكل من أصبح جليساً للسلطان ، يكون جلوسه على باب السلطان عيباً وغبناً .
( وكل ) من حظي بتقبيل يد الملك ، يكون اختياره تقبيل قدمه إثماً .
فإن كان وضع الرأس على قدم الملك إعظاماً له ، فإنه بالقياس إلى تقبيل اليد خطأ وزلل .
 

1770  إن الملك ليغار من ذلك الذي يختار الرائحة بعد أن يكون قد رأى الوجه .

ومَثَلُ غيرة الحقّ كمثل القمح ، وأما غيرة الناس فهي كالتبن .

واعلم أن أصل الغيرة من اللَّه ، وأما غيرة الخلق فهي - بدون اشتباه - فرع من غيرة الحقّ .

وإني لتارك شرح هذا ، لأعبّر عن شكواي من جفاء ذلك الجميل ذي القلوب العشرة .

سأنوح لأن النواح يروقه ! إنّ النواح والحزن لممايجب له على العالمين !

 

 1775 وكيف لا أنوح بمرارة من قصته ( معي ) ، حين لا أكون في حلقة سكاراه ؟

وكيف لا أنوح وأنا كالليل بدون صباحه ، وبدون وصال وجهه

.............................................................

( 1 ) إن كل من وصل إلى مقام القرب ، يكون ابتعاده خسراناً عليه ،
 

“ 256 “
 

الذي يزيد النهار إشراقاً ؟
وإنّ مرارته لحلوة المذاق لروحي ، فروحي الفداء لذلك الحبيب الذي أضنى فؤادي ! 
أنا عاشق لضناي وألمي من أجل رضى مليكي الفرد !
 لقد جعلت تراب الهمّ كحلًا لعينيّ ، حتى يمتلئ بحرا مقلتيّ بالجواهر !


1780 فالدموع التي يريقها الخلق من أجله جواهر ، والخلق يظنونها دموعا ! وأنا أشكو من روح روحي ، ولكني لست ( في الحقيقة ) شاكياً بل ذاكر خبري ! القلب يقول : “ إني قد تعبت منه “ ، وأنا - من هذا النفاق الواهي - كم ضحكت !فعاملني بالحقّ ، يا فخر المحقين !
 يا من أنت الصدر وأنا عتبة بابك ! وأين العتبة والصدر في ( عالم ) المعنى ؟ وأين “ نحن “ و “ أنا “ من ذلك الجانب الذي يكون فيه حبيبنا ؟

 

1785  فيا من برئت روحك من “ نحن “ و “ أنا ! “ أيها الروح الطيف في الرجال والنساء ! إنك الواحد حين يتحد الرجال والنساء ! إنك الواحد حين تمحى الوحداث ! لقد صنعتَ “ أنا “ هذه و “ نحن “ حتى تلعب مع نفسك لعبة العبادة “ 1 “ .

حتى تصبح كلّ “ أنا “ و “ أنت “ روحاً واحداً وتغدو كلها فانية في الحبيب ! فكل هذا يكون ، فتعال يا صاحب الأمر ، يا من أنت منزّه عن “ تعال “ وعن ( كل ) الكلام “ 2 “ !.
....................................................................
( 1 ) حين يتم اتحاد الخلق بالخالق لا يبقى هناك مجال للعبادة .
( 2 ) قرئت “ بيا “ في الشطر الثاني من البيت “ بيان “ فيكون معنى الشطر :“ يا من منزه عن البيان والكلام “ .
 

“ 257 “


1790  إنّ الجسم لا يستطيع إبصارك إلا مجسّماً ، فهو يستحضرك في الخيال ساخطاً أو راضياً .
فلا تقل إنّ القلب - وهو أسير السخط والرضى - جدير بتلك المشاهدة .
فذلك الذي يكون أسيراً للسخط والرضى ، إنما هو حيّ بهاتين العاريتين .
وأما بستان العشق الأخضر - الذي لا نهاية له - ففيه إلى جانب السخط والرضى ثمار كثيرة .
فالعشق أسمى من هاتين الحالتين “ 1 “ ، وهو رّيان أخضر بدون ربيع أو خريف !
 

1795 فأدّ زكاة الوجه الجميل ، يا صاحب الوجه الجميل ! وأعدْ لنا شرح حال الروح الممزق .
فإن نظرة من عين ذات غمز ودلال قد طبعت على القلب وسماً جديداً ! 
وقد أحللتُ له دمي لو أنه أراقه ! وكنت أقول : “ حلال ( لك دمي ) “ ، وهو يهرب مني .
وكم تصبّ من همّ على قلوب المحزونين ، حين تهرب من نواح أبناء التراب .
فيا من كل صبح لمع من المشرق وجدك كعين الشمس مشرقاً فياضاً !

 

 1800 كيف ألقيت المعاذير إلى المولّه بك ؟ يا من سُكرّ شفتيك لا يُقَدَّر بثمن ! 
يا من أنت الروح الجديد لعالم عتيق ! استمع إلى صراخ جسم لا روح لا ولا قلب !
..................................................
( 1 ) حالتا السخط والرضي .

 

“ 258 “


ودع شرح ( حال ) الوردة بحقّ اللَّه ! واشرح حال البلبل الذي افترق عن الوردة ! 
فليس اضطرابنا من الحزن ولا من السرور ، وليست حكمتنا من الخيال ولا من الوهم .
بل إنّ لنا حالة أُخرى وتلك نادرة ، فلا تنكر ذلك ، فإن اللَّه واسع المقدرة !



 1805 ولا تتخذ من حال الإنسان مقياساً للأمور ! ولا تجعل ركيزتك الجور والإحسان ! 
إنّ الجور والإحسان والألم والسرور كلها حادثة ، وكل المحدثات تموت والحق وارثها .
لقد أطلّ الصبح ، يا من أنت للصبح ملجأ وظهير ! فالتمس لي العذر عند مخدومي حسام الدين ! 
إنك ملتمس العذر عند العقل الكلي وعند الروح . إنك روح الروح والتماع المرجان ! 
لقد أشرق الصبح ، ونحن من نورك في صبوح نحتسيها من خمر منصورك “ 1 “ .


1810  فإذا كان عطاؤك يجعلني على هذه الصورة ، فماذا تكون الخمر حتى تجلب لي الطرب “ 2 “ ؟
إن الخمر في جيشانها لتتكدّى جيشاننا ، وإنّ الفلك في دورانه ليتكدّى عقلنا “ 3 “ !
.......................................................................
( 1) المقصود حسين بن منصور الحلاج ، الصوفي المعروف الذي قتل عام 309 ه .
( 2 ) فإذا كنتُ ثملًا بعطائك على هذا النحو ، فماذا تكون الخمر وماذا يكون السكر بها ؟ وأيّ طرب تستطيع أن تجلبه ؟
( 3 ) إن الخمر في جيشانها ليست شيئاً أمام جيشان نفوسنا ، والفلك الدوار في تدبيره ليس شيئاً أمام حكمة عقولنا .

 

“ 259 “

فالخمر أصبحت ثملة بنا لا نحن بها ! والجسم اتخذ وجوده منا ولم نتخذ وجودنا منه ! 
إننا كالنحل ، والأجسام كالشمع ! وقد صنعنا الجسم خليّة خليّة كما يُصنع الشمع .

 
عود إلى حكاية التاجر

إنّ هذا الحديث طويل ! فلتحدّثنا عن التاجر “ 1 “ لنرى ما صارت إليه أحوال هذا الرجل الطّيب .


1815  لقد كان هذا السيّد في نار وألم وحنين ، وكان يلفظ بمائة عبارة مفكّكة على هذا النحو :
فحينما يكون متناقضاً ، وحيناً رفيقاً ، وحيناً متضرعاً ، وحيناً يكون عاشق الحقيقة ، وحيناً عاشق المجاز ! 
فالرجل الغريق - وهو يكاد يلفظ الروح - يَنْقَضُّ بيده على كل قشّة .
وهو - لخوفه على حياته - يضرب بيده ورجله ، لعلّ أحداً يأخذ بيده في ( هذا ) الخطر .
والحبيب يعجبه هذا الهياج ، فكفاح اليائس خير من النوم .


1820  فصاحب الملكوت ليس بلا عمل ، والشكوى من جانبه تكون عجباً ، فهو ليس بمريض “ 2 “ .
................................................
( 1 ) يعود الشاعر هنا إلى قصة التاجر الذي سافر إلى بلاد الهند .
( 2 ) هذا البيت من أغمض الأبيات عند الشراح . واعتقادي أنه إحدى الشطحات الصوفية . والمعنى هو أنه تعالى يعمل ليلًا ونهاراً ، لا يتوقف عن العمل - ومع هذا - فإن الشكوى من هذا العمل المتواصل تكون عجباً ، فهي لا تحدث لأنه - جلّ شأنه - لا يكلّ .



“ 260 “

 
من أجل هذا - يا بنيّ - قال الرحمن :” كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ ““ 1 “ .
ففي هذا الطريق ، لا تتوان عن النحت والصقل “ 2 “ ! ولا تفرغ لحظة واحدة حتى آخر أنفاسك ! 
وكن - حتى اللحظة الأخيرة - نَفَساً أخيراً ( يتردد ) ، لتكون موضع سرّ العناية ( الإلهية ) .
فكلّ روح - في رجل أو امرأة - بذلت جهدها ، فإنّ أُذن مليك الروح وعينه ترقبان ذلك “ 3 “ .


كيف رمى التاجر الببغاء خارج القفص وكيف طار الببغاء الميّت

1825 - وبعد ذلك ألقى به خارج القفص ، فطار الببغاء الصغير إلى دوحة عالية “ .
وهكذا طار هذا الببغاء الميّت ( بسرعة ) كاندفاع شمس المشرق .
فحار التاجر في أمر هذا الطائر ، وأدرك - من دون خبر - أسراره .
فرفع وجهه إلى أعلا ، وقال : “ أيها العندليب ! أعطنا نصيباً من بيان حالك ! 
ما ذا صنعه الببغاء في الهند فتعلّمْتَه ، ومكرت مكراً فأشعلتنا حزناً “ .

 
1830  فقال الببغاء : “ إنه نصحني بفعله قائلًا : دع جمال صوتك ولطيف ودّك ،
...............................................................
( 1 ) المرحمن ، ( 55 : 29 ) .
( 2 ) لا تتوان عن السعي والتقدم .
( 3 ) حرفياً : فإن أُذن مليك الروح وعينه على النافذة .



“ 261 “

 
فإنّ صوتك هو الذي وضعك في الأسر “ . وقد تظاهر بالموت ليُقدّم لي هذه النصيحة .
ومعناها : يا من أصبحتَ مُطرباً للعامة والخاصة ! لتُصبحْ ميّتاً حتى تظفر بالخلاص ! 
فحين تكون حبة تلتقطك الطيور ، وحين تكون برعمة تقطفك الأطفال .
فخبىء الحبة ، وكن كلّك شركاً ! وأخف البرعمة ، وكن في ظاهرك عشباً “ 1 “ !

 

1835 فكل من عرض حُسْنَهُ في المزاد ، يتجه نحوه مائة قضاء سيّء .
فاليَلُ والأحقاد والحسد تنصبّ على رأسه كالماء من القرب .
فأعداؤه يمزّقونه غيرة منه ، وأصدقاؤه ينهبون أيام حياته .
ومن كان غافلًا عن الزرع والربيع ، أنى له أن يدرك قيمة الزمن ؟
فالواجب أنْ تفر إلى كنفٍ من لطف الحق ، فإنه يصبّ على الأرواح آلاف الألطاف .



1840  وإذ ذلك تجد لك ملجأ ، فيكف يكون هذا الملجأ ؟ إنّ الماء والنار يصبحان كلاهما جيشا لك !
 أو لم يصبح البحر صديقاً لنوح وموسى ؟ أولم يصبح عنيف القهر لأعدائهما ؟
أو لم تكن النار قلعة لإبراهيم ، حتى صعّدت دخان ( الحقد ) من قلب النمرود ؟
أو لم يَدْعُ الجبلُ إليه يحي ، ويدفع عنه قاصديه برجم الحجارة ؟
وقال له : “ يا يحيى ! تعال ، واهرب إليّ لأكون لك ملجأ من السيف القاطع ! “
..............................................................................
( 1 ) حرفياً : وكن عشباً فوق السطح .


“ 262 “

كيف ودّع الببغاء التاجرَ وطار


1845  فأعطاه الببغاء نصيحة أو نصيحتين حافلتين بالمغزى ، وبعد ذلك قرأ عليه اسلام الفراق .
فقال له التاجر : “ امض في أمان اللَّه ! لقد أوضحتَ لي الآن طريقاً جديداً “ .
وحدَّث السيد نفسه قائلًا : “ إنّ هذه النصيحة لي ، فلأسلكنّ طريقه ، فإنه طريق واضح .
وكيف تكون روحي أقلّ ( حكمة ) من الببغاء ؟ إنّ الواجب على الروح أنْ تسلك سبيل الرشاد .
 

مضرّة اشتهار المرء وتعظيم الخلق له
 
إنّ الجسم على شكل القفص ، وقد أصبح - بخداع الداخلين والخارجين “ 1 “ - شوكة تخز الروح .
 

1850  فهذا يقول له : “ إنني سأكون صفيّك “ . وذاك يقول له : “ لا ، بل أنا شريكك “ .
وهذا يقول له : “ ليس لك نظير في الوجود ، سواء في الجمال
.......................................................................
 ( 1 ) المخالطون للمرء .


“ 263 “


أو الفضل أو الإحسان أو الجلود “ .
وهذا يقول له : “ إنك صاحب العالميْن ، وكلّ أرواحنا عيال على روحك ! 
“ فحين يرى الخلق سُكارى ذاته ، يفقد من الكبر سلطانه على نفسه .
وهو لا يدري أنّ الشيطان قد أوقع آلافاً مثله في ماء النهر “ 1 “ .


1855 إنّ ملق الدنيا ونفاقها لقمة سائغة المذاق ، ولكنها مليئة بالنار ، فأقللْ من تناولها ! 
ونارُها مختفية ، ولكنّ مذاقها واضح ، ودخانها يصبح ظاهراً في نهاية الأمر .
ولا تَقُلْ : “ متى كنت أبتلع هذا المديح ؟ إنه يتحدث عن طمع ، وأنا واقف على أمره “ .
فلو أنّ مادحك هجاك أمام الملأ ، فإنّ قلبك يحترق أياماً بلهيب ذلك ( الهجاء ) .
ومع أنك تدري أنه قال هذا لحرمانه ، وأنّ طمعه فيك قد جعلهُ مغرضاً “ 2 “ .


1860  فإنّ أثر هذا يبقى في نفسك ، وإنك لتلقى التجربة ذاتها في المديح .
فإنّ أثره أيضاً يبقى معك أياماً ، ويصبح مصدراً لتكبر الروح وانخداعها .
لكنّ المدح لا يظهر لك لأنه حلو ، أما القدح فيظهر لك قبيحاً لأنه مرّ .
( والهجاء ) مثل المطبوخ “ 3 “ ووالحَبّ “ 4 “ ، تتناولهما ، فيصيب الاضطراب والألم جوفك زمناً طويلًا .
فإن أكلت الحلوى فمذاقها وقتيّ ، وأثرها لا يدوم طويلًا كأثر تلك العقاقير .
.....................................................................
( 1 ) قد خدع آلافاً مثله وقادهم إلى الهلاك .
( 2 ) حرفياً : وأن طمعه فيك قد أصبح ضرراً
( 3 ) أدوية منظفة لأمعاء الإنسان .
( 4 ) أدوية منظفة لأمعاء الإنسان .
 

“ 264 “

1865  ومع أنّ أثر الحلوى لا يدوم ( في الظاهر ) ، فهو يدوم في الحفاء ، ألا فلتعرف كل شيء بضدّه .
فالسُكر - إذا دام - يولد أثره - بعد حين - دمّلًا يتطلبّ المبضع .
فمن كثرة المديح ، أصبح فرعون طاغياً ، فكن ذليل النفس ، ليّن الجانب ، ولا تتجبرّ “ 1 “ ! 
فما استطعت فكن عبداً ، ولا تكن سلطاناً ! وتلقّ الضربات كالكرة ، ولا تكن صولجاناً ! 
وإلا ، فإنه - حين لا يبقى لك لطف ، ولا جمال - يقع منك الملال في نفوس خلانك .

 
1870  فهذه الجماعة التي كانت تتملقك تقول لك ، حين رؤيتك : “ إنك الشيطان “ .
والجميع يقولون لك عندما يرونك بالباب : “ هذا ميت قد نهض من قبره “ .
( فشأنك كشأن ) الأمرد ، يدعونه ربهم حتى يجعلواه بهذا النفاق سئ السمعة .
وحين ينبت في سوء السمعة شعرُ لحيته ، يحلّ العار بالشيطان لو فتش عنه ! 
إنّ الشيطان يدنو من الآدمي ( لإيقاع ) الشر ، لكنه لا يقترب منك لأنك أسوأ منه !

 
1875 فحينما كنتَ إنساناً كان الشيطان يقتفي أثرك ، ويجري وراءك ليسقيك خمره .
....................................................................
( 1 ) الشطر الثاني من هذا البيت عربي في الأصل ، وقد غيرنا لفظه ليساير السياق .
ونصّ الشطر : “ كن ذليل النفس هوناً لا تسد “ .


“ 265 “


ولما صرت متمكناً في طباع الشياطين ، فإنّ الشيطان يهرب منك يا من غدوت عديم الجدوى ! 
لقد كانوا يتعلقون بذيلك فيما مضى ، فلما أصبحتَ على تلك الحال فرّوا منك جميعاً .


تفسير ما شاء اللّه كان


لقد قلنا هذا الكلام كله ، ولكنا - في استعدادنا للرحيل - لسنا شيئاً قط بدون عناية اللَّه .
فبدون عنايات الحقّ وخواصّ الحقّ يكون المَلَك أسود الصفحات .
 

1880 فيا إلهي ! يا من فضلك مجيب الحاجات ! إنه لا يجوز ذكر أحد إلى جانبك .
لقد وهبتنا هذا القدر من الهداية ، وسترت الكثير من عيوبنا حتى هذه اللحظة .
فاجعل قطرة العلم التي منحتنا إياها تتصل ببحارك ! إنّ في روحي قطرة من العلم فخلّصها من الهوى ومن تراب الجسد ! 
وذلك قبل أن يخسفها هذا التراب ، وقبل أن تنسفها هذه الأهواء .

 
1885  وإنْ كنت أنت القادر على أن تأخذها ، وتُخلّصها من ( التراب والهواء ) حين نفسها .
فالقطرة التي تقع في الهواء ، أو تسقط على التراب ، متى هربت من خزانة قدرتك “ 1 “ ؟
وإذا وقعتْ في العدم ، أو في مائة عدم ، فإنها تجعل رأسها
...................................................................
( 1 ) استفهام بمعنى النفي ، أي ما هربت قط .


“ 266 “

قدماً حين تدعوها “ 1 “ .
وآلاف الأضداد يقتل بعضُها ، بعضاً ، ولكنّ حكمك يبعثها من جديد .
ففي كلّ لحظة - يا ربّ - قافلة وراءها قافلة ، تسير من العدم إلى الوجود !


 1890 أو ليست جملة الأفكار والعقول - خاصة - تصير كلّ ليلة غرقى في بحر عميق ؟
أو ليست هذه المَلَكات الإلهية ترفع كالأسماك رؤوسها في وقت الصباح ؟
وفي الخريف تدهب آلاف الأغصان والأوراق منهزمة إلى بحار الموت ! 
بينما الغراب يرتدي السواد كالحزين ، وينوح على الخضرة في البستان .
وثانية يجيء الأمر من سيد الأرض ( فيقول ) للعدم : “ ردّ ما أكلت !

 1895 أيها الموت الأسود ! ردّ ما أكلت من زرع وأعشاب وورق وحشائش “ .
فيا أخي ! اجعل عقلك معك الحظة واحدة ! إنّ بك في كلّ لحظة خريفاً وربيعاً ! 
وانظر بستان قلبك أخضر ريان نضراً ، حافلًا ببراعم الورد والسرو والياسمين ! 
قد احتجبت فيه الغصون وراء ماتكاثر من ورق ، واستتر السهل والقصر وراء ما كساه من أزهار ! 
وهذا الكلام المنبعث من العقل الكلّيّ إنْ هو إلا شذى هذا البستان والسرو والسنبل .


1900  وهل تنسمت قط شذى الورد في مكان خلا من الورد ، أم هل
.......................................................................
( 1 ) تجيء طائعة تسعى على رأسها .


“ 267 “


رأيت فورة الخمر ، حيث لا خمر ؟
والشذى هو دليلك وقائدك الذي يمضي بك إلى الخلد والكوثر .
والشذي دواء للعين يمنحها النور ، وقد تفتحت عينا يعقوب حين تنسم شذى ( يوسف ) .
والرائحة النتنة تجلب ظلمة العين ، وقد كان شذي يوسف للعين شفاء .
فإنْ أنت لم تكن يوسف فكن يعقوب ، وكن مثله أليفاً للبكاء والشجن !


1905 واستمع إلى تلك النصيحة من الحكيم الغزنوي “ 1 “ ، حتى تشعر بالجدّة في جسمك الهرم ! 
إنّ الدلال يقتضي أن يكون الوجه كالورد ، فإذا لم يكن لك مثل هذا الوجه ، فلا تلزم سوء الطبع “ 2 “ .

فمن القبيح أن يتدلل وجه دميم ، وكم هو مضن أنْ يكون الألم في عين عمياء ! فلا تتدلّل ولا تتمالح أمام يوسف ! 
ولا يكن منك سوى ضراعة يعقوب وآهاته ! لقد كانت الضراعة هي معنى الموت عند الببغاء ، فاجعل نفسك ميتاً بالضراعة والفقر !

 

 1910 حتى يبعثك من الموت نَفَس عيسى ، ويجعلك مثله مباركاً سعيداً ! 
( وإلا ) فكيف يغدو الحجر الصلد أخضر من الربيع ؟ ألا فلتكن تراباً حتى تُنبت الورد مختلف الألوان ! 
لقد ظللت السنين الطوال حجراً يجرح القلب ، فجرِّب لحظة واحدة أنْ تكون تراباً !
.........................................................................
( 1 ) هو الشاعر مجد الدين سنائي الغزنوي .
( 2 ) حرفياً : فلا تدر حول سوء الطبع .
* * * 

شرح قصة التاجر الذي حَمّله الببغاء رسالةً إلى ببغاوات الهند حينما ذهب للتجارة
 
( 1565 - 1566 ) كل ما يفعله الحبيب يتقبله المحب ، ويكون به سعيداً راضياً . والمحب يسعد في عذابه وآلامه ، ما دامت هذه إرادة الحبيب . 
( 1567 ) إذا كانت هذه حلاوة جفائك ، فكيف يكون جمال وصالك ؟ وإذا كانت الآلام التي تعترينا من أجلك حبيبة إلى نفوسنا ، فكيف تكون السعادة التي يبعثها فينا قبولك ورضاك ؟ 


( 1572 ) هذا البلبل الذي هو رمز للمحب العاشق يأكل الشوك مع الورد ، أي أنّه يجد الآلام في الحب لذيذة سائغة ويتقلبها بذات الرضى الذي يستشعره حين ينعم بسعادة الحب . 


( 1573 ) إنّه عملاق ناريّ يلتهم كل ما يعترض سبيله ، ويقف حائلًا بينه وبين المحبوب . وقد أصبح كل ألم يلاقيه في سبيل ذلك حلو المذاق سائغاً ، لأن العشق جرده من الذاتية ، فلم يعد له من هدف


“ 522 “


سوى المحبوب ، وهان في سبيله كل ألم . 


( 1574 ) إنّ العشق قد بلغ به حالة الفناء في المعشوق ، فأصبح بذلك عاشقاً لذاته . يقول العزالي في وصف تلك الحال : “ العارفون - بعد العروج إلى سماء الحقيقة - اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحقّ . ولكن منهم من كان له هذه الحال عرفاناً علمياً ، ومنهم من صار له ذلك حالًا ذوقياً . وانتفت عنهم الكثرة بالكلية ، واستغرقوا بالفردانية المحضة ، واستوفيت فيها عقولهم ، فصاروا كالمبهوتين فيه ، ولم يبق فيهم متسع لا لذكر غير اللَّه ولا لذكر أنفسهم أيضاً . فلم يكن عندهم إلا اللَّه ، فسكروا سكراً دفع دونه سلطان عقولهم ، فقال أحدهم : “ أنا الحق “ ، وقال آخر : “ سبحاني ، ما أعظم شاني ! “ وقال آخر : “ ما في الجبة إلا اللَّه “ . وكلام العشاق في حال السكر يطوى ولا يُحكى . فلما خفّ عنهم سكرهم ، ورُدّوا إلى سلطان يالعقل الذي هو ميزان اللَّه في أرضه ، عرفوا أنّ ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد ، بل شبه الاتحاد . . “ ( مشكاة الأنوار ، ص 57 ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1964 ) . 


( 1575 ) ببغاء الروح هنا رمز للعقل الإلهيّ الذي جعل الشاعر منه عنواناً للأبيات . 


( 1575 - 1585 ) صنف الغزالي الأرواح البشرية النورانية إلى أنواع خمسة لكل منها مرتبتها . وخامس هذه الأنواع وأسماها هو “ الروح القدسيّ النبوي ، الذي يُختص به الأنبياء وبعض الأولياء ، وفيه تتجلى لوائح الغيب وأحكام الآخرة ، وجملة من معارف ملكوت السماوات والأرض ، بل من المعارف الربانية التي يقصر دونها الروح العقليّ والكفريّ “ . ( مشكاة الأنوار ، ص 77 ) . 


( 1579 ) من المعروف أنّ كثيراً من الصوفية قد رُموا بالكفر ، وحوكموا ، ومنهم من قُتل . وهؤلاء الذين اتهموا بالكفر هم عند



“ 523 “


الصوفية أمثلة عالية للإيمان . والشاعر يقول هنا إنّ كفر هؤلاء أصدق وأحقّ من كل إيمان يعتنقه خصومهم . وقد تناول السراج في كتابه المع ( ص 497 ) مسألة اتهام مشايخ الصوفية بالكفر ، وقال إنّ القائلين بذلك نوعان من الناس ، “ منهم قوم لم يفهموا معاني ما أشاروا إليه في كلامهم من غامض العلم وجليل الخطب ، ولم يكن لهم زاجر من العقل ، ولا وازع من الدين أن يستبحثوا عن المعاني التي أُشكلت عليهم ويسألوا ذلك من أهلها ، وقاسوا ما يسمعون من ذلك بما علموا من العلوم المبثوثة بين عوام الناس حتى هلكوا . . . ومنهم من علم مقاصدهم ومعانيهم فيما قالوا ، أو قد صحبهم برهة من الدهر فلم يصبر على حالهم ، ودعاه شيطانه وهواه إلى طلب الرياسة ، وجمع الدنيا ، وأكل أموال الناس بالباطل ، فجعل المعاداة والمنافاة معهم ، والطعن والوقيعة فهيم ، والسفاهة والإنكار عليهم ، سلماً إلى جميع الدنيا وسبباً إلى قبول قلوب الجهلة من العامة له “ . 


( 1594 - 1595 ) لا تُلق الكلام بدون تقدير لأثره وعواقبه ، فأنت لا تدري ما حولك ، وقد تُلقى كلمة واحدة جزافاً فتحدث من الأضرار والفتن ما لم يكن قائلها يدرك مداه . 


( 1597 ) من الكلمات ما يكون سبباً للكثير من الأضرار ، ومنها ما يكون بالغ النفع والجدوى . 


( 1598 - 1599 ) الأرواح في الأصل خيّرة كلّها ، وهي كنفس عيسى تهب الحياة ، ولكنّها - حين تجسَّدت وعلقت بالمادة - أصبحت متأرجحة بين الخير والشر . وهي إذا خلصت من أثر المادة وتحرّرت منها ، عادت لها طبيعتها الأصيلة وأصبحت خيّرة ، ولم ينبثق منها سوى الصلاح . 


( 1603 - 1610 ) في هذه الأبيات يتحدث الشاعر عن كرامات الأولياء . وقد كتب في ذلك كثير من المؤمنين عن التصوف ، وأثبت



“ 524 “


أكثرهم إمكان وقوع الكرامات على يد الأولياء . ( انظر : رسالة القشيري ، ص 158 - 160 ؛ اللمع للسراج ، ص 390 - 405 ) . 
يقول ابن الفارض في تائيته الكبرى :وعارفنا في وقتنا الأحمدي من * أولي العزم منهم آخذ بالعزيمة 
بعترته استغنت عن الرسل الورى * وأصحابه والتابعين الأئمة 
كراماتهم من بعض ما خصّهم به * بما خصهم من إرث كل فضيلة. . . . .
وللأولياء المؤمنين به ولم * يروه اجتنا قرب لقرب الأخوة 
وقربهم معنى له كاشتياقه * لهم صورة فاعجب لحضرة غيبةتعاند مطلوباً ، والمطلوب هو الشيخ الذي خلص من الحرص على الدنيا فأصبح مطلوباً لربه . 


( 1606 ) إنك لم تتخلص بعد من نفسك الحسية ، فلست أهلًا أن تضع نفسك في موضع رجال اللَّه ، الذين طهّروا قلوبهم من طغيان الشهوات ، فأصبحوا قادرين على مواجهتها بغير خوف منها . فالنار المذكورة في البيت رمز للشهوات . وهذه لا يستطيع مواجهتها إلا من تخلّص من نفسه الحسية ، وجعل الروح متحكمة في كيانه . 


( 1642 ) قال الغزالي في كتاب “ الأربعون في أصول الدين “ ( ص 63 ) : 
“ اعلم أن طيّب المطعم له خاصية عظمية في تصفية القلب وتنويره ، وتأكيد استعداده لقبول أنوار المعرفة “ . 


( 1644 ) ذكر الغزالي حديثاً منسوباً للرسول عليه السلام جاء فيه : “ من أكل الحلال أربعين يوماً نوّر اللَّه قلبه ، وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه ولسانه “ . ( المصدر السابق ، ص 62 ) .


[ شرح من بيت 1650 إلى 1700 ] 
( 1661 - 1668 ) يبيّن الشاعر هنا رأيه في الأفعال المولدة وهو موضوع سبق أن أثاره . وقد علّقنا عليه من قبل ، ( 840 - 840 - 840 - 851 ) . والشاعر هنا يزيد رأيه ، إيضاحاً فيترك الرمز ويذكر بصريح



“ 525 “


العبارة أن الأفعال المولدة إنما هي من خلق اللَّه . 


( 1670 ) من أمثلة ذلك - عند الصوفية - أن الوليّ إذا دعا على إنسان ثم ندم ورجع عن هذا الدعاء ، يستجيب اللَّه لرجوعه ، ولا يقع من جراء دعائه ضرّ ولا أذى . 


( 1679 ) يقول ابن العربي عن الإنسان : “ وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر ، المعبرّ عنه بالبصر . فلهذا سُمي إنساناً ، فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم “ . ( فصوص الحكم ، ص 50 ) . 


( 1680 ) أصحاب الصدارة “ في هذا البيت ربما تعني أقطاب التصوف . وقد تعني الأنبياء . ومهما يكن ، فالصوفية يؤمنون بالامتناع عن ذكر الأسرار لمن لا يكونون أهلًا لتلقيها . وفي مشكاة الأنوار للغزالي ( ص 40 ) حديث منسوب إلى الرسول عليه السلام وتعليق عليه الغزالي جاء فيه : “ إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء باللَّه . فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرّة باللَّه ، ومهما كثر أهل الاغترار وجب حفظ الأستار على وجه الأسرار “ . 


( 1681 - 1690 ) تناول الشاعر في أبيات سابقة ( انظر 388 - 402 ) النوم وأثره على الإنسان . وهو في هذه الأبيات يصور الإنسان منفصلًا عن أفكاره وخبراته ساعة النوم . ومع هذا تعود إليه الأفكار والخبرات والطباع ذاتها حين يستيقظ ، كما يعود الحمام الزاجل إلى موطنه مهما أُبعد عنه.


 [ شرح من بيت 1700 إلى 1850 ] 
( 1700 ) اللسان يتلكم بالخير وكذلك بالشرّ . والشرّ الذي ينطلق من اللسان يقضي عى ما ينطق به من خير ، كما تقضي النار على البيدر . 


( 1701 ) يتحدث الغزالي عن أثر اللسان على القلب فيقول : “ إن الجوارح كلها تؤثر أعمالها في القلب ، ولكن اللسان أخصّ به لأنه يؤدي عن القلب ما فيه من الصور ، فيقتضي كل كلمة صورة في القلب محاكية لها ،







“ 526 “


فلذلك إذا كان كاذباً حصل في القلب صورة كاذبة ، واعوج به وجه القلب ، وإذا كان في شيء من الفضول مستغنى عنه اسودّ به وجه القلب ، وأظلم حتى تنتهي كثرة الكلام إلى إماتة القلب . . “ ( الأربعون في أصول الدين ، ص 106 ) . 


( 1703 ) إن اللسان يخدع القلوب كما يخدع الصفير الطيور . 


( 1704 ) السيطرة على اللسان تعدّ من الأمور العسيرة التي لا تتحقق إلا لمن أوتوا عقلًا راجحاً وحلماً كبيراً . أما الإنسان العاميّ فلا سيطرة له على لسانه ، مهما سعى إلى ذلك . 


( 1706 ) يخاطب التاجر لسانه بقوله : “ أجبني ، أو كن منصفاً فلا تتحدث بما يسيء إليّ ، أو انطلق بما يكون سبباً لسروري ، كذكر اللَّه والتحدث بالخير “ . 


( 1710 ) انتقل التاجر من وصف حزنه على فراق طائره المحبوب ، إلى الحديث عن حزن روحه لفراق عالمها الأعلى ، فهناك كانت خالية من الآلام ، نقية بريئة من أدران المادة . 


( 1711 ) هذه الآلام التي يعانيها العاشق مبعثها خيال المحبوب ، وما تعانيه الروح لا نفصالها عن وجودها الحقّ ، ووقوعها أسيرة للمادة في هذه الدنيا . 


( 1723 ) القمر هنا رمز للروح . والحساب رمز لماديات الحياة الدنيا . 
فهذه الماديات قد حجبت الروح كما يحجب السحابُ القمر . 


( 1726 ) إن العشق المضطرم لا يكون من المستطاع السيطرة عليه . 


( 1727 ) الحبيب هنا قد يكون إنساناً . ومن الممكن - عند الصوفية - حدوث اتحاد روحيّ بين إنسانين بلغا مرتبة رفيعة من المحبّة والصفاء الروحيّ . والحبيب هنا يدعو الشاعر ألا ينشغل عن الجمال بالألفاظ التي يقولها في وصفه . 


( 1728 - 1729 ) هنا يُؤكد الشاعر لمحبوبه أنه مصدر انسجام



“ 527 “


تفكيره وتوزانه ، وأن الألفاظ لا أهمية لها ، فليست هذه إلا إطاراً يحيط بالمعنى ، كما تحيط الأشواك بالكروم . 


( 1730 ) يريد الشاعر أن ينطلق من التحدّث مع محبوبه بالألفاظ إلى التحدّث معه حديثاً روحياً ، لا يقيده لفظ ولا صوت . 


( 1731 ) الإنسان الكامل عند الصوفية هو الجامع لأسرار العالم . 
والشاعر هنا يقول إنه سيبوح له بكلمة خفيت على آدم ، وهذه الكملة هي “ سر الاتحاد “ الذي يقول به الصوفية . يقول ابن الفارض في التائية الكبرى :
وإني وإن كنت ابن آدم صورة * فلي فيه معنى ناطق بأبوّتي 
ونفسي على حجر التجلي برشدها * تجلّت وفي حجر التجلي تربت


( 1732 - 1733 ) يمكن أن يُفسر هذان البيتان على ضوء ما قاله ابن الفارض في تائيته الكبرى :
وفي المهد حزبي الأنبياء وفي عنا * صري لوحي المحفوظ والفتح سورتي 
وقبل فصالي دون تكليف ظاهري * ختمت بشرعي الموضحي كل شرعة
وفي أبيات جلال الدين وابن الفارض حديث رمزي عن “ التجلي “ ، وهو - عند الصوفية - كاشف لجميع الأسرار التي سعى الأنبياء إلى كشف جانب منها لعامة الخلق . 


( 1735 ) لقد أدرك معنى الوجود الحق حينما تخلص من إحساسه بذاته ، وفني في حبّ الخالق ، فكانت اللاذاتية سبيله إلى الذاتية الحق . 


( 1744 ) ماذا يضيرني لو هلك الجسد ، ما دامت الروح - وهي جوهر الإنسان - ستفترق عنه مكتملة بالمحبة ، ساعية إلى عالمها العلويّ . 


( 1747 - 1748 ) في سبيل الحبيب ينبغي أن تكون الألم حلو المذاق ، وعلى المحبّ أن يتلقى الشقاء في الحب بذات الرضا الذي يتلقى به سعادة الحب . فليس المهم في العشق الصوفيّ رغبة العاشق ، وإنما يتوقف



“ 528 “


كل شيء على ما يريده الحبيب . 
يقول ابن الفارض :وكل أذى في الحب منك إذا بدا * جعلتُ له شكري مكان شكيتي 
نعم وتباريح الصبابة إذ عدت * عليّ من النعماء في الحب عدِّت 
ومنك شقائي بل بلائي منّة * وفيك لباس البؤس أسبغ نعمة


( 1749 ) النجوم في هذا البيت قد تكون رمزاً للتجليات الإلهية . 
أما الهلال فقد يكون رمزاً لنور العقل أو للوجود الإنساني . فالشاعر يقول إنّ لمحة واحدة من تجليات الحق تفوق في قيمتها مائة عقل أو مائة كيان إنساني . 
يقول ابن الفارض :إذا ما أحلت في هواها دمي ففي * ذرا العزّ والعلياء قدري أحلت


( 1750 ) ثمن الدماء هو ما خصّ اللَّه به محبيه من عناية جعلتهم يضحون بوجودهم الدنيوي في سبيل وجود أسمى يسارعون إليه بقلوب مطمئنة . 
يقول ابن الفارض :
وما هو إلا أن ظهرت لناظري * بأكمل أوصاف على الحسن أربت 
فحليت لي البلوى فخليت بينها * وبيني فكانت منك أجمل حلية


( 1751 ) شبيه بهذا البيت قول ابن الفارض :هو الحب إن لم تقض ، لم تقض مأربا * من الحب فاختر ذاك أو خلّ خلتي


( 1752 - 1756 ) في هذه الأبيات يصور الشاعر الحب الصوفي الذي يقتضي من المحب فناء كاملًا عن ذاته ، وقد وصف الشاعر من أبصر ذاته إلى جانب الحبيب بأنه ثنائي الرؤية . 
ولا بن الفارض أبيات تعبر عن المعنى ذاته قال فيها :
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى * ولكنها الأهواء عمت فأعمت 
وقد آن أن أُبدي هواك ومن به * ضناك بما ينفي ادعاك محبتي



“ 529 “


حليف غرام أنت لكن بنفسه * وإبقاك وصفاً منك بعض أدلتي 
فلم تهوني ما لم تكن فيّ فانيا * ولم تفن ما لا تجتلى فيك صورتي 
فدع عنك دعوى الحب وادع لغيره * وفؤادك وادفع عنك غيّك بالتيانظر أيضاً تعليقنا على البيت 517 . 
( 1759 ) حينما أنفي ذاتي فالمراد من ذلك إثبات ذات اللَّه “ . 
وفي البيت اقتباس من لفظ شهادة التوحيد “ لا إله إلا اللَّه “ . 


( 1760 - 1762 ) إن الصوفي يخفي عن الناس ما قد يتكشف له من تجليات وأسرار وراء قناع من الصمت والتحفظ . وليس مما يجيزه الصوفية أن يبوح أحدهم بسرّ تكشف له ، وخاصة إذا حدث هذا أمام من لا يعدُّون - في اعتبارهم - أهلًا لتلقي مثل هذا السر . 


( 1763 ) غيرة الحق هي أنه يريد من عباده ألا يكون لهم تعلق بأحد ولا بشيء سواه . 
ويقول القشير : “ الحق تعالى غيور ، ومن غيرته أنه لم يجعل إليه طريقاً سواه “ . ( الرسالة ، ص 116 ) . 
ويقول الغزالي : قال عليه السلام : “ أتعجبون من غيرة سعد ، أنا واللَّه أغير منه ، واللَّه أغير مني “ . ولأجل غيرة اللَّه حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن . ( الإحياء ، 2 / 46 ) . 
وانظر أيضاً : ان عبربي ، فصوص الحكم ، ص 109 ، 110 . 


( 1765 ) كل من أصبح موقن الإيمان ، يعبد ربه كأنه يراه ، لا يليق به أن يعود إلى إيمان العوام ، وما يشوبه من شوائب الغفلة والجهل . 


( 1773 ) القلوب العشرة رمز للتجليات المتباينة من رضى وسخط وقبول وإعراض وما إلى ذلك . ومنها أمور يشعر بها الصوفية ، ويتحققون بها ، ويعدّونها أحوالًا . والأحوال عندهم مواهب لا يد لهم في تحقيقها .



“ 530 “


( 1777 - 1778 )  آلام العشق محبية إلى نفس العاشق ، يتلقاها سعيداً راضياً بها . يقول ابن الفارض :
وما حلّ بي من محنة فهو منحة * وقد سلمت من حلّ عقد عزيمتي 
وكل أذى في الحب منك إذا بدا * جعلت له شكري مكان شكيتي


( 1781 ) قريب من معنى هذا البيت قول ابن الفارض :ولم أحك في حبيّك حالي تبرّما * بها لا ضطراب بل لتنفيس كربتي
( 1782 ) يذكر الشاعر أنه سخر من قلبه الذي شكا من آلام المحبة ، لأنه يعلم أن هذه الآلام من ضرورات المحبة . 


( 1784 ) في حضرة اللَّه ينعدم الزمان والمكان ، ولا يكون هناك من وجود سوى وجوده . يقول ابن العربي : 
“ فاعلم أنك خيال ، وجميع ما تدركه مما تقول فيه “ ليس أنا “ خيال . فالوجود كله خيال في خيال ، والوجود الحق إنما هو للَّه خاصة من حيث ذاته وعينه . . فيما هو عينه هو الحق ، وبما هو غيره هو الحق المتخيل الذي كنا بصدده . فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه ، ولا ثبت كونه إلا بعينه . فما الكون إلا ما دلت عليه الأحدية ، وما في الخيال إلا ما دلت عليه الكثرة . فمن وقف مع الكثرة كان مع العالم ، ومع الأسماء الإلهية وأسماء العالم . ومن وقف مع الأحدية كان مع الحق من حيث ذاته الغنية عن العالمين “ . ( فصوص الحكم ، ص 104 ) . 


( 1787 ) في هذا البيت إشارة إلى الحديث القدسي المشهور عند الصوفية ، الذي يروي أن اللَّه خلق الخلق ليُعرف . يقول ابن العربي : 
“ وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلًا . فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز ، كما هو حد الإنسان إذا كان حياً . وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها ، كذلك جعل اللَّه صورة العالم تسبّح بحمده ، ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في



“ 531 “


العالم من الصور . فالكل ألسنة الحق ، ناطقة بالثناء على الحق . ولذلك قال :” الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ “ *. أي إليه يرجع عواقب الثناء ، فهو المثني والمثني عليه “ . ( فصوص الحكم ، 69 ) . 
( 1789 )  يا صاحب الأمر ! أظهر لنا ذاتك حتى تفنى ذوا تُنا ولا يبقى لنا وجود حسيّيّ . أما “ التنزيه عن الكلام “ الذي ذُكر في هذا البيت ، فالمقصود به أنّ الخالق منزّه عن اللفظ الحسّيّ الذي يألفه البشر . 


( 1795 ) الروح الممزّق ، هو هو الروح الذي أضناه العشق . 


( 1797 ) قول الشاعر “ وقد أحللت له دمي ، وهو يهرب مني “ . 
يشير إلى ما يعانيه الصوفية في المجاهدة سعيا لإفناء الذات الإنسانية في ذات الخالق ، ومع هذا يصعب عليهم تحقيق الفناء . فالصوفيّ “ يحل للحبيب دمه “ أي يطلب الفناء في الحبيب ، لكنّ هذا لا يتحقّق له بصورة دائمة .


[ شرح من بيت 1800 إلى 1950 ] 
( 1806 )  في هذا البيت نظر إلى قوله تعالى :” إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ “. ( مريم ، 19 : 40 ) . 


( 1807 )  قول الشاعر “ لقد أطلّ الصبح “ يمكن أنْ يُحمل على وجهين . أولهما أن النهار قد بدأ يلوح ، وكان من عادة الشاعر أن يملي أشعاره على حسام الدين طوال الليل ، ولا يتوقف عن ذلك إلا عند بزوغ الفجر.
 فهو هنا يرجو اللَّه أن يلتمس له العذر عند حسام الدين وأما الوجه الثاني فيمكن أنْ يفهم منه بزوغ الصبح على أنه إشراق نور اللَّه . وفي ديوان شمس تبريز بيت يعاون على هذا الفهم . يقول فيه الشاعر : 
صبح سعادت دميد ، صبح نه نور خداست ( لقد بزغ صبح السعادة . لا ، إنه ليس بصيح ، بل هو نور اللَّه ) . 
فيكون المعنى أن الشاعر حين تجّلى له نور اللَّه عجز عن المضي في



“ 532 “


إملاء أشعاره . فالتمس من اللَّه الذي ملك عليه حسّه أن يمهد له عذره عند حسام الدين . ويروى عن الشبلي ما يوضح هذا المعنى قال : كتبت الحديث والفقه ثلاثين سنة حتى أسفر الصبح ، فجئت إلى كل من كتبت عنه وقلت : أريد فقه اللَّه تعالى فما كلمني أحد ( اللمع ، ص 487 ) . 


( 1811 ) إن الخمرة المعتقة التي تجيش في دنها لا تعدُّ شيئاً إذا قيس بنا جيشانها ونشوتها . فنحن في نشوة وطرب ، تجيش أرواحنا بصورة تتمناها الخمر . والفلك الدوار الذي يدّبر الكون لا يدنو عقله وتدبيره من عقلنا وتدبيرنا . وكان أبناء القرون الوسطى يعتقدون أن للأفلاك عقولًا تدّبر أمور هذا العالم الدنيوي . 


( 1812 - 1813 ) يميل كثير من الشراح إلى اعتبار هذين البيتين تعبيراً عن قدرة الرجل الكامل ، الذي كان الوساطة في خلق الكائنات . 
ومنهم من يقول إن أجسام البشر خلقت من آدم وأما أرواحهم فخُلقت من روح محمد . ولما كنا قد أخذنا أنفسنا بألا نناقش شروح الغير - لأن ذلك يقتضي إطالة لا نرى لها كبير جدوى - فسنكتفي بذكر هذين التفسيرين . 
ورأيي أن إدخال فكرة الإنسان الكامل ، أو آدم والروح المحمدي هنا مما لا يقتضيه شرح النصّ . والتفسير الأديي هو أن الخمر لا وجود لنشوتها ما لم يستخلص منها الإنسان الحيّ هذه النشوة . فالخمر لا أثر لها على الموتى ولا الجمادات ، وإنما الإنسان الحساس هو الذي يجعل لها هذه الصفة ، ويظهرها لها . 
وكذلك قول الشاعر : “أن الجسم اتخذ وجوده منا . .الخ “ فهذا يشير إلى أن الوجود الحق للإنسان هو الروح التي ينطوي عليها كيانه . أما وجوده المادي فخيال زائل ، لا بقاء له بدون الروح . والروح التي هي الحياة الحق تبني الجسم وتُنميه ، وإن افترقت عنه تحلل كيانه .



“ 533 “


( 1819 ) مما يجعل الإنسان موضعاً لرضى اللَّه ، أن يعمل وأن يبذل في الحياة قصاص جهده . وحتى اليائس يجب ألا يقعده اليأس عن السعي والكفاح . 


( 1822 ) في هذا البيت يدعو الشاعر إلى السعي إلى الكمال ، ويطالب الإنسان بألا يتوانى لحظة واحدة في هذا السعي ، وأن يكرس له كل نفس من أنفاس حياته . 


( 1840 ) من فرّوا إلى كنف الحق من الأنبياء والأولياء تحققت لهم معجزات باهرة ، منها أن اللَّه جعل الماء والنار طوع إرادتهم . وقد ضرب لذلك أمثلة في الأبيات التالية ، ذكر فيها بعض الأنبياء ومنهم نوح الذي أغرق الكفار بالطوفان ، وموسى الذي انشق له البحر وابتلع أعداءه ، وإبراهيم الذي لم تمسسه النار بأذى . 


( 1849 - 1862 ) قصة الببغاء التي رواها الشاعر يتجلى مغزاها في هذه الأبيات . فهي تعالج مضار الشهرة وما يترتب عليها . وقد سبق أن ذكر الشاعر ، في أبيات سابقة - على لسان الببغاء - أن الإنسان يجب عليه أن يفرّ من الشهرة ، ولا يعرض حسنه في المزاد ( انظر الأبيات 1830 - 1835 ) . 
وهو هنا يبيّن الأثر السيء الذي يحدثه الملق في نفس الإنسان ، ويقول : إن الدليل على مضرّة الملق أن الإنسان لو هُجي لأحدث ذلك في نفسه أثراً مؤلماً . 
ورغم أن الإنسان يعلم أن سبب الهجاء هو الحقد الذي يضطرم في نفس صاحبه ، فإنه يتألم ، ويبقى أثر الهجاء في نفسه زمناً طويلًا . وضرر الملق شبيه بذلك ، فالملق ينبعث عن غرض في نفس صاحبه ومع ذلك لا ينفع في إبعاد ضرره أن يكون متلقيه عارفاً بكنهه ، وبالغرض الكامن وراء . 


( 1849 ) إنّ الجسم سجن للروح . وهذا السجن يزداد إيلامه للروح إذا كثر اختلاط المرء بالناس وانشغاله بهم . فهذا يصرفه عن تأملاته الروحية ، ويجعله فريسة لغشّ الناس وخداعهم .







“ 534 “


( 1852 ) “ صاحب العاليمن “ أي صاحب العالم الماديّ والعالم الروحيّ . 


( 1859 ) قول الشاعر : “ وأن طمعه فيك قد أصبح ضرراً لك “ يعني أن الطمع يجعل الإنسان مغرضاً فيميل مع الهوى ، ويرتكب الأذى . 


( 1861 ) بيّن الشاعر هنا الأثر النفسيّ للملق . فهو يكون مصدراً لتكبر الروح وانخذاعها ، وهو ما يحدث لكثير من الناس فيحجب عنهم الحقائق ، ويؤدي إلى هلاكهم في نهاية الأمر . 


( 1867 ) شبيه بمعنى الشطر الأول من هذا البيت قول الشاعرنا العربي خليل مطران .كلّ قوم صانعو نيرونهم * قيصرا قيل له أم قيل كسرىأما الشطر الثاني ففيه دعوة إلى التواضع . وأقوال الصوفية حافلة بذلك . ومن أمثلة ما روي عنهم قول الجنيد : “ ( التواضع ) خفض الجناح وكسر الجانب “ . وقول رويم : “ ( التواضع ) تذلل القلوب لعلام الغيوب “ . ( الكلاباذي : التعرف ، ص 97 ) . 


( 1890 ) النوم بحر عميق يغرق أفكار الناس وعقولهم كل مساء . 


( 1893 ) يتضمن هذا البيت صورة فنية رائعة . فالغراب بريشه الأسود يقف في الخريف فوق الغصون التي تعرَّت من أوراقها ، وينعق فكأنه قد ارتدى ثياب الحداد ، وأخذ ينعي جمال الرياض التي عصفت بها عواصف الخريف . 


( 1896 ) ينتقل الشاعر هنا انتقالًا رائعاً من تأمل أحوال الدنيا إلى تأمل أحوال القلب ، ويدعو الإنسان إلى تأمل ما يعتريه من ازدهار يشبه الربيع ، أو ذبول يشبه الخريف . 


( 1899 ) هذا الكلام الذي يحدّثك به المثنوي منبعث من العقل الكليّ ، وهو يحمل إليك شذى بستان العالم الروحي ، بما حفل به من سرو وسنبل .



“ 535 “


( 1901 ) هذا الشذى الروحيّ الذي تتنسمه هو الدليل الذي يقودك ، فتقتفي أثره ، حتى تصل إلى الخلد والكوثر . 


( 1902 ) هذا الشذى الروحيّ ينير عين القلب ، فيجعلها بصيرة قادرة على التأمل ، كما فعل شذى قميص يوسف ببصر يعقوب . 


( 1903 ) قد تكون “ الرائحة النتنة “ المذكورة في البيت رمزاً للشهوات الدنيويّة التي تعمي بصيرة القلب . 


( 1904 ) إنْ لم تكون أنت صاحب الجمال مثل يوسف ، فكن طالب الجمال مثل يعقوب ، وكن في حرصك عليه ، وافتقادك له حيلف الأسى والشجى مثل يعقوب . 
( 1906 - 1907 ) هذان البيتان مقتبسان بنصهما من ديوان سنائي . 
وقد ذكر الشاعر ذلك ، وبيّن نيكولسون في تعليقه عليمها نصّ قول سنائي . 


( 1908 ) فلا تؤكدّ ذاتك وتُظهر الغرور أمام المحبوب . ولا يكنْ منك سوى الضراعة والحزن والأشواق . 


( 1910 ) الضراعة مع إفناء الذات في المحبة هي المعنى الذي أدركه الببغاء وعمل به ، فأنقذ بذلك نفسه من الحبس . 


( 1910 ) بالضراعة والتأمل تتلقى نفحة إلهيّة تبثّ في روحك الحياة ، وتنفض عنها ما غشيها من تراب الموت في ظلمة المادة . 
.

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: