الاثنين، 3 أغسطس 2020

06 - حكاية ملك يهوديّ آخر سعى للقضاء على دين عيسى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

06 - حكاية ملك يهوديّ آخر سعى للقضاء على دين عيسى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

06 - حكاية ملك يهوديّ آخر سعى للقضاء على دين عيسى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

 حكاية ملك يهوديّ آخر سعى للقضاء على دين عيسى الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

حكاية ملك يهوديّ آخر سعى للقضاء على دين عيسى
[ بناء سنة سيئة ]
وبعد ما أُريق من دم لا مردّ له ، بما ثار من فتنة ذلك الوزير .

740  - قام ملك آخر من نسل ذلك اليهوديّ ، يعمل على إهلاك قوم عيسى .
وإذا كنت تريد خيراً عن ذلك الخروج اليهوديّ الآخر ، فاقرأ
..............................................................
( 1 ) الفتنة التي نشأت من اختلاف الأمراء وحربهم بعد موت الوزير وهي من الوقائع التي ذكرها الشاعر في قصة ملك اليهود الذي اضطهد النصارى .


“ 159 “

سورة” وَالسَّماء ذات الْبُرُوج ““ 1 “ .
إنَّ ذلك الملك الثاني سار على تلك السنّة السئة التي ابتدعها الملك الأوِّل .
وكلِّ من سنِّ سنة خبيثة ، سعى إليه الذمُّ أصبحت كل ساعة .
إن الطيّبين يذهبون وتبقى سننهم من بعدهم ، وأما اللئام فلا يبقى بعدهم سوى الظلم واللعنات .



745  - وكل من يولد من جنس هؤلاء الأشرار - حتى القيامة - فوجهته هؤلاء ( الأقران “ 2 “ ) .
فالبشر يجري أصبحت عروقهم هذا الماء الحلو أو ذلك الماء الملح حتى يُنفخَ أصبحت الصور .
فالطيبون لهم ميراث من الماء الحلو ، وهو المقصود أصبحت قوله تعالى :” أَوْرَثْنَا الْكتابَ ““ 3 “ .
وإن ضراعة الطالبين “ 4 “ - لو تأملتَ - ليست إلا أشعة من شمس النبوّة .
والأشعة تدور مع الجواهر حيث كانت ، فالشعاع يتجه نحو الجانب الذي فيه الجوهر .
...............................................................
( 1 ) يقصد سورة البروج ، وهي من السور المكية ، وقد وردت بها آيات ذكر المفسرون أنها تشير إلى عدوان ذي نواس ملك اليمن اليهوديّ على نصارى نجران وإهلاكهم بإلقائهم في النار . وهذه الآيات هي : “ قتل أصحاب الأخدود ، النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود ، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود “ . ( 85 : 3 - 6 ) .
أنظر أيضاً : المسعودي مروج الذهب ، ج 2 ص 77 ، ( القاهرة ، 1958 ) .
( 2 ) أمثاله من الأشرار .
( 3 ) في هذا البيت اقتباس من قوله تعالى : “ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ، فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد ، ومنهم سابق بالخيرات باذن اللَّه ذلك هو الفضل الكبير “ .  ( 35 : 31 ) .
( 4 ) الذين ينشدون ربهم ويسعون إليه .


“ 160 “

 
750  - ونور النافذة يدور بسرعة حول الدار ، وذلك لأن الشمس تمضي من برج إلى برج .
وكل من كان له ارتباط بأحد الكواكب ، فإنه يوافق كوكبه في الصفات .
فمن كان طالعه الزهرة فان ميله الكليّ وعشقه وطلبه إنما هو للطرب .
ومن كان طالعُه المريخ فطبعُه إراقةُ الدماء ، فهو يبحث عن الحرب والخصومة والبهتان .
ووراء هذه الكواكب كواكبُ أخرى ، لا احتراق فيها ولا نحس .


755 - وتلك الكواكب تمضي أصبحت سماوات أخرى ، غير تلك السماوات السبع المعروفة .
وهي راسخة أصبحت وهج أنوار اللَّه ، وليس بينها ارتباط ولا انفصال .
وكل من كان طالعُه تلك النجوم ، فان نفسه تحرق الكفار بالرجوم .
وليس غضب هذا كغضب من طالعه المريخ ، ( الذي يكون ) منقلب السلوك ، وطبعه يكون حيناً غالباً وآخر مغلوباً .
إن النور الغالب أصبحت مأمن النفص ، ( لا يتطرق اليه ) الغَسَقُ لأنه بين إصبعي نور الحق .
 

760 - ولقد نثر الحق ذلك النور على الأرواح ، ولكنّ السعداء وحدهم هم الذين رفعوا أطراف ثيابهم ( لتلقيّة ) .
فكلّ من وجد ذلك النثار من النور ، فقد حول وجهه عن غير اللَّه .
وأما من لم يكن له حجْر مُشْرَبُ بالعشق ، فقد مضى بلا نصيب من ذلك النور المثنور .
إن الأجزاء لتتطلع إلى كلهّا ، والبلابل تلعب مع الوردة لعبة العشق .
 

“ 161 “

 
واللون الظاهريّ يكون للثور ، أما الانسان ففتِّش في باطنه عن الألوان ، من أحمر وأصفر .
 

765 - والألوان الجميلة تجيء من وعاء الصفاء ، وأما لون الأشرار فمن ماء الجفاء الأسود .
واسم هذا اللون اللطيف صبغةُ اللَّه “ 1 “ ، وأما ذلك اللون الكثيف فرائحته لعنةُ اللَّه .
وكل ما جاء من البحر فإنّه إلى البحر يعود ، وبهذا يرجع من حيث أتى .
فمن قمم الجبال تمضي السيولُ المندفعة ، ومن أجسامنا تمضي الأرواحُ الممتزجةُ بالعشق .

كيف أشعل ملك اليهود ناراً ووضع بجوارها صنماً

( وقال ) : “ إنّ كلّ من سجد لهذا الصنم نجا من النار “
والآن فتأمل هذا التدبير الذي ارتآه هذا اليهودي الضاري : إنّه أقام إلى جانب النار صنماً .


770 - ( وقال ) : “ من سجد لهذا الصنم نجا ، وأما من لم يسجد فإنّه يجلس أصبحت قلب النار “ .
فهذا الملك لما لم يُوقع بصنم النفس ما هو أهلُ له من جزاء ، ولد من صنم نفسه صنمُ آخر .
...............................................................
( 1 ) قال تعالى أصبحت سورة البقرة “ صبغة اللَّه ومن أحسن من اللَّه صبغة ونحن له عابدون “ . ( 2 : 137 ) .


“ 162 “

إنّ أمّ الأصنام صنم نفسك ، ذلك لأنّ الصنم المادي ثعبان ، وأما صنم النفس فتنيّن .
إنّ النفس كالحجر والحديد ( معاً ) ، بهما تُقدح النار ، والصنم هو الشرر ، وهذا الشرر يطفئه الماء .
ولكنْ كيف للماء أن يطفىءَ الحجر والحديد ؟ “ 1 “ وكيف للإنسان مع هذين أن يجد الأمان ؟


775 - إنّ الصنم ماء أسود أصبحت كوز ، والنفس هي النبع الذي صدر منه هذا الماء .
وذلك الصنم المنحوت شبيهُ بسيل أسود ، والنفس صانعةُ الأصنام عين ممتلئة بالماء يصدر منها السبيل .
إنّ قطعة واحدة من الحجر تكسر مائة وعاء للماء ، ولكنّ ماء النبع يظلّ يفيض دون إبطاء .
فكسرُ الصنم أمر يسيرُ بالغ اليسر ، وأما استسهال السيطرة على النفس فجهل وأيُّ جهل ! 
فإنْ كنت يابنيّ تبحث عن صورة النفس فاقرأ قصة جهنم ذات الأبواب السبعة .


780 - ففي كلّ الحظة للنفس مكر ، وكلّ مكر يغرق مائة فرعون مع أتباعهم .
فاهرب إلى إله موسى ، وإلى موسى ، ولا تُرقْ ماء الإيمان بطبيعة فرعونية .
واربط يدك بالإله الأحد ، وبأحمد ، وتخلص يا أخي من “ أبي جهل “ البدن “ 2 “ .
...............................................................
( 1 ) يقصد النار الكامنة فيهما .
( 2 ) تخلص من البدن الحسيّ المظلم الشبيه بأبي جهل . وأبو جهل هو أبو الحكم عمرو بن هشام . وكان من الكفار الذين أظهروا للرسول عناداً وعداوة مريرة أثناء قيامه بالدعوة أصبحت مكة .

“ 163 “

كيف بدأ طفل يتكلم في وسط النار ويحرّض الناس على إلقاء أنفسهم فيها

لقد أحضر هذا اليهوديّ امرأة وطفلها أمام ذلك الصنم ، وكانت النار مضطرمة .
وأخذ الطفل منها ، ورماه أصبحت النار ، فخافت المرأة وانتزعت قلبها من الإيمان .


785 - وأرادت أن تسجد أمام الصنم ، لكنّ الطفل صاح : “ إني لم أمت .
فتعالي هنا يا أميّ فإنّي بخير ، وإن كان ظاهري أنّني وسط النار ! 
إنّ هذه النار حجاب للعين ، يمنع عنها الرؤية ، فها هي ذي الرحمة قد أطلّت من الخفاء “ 1 “ .
فتعالي يا أميّ ، وانظري برهان الحقّ . ( انظري ) لتشاهدى سعادة أصفياء الحقّ ! 
تعالي وانظري الماء الذي يتبدّى لك ناراً ، ودعي هذا العالم الذي هو نار تبدو كالماء !

790 تعالي وانظري أسرار إبراهيم الذي وجد أصبحت النار السرو الياسمين “ 2 “ .
لقد رأيت الموت ساعة مولدي منك ، وكان خوفي عظيماً إذ كنت أنفصل عنك .
...............................................................
( 1 ) الترجمة الحرفية : فها هي ذي الرحمة قد رفعت رأسها من جيبها .
( 2 ) ذلك لأن إبراهيم ألقي أصبحت النار ولم يحترق ، بل كانت النار عليه برداً وسلاماً .


“ 164 “

وعندما ولُدت ، خلصت من حبس ضيّق إلى عالم طيِّب الهواء جميل الألوان !
وإنني الآن أرى العالم مثل الرحم ، بعد إذ رأيتُ أصبحت النار هذه السكينة .
لقد رأيت أصبحت هذه النار عالماً أصبحت كلّ ذرة منه نفَسُ عيسى ( الذي يهب الحياة ) .


795   رأيت عالماً صورته العدم ، وجوهره الوجود ، وعالم الدنيا ظاهره الوجود ، ولكنّه لا ثبات له .
تعالي يا أميّ بحقّ الأموته ، وانظري كيف أنّ هذه النار لا نارّية فيها ! 
أقبلي يا أميّ فقد أقبلت السعادة ، أقبلي يا أميّ ولا تدعي الحظّ يُفلت من يديك ! 
لقد رأيت قدرة ذلك الكلب ( ملك اليهود ) ، فتعالي وانظري قدرة لطف اللَّه .
إنَّني أسحب قدمك إلى هنا رحمة بك ، وإلا فإني أصبحت طرب ( يصرفني ) عن العناية بك .
 
800 - أقبلي ، وادعي الآخرين ( للحضور ) معك ، فإنّ الملك الحقّ قد أقام في النار الخُوان .
بل أَقبلوا أيها المؤمنون جميعاً ، فكلّ شيء سوى هذه العذوبة عذاب ! 
أَقبلوا جميعاً مثل الفَراش ! أقبلوا إلى ذلك الحظّ ، فهنا مائة ربيع ! “ .
كان الطفل يصيح على تلك الوتيرة وسط الجمع ، فامتلأت قلوب الناس رهبةً وخوفاً .

“ 165 “

فأخذ الخلق من رجال ونساء - بدون وعي منهم - يلقون بأنفسهم في النار .


805 - لم يكن هناك مُوكَلّ ( يدفعهم ) ولا جذبُ ( إلى النار ) .
وإنما هو عشق الحبيب ، ذلك الذي يجعل كلّ مرّ حلو المذاق .
حتى أخذ أعوان الملك يمنعون الخلق ( قائلين ) : “ لا تُلقوا بأنفسكم في النار ! “ .
واسودّ من الخجل وجه ذلك اليهوديّ ، واعتراه من جرّاء ذلك الندمُ ، واعتلال القلب .
فقد أصبح الخلق بالإيمان أكثر عشقاً ، وصار عزمُهم على إفناء الجسم أكثر صدقاً ! 
فشكراً للَّه وحمداً ، فإنّ الشيطان قد وقع حبائل مكره ، ورأى ذلك اللعين نفسه وقد اسودّ وجهُه .

810 - لقد تَجمَّع فوق وجه ذلك الشيطان الخسيس كلّ ما كان يمسحه على وجوه الناس ( من عار ) .
وسرعان ما التأم كلّ ما مزقه من ثياب الخلق ، وأما هو فتشققت ثيابه “ 1 “ .

كيف التوى فم الرجل الذي ذكر محمداً عليه السلام بسخر واستهزاء

لقد لوى فمه وذكر اسم محمد ساخراً ، فبقى فمه معوجاً ! فعاد وقال : “ يا محمد ! اعف عني ، يا من ملكت ألطاف العلم اللدنيّ !
...............................................................
( 1 ) أي سرعان ما سلم الخلق مما أحلقه بهم من فضائح وأما هو فافتضح أمره .


“ 166 “

لقد كنت أسخر منك لجهلي ، وإني أنا المنسوبُ للسخرية ، الجدير بها “ .

815 - إنّ اللَّه - لو أراد أن يمزّق ستر إنسان - جعله يميل إلى الطعن في أهل الطهر .
وإنْ أراد أن يستر عيب إنسان ، وقاه الخوض فيما يقترفه أهل العيب .
وإن شاء أن يعاوننا جعلنا نميل إلى الحزن والشجى .
فما أهناً العين التي تبكي من أجله ، وما أسعد القلب الذي يحترق في سبيله .
وكل بكاء عاقبتُه الضحك ، والبصير بالعواقب عبد مبارك .

820 - فأينما وُجد الماء الجاري وُجدت الخضرة ، وحيثما وُجد الدمع المنهمر وجدت الرحمة .
فكنْ مثل الساقية باكياً مبتل العينين حتى تنبت الخضرةُ في رحاب روحك .
وإن أردت الدموع ، فرفقاً بمن تفيض منه الدموع . وإن أردت الرحمة ، فارحم الضعفاء .

كيف عاتب ملك اليهود النار


لقد اتجه الملك إلى النار وقال : “ أيتها الحادة الطبع ! أين طبعك الذي من شأنه أن يحرق الدنيا ؟
كيف لا تحرقين ؟ وأين خصائصك ؟ أم هل انعكست نيّتك ( لسوء ) طالعنا ؟

825  إنك لا ترحمين عابدك ، فكيف نجا منك من لا يعبدك ؟


“ 167 “

ولم تكوني قطّ أيتها النار صابرة ، فكيف لا تحرقين ؟ ما شأنك ؟
ألم تعد لك قدرة ؟
عجباً لهذه النار المشتعلة العالية ! كيف لا تحرق ؟ أفوق عيني غشاوة ، أم على عقلي حجاب ؟
أصنع إنسانُ بك السحر أو السيمياء ؟ أم أنّ طالعنا جعلك على خلاف طبعك ؟ “ .
فقالت النار : “ إننّي لم أتبدل ! أنا النار ! فادخل الآن فىّ لتشعر بضرامي !

830 وطبعي لم يتغيّر ولا عنصري ! أنا سيف الحق أقطع بإذنه ! إنّ كلاب التركمان تمرح وادعة على باب الخيمة أمام الضيوف .
ولكن إذا مرّ أمام الخيمة غريب الوجه ، تعرّض لحملة من الكلاب تشبه حملة الأسود .
وأنا لست أقلّ طاعة من الكلب ، ولا الحقّ بأقلّ حياة من التركيّ “ .
فإذا كانت نار طبعك تبعث الغمّ أصبحت نفسك ، فإنّها تحرقك بأمر مليك الدين .

 
835  وإن كانت نار طبعك تبعث أصبحت نفسك السرور ، فإنّ مليك الدين قد وضع فيها السرور .
وإذا أصابك الغمّ فاستغفر اللَّه ، إنّ الغمّ جاءك بأمر اللَّه فلا تقف جامداً .
فهو إذا شاء صار الغم سروراً ، وأصبح القيد أصبحت القدمين حرية وانطلاقاً ! 
فالهواء والتراب والماء والنار من عُبّاده ، وهذه تبدو ميّته لي ولك ، وأما بالنسبة للحقّ فهي حيِّة .
والنار قائمة على الدوام أمام الحق ، تتلوى كالعاشق بالليل والنهار .


“ 168 “


840 - فإذا ضربت الحديد بالحجر قفزت النار ، فهي تخرج منهما بأمر اللَّه .
فلا تضربُ حديد الظلم بحجره ، فإنَّ هذين ينجبان كما ينجب الرجل والمرأة .
والحجر والحديد يمثّلان السبب ( المباشر ) ، ولكن تطّلع أيّها الرجل الطيّب إلى ما أعلى من ذلك ! 
فإنّ هذا السبب قد أحدثه سبب آخر ، وإلا فبدون المسبّب ، كيف يجيء السبب من تلقاء نفسه ؟
وهذه الأسباب التي تهدي الأنبياء ، أسمى من تلك الأسباب ( الظاهرية ) .
 

845 - والسبب ( الروحيّ ) يجعل السبب ( الظاهريّ ) عاملًا فعالًا في بعض الأحيان ، وأصبحت أحيان أخرى يجعله عاطلًا لا ثمرة له .
وهذا السبب الظاهري تألفه عقول ( عامة البشر ) ، وأما الأسباب ( الروحيّة ) فلا يألفها إلا الأنبياء .
وهذا السبب ما معناه بالعربيّة ؟ قل إنه رسن وأنّ هذا الرسن تدلّى أصبحت تلك البئر بفنّ ( وتدبير ) .
ودوران الفلك علة لهذا الرسن ، وإنه لخطأ ألا ترى مدير الفلك .
فحذار أن تنظر إلى حبال الأسباب أصبحت هذه الدنيا على أنِّها من هذا الفلك الدائر الرأس .


850   وإلا بقيت صفر الوفاض ، دائر الرأس كالفلك ، واحترقت لخوّك من اللبّ ، كما يحترق خشبُ المرخ .
إنّ الهواء يصبح ناراً بأمر الحقّ ، وكلّ منهما سكران من خمر الحق .
وإنك لترى يا بنيّ - إذا أحسنت النظر - أنّ ماء الحلم ونار الغضب هما من اللَّه .
ولو لم تكن روح الريح عارفة بالحقّ ، فكيف كانت تفرق بين ( المؤمنين والكفار ) من قوم عاد .
 

“ 169 “
قصة الريح التي أهلكت قوم عاد في عهد هود


لقد رسم هود حول المؤمنين خطاً ، وكانت الريح ترقّ عندما تصل إلى هذا الخطّ .
 

855   وأما جملة الخارجين عن هذا الخطّ ، فكانت الريح تمزقهم إرباً في الهواء .
وهكذا كان شيبان الراعي ، يرسم خطاً حول قطيعه .
وذلك حينما كان يذهب للصلاة يوم الجمعة ، حتى لا يجيء الذئب فيغير عليه .
فما كان ذئب يدخل تلك الدائرة ( المرسومة ) ، ولا كان حمل يخرج منها ! 
فكانت دائرةُ رجل اللَّه قيداً لريح الحرص عند الذئب ، وعند الحمل .


860 وهكذا تكون ريح الأجل مع العارفين ، إنها رقيقة طيبة كنسيم البستان “1 “.
إنّ النار لم تنشب أنيابها في إبراهيم . وكيف كانت تنهشه وهو الذي اختارة الحقّ ؟
إنّ نار الشهوة لم تُصب أهل الدين ، ولكنها هبطت بمن عداهم إلى قاع الثرى .
...............................................................
( 1 ) فضلنا قراءة الشطر الثاني من هذا البيت : “ نرم وخوش همچون نسيم بوستان “ ، وهي التي وردت في النص الفارسي من المنهج القوي على قراءة نيكلسون : “ نرم وخوش همچون نسيم يوسفان “ .


“ 170 “
 
وموجُ البحر - إذ تدفق بأمر اللَّه - ميَّز بين قوم موسى ، وبين أهل مصر .
والأرض - عندما جاءها الأمر - سحبت قارون بذهبه وعرشه إلى قاعها .

 

865  والماء والطين - حينما ارتويا من أنفاس عيسى - انبثقت لهما قوادم وخوالف ، وأصبحا طائراً يحلق “ 1 “ .
وما تسبيحك إلا بخار الماء والطين ، وقد صار هذا طائر الجنة لما نفخ فيه القلب الصدوق .
ولقد رقص جبل الطور لما رأى نور موسى ، وأصبح صوفياً كاملًا ، وبرئ من النقص .
وأيّ عجب إذا صار الجبل صوفياً عزيزاً ، أو لم يُخلق جسمُ موسى أيضاً من قعطة طين ؟

سخرية ملك اليهود وانكاره ورفضه نصح خواصه

لقد رأى ملك اليهود هذه العجائب - ومع هذا - لم يكن منه سوى السخرية والإنكار .

 

870  فقال له الناصحون : “ لا تجعل هذا الأمر يجاوز حدّه ، ولا تدفع بمركب العناد إلى مثل هذا المدى ! “
...............................................................
( 1 ) إشارة إلى إحدى معجزات عيسى . فقد كان يصنع من الطين أشكالًا على هيئة الظير ثم ينفخ فيها فتصير طيراً .
وقد ورد ذكر هذه المعجزة في أماكن عديدة من القرآن ومنها قوله تعالى في سورة آل عمران “ ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن اللَّه “ . ( 3 : 49 ) .


“ 171 “
 

ولكنه قَيّد أيدي الناصحين ، وألقى بهم في السجن ، فارتكب بذلك ظلماً فوق ظلم .
وعندما بلغ الأمر ذلك الحدّ جاءت صيحةُ تقول : مكانك أيها الكلب فقد جاء انتقامنا ! 
“ فارتفع لهيبُ النار بعد ذلك أربعين ذراعاً ، ثم طوقت هؤلاء اليهود وأحرقتهم .
لقد كان ابتداءُ أصلهم من النار ، وها هم أولاء قد انتهوا إلى أصلهم !


875  إنّ هذا الفريق كان قد ولُد من النار ، وها هي ذي الأجزاء قد اتجهت إلى كلّها .
لقد كان هذا الطريق ناراً لهيبها يأكل المؤمنين ، وها هي ذي نارهم تأكل نفسها ، كما يحترق الهشيم ! 
وكلّ من كانت أمّه الهاوية أصبحت له الهاوية “ 1 “ زاوية وسكناً .
إنّ أمّ الولد دائمةُ البحث عنه ، والأصول طالبة لفروعها .
والماء إنْ احتبس في حوض ، جففته الريح ، لأنه من العناصر الأولى .
 

880  فالريح تخلصه ، وتحمله إلى معدنه رويداً رويداً ، وأنت لا تبصر فعلها ! 
وعلى هذا النحو تستلب أنفاسنا أرواحَنا رويداً رويداً من حبس هذه الدنيا .
فإليه يصعد اطيابُ الكلم * صاعداً منا إلى حيث علم “ 2 “
ترتقي أنفاسنا بالمنتقى * مُتْحَفاً منا إلى درا البقا
...............................................................
( 1 ) الهاوية اسم لجهنم . قال تعالى في سورة القارعة : “ وأما من خفَّت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه ، نار حامية “ ( 101 : 7 - 11 ) .
( 2 ) هذا البيت والأبيات الأربعة التي تليه من نظم جلال الدين بالعربية . ويتجلى بوضوح ضعف شعره العربيّ إذا قورن بشعره الفارسي .


“ 172 “

ثم تأتينا مكافاةُ المقال * ضعْف ذاك رحمةً من ذي الجلال


885  ثم يلجينا إلى أمثالها * كي ينال العبدُ مما نالها .
هكذا تعرجْ وتنزلْ دائماً * ذا فلا زلت عليه قائما
وتفسير ذلك “ 1 “ : إنّ هذا الجذب يجيء من ذلك الجانب الذي وقع فيه الشراب .
فكلّ قوم يتّجهون بأعينهم إلى ذلك الجانب ، الذي تحققت لهم فيه - ذات يوم - إحدى اللذّات .
ومن اليقين أن ذوق كلّ جنس يكون من جنسه ، وكذلك يكون ذوق الجزء من كله ، فتأمل !
 

 890 الا ما كان من الأجناس قابلًا الاتّحاد بغيره ، فإنّه ، عندما يتحد بالغير ، يصبح من جنسه .
ومثال ذلك الماء والخبز ، لم يكونا من جنسنا ، فصارا من جنسنا وزادا في كياننا ! 
فالماء والخبز ليست لهما صورتنا الجنسية ، ومع هذا ، فلتعدّهما من جنسنا باعتبار مآلهما آخر الأمر ! 
وإذا كان لنا ميل لغير جنسنا فلعلّ ذلك لأنّه يشبه جنسنا .
وكلّ مشابهة ( ظاهرَّية ) تكون عارية “ 2 “ ، والعارية لا تبقى في عاقبة الأمر .


895   فالطير مهما أعجبها الصفير ، تفزع وتفرّ ، أنّ لم تجد ( صاحبه ) من جنسها .
...............................................................
( 1 ) حرفياً : والمعنى بالفارسية . . . . .
( 2 ) العارية هنا الشيء المستعار والمراد أنّ كل مشابهة ظاهرية ليس لها حقيقة ثابتة ولا وجود ثابت .


“ 173 “

والظمآن يعجبه السراب ، ولكنّه - حين يصل إليه - يهرب منه ، ويبحث عن الماء .
ومهما سعد المفلسون بالذهب الزائف ، فإنّ أمره ( لا محالة ) يفتضح في دار الضرب .
فحتى لا يصرفك الذهب الزائف عن الطريق ، وحتى لا يلقي بك الخيال المعوجّ في بئر ( المهالك ) ، 

اطلب تلك القصة في كتاب كليلة ودمنة ، وانشُد ما اشتملت عليه من عظة .

( 746 ) البشر تجري في عروقهم دماء الصلاح والاستقامة أو دماء الفساد ، حتى ينفخ في الصور . 

( 748 ) كل ضراعة يتوجه بها الصالحون إلى ربهم ليست إلا أشعة من شمس النبوة بمعنى أنها انعكاس لسيرة الرسول وتعاليمه التي أشعلت في في قلوبهم محبة الخالق . 

( 749 ) هؤلاء الصالحون دائرون في فلك الحقيقة المحمدية . فهم كالأشعة التي تدور مع الجوهر ، وتتجه إلى حيث يكون .

[ شرح من بيت 750 إلى 900 ] 
( 750 ) وكما أنّ الشمس تنتقل من برج إلى ، برج ، فيتبعها النور وينتقل في أثرها ، كذلك النور المحمدي ، يشرق على البشر في مختلف البقاع . 

( 751 - 759 )  في هذه الأبيات يذكر الشاعر بعض الكواكب وما كان يتصل بها من أفكار عن أحكام النجوم ، وتحكم كل كوكب فيمن يرتبط طالعهم به .
ولكنه ينتقل من ذلك إلى الحديث عن آفاق الروح ، التي تشرق بها كواكب قد خلت من النحس ، كواكب راسخة في وهج أنوار اللَّه ، تكون طوالع سعد لمن بلغوا تلك الآفاق الروحية ، ونقمة على أعدائهم . 

( 759 ) النور الغالب هو نور قلب المحب الواصل . وهذا النور

“ 493 “

يكون آمناً من النقص ، فالظلمة لا تستطيع النفوذ إلى قلب أصبح بين إصبعي الحق . 

( 760 ) يُنسب إلى الرسول عليه السلام أنه قال : “ إن اللَّه خلق الخلق في ظملة ثم رش عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضلّ عن سواء السبيل “ . 

( 762 ) كل من كتب له أن يكون محروماً من نعمة المحبة الإلهية فقد حُرم من ذلك النور الذي نثره اللَّه على العباد . 

( 763 ) إنّ العشق هو المحرّك للأجزاء ، يدفعها إلى كلها الذي صدرت عنه ، كما أن العشق هو الذي يحرك البلابل فيجعلها تبثّ الورود أشواقها . 

( 764 - 765 ) هذان البيتان من أروع ما كتب جلال الدين . فهو يذهب إلى تقدير الناس - لا بحسب ألوانهم الظاهرة - وإنما وفق قيمتهم الحقيقية ، فاللون الحقيقي هو لون الباطن ، لون القلب والضمير ، لا لون الجلد . واللون الجميل هو لون الصفاء والصدق والاستقامة وأما اللون القبيح فهو لون الشرور والآثام . 

( 766 ) اللون اللطيف هو لون قلوب المؤمنين والعارفين . فهو صبغة اللَّه التي صبغ بها هذه القلوب . 
أما اللون الكثيف المظلم الذي اصطبغت به قلوب الكفار والجاحدين فتفوح منه لعنة اللَّه . 

( 767 - 768 ) إنّ الأرواح في الأصل فاضت عن الواحد . وهي لا بد عائدة إليه ، منطلقة نحوه ، يدفعها إلى الحب والحنين . 
وشبيه بذلك تلك الأمواج التي تصدر عن البحر ثم تعود إليه في نهاية الأمر . 


( 769 - 770 ) إن الملك اليهودي المذكور بهذه القصة ، تطابق أوصافه وأفعاله يوسف ذا نواس ملك حمير الذي أحرق النصارى بنجران في أخذود أشعل به النار ، فسمّوا أصحاب الأخدود . 
ولكن من المشا كل التي تحتاج هنا إلى تفسير أنّ الشاعر وصف الملك بأنه يهودي ،

“ 494 “

ولكنه عاد فنسب إليه أنّه نصب إلى جانب النار صنماً ، وأمر الناس بالسجود له . وليس من اليهودية في شيء عبادة الأصنام . فهل كان هذا الملك الحميري غير متعمق في دينه ، فأبقى على بعض مظاهر الوثنية ؟ 
ومن الممكن أيضاً أنْ يكون الصنم المقصود هنا رمزاً للهوى الذي سيطر على الملك ، فحاول أن يخضع الناس له . وهذا المعنى الرمزي يتضح في البيت التالي

( 771 ) وفيه يقول : “ إنّ الملك - لما لم يوقع بصنم النفس ما هو أهل له من الهلاك - تولّد من صنم نفسه صنم آخر “ . وقبل ذلك قال القشيري : “ وصنم كل إنسان نفسه فمن خالف هواه فهو فتى على الحقيقة “ . ( الرسالة ، ص 103 ) . 

( 772 ) النفس هي أم الشرور والآثام . هي التي تصنع للإنسان الأصنام وتدفعه إلى تقديسها . ومن الأصنام ما هو ماديّ ، ومنها ما هو معنوي . وكلها لا خطر لها لولا تعلّق النفس بها . 

( 773 - 774 ) في هذين البيتين صورة جميلة تبين انبثاق الشرور من النفس . 
فقد شبّهها الشاعر بالحجر والحديد اللذين تتولد النار من احتكاكهما . 
فالشرر المنبثق يمكن اطفاؤه بالماء . ولكن هل يستطيع إنسان أنْ يطفئ النار الكامنة في كل من الحجر والحديد ؟ 

( 775 ) الصنم قدر محدود من الشر يمكن القضاء عليه ، أما النفس فنبع يفيض بالشرور ، فهي التي صنعت الصنم وما شاكله . 

( 778 ) يصل الشاعر هنا إلى النتيجة التي قدّم لها في أبياته السابقة على هذا البيت ، وهي أنّ الصنم يمكن التخلص منه . ولكنّ الصعوبة هي في السيطرة على النفس وإخضاعها . ( انظر ما كتبه الجيلي عن النفس في كتاب الإنسان الكامل ص 39 ) ، وقد قدم لحديثه عنها بقوله : “ إنّها محتد إبليس ومن تبعه من الشياطين من أهل التلبيس “ . 

( 779 - 780 ) ينتقل الشاعر هنا إلى الحديث عن أثر النفس بعد أنْ تكلم عن طبيعتها . إنّها مهلكة كجهنم ذات الأبواب السبعة . ولها في

“ 495 “

كل لحظة مكر يهلك مائة فرعون مع أتباعهم . وفي هذا إشارة إلى قصة فرعون مع موسى ، ومحاولته القضاء على موسى ، وهلاكه هو وأتباعه من جراء تلك المحاولة التي دفعته إليها نفسه المتكبرة ، العنيدة الكافرة . 


( 785 - 793 ) جاء في قصة أصحاب الأخدود ما يلي ، “ وكانت امرأة قد أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاثة أحدهم رضيع ، فقال لها الملك أترجعين عن دينك ، وإلا ألقيتك أنت وأولادك في النار ، فأبت ، فأخذ ابنها الأكبر فألقي في النار ، ثم أخذ الأوسط ، وقال لها ارجعي عن دينك ، فأبت ، فألقي أيضاً في النار ، ثم أخذ الرضيع وقال لها ارجعي فأبت ، فأمر بالقائه في النار ، فهمت المرأة بالرجوع . فقال لها الصبيّ الصغير : يا أماه ! لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحقّ ، ولا بأس عليك ، فألقي الصبيّ في النار وأمه على أثره “ . ( قصص الأنبياء للثعلبي ص 496 ) . 
والقصة كما رواها جلال الدين تختلف عن ذلك . 

فحوادث القصة عند جلال الدين تقتصر على إلقاء الصبيّ في النار . ولكنّ الشاعر أجرى على لسان الصبيّ 
- بعد أن أُلقي في النار 
- مجموعة من الأبيات الرائعة ، حافلة بالصور والعاطفة الجيّاشة المعبرة عن روعة الفداء ، وجمال التضحية في سبيل العقيدة والمبدأ . 

وقد اتخذ الشاعر من الاحتراق بالنار هنا رمزاً لإفناء الذات . فهذا قد يبدو صعباً عسير المنال ، مخوفاً ، ولكنّه في نظر الصوفية سعادة لا تعدلها أيّة سعادة دينوية . فكما أنّ الرحم يكون عالم الجنين قبل أن يولد في هذه الدنيا الواسعة ، فكذلك هذه الدنيا - إذا قيست بعالم الروح الذي ينتقل إليه الأصفياء بعد المات - بعد سجناً ضيّقاً ، شبيهاً بالرحم إذا قيس بهذه الدنيا الواسعة .

“ 496 “

( 794 ) الفناء عن الذات وروابهطا المادية كشف له عالماً رحباً فسيحاً حافلا بالحياة . 
( 795 ) هذا العالم الذي تكشّف له - بإفناء الذات - يبدو لأهل الدنيا عدماً ، مع أنّه هو الوجود الحقيقي . 
وعلى العكس من ذلك تخدع الدنيا من يتمسكون بها فيحسبون أنّها هي الوجود الحقّ ، وليست من ذلك في شيء . إنّها مظهر خادع لا دوام له لأنّ مآلها إلى الفناء

( 800 ) إنّ اللَّه قد أعدّ السعادة والنعيم لمن خلصوا من وجودهم الدنيوي وأقبلوا إلى الخالق بقلوب صادقة ، ونفوس راضية مطمئنة ، وأرواح متعشّقة لجماله .
 
( 812 ) يقول البلاذري : “ وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد اللَّه عن الزهري ، وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده ، وفي أحد الحديثين زيادة على الآخر ، فسقتهما ،
ورددت بعضهما على بعض : إن الحكم بن أبي العاص بن أمية عم عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، كان جاراً لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية ، وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة ، وكان مغموصاً عليه في دينه فكان يمر خلف رسول اللَّه فيغمز به ويحكيه ، ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلى قام خلفه وأشار بأصابعه فبقي على تخليجه وأصابته خبلة “ . ( أنساب الأشراف ، ح 5 ، ص 27 ، 125 ، القدس ، 1936 “ .


وقد بقي منفياً من المدينة طيلة حكم أبي بكر وعمر ، ثم عاد إليها في خلافة عثمان .
وقد هجا عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري مروان بن الحكم بقوله :إن اللعين أباك فارم عظامه * إن ترم ترم مخلّجا مجنوناً
 
“ 497 “


( 817 - 822 ) عقد القشيري بابا للحزن في رسالته . وقد أورد فيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الحزن . وبيّن أنّ الصوفية يعدون الحزن لوناً من الخشوع والإيمان . ومما ذكره القشيري من أقوال الصوفية أن رابعة العدوية سمعت رجلًا يقول : « واحزناه » ، فقالت : « قل واقلة حزناه ! لو كنت محزوناً لم يتهياً لك أن تتنفس ! » وقال سفيان بن عيينة : « لو أن محزوناً بكى في أمة لرحم اللَّه تعالى تلك الأمة ببكائه » .
والحزن عند الصوفية من أهم الرياضات التي يجب أخذُ النفس بها .
يقول الترمذي .


وفي الجملة ينبغي أن يتفقد ( الإنسان ) كل حال وكل أمر للنفس فيه فرح واستبشار ، من نعمة أو وجود لذة أو أنس بشيء ، فيقطعه عنها ، وأنه كلها هويت النفس شيئاً أعطاها فرحت به ، فينبغي أن يمنعها ولو شربة من ماء بارد تريد أن تشربها . فيمنعها من تلك الفورة التي تشوفت لوجود بردها ولذتها ، حتى تكسن تلك الفورة ، وينغِّص عليها ، ثم يسقيها بعد ذلك حتى يملأها غماً ويوقرها هماً ، لأن من شأنها إذا حبس عنها الفرح بهذه الأشياء وبهذه الأحوال ، فكأنه يصيرها في سجن ، فيتقرب إلى اللَّه عز وجل بغمها وهمها ، فيجعل اللَّه عز وجل ثوابه نوراً على القلب . . » ( الرياضة وأدب النفس ، ص 62 ) .
 
وقد غلبت طبيعة الحزن على كثير من الفنانين . ومن أحزان هؤلاء شهد العالم كثيراً من روائع الفن العالمي .
وقد أبدع أوسكار وايلد التعبير عن ذلك في كتابه « من الأعماق » deprofundis ومن أقواله في ذلك :
" فحيثما يكون الحزن فهناك حرم مقدّس . وسوف يعلم الناس ذات يوم مدلول هذا القول . ولن يحيطوا علماً بشيء في الحياة مالم يعرفوا ذلك " ..
....................................................................

( 825 ) المجوسي يعبد النار ولكنها مع ذلك تحرقه لو أنه اقترب منها .
 
 
“ 498 “
 
وشبيه بهذا ما قاله سعدي في الگلستان ( الباب الأول ، القصة 16 ) :اگر صد صد گبر آتش فروزد * چو يك دم اندر آن افتاد بسوزدومعناه : “ لو أن المجوسي يشعل النار مائة عام ، فإنها - رغم ذلك - تحرقه لو وقع فيها لحظة واحدة “ .
 
( 834 ) النار التي تبعث الغم في النفس ، وتحرقها هي نار الحقد والشهوات والأهواء الدنيوية .
 
( 835 ) النار التي تبعث السرور في النفس هي نار المحبة ، وهي عند الصوفية مصدر السعادة ، فكلما ازدادت حدَّتها زاد اقترابهم من هدفهم المنشود .
( 838 ) سبق الشاعر أن تحدّث عن إدراك الجماد ( انظر البيتين رقم 512 ، 513 ) .
وقد ذكر الشاعر قصصاً يدلل بها على أن الإدراك ليس مقصوراً على الإنسان منها قصة الريح التي أهلكت الكفار من قوم عاد ، على حين أنها لم تؤذ من آمن منهم . 
( البيتان 854 ، 855 ) ، وكذلك قصة الجذع الحنان ) الأبيات 2113 - 2120  ( .


( 840 - 848 )يتحدّث الشاعر في هذه الأبيات عن الأسباب المباشرة وهل هي محدثةُ الأفعال أم أنّ وراء تلك الأسباب الظاهرة الخالق مسبب الأسباب . ويرى الشاعر أنّ الخالق هو مسبب جميع الأسباب .
 
وقول الشاعر هذا يتصل بمبحث كلامي ظهر عند المعتزلة واختلفوا حوله ، ويتعلق هذا المبحث بالسبب المباشر والسبب غير المباشر . وقد قادهم إلى ذلك بحثهم في أفعال العباد ومسؤولتيهم عن تلك الأفعال . فالمعتزلة بوجه عام قد آمنوا بخلق الإنسان لأفعاله ، وعلى هذا آمنوا بمسؤوليته الكاملة عن كل ما يفعل ، ولكنهم اختلفوا حول صلة الإنسان بالأحداث التي تتولد عن أفعاله.
 فإذا رمى عليّ زيداً بسهم فقتله ، فالعمل الذي قام به عليّ هو الرمي . ولكن من الذي أحدث القتل الذي قضى على زيد ، هل هو رامي السهم أو اللَّه ؟ وقد ذهب بشر بن المعتمر ( توفي 210 ه )


“ 499 “


إلى أن ما تولد من أفعال الإنسان يعتبر من خلفه ، على حين ذهب أبو الهذيل العلاف ( 135 - 135235 - 135235 - 235 هـ ) إلى التمييز بين الأفعال المولدة ، فما كان الإنسان عالماً بكيفيته فهو من فعله ، وما لم يكن عالماً بكيفيته فليس من فعله . فالألم الحادث عن الضرب من فعله لأنه يعلم كيفية وقوعه .
أما الإحساس بالحلاوة الناشئة عن أكل السكر مثلًا فمن فعل اللَّه ، لأن الإنسان لا يدري كيفية إحداث هذا الإحساس .
 
أما النظّام ( توفي 221 هـ ) فكان يرى أن الإنسان لا يفعل سوى الحركة . أما ما يتولد عن الحركة فليس من فعله ، بل هو من فعل اللَّه .
وهناك آراء عديدة أخرى في هذا الموضوع يمكن الرجوع إليها في كتب الفرق ، ومن أهمها مقالات الإسلاميين للأشعري .
ويذكر جلال الدين في هذه الأبيات الأسباب الروحية ، وفي رأيه أنّ هذه الأسباب كامنة وراء الأسباب الظاهرة ، التي يألفها عامة البشر .
 
( 849 ) يحذّر الشاعر هنا من اعتبار الفلك علة لأحداث هذه الدنيا .
فالعلة الحقيقية هي مدير الفلك . فمن الملحوظ أن الشاعر - شأنه شأن علماء عصره - لا ينفي صلة الفلك والكواكب بالأحداث ، ولكنه يقول إن هذا الدوران - وهو السبب المباشر - يخفي وراءه السبب الحقيقي وهو الخالق ، مدير الأفلاك ، ومسبب الأسباب .
( 850 ) المرخ خشب سريع الاحتراق .
 
( 854 - 855 ) قصة هود مع قوم عاد ذكرت في القرآن الكريم ( 11 : 61 ) . يقول الثعلبي في قصص الأنبياء ( ص 64 ) .” سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماًأي دائمة متتابعة ، فلم تدع أحداً من عاد إلا أهلكته .
وكان هود ومن معه قد اعتزالوا في حظيرة ، ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم ، وتلذ به الأنفس ، وإنها من عاد لطعن، فتحملهم ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا “ .
 
( 856 )شيبان الراعي ، أبو محمد الدمشقي ، كان صديقاً لسفيان


“ 500 “

الثوري . وكان هذا الرجل من الزهاد العباد ، وقد ترك الدنيا وعكف على رعي الأغنام في جبل لبنان ولهذا لقب بالراعي . وقد ذكره القشيري في رسالته ( ص 181 ) بقوله : هذا أحمد بن حنبل كان عند الشافعي رضي اللَّه عنما ، فجاء شيبان الراعي ، فقال أحمد : “ أريد يا أبا عبد اللَّه أن أنبِّه هذا على نقصان علمه ليشتغل بتحصيل بعض العلوم “ .
 
فقال الشافعي : “ لا تفعل “ . فلم يقتنع . فقال لشيبان : “ ما تقول فمين نسي صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يدري أي صلاه نسيها : ما الواجب عليه يا شبيان ؟ “ فقال شيبان : “ يا أحمد ! هذا قلب غفل عن اللَّه تعالى ، فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل عن مولاه بعد . فغشي على أحمد ، فلما أفاق قال له الشافعي : “ ألم أقل لك لا تحرك هذا ؟ “ وشيبان الراعي كان أمياً منهم . فإذا كان الأمي منهم هكذا فماالظن بأئمتهم ؟ “ .

( 860 ) عندما ينزل الموت بالعارفين ، لا تجزع نفوسهم لذلك ، بل يُلاقون الموت بقلوب راضية ، مطمئنة إلى مصيرها بعد الموت ، ولهذا يكون الموت بالنسبة إليهم أمراً يسيراً يرحبون بملاقاته .
 
( 863 ) قصة موسى مع فرعون ، وكيف فلق موسى البحر حتى عبر هو وقومه ، فلماتبعهم فرعون وأتباعه غشيهمم البحر وأغرقهم ، من القصص والمعروفة . وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله :” وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ “. ( 2 : 50 ) .

( 864 ) قصة قارون أيضاً من قصص القرآن الكريم . وقد رُويت في سورة القصص ، قال تعالى :” إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ “. ( 28 : 76 )
وقد ذكر القرآن زهوه بماله حتى تمنى الجلاء منهم لو أن لهم مثل ما أوتي . وتكبر بماله وتجبر فحاق به عقاب اللَّه . قال تعالى :

“ 501 “
 
“ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ “.
انظر سورة القصص ، 28 : 76 - 81 ) .
وقد ذكر الثعلبي في قصص الأنبياء تفصيلات متعددة لقصة قارون مع موسى وقومه ( ص 232 - 236 ) . 
ومن بين ما ذكره أنَّ قارون حاول أن يكيد لموسى ، لأن موسى فرض عليه الزكاة على أمواله ، فلما وجد أن الزكاة المفروضة تبلغ قدراً كبيراً من المال دبر لموسى كيداً فضحه اللَّه . ودعا عليه موسى فابتلعته الأرض .
 
( 866 ) الإنسان - وهو الذي فطر جسمه من الماء والطين - يسبّح الخالقه . فهذا التسبيح المتصاعد من بني البشر هو بخار الماء والطين .
ولكن هذا البخار يصير طيوراً في الجنة ، ذلك لأن قلب المؤمن الصدوق قد نفخ فيه أنفاسه .
 
( 867 ) نور موسى هنا هو نور اللَّه الذي أشرق على موسى في سيناء .
وقد دك الجبل حينما تجلى هذا النور . وهذا الدك هو الذي عبرّ عنه الشاعر بالرقص ، فالجبل حينما شهد تلك الأنوار تعشقها كأنه صوفي .
 
( 879 ) الماء المحتبس في الحوض كالروح في الجسد . تخلّصه الريح من هذا الحبس لأن الماء من العناصر الأولية . 
وكذلك الروح ، تتصاعد من الجسد ، لأنها غريبة عنه غربة الماء عن الوعاء الذي يحتويه . وكأنما الريح هنا ترمز إلى التسبيح والدعاء الذي يتصاعد من قلب المؤمن .
وقد ترمز إلى انقضاء العمر .
 
( 882 ) في هذا البيت اقتباس من قوله تعالى :” مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ “. ( 35 : 10 ) .


( 899 ) قصة كليلة ودمنة التي اقتبسها الشاعر هنا هي قصة “ الأرنب التي صرعت الأسد “ ، وهي قصة صغيرة خلاصتها أن أسداً كان يعيش بالقرب من أحد المروج ذات الماء والعشب الكثير ، وأن ذلك المرج كان


“ 502 “


مرتعاً لكثير من وحوش البرية ، تعيش فيه مستمتعة بمائه وعشبه . 


ولكن الأسد كان يفسد عليها عيشها بمهاجمتها لاقتباص غذائه . وقد رأت هذه الوحوش أن تخلص من شرّ الأسد بأن تقدم له كل يوم فريسة يأكلها على أن يكف الأسد عن مهاجمتها . 


وكانت الفريسة التي تُرسل إلى الأسد تختار بطريق الاقتراع . وذات يوم أصابت القرعة أرنباً ليذهب إلى فتأخر عن الموعد الذي اعتاد الأسد أن يتلقى فيه فريسة ، ثم ذهب إلى الأسد . إلى الأسد ، بعد ذلك ، وأخبره بأنه تأخر ، لأن أسداً آخر اعترض طريقه ، وأخذ منه غذاء الملك ، وكان أرنباً آخر سميناً أرسله إليه الوحوش . 


ودعا الأسد إلى أن يطهّر الطريق من ذلك الأسد الدخيل حتى يصله طعامه دون تأخر . فطلب الأسد من الأرنب أن يدله على مكان ذلك العدو . فأخذه الأرنب إلى بئر تطلع فيها ، فرأى خياله ، فظنه عدوه ، فوثب إليه ليقاتله ، فغرق في البئر وخلصت الوحوش من شره . ( كليلة ودمنه ، ص 116 ، 117 . المطبعة الأميرية القاهرة ، 1931 ) . 


وقد اتخذ الشاعر من هذه القصة - التي استغرقت رواية وقائعها خمسين بيتاً - هيكلًا صاغ حوله الكثير من آرائه وأفكاره . فتناول موضوعات كالجبر والاختيار ، والاجتهاد والتوكل ، وعالم الروح ، وعالم الظاهر ، وطبيعة الشر وغير ذلك . واستغرقت القصة بكل ما أداره حولها من حوار فلسفي خمس مائة من الأبيات .
.
شرح حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى بسبب تعصبه

( 746 ) البشر تجري في عروقهم دماء الصلاح والاستقامة أو دماء الفساد ، حتى ينفخ في الصور . 

( 748 ) كل ضراعة يتوجه بها الصالحون إلى ربهم ليست إلا أشعة من شمس النبوة بمعنى أنها انعكاس لسيرة الرسول وتعاليمه التي أشعلت في في قلوبهم محبة الخالق . 

( 749 ) هؤلاء الصالحون دائرون في فلك الحقيقة المحمدية . فهم كالأشعة التي تدور مع الجوهر ، وتتجه إلى حيث يكون .

[ شرح من بيت 750 إلى 900 ] 
( 750 ) وكما أنّ الشمس تنتقل من برج إلى ، برج ، فيتبعها النور وينتقل في أثرها ، كذلك النور المحمدي ، يشرق على البشر في مختلف البقاع . 

( 751 - 759 )  في هذه الأبيات يذكر الشاعر بعض الكواكب وما كان يتصل بها من أفكار عن أحكام النجوم ، وتحكم كل كوكب فيمن يرتبط طالعهم به .
ولكنه ينتقل من ذلك إلى الحديث عن آفاق الروح ، التي تشرق بها كواكب قد خلت من النحس ، كواكب راسخة في وهج أنوار اللَّه ، تكون طوالع سعد لمن بلغوا تلك الآفاق الروحية ، ونقمة على أعدائهم . 

( 759 ) النور الغالب هو نور قلب المحب الواصل . وهذا النور

“ 493 “


يكون آمناً من النقص ، فالظلمة لا تستطيع النفوذ إلى قلب أصبح بين إصبعي الحق . 

( 760 ) يُنسب إلى الرسول عليه السلام أنه قال : “ إن اللَّه خلق الخلق في ظملة ثم رش عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضلّ عن سواء السبيل “ . 

( 762 ) كل من كتب له أن يكون محروماً من نعمة المحبة الإلهية فقد حُرم من ذلك النور الذي نثره اللَّه على العباد . 

( 763 ) إنّ العشق هو المحرّك للأجزاء ، يدفعها إلى كلها الذي صدرت عنه ، كما أن العشق هو الذي يحرك البلابل فيجعلها تبثّ الورود أشواقها . 

( 764 - 765 ) هذان البيتان من أروع ما كتب جلال الدين . فهو يذهب إلى تقدير الناس - لا بحسب ألوانهم الظاهرة - وإنما وفق قيمتهم الحقيقية ، فاللون الحقيقي هو لون الباطن ، لون القلب والضمير ، لا لون الجلد . واللون الجميل هو لون الصفاء والصدق والاستقامة وأما اللون القبيح فهو لون الشرور والآثام . 

( 766 ) اللون اللطيف هو لون قلوب المؤمنين والعارفين . فهو صبغة اللَّه التي صبغ بها هذه القلوب . 
أما اللون الكثيف المظلم الذي اصطبغت به قلوب الكفار والجاحدين فتفوح منه لعنة اللَّه . 


( 767 - 768 ) إنّ الأرواح في الأصل فاضت عن الواحد . وهي لا بد عائدة إليه ، منطلقة نحوه ، يدفعها إلى الحب والحنين . 
وشبيه بذلك تلك الأمواج التي تصدر عن البحر ثم تعود إليه في نهاية الأمر . 


( 769 - 770 ) إن الملك اليهودي المذكور بهذه القصة ، تطابق أوصافه وأفعاله يوسف ذا نواس ملك حمير الذي أحرق النصارى بنجران في أخذود أشعل به النار ، فسمّوا أصحاب الأخدود . 
ولكن من المشا كل التي تحتاج هنا إلى تفسير أنّ الشاعر وصف الملك بأنه يهودي ،

“ 494 “

ولكنه عاد فنسب إليه أنّه نصب إلى جانب النار صنماً ، وأمر الناس بالسجود له . وليس من اليهودية في شيء عبادة الأصنام . فهل كان هذا الملك الحميري غير متعمق في دينه ، فأبقى على بعض مظاهر الوثنية ؟ 
ومن الممكن أيضاً أنْ يكون الصنم المقصود هنا رمزاً للهوى الذي سيطر على الملك ، فحاول أن يخضع الناس له . وهذا المعنى الرمزي يتضح في البيت التالي

( 771 ) وفيه يقول : “ إنّ الملك - لما لم يوقع بصنم النفس ما هو أهل له من الهلاك - تولّد من صنم نفسه صنم آخر “ . وقبل ذلك قال القشيري : “ وصنم كل إنسان نفسه فمن خالف هواه فهو فتى على الحقيقة “ . ( الرسالة ، ص 103 ) . 

( 772 ) النفس هي أم الشرور والآثام . هي التي تصنع للإنسان الأصنام وتدفعه إلى تقديسها . ومن الأصنام ما هو ماديّ ، ومنها ما هو معنوي . وكلها لا خطر لها لولا تعلّق النفس بها . 

( 773 - 774 ) في هذين البيتين صورة جميلة تبين انبثاق الشرور من النفس . 
فقد شبّهها الشاعر بالحجر والحديد اللذين تتولد النار من احتكاكهما . 
فالشرر المنبثق يمكن اطفاؤه بالماء . ولكن هل يستطيع إنسان أنْ يطفئ النار الكامنة في كل من الحجر والحديد ؟ 

( 775 ) الصنم قدر محدود من الشر يمكن القضاء عليه ، أما النفس فنبع يفيض بالشرور ، فهي التي صنعت الصنم وما شاكله . 

( 778 ) يصل الشاعر هنا إلى النتيجة التي قدّم لها في أبياته السابقة على هذا البيت ، وهي أنّ الصنم يمكن التخلص منه . ولكنّ الصعوبة هي في السيطرة على النفس وإخضاعها . ( انظر ما كتبه الجيلي عن النفس في كتاب الإنسان الكامل ص 39 ) ، وقد قدم لحديثه عنها بقوله : “ إنّها محتد إبليس ومن تبعه من الشياطين من أهل التلبيس “ . 

( 779 - 780 ) ينتقل الشاعر هنا إلى الحديث عن أثر النفس بعد أنْ تكلم عن طبيعتها . إنّها مهلكة كجهنم ذات الأبواب السبعة . ولها في

“ 495 “

كل لحظة مكر يهلك مائة فرعون مع أتباعهم . وفي هذا إشارة إلى قصة فرعون مع موسى ، ومحاولته القضاء على موسى ، وهلاكه هو وأتباعه من جراء تلك المحاولة التي دفعته إليها نفسه المتكبرة ، العنيدة الكافرة . 


( 785 - 793 ) جاء في قصة أصحاب الأخدود ما يلي ، “ وكانت امرأة قد أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاثة أحدهم رضيع ، فقال لها الملك أترجعين عن دينك ، وإلا ألقيتك أنت وأولادك في النار ، فأبت ، فأخذ ابنها الأكبر فألقي في النار ، ثم أخذ الأوسط ، وقال لها ارجعي عن دينك ، فأبت ، فألقي أيضاً في النار ، ثم أخذ الرضيع وقال لها ارجعي فأبت ، فأمر بالقائه في النار ، فهمت المرأة بالرجوع . فقال لها الصبيّ الصغير : يا أماه ! لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحقّ ، ولا بأس عليك ، فألقي الصبيّ في النار وأمه على أثره “ . ( قصص الأنبياء للثعلبي ص 496 ) . 
والقصة كما رواها جلال الدين تختلف عن ذلك . 


فحوادث القصة عند جلال الدين تقتصر على إلقاء الصبيّ في النار . ولكنّ الشاعر أجرى على لسان الصبيّ 
- بعد أن أُلقي في النار 
- مجموعة من الأبيات الرائعة ، حافلة بالصور والعاطفة الجيّاشة المعبرة عن روعة الفداء ، وجمال التضحية في سبيل العقيدة والمبدأ . 

وقد اتخذ الشاعر من الاحتراق بالنار هنا رمزاً لإفناء الذات . فهذا قد يبدو صعباً عسير المنال ، مخوفاً ، ولكنّه في نظر الصوفية سعادة لا تعدلها أيّة سعادة دينوية . فكما أنّ الرحم يكون عالم الجنين قبل أن يولد في هذه الدنيا الواسعة ، فكذلك هذه الدنيا - إذا قيست بعالم الروح الذي ينتقل إليه الأصفياء بعد المات - بعد سجناً ضيّقاً ، شبيهاً بالرحم إذا قيس بهذه الدنيا الواسعة .

“ 496 “

( 794 ) الفناء عن الذات وروابهطا المادية كشف له عالماً رحباً فسيحاً حافلا بالحياة . 
( 795 ) هذا العالم الذي تكشّف له - بإفناء الذات - يبدو لأهل الدنيا عدماً ، مع أنّه هو الوجود الحقيقي . 
وعلى العكس من ذلك تخدع الدنيا من يتمسكون بها فيحسبون أنّها هي الوجود الحقّ ، وليست من ذلك في شيء . إنّها مظهر خادع لا دوام له لأنّ مآلها إلى الفناء

( 800 ) إنّ اللَّه قد أعدّ السعادة والنعيم لمن خلصوا من وجودهم الدنيوي وأقبلوا إلى الخالق بقلوب صادقة ، ونفوس راضية مطمئنة ، وأرواح متعشّقة لجماله .
 
( 812 ) يقول البلاذري : “ وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد اللَّه عن الزهري ، وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده ، وفي أحد الحديثين زيادة على الآخر ، فسقتهما ،
ورددت بعضهما على بعض : إن الحكم بن أبي العاص بن أمية عم عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، كان جاراً لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية ، وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة ، وكان مغموصاً عليه في دينه فكان يمر خلف رسول اللَّه فيغمز به ويحكيه ، ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلى قام خلفه وأشار بأصابعه فبقي على تخليجه وأصابته خبلة “ . ( أنساب الأشراف ، ح 5 ، ص 27 ، 125 ، القدس ، 1936 “ .


وقد بقي منفياً من المدينة طيلة حكم أبي بكر وعمر ، ثم عاد إليها في خلافة عثمان .
وقد هجا عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري مروان بن الحكم بقوله :إن اللعين أباك فارم عظامه * إن ترم ترم مخلّجا مجنوناً
 
“ 497 “


( 817 - 822 ) عقد القشيري بابا للحزن في رسالته . وقد أورد فيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الحزن . وبيّن أنّ الصوفية يعدون الحزن لوناً من الخشوع والإيمان . ومما ذكره القشيري من أقوال الصوفية أن رابعة العدوية سمعت رجلًا يقول : « واحزناه » ، فقالت : « قل واقلة حزناه ! لو كنت محزوناً لم يتهياً لك أن تتنفس ! » وقال سفيان بن عيينة : « لو أن محزوناً بكى في أمة لرحم اللَّه تعالى تلك الأمة ببكائه » .
والحزن عند الصوفية من أهم الرياضات التي يجب أخذُ النفس بها .
يقول الترمذي .


وفي الجملة ينبغي أن يتفقد ( الإنسان ) كل حال وكل أمر للنفس فيه فرح واستبشار ، من نعمة أو وجود لذة أو أنس بشيء ، فيقطعه عنها ، وأنه كلها هويت النفس شيئاً أعطاها فرحت به ، فينبغي أن يمنعها ولو شربة من ماء بارد تريد أن تشربها . فيمنعها من تلك الفورة التي تشوفت لوجود بردها ولذتها ، حتى تكسن تلك الفورة ، وينغِّص عليها ، ثم يسقيها بعد ذلك حتى يملأها غماً ويوقرها هماً ، لأن من شأنها إذا حبس عنها الفرح بهذه الأشياء وبهذه الأحوال ، فكأنه يصيرها في سجن ، فيتقرب إلى اللَّه عز وجل بغمها وهمها ، فيجعل اللَّه عز وجل ثوابه نوراً على القلب . . » ( الرياضة وأدب النفس ، ص 62 ) .
 
وقد غلبت طبيعة الحزن على كثير من الفنانين . ومن أحزان هؤلاء شهد العالم كثيراً من روائع الفن العالمي .
وقد أبدع أوسكار وايلد التعبير عن ذلك في كتابه « من الأعماق » deprofundis ومن أقواله في ذلك :
" فحيثما يكون الحزن فهناك حرم مقدّس . وسوف يعلم الناس ذات يوم مدلول هذا القول . ولن يحيطوا علماً بشيء في الحياة مالم يعرفوا ذلك " ..
....................................................................

( 825 ) المجوسي يعبد النار ولكنها مع ذلك تحرقه لو أنه اقترب منها .
 
 
“ 498 “
 
وشبيه بهذا ما قاله سعدي في الگلستان ( الباب الأول ، القصة 16 ) :اگر صد صد گبر آتش فروزد * چو يك دم اندر آن افتاد بسوزدومعناه : “ لو أن المجوسي يشعل النار مائة عام ، فإنها - رغم ذلك - تحرقه لو وقع فيها لحظة واحدة “ .
 
( 834 ) النار التي تبعث الغم في النفس ، وتحرقها هي نار الحقد والشهوات والأهواء الدنيوية .
 
( 835 ) النار التي تبعث السرور في النفس هي نار المحبة ، وهي عند الصوفية مصدر السعادة ، فكلما ازدادت حدَّتها زاد اقترابهم من هدفهم المنشود .
( 838 ) سبق الشاعر أن تحدّث عن إدراك الجماد ( انظر البيتين رقم 512 ، 513 ) .
وقد ذكر الشاعر قصصاً يدلل بها على أن الإدراك ليس مقصوراً على الإنسان منها قصة الريح التي أهلكت الكفار من قوم عاد ، على حين أنها لم تؤذ من آمن منهم . 
( البيتان 854 ، 855 ) ، وكذلك قصة الجذع الحنان ) الأبيات 2113 - 2120  ( .


( 840 - 848 )يتحدّث الشاعر في هذه الأبيات عن الأسباب المباشرة وهل هي محدثةُ الأفعال أم أنّ وراء تلك الأسباب الظاهرة الخالق مسبب الأسباب . ويرى الشاعر أنّ الخالق هو مسبب جميع الأسباب .
 
وقول الشاعر هذا يتصل بمبحث كلامي ظهر عند المعتزلة واختلفوا حوله ، ويتعلق هذا المبحث بالسبب المباشر والسبب غير المباشر . وقد قادهم إلى ذلك بحثهم في أفعال العباد ومسؤولتيهم عن تلك الأفعال . فالمعتزلة بوجه عام قد آمنوا بخلق الإنسان لأفعاله ، وعلى هذا آمنوا بمسؤوليته الكاملة عن كل ما يفعل ، ولكنهم اختلفوا حول صلة الإنسان بالأحداث التي تتولد عن أفعاله.
 فإذا رمى عليّ زيداً بسهم فقتله ، فالعمل الذي قام به عليّ هو الرمي . ولكن من الذي أحدث القتل الذي قضى على زيد ، هل هو رامي السهم أو اللَّه ؟ وقد ذهب بشر بن المعتمر ( توفي 210 ه )


“ 499 “


إلى أن ما تولد من أفعال الإنسان يعتبر من خلفه ، على حين ذهب أبو الهذيل العلاف ( 135 - 135235 - 135235 - 235 هـ ) إلى التمييز بين الأفعال المولدة ، فما كان الإنسان عالماً بكيفيته فهو من فعله ، وما لم يكن عالماً بكيفيته فليس من فعله . فالألم الحادث عن الضرب من فعله لأنه يعلم كيفية وقوعه .
أما الإحساس بالحلاوة الناشئة عن أكل السكر مثلًا فمن فعل اللَّه ، لأن الإنسان لا يدري كيفية إحداث هذا الإحساس .
 
أما النظّام ( توفي 221 هـ ) فكان يرى أن الإنسان لا يفعل سوى الحركة . أما ما يتولد عن الحركة فليس من فعله ، بل هو من فعل اللَّه .
وهناك آراء عديدة أخرى في هذا الموضوع يمكن الرجوع إليها في كتب الفرق ، ومن أهمها مقالات الإسلاميين للأشعري .
ويذكر جلال الدين في هذه الأبيات الأسباب الروحية ، وفي رأيه أنّ هذه الأسباب كامنة وراء الأسباب الظاهرة ، التي يألفها عامة البشر .
 
( 849 ) يحذّر الشاعر هنا من اعتبار الفلك علة لأحداث هذه الدنيا .
فالعلة الحقيقية هي مدير الفلك . فمن الملحوظ أن الشاعر - شأنه شأن علماء عصره - لا ينفي صلة الفلك والكواكب بالأحداث ، ولكنه يقول إن هذا الدوران - وهو السبب المباشر - يخفي وراءه السبب الحقيقي وهو الخالق ، مدير الأفلاك ، ومسبب الأسباب .
( 850 ) المرخ خشب سريع الاحتراق .
 
( 854 - 855 ) قصة هود مع قوم عاد ذكرت في القرآن الكريم ( 11 : 61 ) . يقول الثعلبي في قصص الأنبياء ( ص 64 ) .” سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماًأي دائمة متتابعة ، فلم تدع أحداً من عاد إلا أهلكته .
وكان هود ومن معه قد اعتزالوا في حظيرة ، ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم ، وتلذ به الأنفس ، وإنها من عاد لطعن، فتحملهم ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا “ .
 
( 856 )شيبان الراعي ، أبو محمد الدمشقي ، كان صديقاً لسفيان


“ 500 “

الثوري . وكان هذا الرجل من الزهاد العباد ، وقد ترك الدنيا وعكف على رعي الأغنام في جبل لبنان ولهذا لقب بالراعي . وقد ذكره القشيري في رسالته ( ص 181 ) بقوله : هذا أحمد بن حنبل كان عند الشافعي رضي اللَّه عنما ، فجاء شيبان الراعي ، فقال أحمد : “ أريد يا أبا عبد اللَّه أن أنبِّه هذا على نقصان علمه ليشتغل بتحصيل بعض العلوم “ .
 
فقال الشافعي : “ لا تفعل “ . فلم يقتنع . فقال لشيبان : “ ما تقول فمين نسي صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يدري أي صلاه نسيها : ما الواجب عليه يا شبيان ؟ “ فقال شيبان : “ يا أحمد ! هذا قلب غفل عن اللَّه تعالى ، فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل عن مولاه بعد . فغشي على أحمد ، فلما أفاق قال له الشافعي : “ ألم أقل لك لا تحرك هذا ؟ “ وشيبان الراعي كان أمياً منهم . فإذا كان الأمي منهم هكذا فماالظن بأئمتهم ؟ “ .

( 860 ) عندما ينزل الموت بالعارفين ، لا تجزع نفوسهم لذلك ، بل يُلاقون الموت بقلوب راضية ، مطمئنة إلى مصيرها بعد الموت ، ولهذا يكون الموت بالنسبة إليهم أمراً يسيراً يرحبون بملاقاته .
 
( 863 ) قصة موسى مع فرعون ، وكيف فلق موسى البحر حتى عبر هو وقومه ، فلماتبعهم فرعون وأتباعه غشيهمم البحر وأغرقهم ، من القصص والمعروفة . وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله :” وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ “. ( 2 : 50 ) .

( 864 ) قصة قارون أيضاً من قصص القرآن الكريم . وقد رُويت في سورة القصص ، قال تعالى :” إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ “. ( 28 : 76 )
وقد ذكر القرآن زهوه بماله حتى تمنى الجلاء منهم لو أن لهم مثل ما أوتي . وتكبر بماله وتجبر فحاق به عقاب اللَّه . قال تعالى :

“ 501 “
 
“ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ “.
انظر سورة القصص ، 28 : 76 - 81 ) .
وقد ذكر الثعلبي في قصص الأنبياء تفصيلات متعددة لقصة قارون مع موسى وقومه ( ص 232 - 236 ) . 
ومن بين ما ذكره أنَّ قارون حاول أن يكيد لموسى ، لأن موسى فرض عليه الزكاة على أمواله ، فلما وجد أن الزكاة المفروضة تبلغ قدراً كبيراً من المال دبر لموسى كيداً فضحه اللَّه . ودعا عليه موسى فابتلعته الأرض .
 
( 866 ) الإنسان - وهو الذي فطر جسمه من الماء والطين - يسبّح الخالقه . فهذا التسبيح المتصاعد من بني البشر هو بخار الماء والطين .
ولكن هذا البخار يصير طيوراً في الجنة ، ذلك لأن قلب المؤمن الصدوق قد نفخ فيه أنفاسه .
 
( 867 ) نور موسى هنا هو نور اللَّه الذي أشرق على موسى في سيناء .
وقد دك الجبل حينما تجلى هذا النور . وهذا الدك هو الذي عبرّ عنه الشاعر بالرقص ، فالجبل حينما شهد تلك الأنوار تعشقها كأنه صوفي .
 
( 879 ) الماء المحتبس في الحوض كالروح في الجسد . تخلّصه الريح من هذا الحبس لأن الماء من العناصر الأولية . 
وكذلك الروح ، تتصاعد من الجسد ، لأنها غريبة عنه غربة الماء عن الوعاء الذي يحتويه . وكأنما الريح هنا ترمز إلى التسبيح والدعاء الذي يتصاعد من قلب المؤمن .
وقد ترمز إلى انقضاء العمر .
 
( 882 ) في هذا البيت اقتباس من قوله تعالى :” مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ “. ( 35 : 10 ) .


( 899 ) قصة كليلة ودمنة التي اقتبسها الشاعر هنا هي قصة “ الأرنب التي صرعت الأسد “ ، وهي قصة صغيرة خلاصتها أن أسداً كان يعيش بالقرب من أحد المروج ذات الماء والعشب الكثير ، وأن ذلك المرج كان


“ 502 “


مرتعاً لكثير من وحوش البرية ، تعيش فيه مستمتعة بمائه وعشبه . 


ولكن الأسد كان يفسد عليها عيشها بمهاجمتها لاقتباص غذائه . وقد رأت هذه الوحوش أن تخلص من شرّ الأسد بأن تقدم له كل يوم فريسة يأكلها على أن يكف الأسد عن مهاجمتها . 


وكانت الفريسة التي تُرسل إلى الأسد تختار بطريق الاقتراع . وذات يوم أصابت القرعة أرنباً ليذهب إلى فتأخر عن الموعد الذي اعتاد الأسد أن يتلقى فيه فريسة ، ثم ذهب إلى الأسد . إلى الأسد ، بعد ذلك ، وأخبره بأنه تأخر ، لأن أسداً آخر اعترض طريقه ، وأخذ منه غذاء الملك ، وكان أرنباً آخر سميناً أرسله إليه الوحوش . 


ودعا الأسد إلى أن يطهّر الطريق من ذلك الأسد الدخيل حتى يصله طعامه دون تأخر . فطلب الأسد من الأرنب أن يدله على مكان ذلك العدو . فأخذه الأرنب إلى بئر تطلع فيها ، فرأى خياله ، فظنه عدوه ، فوثب إليه ليقاتله ، فغرق في البئر وخلصت الوحوش من شره . ( كليلة ودمنه ، ص 116 ، 117 . المطبعة الأميرية القاهرة ، 1931 ) . 


وقد اتخذ الشاعر من هذه القصة - التي استغرقت رواية وقائعها خمسين بيتاً - هيكلًا صاغ حوله الكثير من آرائه وأفكاره . فتناول موضوعات كالجبر والاختيار ، والاجتهاد والتوكل ، وعالم الروح ، وعالم الظاهر ، وطبيعة الشر وغير ذلك . واستغرقت القصة بكل ما أداره حولها من حوار فلسفي خمس مائة من الأبيات .
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: