الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

07 - كيف جاء الرفاق إلى البيمارستان من أجل ذي النون .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

07 - كيف جاء الرفاق إلى البيمارستان من أجل ذي النون .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

07 - كيف جاء الرفاق إلى البيمارستان من أجل ذي النون .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)


كيف جاء الرفاق إلى البيمارستان من أجل ذي النون
قدس الله سره العزيز

هكذا وقع لذي النون المصرّى : أن ولها وجنونا جديدا قد تولدا عنده ! 
وازدادت حدة طبعه حتى تجاوزت الآفاق ، نافذة بمرارتها “ 1 “ إلى الأكباد .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : مصيبة بملحها الأكباد .


“ 163 “

فحذار أيتها الأرض الملحة ، ولا تقيسى ملحك بملح الشيوخ الطاهرين .
فلم يكن للخلق طاقة بجنونه . لقد كانت ناره تمحو لحاهم !


1390 وحينما أصابت ناره لحى العوام ، فإنهم قيدوه وأدخلوه السجن .
وليس في الامكان جذب هذا اللجام ، مهما ضاق العوام بهذا الطريق “ 1 “ .
ان هؤلاء الملوك قد استشعروا الخوف على أرواحهم من العوام ، فهؤلاء عمى ، 
والملوك ليست لهم علامة ظاهرة ! فحينما يكون الحكم في يد المعربدين ، فلا جرم أن ذا النون يكون في السجن ! 
ان الملك يمتطى جواده ويمضى وحيدا ، فيغدو - كما تغدو الدرّة اليتيمة - ( ألعوبة ) في أيدي الأطفال .

 
1395 وما الدرة ( إذا قيست به ) ؟ انه بحر قد تحجب في قطرة ! انه شمس قد اختفت في ذرّة ! 
انه شمس قد تبدّت في صورة ذرة ، ثم كشفت وجهها رويدا رويدا ! 
ولقد فنيت بها جميع الذرات ، والعالم كله سكر بها ثم صحا ! 
وحينما يكون قلم ( الحكم ) في يد غدّار ، فلا شك أنه يقضى بشنق المنصور “ 2 “ !
.................................................................
( 1 ) وليس في الامكان وقف اندفاع الصوفي مهما ضاق العوام بطريق التصوف .
( 2 ) الحسين بن منصور الحلاج .
 

“ 164 “


وحينما يكون للسفهاء هذا الأمر والسلطان ، فلا بد أنهم “ يقتلون الأنبياء “ 1 “ ! “




1400 ومن السفه قال هؤلاء القوم الضالون للأنبياء :” إنَّا تَطَيَّرْنا بكُمْ ““ 2 “
فتأمل جهل المسيحىّ الذي يلتمس الأمان من ذلك السيد الذي صُلب .
فإن كان - كما يقول - قد صُلب على أيدي اليهود ، فكيف يستطيع أن يمده بالعون ؟
ومهما تفجر بالدم قلب ذلك المليك من أجلهم ، فكيف تتحقق العصمة التي ينطوى عليها حضورة بينهم “ 3 “ ؟
ان الذهب الخالص والصائغ هما أكثر من سواهما تعرضا لخطر المزيف الخائن .


1405 وكل مليح كيوسف يتوارى من حسد القباح ، ذلك لأن أعداء الملاح يعيشون في لهيب ( الحسد ) .
ان الذين هم في ملاحة يوسف يعيشون في بئر من حسد اخوانهم .
وان هؤلاء - من الحسد - ليسلمون يوسف للذئاب .
وما الذي أصاب يوسف المصرىّ من جراء الحسد ؟ لقد كان هذا الحسد ذئبا كبيرا كمن له في الخفاء ! 
فلا جرم أن يعقوب الحليم ، كان دائم الخوف والشفقة على يوسف من هذا الذئب .
.................................................................
( 1 ) انظر : سورة آل عمران ، 3 : 112 .
( 2 ) انظر : سورة يس ، 36 : 18 .
( 3 ) حرفيا : التي ينطوى عليها ( قوله تعالى ) : “ وأنت فيهم “ .
( 8 : 33 ) .
 

“ 165 “


ولم يحم حول يوسف قط ذئب ظاهر . لكن هذا الحسد جاوز في أثره فعل الذئاب !

 

1410 فذئب الحسد هذا قد ضرب ضربته ، ثم جاء العذر اللبق ، ( قائلا ) :” إنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبقُ . ““ 1 “ .
وليس لآلاف من الذئاب مثل هذا المكر . لكن هذا الذئب يفتضح في النهاية ، فاصبر وانتظر .
ذلك لأن حشر الحاسدين في يوم العقاب يكون بدون شك على صورة الذئاب ! 
وحشر الحريص الخسيس ، آكل الجيف يكون على صورة الخنزير يوم الحساب .
وأما الزناة فتكون أعضاؤهم المستورة خبيثة الرائحة ، وكذلك يفوح النتن من أفواه شاربي الخمر !


 1415 وأما النتن الخفىّ الذي كان يدرك القلوب ، فيكون يوم الحشر محسوسا ظاهرا .
ان الوجود الآدمي مثل الأجمة ، فكن حذار من هذا الوجود ان كنت من أصحاب تلك الأنفاس ( الإلهية ) .
ففي وجودنا آلاف من الذئاب والخنازير وفيه الصالح والطالح ، والحسن والقبيح .
والحكم يكون لذلك الخلق الذي تتحقق له الغلبة فحين يكون الذهب أكثر من النحاس عُدّت السبيكة ذهبا .
فالسيرة التي تكون غالبة على وجودك ، هي أيضا تلك الصورة التي يجب أن تكون عليها يوم الحشر .
.................................................................
( 1 ) انظر سورة يوسف ، 12 : 17 .


“ 166 “



1420 فحينا يدخل الكيان البشرىّ ذئب وحينا يدخله مليح يوسفىّ الوجه مثل القمر .
والخصال الصالحة والكريهة تتنقل من صدر إلى صدر خلال طريق خفىّ ! 
بل ربما اتنقلت الحكمة والعلم والفضل من الآدمي إلى الثور والحمار ! 
فالحصان المتعثر يغدو منطلقا طيعا ، والدب يرقص ، والعنزة تؤدى السلام .
وانتقل الحرص من الانسان إلى الكلب ، فأصبح هذا راعيا أو صياد أو حارسا .


1425 واتتقل الصلاح من أصحاب الكهف الرقود إلى كلبهم ، فأصبح هذا ممن يطلبون الله .
وفي كل لحظة ينبثق في الصدر نوع جديد ، فتارة هو شيطان وتارة هو ملك وتارة هو وحش كاسر ! 
فمن هذه الأجمة العجبية - التي تعرفها جميع الأسود - طريق خفيّ يصلها بشباك الصدور .
فيا من أنت أقل من الكلب ! اسرق من الباطن جوهرة الروح . اسرقها من صدور العارفين .
فما دمت لصا ، فلتسرق مرة هذه الدرة اللطيفة وما دمت ستغدو حاملا فهذا عبء شريف .

“ 167 “

كيف فهم المريدون ان ذا النون لم يجن
وانما قصد التظاهر بالجنون


1430 لقد ذهبت الرفقاء إلى السجن من جراء قصد ذي النون ، وأبدوا في تلك القصة رأيا .
قائلين : “ انه فعل ذلك عن قصد أو لحكمة ، فهو في هذا الدين قبلة وهو فيه آية ! 
فكك هو بعيد عن عقله المماثل للبحر ، أن يغدو الجنون دافعا إياه إلى السفه .
وحاش لله أن ذا النون - وهو في كمال جاهه - تعجب بدره سحب المرض ! 
لقد دخل هذا المنزل تحاشيا لشر العوام . وهو من عار العقلاء قد صار مجنونا !

 

 1435 انه من عار العقل الغبىّ الذي يقدس البدن ، ذهب متعمدا ، وأصبح مجنونا .
( قائلا ) : “ أحكموا قيدى ، واضربونى على رأسي وظهري بأذناب البقر ، ولا تبحثوا عن ( أسباب ) ذلك !
 لعلنى أجد الحياة في ضربات هذه السياط كما اقتبس القتيل حياة من بقرة موسى ، أيها الثقاة .
لعلنى بضربة ذنب البقرة يحسن حالي ، وأغدو سعيدا كما غدا القتيل ببقرة موسى .
لقد بعث القتيل حيا بضربة من ذنب البقرة كما غدا النحاس بالكيمياء ذهبا خالصا !


“ 168 “


1440 لقد نهض القتيل ، ثم نطق بالأسرار . وكشف عن هذه العصبة المتعطشة للدماء ! 
وقال : “ ان من الواضح أن هذه الجماعة قد قتلتني . وهي ذاتها الآن تثير الخصومة من أجلى “ .
وحينما يقع القتل بهذا الجسم الغليظ ، يكون في ذلك حياة للكيان الذي يدرك الأسرار .
فترى روحه الجنة والنار ، وتعلم أيضا جملة الأسرار .
وتكشف عن الشياطين الدائبة على سفك الدماء كما تظهر شباك الخداع والرياء .


1445 وان قتل البقرة لهو من شرط الطريق فلعل الروح ينفق بضربة من ذنبها .
فسارع إلى قتل بقرة نفسك حتى يغدو روحك المستتر حيا واعيا .

عود إلى حكاية ذي النون قدس الله روحه

 
حينما اقترب منه هؤلاء الأفراد ، صاح بهم قائلا : “ من أتتم ؟ اتقوا الله ! “ .
فأجابوه بأدب : “ اننا من الأصدقاء ، وقد جئنا إلى هنا سائلين عنك بأرواحنا .
كيف أنت يا من عقله بحر متعدد الفنون ؟ وأي بهتان نسب إلى عقلك الجنون ؟
 

“ 169 “
 

1450 وكيف يرقى إلى الشمس دخان موقد الحمام ؟ أم كيف يستطيع الغراب التغلب على العنقاء ؟
فلا تحجب الحقيقة عنا ، بل وضح لنا ذلك الأمر . اننا محبوك فلا تعاملنا على هذا النحو ! 
فليس ينبغي للمرء أن يبعد عنه محبيه ، أو يخدعهم بالتظاهر والادعاء .
ألا فلتوضح لنا السر ، أيها المليك ! ولا تحجب وجهك خلف السحاب أيها البدر ! 
فنحن محبون صادقون ، وقد جرحت قلوبنا فنحن قد جعلناها مرتبطة بك في كلا العالمين .

 

1455 فابتدر هم بفاحش القول وجزاف السباب ، وتلفظ بالهراء مثل المجانين ! 
وقفز ثم أخذ يقذف بالحجارة ويلوّح بالعصا فهرب الجميع خوفا من ضرباته .
فقهقه ضاحكا ، وهزّ رأسه ثم قال : “ تأمل غرور هؤلاء الأصدقاء “ 1 “ !
تأمل الأصدقاء ! فأين علامة الصداقة عندهم ؟ ان الألم حبيب إلى الأصدقاء مثل الروح ! 
فكيف يتنحِّى الصديق عن ألم صديقه ؟ ان الألم هو اللب ، والصداقة له بمثابة القشور .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ تأمل هواء لحى هؤلاء الأصدقاء “ .


“ 170 “
 

1460 أو لم يغد من علائم الصداقة الحق أن يكون الانسان سعيدا في البلاء والعناء وعند نزول المحن ؟
فالصديق مثل الذهب والبلاء مثل النار ، والذهب الخالص يكون سعيدا في قلب النار “ .


كيف امتحن سيد لقمان حكمة لقمان

ألم يكن من أمر لقمان - الذي كان عبدا طاهرا ، وكان مجتهدا في الخدمة ليل نهار -
أن سيده كان يجعله مقدما في الأمور ، وكان يعتبره أفضل من أبنائه ؟
فلقمان كان ابنا لأحد العبيد ، لكنه - مع ذلك - كان سيدا ، وكان حرا من الهوى .

 
1465  ان أحد الملوك قال للشيخ في معرض الحديث : “سلني أن أنعم عليك ببعض العطاء“.
فقال الشيخ : “ أيها الملك ! أما تستحى أن تقول لي مثل هذا القول ؟ ألا فلتترفع عن ذلك ! 
انى أملك غلامين ، كلاهما ممتهن حقير ، لكن كلا منهما سلطان عليك وأمير !
“ فقال الملك : “ ومن هذان ؟ ان قولك هذا لخاطىء “ . فقال الشيخ : “ أحدهما هو الغضب ، وأما الثاني فهو الشهوة “ .
فاعلم أن الملك الحق هو الذي تحرر من الملك . فهذا يكون بازغ النور بدون قمر ولا شمس !


“ 171 “


1470  وما ملك الكنز الا من كانت ذاته هي الكنز ، كما أن الوجود ( الحق ) لا يتحقق الا لمن كان عدوا لوجوده الذاتي !
ان سيد لقمان كان في الظاهر شبيها بالسادة . لكن هذا السيد في الحقيقة كان عبدا ، ولقمان سيده ! 
وكم لهذا من أشباه في عالمنا المعكوس . فالجوهر في نظر الناس أدنى مقاما من القش .
لقد أصبحت كلمة “ مفازة “ اسما لكل ( نوع من ) الصحارى .
وهكذا أصبحت الأسماء والألوان فخاخا لعقولهم .
وعند فريق منهم أن الثياب هي التي تعرّف بالانسان . فمن لبس القباء يقال عنه : “ انه من العامة “

 
 1475  وفريق يحكمون بظاهر الزهد المبنى على النفاق . ولا بد من نور ليكون المرء بالزهد خبيرا “ 1 “ .
لا بد من نور برئ من التقليد والتضليل ، لتتسنى معرفة المرء بدون فعل أو قول .
نور ينفذ إلى القلب عن طريق العقل ، فيرى حقيقة الحال ، ولا يكون مقيدا بالنقل .
وان خواص علام الغيوب من بين العباد هم في عالم الروح جواسيس القلوب “ 2 “ .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ لا بد من نور ليكون المرء جاسوس زهد “ . 
والمعنى : لا بد من نور لتعرف حقيقة الزهد ، وهل هو صدق أو رياء . فالجاسوس هنا يقصد به من يعرف الأسرار .
( 2 ) “ جواسيس القلوب “ معناها : المطلعون على اسرار القلوب .


“ 172 “


فمنهم من يدخل القلب مثل الخيال ، فيغدو سر الحال منكشفا أمامه .
 

1480  وماذا في جسم العصفور من طاقة أو مقدرة تكون خافية على عقل الباز ؟
وماذا يكون سر المخلوقات أمام من أصبح مدركا لأسرار الوحدانية ؟
وهذا الذي يكون مسيره فوق الأفلاك ، أي مشقة يلاقيها من السير فوق الأرض ؟
وما دام الحديد قد غدا في كف داوود مثل الشمع فيكف يكون الشمع في راحته أيها الظلوم ؟
ان لقمان كان سيدا في صورة عبد . وما كانت العبودية الا ديباجة فوق ظاهره !


1485 فحين يذهب السيد إلى مكان لا يكون فيه معروفا فإنه يُلبس خادمه لباسه .
ويلبس هو ثياب غلامه ، ثم يجعل الغلام مقدما عليه .
ويمشى وراء كما يفعل العبيد في الطريق وذلك إليك لا يعرفه أحد .
ويقول : “ أيها الغلام . تقدم أنت واجلس في مكان الصدارة وسأحمل أنا نعلك كما يفعل أحقر العبيد ! 
وعاملنى بشدة واشتمنى ولا يكن منك لي أي توقير!


1490   وسوف أعتبر أن خدمتك لي هي تركك الخدمة ، وذلك لكي أغرس بذور الحلية في أرض الغربة “ .


“ 173 “
 

ان السادة كانوا يفعلون فعل العبيد . حتى يظن أنهم من العبيد .
لقد كانون مترعين بالسيادة وعيونهم ملأى بها ، فمارسوا تلك الأعمال برضاء واقبال !
أما غلمان الهوى فهم على عكس ذلك . انهم يتظاهرون بأنهم سادة العقل والروح ! 
ومن السيد يأتي نهج التواضع . أما العبد فلا يجئ منه سوى أخلاق العبيد .
 

1495   فلتعلم أن الأمور هكذا تبدو عكس ما هي عليه بين هذا العالم وذاك العالم .
ولقد كان سيد لقمان عارفا بتلك الحال الخفية عند لقمان ، وكان قد شهد من الغلامات ما يدل عليها .
فهذا العابر السبيل كان يعرف السر جيدا ، لكنه تابع سيره “ 1 “ ( ملتزما الصمت ) من أجل المصلحة .
وكان من البداية يريد تحريره ، لكنه كان ينشد رضاء لقمان ، فقد كان هذا مراد لقمان حتى لا يعرف أحد سره ، وهو الأسد الشجاع !


1500  وأي عجب في أن تكتم السر عن الأشرار ؟ ان العجب ليس الا في كتمانك السر عن نفسك .
الا فلتخف عملك عن عينيك حتى يسلم عملك من العين الحاسدة !
.................................................................
( 1 ) حرفيا : لكنه كان يسوق حماره 

 
“ 174 “

 

ولتُسلم نفسك إلى شباك المثوبة . ثم انتزع من ذاتك شيئا حينما تكون خارجا عن وعيك “ 1 “
ان الرجل الطعين يُعطى الأفيون حتى يُستطاع اخراج رأس الحربة من جسده .
وفي ساعة الموت يغدو مشغولا بهذا المخدر ، في حين أنهم يمزقونه ألما ويذهبون بحياته .


1505  فأنت كلما أسلمت فؤادك إلى فكرة ( تتملكه ) ، يُسلب منك شئ في الخفاء .
ومهما يكن لك من تفكر أو تحصيل فان اللص يدخل عليك من ذلك الجانب الذي تستشعر منه الأمان .
فليكن اشتغالك اذن بما هو أهم ، حتى يكون ما يسلبه اللص منك هو الأدنى قيمة .
ان التاجر إذا سقطت بضائعه في الماء ، سارعت يده إلى استنقاذ أثمنها .
ولما كان من المحتم أن شيئا سيضيع في الماء ، فلتقل بترك الأدنى ولتنقذ ما هو أفضل .


كيف ظهر فضل لقمان وحكمته امام ممتحينه


1510 ان كل طعام كان يُحضر إلى السيد ، كان يبعث به مع شخص إلى لقمان ،
.................................................................
( 1 ) المراد : “ بانتزاع شئ من الذات حينما يكون المرء خارج الوعي “ أن يخلص الانسان الذات من انانيتها .


“ 175 “

حتى يضع لقمان يده فيه ، وكان قصد السيد من ذلك أن يأكل فضلة طعامه .
لقد كان يأكل بقية طعامه ، فينتشى بها . أما الطعام الذي لم يأكل منه لقمان فقد كان يرميه ! 
وان أكل منه فذلك كان بدون رغبة ولا اشتهاء . لقمان كان ارتباطه به لا انفصام له .
( وذات يوم ) أهديت اليه بطيخة ، فقال ( لأحد الغلمان ) : “ اذهب وادع ولدى لقمان “ .

 

1515 وحينما اقتطع منها قطعة وناوله إياها ، أكلها وكأنما هو يأكل السكر أو الشهد .
ومن التذاذه بتذوقها ناوله قطعة ثانية ، وظل ( يعطيه ) حتى أكمل سبع عشرة قطعة .
وبقيت قطعة فقال السيد : “ سوف أكل أنا هذه القطعة ، لأرى كم هي حلوة هذه البطيخة .
ان لقمان يتناولها ملتذا حتى أن تذوقه لها قد جعل الطباع تشتهيها وتلتمس لقمه منها “ .
فحين تناولها السيد وجد لحموضتها مذاق النار ، فالهبت لسانه وأحترق بها حلقه !

 

1520 وأذهله طعمها المر عن نفسه حينا ، ثم قال بعد ذلك للقمان .
“ يا من أنت الروح والوجود ! كيف جعلت هذا السم ترياقا ؟ أم كيف تصورت هذه القسوة لطفا ؟
 

“ 176 “


أي صبر هذا ؟ ومن أي وجه هذا الجلد ؟ أم لعلك تعد الحياة عدوا لك ؟
لما ذا لم تتعلل بحلية تحتج بها ، قائلا : “ ان لي عذرا ، فمهلا على برهة من الزمان “ .
فقال لقمان : “ انني من يديك المنعمتين كم أكلت حتى انحنيت خجلا !


1525  وقد استحيت ألا أستسيغ المر من كفك مرة واحدة ، يا صاحب المعرفة ! 
فما دامت كل أجزائى قد نبتت من انعامك وما دمت غريق حَبِّك وشباكك .
فان أنا صرخت واستغثت من تذوق مرارك مرة واحدة فليُحث فوق كل أعضائي تراب مائة طريق !
لقد كان لهذا البطيخ حلاوة يدك السكرية العطاء ! وكيف كانت هذه تدع أية مرارة في البطيخ ؟ 
“ ان المحبة تجعل المر حلو المذاق ! وبالمحبة يغدو النحاس ذهبي ( الصفات ) !


 1530 وبالمحبة يغدو المتكر ذا صفاء وبالمحبة تكون الأوجاع هي الشفاء ! 
وبالمحبة يُبعث الميت حيا ! والمحبة هي التي تجعل من الملك عبدا .
وهذا المحبة انما هي نتيجة المعرفة . ومن ذا الذي جلس جزاقا على مثل هذا التخت ؟
وكيف تلد المعرفة الناقصة مثل هذا العشق ؟ انها تلد عشقا ناقصا يتعلق بالجماد !
 

“ 177 “


فإذا ما أبصر في جماد لونا مطلوبا ، فكأنما سمع صوت حبيب يدعوه بالصفير .



1535 ان المعرفة الناقصة لا تحسن التمييز . فلا جرم أنها تحسب البرق شمسا .
فالرسول حين قال إن الناقص ملعون ، كان تأويل النقص هنا نقصان العقل .
ذلك لأن ناقص الجسم يكون موضعا للرحمة . وكيف يليق بالمرحوم اللعن والايذاء ؟
أما نقص العقل فهو المرض الخبيث . انه موجب اللعنة ، الجدير بأن يُقصى صاحبه ( عن حضرة الخالق ) .
ذلك لأن اكمال العقول ليس بعيد المنال أما اكمال الأبدان فأمر ليس في المقدور .


1540 فكل كافر بعيد ( عن لقاء ربه ) ، لم ينبثق كفره وفرعونيته الا من نقصان عقله ! 
أما ( المبتلى ) بنقصان البدن فقد جاءه الفرج في قوله تعالى :” لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ “ *” 1 “ .
ان البرق يكون آفلا مفرط البعد عن الوفاء . وبدون الصفاء لن تعرف الآفل من الباقي .
البرق يضحك ، فعلى من يضحك ؟ خبرني ! انه يسخر من المرء الذي جعل قلبه متعلقا بنوره .
.................................................................
( 1 ) الفتح ، 48 : 17 .


“ 178 “

 
ان أنوار الفلك مقطعة الأرجل ، فأين هي من ذلك النور الذي لا هو شرقي ولا غربى “ 1 “ .

 

1545 واعلم بأن البرق مثال لمن يخطف الأبصار “ 2 “ ، أما النور الباقي فهو الذي يُمدها بالعون “ 3 “ .
فركوبك الفرس فوق زبد البحر ، أو قراءتك كتابا في نور البرق ، 
هما - بدافع الحرص - عمى عن ابصار العواقب . انهما سخرية منك بقلبك وعقلك .
فمن خصائص العقل أنه بصير بالعواقب . أما النفس فهي التي لا ترى العواقب .
فالعقل الذي تغلبت عليه النفس أصبح نفسا . انه المشترى ، تغلب زحل عليه ، فصار نحسا .


1550 فأدر في ذلك النحس هذا النظر ، وتأمل حقيقة من صنع لك النحس .
ان ذلك انظر الذي يشهد هذا البحر والمد ، قد شق في النحس سبيلا إلى السعد .
ذلك لأنه ( الخالق ) يحولك دوما من حال إلى حال ، مظهرا لك الضد بضده ابان الانتقال .
وإذ ذاك يتولد لك الخوف من أن تكون من أصحاب الشمال .
وما يشتاق لذة أصحاب اليمين الا الرجال .
...............................................................
( 1 ) انظر : سورة النور ، 24 : 35 .
( 2 ) انظر : سورة البقرة ، 2 : 20 .
( 3 ) حرفيا : “ أما النور الباقي فإنه لها كل الأنصار “ .


“ 179 “

ويكون لك جناحان “ 1 “ ، فالطائر ذو الجناح الواحد يعجز عن الطيران ، أيها المفضال .

 

1555 فلتسمح لي - يا الهى - ألا أعود إلى الكلام ، أو هب لي اذنا بأن أبوح بكل شئ .
وان لم ترد لي هذا ولا ذاك ، فالأمر إليك . فأنى للمرء أن يعرف أين يكون مقصدك .
فلا بد من روح إبراهيم لكي يبصر المرء بنورها الفردوس والقصور في صميم النار ! 
ويرقى درجة إلى القمر ثم الشمس ، ولا يبقى مثل الحلقة أسير الباب .
ثم يتجاوز السماء السابعة مثل الخليل ، قائلا :” لا أُحبُّ الْآفلينَ ““ 2 “ .


1560 ان عالم الجسد هذا مورد للخطيئة ، الا بالنسبة لمن تخلص من الشهودة والهوى .


تتمة قصة الحسد الذي اضمر هؤلاء الحشم
لذلك الغلام الذي كان أثيرا عند السلطان

ان قصة المليك والأمراء ، وحسدهم ذلك الغلام الخاص الذي كان سلطان الحكمة ،
.................................................................
( 1 ) الجناحان يراد بهما الخوف والرجاء المشار اليهما في البيت السابق
( 2 ) الأنعام ، 6 : 76 .


“ 180 “

قد أبعدنا عنها ما جرنا اليه استطرادنا في القول . وقد وجبت العودة إليها الآن لاكمالها .
فكيف لا يعرف بستاني الملك - ذلك الموفق السعيد - كيف يميز بين شجرة وشجرة ؟
بين تلك الشجرة التي هي مرة منبودة ، وذلك الشجر الذي تعدل واحدة منه سبعمائة شجرة .


1565 وكيف يسوى بينهما في الرعاية حين ينظر اليهما بعين العاقبة ؟
ومهما بدت هذه الأشجار متشابهة ساعة النظر إليها ، فما الغاية منها ؟ انها الثمار .
ان الشيخ الذي تحقق له أن ينظر بنور الله ، أصبح عارفا بالنهاية والبداية .
لقد أغلق في سبيل الحق تلك العين التي ترنو إلى حظيرة ( الدنيا ) ، وسارع إلى فتح تلك العين التي تبصر العاقبة .
وهؤلاء الحاسدون كانوا أشجارا رديئة . لقد كانوا ذوي جوهر مر ، وطالع منحوس !

 

1570 لقد كانوا يجيشون بالحسد ويُزبدون ، وكانوا ينشرون المكر في الخفاء .
وذلك لُيطيحوا برأس ذلك الغلام الأثير ، ويقتلعوا جذوره من الزمان .
وكيف يغدو فاينا وقد كان المليك ، روحه ؟ وأما جذوره فقد كانت في عصمة الله .
ولقد وقف الملك على هذه الأسرار ، لكنه لزم الصمت مثل أبى .
 

“ 181 “

بكر الربابى “ 1 “ .
وبينما هو يشهد قلوب ذوي الجوهر الخبيث كان يصفق بيديه ( ساخرا ) من هؤلاء الخزافين .

 

1575 لقد كانوا قوما محتالين يصطنعون المكر ، ليغرقوا المليك في كوب فقاع ! 
وكيف يتسع كوب الفقاع - أيها الحمير - لملك بالغ العظمة لا حدود له ؟
لقد كانوا يحيكون شبكة للمليك لكنهم في عاقبة الأمر تعلموا منه ذلك التدبير .
فماأنحس التلميذ الذي يشرع في منافسة أستاذه ويتصدى له ! ولأي أستاذ ( يكون هذا التصدي ) ؟
انه أستاذ الكون الذي يستوى أمامه الظاهر والمكنون !
 

 1580 لقد صارت عيه ناظرة بنور الله فمزقت بذلك حجب الجهل .
وهذا التلميذ فد تحجب أمام ذلك الحكيم بستار من قلبه المهلهل كالبساط البالي .
فهذا الستار يضحك مه بمائة فم ، كل فم منها غدا ثغرة ( تنكشف من خلالها أسراره ) .
فيقول الأستاذ للتمليذ : “ يا أخس من الكلب ! أما عندك وفاء لي ؟
.................................................................
( 1 ) يذكر الشراح ان أبا بكر الربابى كان أحد الصوفية المولهين وأنه لزم الصمت مدة طويلة ، بلغت سبعة أعوام . وأنه كان إذا سمع كلاما موجبا للقهر تحمله وضرب الأرض برجله . انظر المنهج القوى ، 2 ، 363 وكذلك تعليقات نيكولسون .

“ 182 “

فهب أنني لست أستاذا يقطع الحديد ، وهب أنني مثلك تلميذ عمي القلب ،


 1585 ألم يكن لك منى عون في نفسك وورحك ؟ وبدون ما كان ينساب من أجلك ماء ! 
فقلبي كان مصنعا لحسن طالعك ، فلماذا تُحطم هذا المصنع ، أيها الخالي من الرشد ؟
انك تقول : “ لقد كنت أقدح النار في الخفاء “ . أو ليست هناك نافذة بين القلب والقلب ؟
فهو في العاقبة يطلع من هذا النافذة على فكرك . فالقلب يشهد على ما يدور في خلدك .
وهب أنه - لكرمه - لا يعنف في مواجهتك ويبتسم لكل ما تحدثه به ، ويقول : “ نعم “ .

 

1590 فليس ابتسامه لأنه ملتذ بريائك بل هو يضحك ( هازئا ) من خفي أفكارك ! 
فالخداع قد أضحى جزاء للخداع فاضرب بكأس تُضرب بكوز ، ذلك جزاء وفاق .
فلو أنه كان قد ابتسم لك بسمة الرضى ، لتفحت لك مثات الألوف من الورود .
فقلبه ان أقدم برضاء على عمل ، فاعلم أنه مثل الشمس تدخل برج الحمل .
فبها يضحك النهار ويزدهر الربيع . وبها تتفتح الأزاهير وتمازج خضرة الرياحين .


“ 183 “

 
1595 وآلاف البلابل والقمارى تصب غناءها في هذا العالم المحروم .
فان أنت أبصرت أوراق ورحك مصفرة ثم مسودة فكيف لا تدرك غضب المليك ؟
ان شمس المليك في برج العتاب تجعل الوجوه سوادء مثل الكتاب “ 1 “ .
وأرواحنا أوراق لعطارد ( يخط فيها ) ، وهذا البياض وذاك السواد ميزاننا .
ثم يعود فيخط منشورا بمداد أحمر وأخضر وذلك لتنجو الأروح من الكآبة والعجز .


1600 ولقد جاء خط الربيع باللون الأحمر والأخضر ، بل هو - لو تأملته “ 2 “ - شبيه بخط قوس قزح .

 
كيف شع تعظيم كتاب سليمان عليه السلام
من صورة الهدهد الحقيرة إلى قلب بلقيس

مائة رحمة على بلقيس ، تلك التي وهبها الله عقل مائة رجل ! 
لقد حمل الهدهد إليها كتابا ، عليه خاتم سليمان ، وبه بضع كلمات ذات بيان .
فقرأت تلك النكات ذات الشمول ، ولم تنظر باحتقار إلى الرسول .
لقد رأته عينها هدهدا ، أما روحها فقد أبصرته عنقاء ! ورآه حسها مثل الزبد وأما قلبها فرآه مثل البحر !
.................................................................
( 1 ) فضلنا هنا رواية “ همجون كتاب “ على “ همجون كباب “ ، لأنها أوثق ارتباطا بمعانى الأبيات التالية .
( 2 ) حرفيا : “ وهو في الاعتبار . . . “
 

“ 184 “


1605 ان العقل - من جراء هذه الطلاسم ذات اللونين - في حرب مع الحسن كحرب محمد مع أمثال أبى جهل .
فعند الكفار أن أحمد ليس سوى بشر ، ما داموا لم يشهدوا منه معجزة شق القمر .
فعينك التي لا تتجاوز شهود الحس جديرة بأن تملا بالتراب . ان عين الحسن عدو للعقل والدين ! 
ولقد وصف الله عين الحسن بأنها عشواء ، ونعتها بأنها عابدة للصنم عدو لنا .
ذلك لأنها أبصرت الزبد ولم تبصر البحر ، وكذلك لأنها شهدت الحال ولم تشهد الغد .

 

1610 - ان سيد الغد والحال أمامها ، لكنها لا ترى من الكنز مثقال شعيرتين ! 
فلو أن ذرة حملت رسالة من تلك الشمس لغدت شمس الدنيا خادمة لتلك الذرة ! 
والقطرة التي جاءت سفيرا من بحر الوحدة ، تكون البحار السبعة من أساراها ! 
ولو أن سفيره كان حفنة من تراب ، لخفضيت الأفلاك رؤوسها أمام ترابه ! 
فتراب آدم حين غدا سفيرا للحق ، خفضت رؤوسها له ملائكة الحق .

1615 ولأي شئ كان انشقاق السماء “ 1 “ ؟ ان ذلك لأن ترابيا قد فتح عينا !
................................................................
( 1 ) انظر : سورة الانشقاق ، 84 : 1 .



“ 185 “


ان التراب يرسب تحت الماء لكثافته . لكن تأمل ذلك التراب الذي تجاوز العرش مسرعا ! 
فاعلم اذن أن لطافة الماء ليست من الماء ، وانها ليست سوى عطاء المبدع الوهاب .
فلو أنه جعل الهواء والنار سفلين ولو أنه جعل الشوك يتفوق على الورد ، 
فهو الحاكم وهو الله يفعل ما يشاء . وهو الذي يبعث الدواء من عين البلاء !

 

 1620 - فلو أنه جعل الهواء والنار سفليين ، وجعلهما ظلمة وكدرا وثقلا ، 
ولو أنه جعل الثرى والماء علويين ، وجعل طريق الأفق ممهدا تطويه الأقدام ، 
فقد أصبح من اليقين أن الذي يعز من يشاء هو الذي قال لكائن ترابى : “ انشر جناحيك “ .
وهو الذي قال للنار : اذهبي ، وكونى إبليس ، واهبطى بتلبيسك إلى حضيض الأرض السابعة .
يا آدم ، أيها الترابى ! اصعد فوق السها ! وأنت يا إبليس أيها النارى ! اهبط إلى حضيض الثرى !

 

 1625- انني لست الطبائع الأربع “ 1 “ ولا العلة الأولى ، وانما أنا الباقي والمتصرف على الدوام .
وفعلى مستقيم وليس بذى علة . كما أن تقديرى لا علة فيه ، أيها السقيم .
.................................................................
( 1 ) الطبائع الأربع هي الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة .

“ 186 “
 
وانى لأبدل عادتي حين أشاء . وأقر هذا الغبار الثائر حين أريد .
وأقول للبحر : “ هيا ، كن مليئا بالنار “ . وأقول للنار :
“ اذهبي وكونى بستان ورد “ وأقول للجبل : “ كن خفيفا كالصوف “ “ 1 “ . وأقول للفلك “ كن ممزقا متداعيا أمام العين “ .
 
1630 وأقول : “ أيتها الشمس كونى مقترنة بالقمر “ ، واجعلهما معا كقطعتين من الحساب الأسود .
ونحن الذين نجفف عين الشمس ، ونجعل بالقدرة عين الدم مسكا .
والشمس والقمر يغدوان كثورين أسودين ، يثقل الاله عنقيهما بالأعباء .
 
انكار المتفلسف قراءة “ ان أصبح ماؤكم غورا “
 
كان أحد المقرئين يقرأ من الكتاب ( قوله تعالى ) :” إنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ““ 2 “ ، يعنى “ لو أنني حبست الماء عن العين ، وحجبت المياه في الأغوار ، وجففت العيون وجعلت الأرض قاحلة ،
.................................................................
( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ وتكون الجبال كالعهن المنفوش “ . سورة القارعة ، 101 : 5 .
( 2 ) اقتباس من قوله تعالى : “ قل أرأيتم ان أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين “ . ( سورة الملك ، 67 : 30 ) .

 
“ 187 “
 
1635 فمن ذا الذي يعود بالماء ثانية إلى العيون ، سواي أنا ، من تنزه عن مثيل في الفضل والجلال “ .
وكان يمر بجوار المكتب حينذاك متفلسف منطقي مستهان القدر .
فحينما استمع إلى الآية قال ساخرا : “ سوف نحصل على الماء بالمعول .
اننا بضربة الفأس وحدة المعول نخرج الماء من جوف الأرض إلى سطحها “ “ 1 “ .
ونام تلك الليلة ، فرأى في المنام أن رجلا شجاعا ضربه ضربة أعمت كلتا عينيه ،
 
1640 وقال له : “ أيها الشقي ! ان كنت صادقا فاستنبط بالفأس بعض النور من نبعى عينيك “ .
ونهض الرجل في الصباح فوجد عينيه قد عميتا . ووجد أن النور الفياض قد اختفي منهما ! 
فلو أنه انتحب واستغفر ربه لرد اليه - بكرم الله - ما فارقه من نور البصر ! 
لكنه لم يكن في وسعه الاستغفار فمذاق التوبة ليس نقلا لكل نشوان .
ان قبح أعماله وشؤم جحوده قد أغلقا أمام قلبه سبيل التوبة
 
1645  ان قلبه بقسوته صار مثل وجه الصخر . فكيف تستطيع التوبة أن تشقه من أجل الغراس .
فأين مثيل شعيب حتى يجعل الجبل بدعائه تربة للزراعة .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ من أسفل إلى أعلى “ .


“ 188 “
 
ان الأمر الصعب المستحيل قد غدا ممكنا بضراعة الخليل وايمانه .
وكذلك بسؤال المقوقس ، للرسول ، صارت أرض صخرية مزرعة كاملة الصفات ! 
وعلى العكس من ذلك انكار المرء ، فهو يجعل الذهب نحاسا والصلح حربا !
 
 1650 ان هذا الغش بمثابة كهرباء المسخ ! وانه ليحول الأرض الخصبة إلى حجارة وحصى ! 
وليس كل قلب بمأذون أن يخر ساجدا ، فجزاء الرحمة ليس نصيبا لكل عامل .
فحذار ، لا تقترف الجرم والاثم مستندا إلى ذلك ، ( قائلا ) :
“ لسوف أتوب ثم ألتجىء إلى الله “ .
فلا بد للتوبة من لهيب وماء ! لا بد للتوبة من برق وسحاب ! ولا بد للثمار من نار وماء . 
وتلك الظاهرة يلزم لتحقيقها البرق والسحاب .
 
1655 فبدون برق القلب وسحاب العينين ، كيف كانت تسكن نار التهديد والغضب ؟
وكيف كانت تنمو خضرة ذوق الوصال ، أم كيف كانت تجيش العيون بالماء الزلال ؟
وكيف كانت حديقة الورد تبوح بسرها للبستان ؟ أم كيف كان البنفسج يرتبط بالعهد مع الياسمين ؟
وكيف كان شجر الغرب يبسط أيديه في الدعاء ؟ أم كيف كانت أية شجرة تعلو برأسها في الهواء ؟
 
“ 189 “
 
وكيف كانت البراعم ذات الأكمام الحافلة بالنثار تنفض أكمامها أيام الربيع ؟
 
1660 ومتى كانت خدود الأقاحى تشتعل بلون الدماء ؟ ومتى كان الورد يبرز العسجد من أكياسه ؟
ومتى كان البلبل يأتي ويشم عبير الورد ؟ ومتى كانت الفاختة تهتف “ كوكو “ كأنها تقول “ أين ؟ أين ؟ “ “ 1 “ .
ومتى كان اللقلق يهتف بروحه “ لك لك “ ؟ وماذا تعني “ لك “ ؟
انها تعنى : “ لك الملك أيها المستعان “ .
وكيف تظهر الأرض أسرار الضمير ؟ وكيف يغدو البستان منيرا كالسماء ؟
ومن أين قد جاءا بهاتيك الحلل ؟ انها كلها من كريم رحيم .
 
1665 فهذه اللطائف كلها علامة للشاهد . انها آثار القدم ( يقتفيها ) الرجل العابد .
وليس يسعد بالأثر الا من رأى المليك . أما من لم يره فليس له انتباه إلى ذلك .
فروح ذلك الانسان الذي في ساعة “ ألست “ ، رأى ربه ، وغدا ذاهلا ثملا ، هو الذي يعرف رائحة الخمر ، 
لأنه قد احتسى الخمر . ومن لم يكن قد احتساها فإنه لا يعرف شذاها .
ذلك لأن الحكمة مثل الناقة الضالة ، لكنها كالمنادى ، دالة للملوك .
.................................................................
( 1 ) حرفيا : “ومتى كانت الفاختة تهتف ( كوكو ) كأنها طالب“ . و“ كو “ معناها “أين؟“ .

“ 190 “
 
1670 - وانك لترى في منامك وجها لطيفا ، وهذا يعطيك وعدا وعلامة ، ( قائلا ) ان مرادك سوف يتحقق ، 
وآية ذلك أن فلانا سوف يزورك في الغد .
ومن علامات ذلك الزائر أن يكون راكبا . ومن علاماته أنه يحتضنك .
ومن علاماته أنه سوف يواجهك مبتسما . ومن علاماته أنه سوف يطوى أمامك ساعديه .
ومن العلامات أنه حين يجئ الغد - فإنك لا فتتانك بهذا الحلم - لا تخبر به انسانا .
 
1675 ومن تلك العلامات أيضا قول الحق لزكريا :” آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ““ 1 “ .
فالزم الصمت ثلاثة أيام مهما أصابك من خير أو شر . فهذه آية منبئة بأن يحيى سوف يأتي إليك .
ولا تنبس بكلمة طيلة الأيام الثلاثة . فان هذا السكوت آية حصول مرادك .
فحذار ، ولا تبح في القول بتلك العلامة . واجعل هذا الكلام خبيئا في قلبك .
وهكذا يحدثه بهذه العلامات الحلوة كالسكر . بل ماذا تكون هذه ؟ انه ينبئه بمائة أخرى .
 
1680 - فهذه علامة بأنك سوف تتلقى من الله ذلك الملك الذي كنت تنشده –
.................................................................
( 1 ) انظر : سورة آل عمران ، 3 : 41 .


“ 191 “
 
ذلك الذي بكيت من أجله خلال الليالي الطوال ! ذلك الذي كنت تتحرق بالضراعة من أجله خلال الأسحار !
ذلك الذي - بدون تحققه - غدا نهارك مظلما ، وغدا عنقك نحيفا كالمغزل ! 
ذلك الذي قدمت كل ما تملك زكاة في سبيله ، فغذت بضاعتك شبيهة بزكاة الذين يتخلون عن كل شئ .
فتخليت عن متاعك ونومك ولون وجهك ، وجعلت رأسك فداء لمرادك ، وغدوت في نحول الشعرة “ 1 “ !
 
1685 - ولكم ( في سبيله ) جلست في النار مثل العود ، وكم تصديت للسيف مثل الخوذة .
ومن أمثال هذه الاندفاعات - التي لا حيلة فيها - مئات الآلاف ، وكلها من صفات العشاق التي لا يسعها حصر ! 
وأقبل الصبح بعد أن رأيت في ليلك هذا الحلم ، فغدا نهارك مظفرا بتلك البشائر .
فأدرت عينيك نحو الشمال ونحو اليمين ، متفكرا ، أين تلك الآية وأين هاتيك العلامات ؟
فها أنت ذا ترتعد كورقة النبت ( قائلا ) : “ أواه لو مضى النهار بدون أن تظهر تلك الآية “ .
 
1690 - وها أنت ذا تجرى في الشوارع والأسواق والديار ، كما يجرى رجل قد أضاع عجلا !
.................................................................
( 1 ) يصف هنا الصوفي الذي يتخلى عن كل متع الحياة ومغرياتها المادية .


“ 192 “
 
خيرا أيها السيد ؟ ولأي شئ جريك هذا ؟ ومن هذا الذي يخصك ، وقد أضعته هنا ؟
فتقول : “ انه خير ، ولكن خيري أنا لا يجوز أن يعرفه أحد سواي ! فلو أنني تحدثت عنه لضاعت مني آيتي . 
وان ضاعت الآية ، فقد حان وقت الموت “ .
وها أنت ذا تحملق في وجه كل راكب ، فيقول لك : “ لا تحملق في وجهي كالمجنون ! “
 
1695 - فتقول له : “ انني قد فقدت صاحبا . وقد وليت وجهي لطلبه والبحث عنه .
فيا أيها الراكب ، كن رحيما بالعشاق ، ومهد لهم الأعذار ! أدام الله لك السعادة “ .
فحينما اجتهدت في الطلب تحقق لك النظر . والجدّ لا يخطئ ، كما جاء في الخبر .
فقد أقبل - على غير توقع منك - فارس سعيد ، وإذا به يضمك بقوة إلى صدره .
وإذا بك تفقد الوعي ، وتقع فوق ظهرك . فيقول من لا خبر عنده : “ ان هذا لخداع ونفاق “ .
 
1700 - وأي بصر لهذا بما يداخل سواه من الوجد ؟ انه لا علم له بمن تنبىء بوصاله هذه العلامة .
ان هذه العلامة ذات مغزى لمن أبصرها ( من قبل ) . أما سواه فكيف تتضح له هذه العلامة ؟
 
“ 193 “
 
فالمرء تتلقى روحه روحا ، كلما أقبلت من الخالق احدى الآيات .
انها الماء وقد أقبل نحو السمكة المسكينة . فهذه العلامات هي ما يعنيه قوله تعالى :” تلْكَ آياتُ الْكتاب “ *” 1 “ .
وهذه الآيات التي خص بها الأنبياء ، وقف على ذلك الروح الذي يكون من العارفين .
 
1705 لقد بقي هذا الكلام ناقصا وبدون قرار . فلا طاقة لي فاعذرنى ، انى فقدت فؤادي ! 
وكيف يستطيع امرؤ أن يعد الذرّات ، وبخاصة من كان قد ذهب بعقله العشق ! فهأنذا أعد أوراق البستان ! 
وهأنذا أحصى أصوات البط والغربان ! وليس يحصيها عدّ ، لكني أعدها ليكون ذلك سبيلا لرشد المتحن .
ولو أنك عددت نحس كيوان أو سعد المشترى فما للحصر سبيل إلى ذلك .
 
1710 - لكن من الواجب شرح بعض من هذين الأثرين ، أعنى ما ينجم عنهما من نفع أو ضر .
وذلك ليعلم أهل السعد والنحس قدرا يسيرا من آثار القضاء .
فمن كان طالعه المشترى غدا سعيدا بابتهاجه ونباهة شأنه .
ومن كان طالعه زحل ، فلا بد له أن يكون في الأمور محتاطا من كل الشرور .
.................................................................
( 1 ) هذه العبارة وردت في مواضع عدة من القرآن الكريم . انظر مثلا :
سورة يونس ، 10 : 1 .

“ 194 “
 
ولو أنني حدثت زحلي الطالع عن نار زحل ، لاحترق بها ذلك المسكين !
 
 1715 - لقد أذن لنا الله ( أن نذكره ) إذ قال :” اذْكُرُوا اللَّهَ “ *” 1 “ . فقد رآنا في النار فوهبنا النور .
وقال : “ مع أنني منزه عن ذكركم ، ومع أن تصاويركم ليست لائقة بي ، 
فإنه لا سبيل - أمام المولع بالتصوير والخيال - إلى ادراك ذاتنا بدون مثال .
وان التصور الجسماني لخيال ناقص . فوصف الجلالة برئ من تلك ( التصورات الحسية ) .
فلو أن شخصا يقول : “ ان المليك ليس بحائك “ . فأي مدح هذا ؟ لا بد أن قائله من الجهلاء .
* * *

شرح كيف جاء الرفاق إلى البيمارستان من أجل ذي النون
قدس الله سره العزيز
“ 488 “
 
( 1391 ) “ ليس في الامكان وقف اندفاع الصوفي ، مهما ضاق العوام بما قد يظهر عليه من أحوال ، لا يروقهم ظاهرها .
 
( 1392 ) قول الشاعر : “ والملوك ليست لهم علامة ظاهرة “ ، يعنى أن العارفين لا يظهر عليهم ما يميزهم في نظر العوام .
 
( 1393 ) “ إذا كان الحكم في يد أسارى الحس الجهلاء ، فلا غرابة إذا أصبح السجن مصير العارفين “ .
 
( 1394 ) ان الصوفي مَلك بقوته الروحية وبعرفانه . لكن قوة الروح والعرفان لا يظهر انه في أبهة الملك التي يعرفها العوام . فكأنه ملك يمشى وحيدا ( مجردا من أبهة الملك ) ، فيعبث به الصبية . و “ الصبية “ هنا رمز لجلاء الناس وعوامهم . وهم في سوء تقديرهم للعارف الكامل كالأطفال إذ يعبثون بالدرة اليتيمة ، ولا يعرفون شيئا عن قيمتها .
 
( 1395 - 1397 ) سبق للشاعر أن وازن بين ظاهر الولي وبين حقيقة حاله ، وضرب مثالا لذلك بالنبي صالح الذي كان فردا واحدا فانتصر - بقدرة الله - على قبيلة بأسرها . والأبيات هنا قريبة المعنى من أبيات جاءت قبل ذلك في المثنوى ( ج 1 ، 2502 - 2508 ) .
 
( 1396 ) قد يبدو الولي في بداية الأمر بسيط المظهر ، لكن حقيقته - المحتجبة وراء مثل هذا المظهر - تنكشف بعد ذلك رويدا رويدا .
 
( 1397 ) “ إذ تجلى الانسان الكامل تلاشت في ضيائه الكائنات جميعا ، وسكوت بكماله ، ثم صحت على وجود أسمى “ . ( انظر :
الجيلى : الانسان الكامل ، ج 2 ، الباب 60 ، ص 47 وما يليها ) .
ومن أمثلة ما قاله عن الانسان الكامل : “ وقد جرت سنته صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يتصور في كل زمان بصورة أكملهم ، ليعلى شأنهم ويقيم ميلانهم “ . ( ص 50 ) . وكذلك قوله : “ والانسان ! الكامل أيضا مرآة الحق ، فان الحق تعالى أوجب على نفسه ألا ترى أسماؤه وصفاته لا في الانسان الكامل “ . ( ص 52 ) .

 
“ 489 “
 
( 1401 ) كيف يلتمس المسيحي الأمان من السيد الذي صلب . وما دام هذا السيد ذاته قد تعرض للصلب ، فكيف يستطيع أن يدفع عن غيره السوء . ويعتقد المسلمون أن السيد المصلوب ليس المسيح عيسى بن مريم .
 
( 1402 ) “ ان كان المسيح قد صلب على أيدي اليهود ، وفقا لاعتقاد ذلك المسيحي ، فكيف يستطيع أن يمده بالعون ؟ “ ( 1403 ) مهما كانت محبة ذلك الرسول الكريم ( عيسى ) لقومه ، وحرصه عليهم ، فلا سبيل اليه أن يتحقق لهم بعد الرتفاعه ما كان يتحقق لهم من الأمان ابان وجوده بينهم . ويستند هذا المعنى على آية كريمة خوطب بها الرسول في سورة الأنفال . قال تعالى : “ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون “ . ( 8 : 33 ) .
 
( 1404 ) انتقل الشاعر هنا إلى تصوير حياة الولي بين قومه . وقد قدم لها بالحديث عن حياة الأنبياء بين أقوامهم . فالرجل الكامل يكون دائما عرضة لزيف المزيفين ، وتزوير أهل الخيانة ، كما يكون الذهب وصائغه هدفا للمزيفين والمزورين .
 
( 1405 ) الحسد هو القوة التي تدفع الناس إلى محاربة أهل الكمال .
وهو قوة مدمرة ، تجعلهم يعيشون في لهيب مستعر ، وتدفعهم إلى الايذاء دفعا . ومن هنا كان ميل أهل الكمال إلى اخفاء حقيقتهم وانصرافهم عن الظهار مزاياهم .
 
( 1406 ) الجبّ الذي ألقى به يوسف كان نتيجة لحسد اخوته .
فالحسد هو الجبّ الحقيقي . وأهل الكمال هدف وضحية لهذا الجب الذي يكمن في طريقهم ، وهو الحسد . فالحاسدون يسعون إلى اهلاك كل من تفوق عليهم .
 
( 1407 ) الذئب الذي تحدث عنه اخوة يوسف وذكروا لأبيهم أنه أكل أخاهم ، لم يكن سوى ذئب الحسد الذي كمن له في الخفاء ، ذلك

 
“ 490 “
 
لأنه لم يكن هناك ذئب حقيقي . وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى ، حكاية عن اخوة يوسف : “ قالوا يا أبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب “ . ( 12 : 17 ) .
 
( 1408 ) حينما طلب اخوة يوسف من أبيهم أن يرسله معهم يرتع ويلعب عبر لهم يعقوب عن خوفه من أن يأكله الذئب وهم عنه غافلون قال تعالى حكاية عن يعقوب : “ قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأتتم عنه غافلون “ . ( 12 : 13 ) . فالذئب الذي خاف منه يعقوب هو في رأى الشاعر ذئب الحسد الذي كان يغلى في نفوسهم ، وكان من الممكن أن يدفعهم إلى ايذائه وهم في غفلة عما بينه وبينهم من إخاء . وفي آيات القرآن الكريم ما يوضح خوف يعقوب على يوسف من حسد اخوته له . قال تعالى : “ قال يا بنى لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا “ . ( 12 : 5 ) .
 
( 1411 ) آلاف الذئاب لا يكون لها من المكر ما يكون لذئب الحسد .
ذلك لأن ذئب الحسد يدبر كيده في الخفاء . لكنّ أمره لا بد أن يفتضح في النهاية .
 
( 1412 - 1415 ) ذكر الشاعر الصور التي يحشر عليها الحاسدون والحريصون والزناة وشاربو الخمر . أما أصحاب القلوب النتنة ، الذين لا يظهر في الدنيا نتن قلوبهم ، فسوف يصبح تنها - في آلآخرة - ظاهرا محسوسا .
 
( 1416 - 1417 ) في البيتين تصوير رائع للوجود الآدمي . فقد شبهه الشاعر بغابة كثيفة الأشجار ، لا يعرف أحد ما يجوس خلالها من الوحوش الضوارى . فالانسان لا ينبئ بظاهره عن حقيقة باطنه .
 
( 1420 ) الكيان البشرى قابل لا كتساب الصفات الجميلة والقبيحة .
فقد تنفذ اليه صفة غادرة شبيهة بصفات الذئب ، وقد تنفذ اليه صفة جميلة ، كأنها يوسف في جمال محياه .

 
“ 491 “
 
( 1422 ) لا يقتصر اكتساب الصفات على الانسان وحده ، بل ربما اكتسبها الحيوان من الانسان .
 
( 1427 ) الصدور يرتبط بعضها ببعض خلال طريق خفي يدركه العارفون . فالصدور تمد شباكها لتتصيد المعارف والخصال من سواها .
وقد رمز الشاعر إلى العارفين بالأسود . ولا داعى للأخذ بالتفسيرات القديمة ( انظر المنهج القوى ، 2 ، ص 332 ) ، كما أنه لا ضرورة لتفسير “ الأجمة العجيبة “ في هذا البيت بأنها “ أجمة الذات الإلهية المشتملة على كل إيوان الوجود والعقل الإلهي المتضمن لجميع الأفكار “ . فالشاعر هنا يتحدث في موضوع تعليمي ، هو امكان اكتساب المعارف من العارفين .
وفي البيت التالي لهذا يحث المريدين على سرقة جواهر المعرفة من صدور العارفين . “ فالأجمة العجيبة “ هنا ليست سوى صدر الانسان بما ينطوى عليه من عجائب .
 
( 1428 ) قول الشاعر : “ يا من أنت أقل من كلب “ توبيخ للمريد الذي لم يستطع أن يقتبس المعرفة من الشيخ العارف ، وبهذا لم يبلغ ما بلغه كلب أصحاب الكهف ، حين اكتسب الصلاح من أصحابه .
 
( 1429 ) في البيت إشارة إلى مثل عربى نصفه : “ إذا سرقت فاسرق الدرة “ . فالشاعر يخاطب المريد قائلا : “ ان كان لا بد لك أن تسرق ، فدرة العرفان هي أثمن شئ يسرق . وفي هذا المعنى دعوة إلى تحويل الرذائل الحسية إلى فصائل روحية .
 
( 1434 ) “ العقلاء “ هنا هم العقلاء الدنيويون .
 
( 1436 - 1441 ) تشير هذه الأبيات إلى قصة وردت في تفسير آيات من سورة البقرة . يقول الزمخشري : “ كان في بني إسرائيل شيخ موسر ، فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه ، وطرحوه على باب مدينة ، ثم جاءوا يطالبون بديته . فأمرهم الله أن يدبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبرهم بقاتله . . .
“ 492 “
 
وروى أنهم لما ضربوه قام بإذن الله وأو داجه تشخب دما ، وقال :
قتلني فلان وفلان لا بنى عمه ، ثم سقط ميتا ، فأخذا وقتلا “ . ( الكشاف ج 1 ، ص 148 ، 153 ) . وقد وردت هذا القصة في تفسير الآيات 67 ، 72 ، 73 من سورة البقرة . قال تعالى : “ وإذ قتلتهم نفسا فادَّار أتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون . فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون “ . ( 2 : 72 - 73 ) .
 
( 1442 ) هذا البيت يتضمن التفسير الصوفي للقصة السابقة . فحينما تقتل شهوات الجسد الغليظ ويقضى على تسلطه ، يبعث الروح حيا .
والبقرة في القصة السابقة رمز للكيان الجسدي الغليظ .
 
( 1443 ) حينما قتلت البقرة - رمز الكيان الجسدىّ الغليظ - تكشفت الأسرار ، وظهر ما كان خافيا . وهكذا الحال عندما يقُضى على الجسد ، فالروح يتحرر حينذاك ، ويطلع على عالم الغيب ، وخفىّ الأسرار .
 
( 1444 ) حينذاك يصبح الروح قادرا على كشف حقيقة الشياطين المستترين ، ولا يكون للخداع والمكر سبيل للايقاع به . وربما كانت “ الشياطين المستترة “ هنا رمزا لشهوات الحس التي تزين اللذات للناس ، كما يفعل الشيطان . ووصف الشياطين بأنها “ دائبة على سفلك الدماء “ رمز إلى أنها مثابرة على قتل الأرواح .
 
( 1445 ) “ قتل البقرة “ ، يعنى قتل رغبات الحس ، وشهوات الجسد .
 
( 1464 ) رُوى عن مجاهد أنه قال : “ كان لقمان عبدا أسود ، عظيم الشفتين مشقق القدمين “ . ( الثعلبي : قصص الأنبياء ، ص 391 ) .
 
( 1465 ) يبدأ الشاعر هنا رواية حكاية عن مَلك وصوفي . وتتضمن هذه الحكاية حكمة في الزهد نسبت إلى مصادر متعددة . ومن أقدم من نسبت إليهم ديوجانس الكلبي . يذكر الشهرستاني أن ديوجانس سئل :

 
“ 493 “
 
كم عبد لك ؟
قال : أربابكم ، يعنى الغضب والشهوة . ( الملل والنحل ، 2 ، 150 ) .
وقد بين نيكولسون ورود قصة الملك والصوفي في كشف المحجوب للهجويرى ، كما تتبع فروزانفر هذه القصة في مختلف مصادرها ( مآخذ قصص ، 53 - 55 ) .
وتروى القصة أن ملكا التقى بأحد الدراويش . فخاطب الملك الدرويش قائلا : “ سلني حاجة “ . فقال الدرويش : “ لست أريد شيئا ممن هو عبد العبيدي “ . فقال الملك : “ وكيف كان ذلك ؟ “ فقال الدرويش : “ ان لي عبدين كلاهما سيد لك ، أحدهما هو الحرص وأما ثانيهما فهو طول الأمل “ .
 
( 1469 ) الملك الحق هو الذي لا يكون للمُلك سلطان على نفسه ، فلا يتسرب إليها - من جرائه - الغرور والحرص .
 
( 1470 ) الكنز الحقيقي هو الروح اليقظ . وصاحب هذا الروح هو مالك الكنز ، لأنه ظفر بالوجود الحق . أما المعتد بوجوده الحسى فلا سبيل له إلى الوجود الحق .
 
( 1472 ) قول الشاعر : “ فالجوهر أدنى في نظرهم من القش “ ، يعنى أن الناس يقبلون على الزائف ويقدرونه ، على حين أنهم يعرضون على الجوهر الأصيل ، ولا يدركون قيمته .
 
( 1478 - 1479 ) جاء في رسالة القشيري ( ص 107 ) رواية عن أحمد بن عاصم الأنظاكى : “ إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق ، فإنهم جواسيس القلوب ، يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تحسون “ .
ويتصل هذا المعنى بملكة الفراسة التي تنسب إلى العارفين . ويبنى القول بها على حديث يروى عن الرسول قوله : “ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله “ . يقول القشيري ( ص 105 ) : “ وهي ( الفراسة ) على

 
“ 494 “
 
حسب قوة الايمان ، فكل من كان أقوى ايمانا كان أحد فراسة “ . وقد فُسِّر قوله تعالى : “ ان في ذلك لآيات للمتوسمين “ ( 15 : 75 ) ، بأن “ المتوسمين “ هم أهل الفراسة ، العارفون بالسمات .
ونقل القشيري عن الواسطي قوله : “ ان الفراسة سواطع أنوار لمعت في القلوب ، وتمكين معرفة حملت السرائر في الغيوب ، من غيب إلى غيب ، حتى يشهد الأشياء من حيث أشهده الله الحق سبحانه إياها ، فيتكلم على ضمير الخلق “ . ( الرسالة ، 105 ) .
 
( 1483 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير وألنَّا له الحديد “ . ( 34 : 10 ) .
فمن لان في كفه الحديد فما أهون الشمع في كفيه ، ومن كان عالما بأسرار الوحدانية فما أهون أسرار الخلق عليه .
 
( 1495 ) السيادة في الدنيا ليست دليلا على السيادة في الآخرة ، ولا ضعة الشأن مقدمة لحدوث ذلك في الآخرة ، بل كثيرا ما يكون الوضيع في الدنيا سيدا في الآخرة ، والسيد في هذا العالم وضيع المقام خاوى الوفاض في العالم الآخر .
 
[ شرح من بيت 1500 إلى بيت 1650 ]
 
( 1500 ) ليس كتمان السر عن الأشرار فعلا عظيما يستدعى الاعجاب ، فهذا من الأمور التي لا يقتصر ادراكها على خاصة العارفين . ان الفعل العجب يتجلى في مقدرة المرء على كتمان سره عن نفسه . و “ كتمان السرّ عن النفس “ ، يعنى الامتناع عن الاحساس بالذات ، لأن ذلك يبعث الغرور في النفس . وتهذيب النفس على هذا النحو يعُتبر - عند الصوفية .
- نهجا رفيعا من الاخلاص . روى عن أبي على الدقاق أنه قال :
“ الاخلاص هو التوقي عن ملاحظة الخلق وصدق التنقى من مطالعة النفس .
فالمخلص لا رياء له ، والصادق لا اعجاب له “ . ( رسالة القشيري ، 95 ) .
 
( 1502 ) “ اسلام النفس إلى شباك المثوبة “ ، كناية عن تقديمها إلى الله . وحنيما يتحقق هذا الموقف لا يبقى للمرء حرص ذاتي ، ويستطيع

“ 495 “
 
- في غمرة هذا الاخلاص - أن يقتلع الأنانية من ذاته .
 
( 1503 ) انتزاع الأنانية من النفس الحسية يهون ، حين يسلم المرء قلبه إلى الخالق . فمثل هذا التوجه يخرج النفس الحسية عن وعيها ، فيسهل حينذاك اقتلاع الشرور منها ، كما يسهل بالتخدير اقتلاع رأس الحربة من الجريح .
 
( 1505 ) إذا ركز فؤاد المرء في احدى الأفكار سُلب منه ما سواها فلو كان اهتمامه الكلى بمتاع الدنيا ، سُلبت منه معارف الروح .
 
( 1506 ) مهما يكن لك عن عرفان تعتقد أنه يقيك ، أو علم تركن اليه ، فان الشيطان يستطيع أن ينفذ إلى قلبك ساعة اشتغالك بما سواهما .
 
( 1507 ) لو اشتغل الانسان بما هو أهم - وهو العرفان الروحي - سُلب منه ما هو أدنى ، وهو التلعق بالمادة ، والحرص على مطالب الحس .
 
( 1508 - 1509 ) إذا كانت بعض الخواطر لا بد أن تضيع من المرء ، فخواطر الشر هي الأحرى بالضياع . فالتاجر حين تسقط بضائعه في الماء يسارع إلى استنقاذ أثمنها .
 
( 1510 - 1528 ) القصة التي يرويها الشاعر عن لقمان في هذه الأبيات وردت في مصادر متعددة ، لكن بطلها - طبقا لهذه المصادر - لم يكن لقمان . ولعل الشاعر قد وجد فيها من الحكمة ما يشبه حكمة لقمان فنسبها اليه . وقد بين فروزانفر بعض المصادر التي وردت بها هذه القصة ، وهي الامتاع والمؤانسة لأبى حيان التوحيدي ، وكذلك منطق الطير للعطار ، وجوامع الحكايات لمحمد عوفي ، وأسرار التوحيد .
( مآخذ قصص وتمثيلات ، 55 - 56 ) .
وفيما يلي ترجمة لأبيات العطار ، التي روى فيها هذه القصة “ يحكى أن ملكا طيب السيرة أعطى ذات يوم فاكهة لأحد غلمانه .
فأكل الغلام هذه الفاكهة ملتذا ، وكأنه لم يذق طعاما مثلها !
“ 496 “
 
فكان التذاد الغلام بالفاكهة ، على هذه الصورة ، مما أثار رغبة السيد في تذوقها .
فقال : “ هب لي نصفها أيها الغلام ، فإنك تبدى غاية التلذذ بهذا الطعام الطيب “ .
فناوله الغلام نصفها فلما تذوقه المليك ، وجده مرّا ، فقطب حاجبيه .
وقال : “ ما أكل أحد مثل هذا قط أيها الغلام . ومن ذا الذي يجد الحلاوة في مثل هذه المرارة ؟ “ فقال هذا السالك للملك : “ أيها المليك . ما دمت قد تناولت من يدك ألوفان من التحف ، فلست أسيع رد حبة من الفاكهة المرة ، أقلتت ذات مرة من يدك .
فما دام لي في كل لحظة كنز من يدك ، فكيف تزعجنب حبة واحدة من الفاكهة المرة ؟
 
 ( 1526 ) قول الشاعر : “ وما دمت غريق حَبِّك وشبابك “ يعنى :
“ وما دمت غريق فضلك أسير انعامك “ .
 
( 1527 ) قول الشاعر : “ فليُحث فوق كل أعضائي تراب مائة طريق “ : حثو التراب على رأس انسان يُعد صورة بالغة من صور الإهانة والتحقير . وكثيرا ما يرد هذا التعبير في المثنوى وغيره . وقد بالغ الشاعر هنا في هذه الصورة ، فجعل لقمان يرجو الله أن يُحثى فوق كل أعضائه تراب مائة طريق له أنه تنكر لسيده ، من جراء هفوة واحدة .
 
( 1532 ) العرفان يجعل من تحقق به محبا صادق الحب . ولا سبيل إلى الوصول إلى مقام المحبة ما لم يتحقق المرء بكامل العرفان .
 
( 1533 ) ان من نقص العرفان أن يتعلق الانسان بالجماد أو بالمادة .
ولو تحقق لانسان كامل العرفان ما ارتضى أن يشغل قلبه بشئ يصرفه عن


 
“ 497 “
 
الخالق . ذكر القشيري قولا منسوبا إلى يوسف بن علىّ جاء فيه : “ لا يكون العارف عارفا حقا حتى لو أعطى مثل ملك سليمان لم يشغله عن الله عز وجل طرفة عين “ . ( الرسالة ، 142 ) .
 
( 1537 ) روى في الجامع الصغير عن ابن مسعود أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : “ ذهاب إلى البصر مغفرة للذنوب ، وذهاب السمع مغفرة للذنوب ، وما نقص من الجسد فعلى قدر ذلك “ . ( المنهج القوى ، ج 2 ، 352 ) .
 
( 1542 ) بدون صفاء الرؤية لا يستطيع الانسان أن يميز بين النور الآفل وبين النور الخالد ؛ يبهره البرق الخلب ، فيتصور دوامه ، فلا يلبث البرق أن يختفى ويتركه للظلام . والعرفان الروحي هو النور الخالد ، أما المعارف الدنيوية فهي البرق الخلب .
 
( 1544 ) ان أنوار الفلك كسيحة مقطعة الأرجل ، تشرق وتغيب ، ومن الممكن حجبها . فأين هي من نور الله الخالد ، والذي لا يؤثر فيه شروق ولا غروب .
 
( 1549 ) “ المشترى “ كوكب سعد ، وأما زحل فهو كوكب نحس .
يقول البحتري ، في قصيدته عن إيوان كسرى .
عكست حظه الليالي وبابت المشرتى فيه وهو كوكب نحس .
 
( 1550 ) “ تأمل بنظرك العقلىّ هذا النحس الذي وقعت فيه ، لعلك بذلك تدرك حقيقة النفس الأمارة بالسوء ، وكيف أنها جرت عليك كل هذا النحس “ . هذا هو المعنى الواضح للبيت . وتفسير نيكولسون له فيه كثير من التكلف والتأويل البعيد عن النص .
 
( 1551 ) النظر المدرك الذي يشهد ما يصيب الانسان من جزر ومدّ ، قد استطاع أن يشق له سبيلا إلى السعد برغم ما يحيط به من حجب النحس .
 
( 1552 ) الله قادر على أن يحول الانسان من حال إلى حال . وهو

 
“ 498 “
 
يقوده إلى هذا التحول بما وهبه من ملكات ، منها ادراك الضد بضده فالموازنة والمقارنة المبنية على الادارك السليم تنقل الانسان من النحس إلى السعد ، أي من الحسية المظلمة ، إلى مشرق الروح .
 
( 1553 ) “ عندما يظهر لك الله الشر وأخطاره ، في مواجهة الخير ، يتولد الخوف في قلبك من أن تذهب ضحية الشر ، وتصبح من أصحاب الشمال . ويأتي حينذاك الأمل في لذة أصحاب اليمين ، وهم هنا العارفون الروحيون . ومثل هذا الأمل لا يطمح اليه سوى الرجال ، الذين صدقت رجولتهم بالاستقامة والايمان .
ووصف الشاعر للأشرار بأنهم “ أصحاب الشمال “ وكذلك وصفه للأخيار بأنهم “ أصحاب اليمين “ مقتبسان من القرآن الكريم . ( 56 :
27 ، 41 ) .
 
( 1554 ) “ الجناحان “ في البيت رمز للخوف والرجاء . فلا بد للانسان من هذين الدافعين ، يحركانه بصورة متوازنة . فالخوف بدون رجاء ، قنوط لا يرجى معه عمل . والرجاء بدون الخوف سذاجة وطمع لا يستندان إلى أساس . فالخوف والرجاء ضروريان لاتزان السلوك الانساني ضرورة الجناحين للطائر . يروى السلمى عن أبي عثمان المغربي أنه قال : “ من حمل نفسه على الرجاء تعطل ، ومن حمل نفسه على الخوف قنط ، ولكن من هذه مردة ومن هذه مرة “ . ( القشيري : الرسالة ، 63 ) .
 
( 1557 ) حكمة الله في أعماله لا يدركها حق ادراكها سوى الأنبياء والصديقين . وأصعب ما يكون ادراك الحكمة حينما تقترن ببلاء يقع فيه الانسان . ولا بد من روح شبيه بروح إبراهيم ليقدر على اختراق حجب البلاء ، ويبصر الحكمة الكامنة وراءها . فهذا الرسول - وهو في صميم النار - أبصرت روحه الفردوس .
 
( 1558 ) لا بد من الروح المبصر لكي يرقى الانسان في درجات الكمال
 
 
“ 499 “
 
والاشراق إلى القمر ثم إلى الشمس ، ولا يبقى أسير هذا الوجود المادىّ كما تبقى الحلقة أسيرة الباب . والمعروف عند الفلكيين العرب أن القمر أقرب الكواكب إلى الأرض ، وان الشمس في السماء الرابعة .
 
( 1559 ) ان الروح المكتملة بالعرفان لتتجاوز في تساميها السماء السابعة ، ولا يكون نور الأفلاك الآفلة شيئا بالقياس إلى ما تراه من النور الخالد . وهذا ما كان من إبراهيم ، ذلك الرسول الكريم ، الذي قال عنه الخالق : “ وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين “ . ( 6 : 75 ) . فقد ظلمت روح تنشد النور الخالد وتعرض عن النور الآفل ، وانتهى بها البحث والطلب إلى الاهتداء اليه .
 
( 1561 - 1562 ) رجع الشاعر هنا إلى قصة كان قد بدأ روايتها في البيت رقم 1047 ، ثم استطرد منها إلى سواها بعد أبيات قليلة .
 
( 1563 ) بستانىّ الملك هو العارف الكامل ، وهو الذي رمز الشاعر اليه بالملك في هذه القصة . والاستفهام هنا انكارىّ . فالمراد تأكيد عرفانه وقدرته على التمييز .
 
( 1574 ) قول الشاعر : “ كان يصفق بيديه ساخرا من هؤلاء الخزافين “ ، يعنى أن الملك كان يسخر من هؤلاء القوم الذين لم تكن لهم عناية الا بأبدانهم ، وهي الهياكل الترابية ، فكأنهم خزّ افون لا هم لهم الا تشكيل الطين وصقله .
 
( 1577 ) “ لقد كانوا يحيكون شبكة للمليك ، لكنهم عرفوا في النهاية كيف أن الملك كان أحكم منهم تدبيرا “ . ذلك كان على مقتضى قوله تعالى : “ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين “ . ( 3 : 54 ) .
 
( 1580 - 1581 ) ان عين الشيخ العارف تنفذ خلال الحجب ، وتطلع على ما يكتم التلميذ المريد في قلبه ، في حين أن التلميذ يسعى إلى أن يحجب حقيقته عن أستاذه بستار بال ، هو قلبه المهلهل .
 
( 1583 ) يخاطب الأستاذ تلميذه الخالي من الوفاء بقوله : “ يا أخس

 
“ 500 “
 
من كلب “ ، على أساس أنه لا يملك الوفاء ، مع أن الوفاء من صفات الكلب .
 
( 1585 ) قول الأستاذ لتلميذه : “ وبدونى ما كان ينساب من أجلك ماء “ ، يعنى “ بدون ارشادي ما كنت بمستطيع أن تتلقى أوى قبس من العرفان الروحي “ .
 
( 1587 ) يقول الأستاذ لتلميذه : “ أنت تقول : لقد كنت أقدح النار في الخفاء “ ، فالأستاذ هنا يوبخ تلميذه على اعتقاده بأن الظن الفاسد لم يتجاوز عنده الخفاء إلى العلن . ويؤكد له الأستاذ - بعد ذلك - أن القلب الصافي يطلع على خبايا القلوب .
 
( 1593 ) دخول الشمس في برج الحمل يكون من نتائجه قدوم الربيع . ( أنظر : نلينو : علم الفلك ، ص 127 ) .
 
( 1596 ) “ إذ رأيت الذبول يشيع في بستان روحك ، فاعلم أن ذلك قد أصابك لأن الشيخ غاضب عليك “ .
 
( 1597 ) لا معنى لتفسير “ برج العتاب “ هنا بأنه “ برج الجدى “ كما فعل ويلسون . وقد تبعه في ذلك نيكولسون . ( انظر تعليقه على البيت ) . ان التعبير هنا مجازىّ والمراد به أن الشيخ - الذي شبهه الشاعر بالشمس - لو دخل برج العتاب ، لا سودّ بذلك وجه المريد .
فالبروح التي يمكن أن يدخل بها الشيخ هي برج الرضا ، وبرج العتاب ، وبرج الغضب ، وما إلى ذلك . فحالاته النفسية ومشاعره نحو مريده يكون لكل منها أثر مختلف على المريد ، كما تختلف آثار الشمس بين برج وآخر .
 
( 1598 ) الشاعر هنا يشبه الشيخ بعطارد ، كاتب السماء . فالشيخ يخط في قلوب مريديه ما يشاء من قبض وبسط ، فيكون ما يتركه عيلها من سواد وبياض ميزان ترددها بين هاتين الحالتين .
 
( 1599 ) “ الأحمر والأخضر “ هنا كناية عن الربيع . فمعنى البيت

 
“ 501 “
 
 
أن الشيخ يعود فينشر في القلوب ربيعا من البهجة والبشر ، يخلصها من الكآبة والعجز .
 
( 1600 ) بين الشاعر في هذا البيت ما قصد اليه من الرمز باللون الأحمر والأخضر ، وهو الربيع . ثم قال إن الربيع يبدو - عند التأمل - شبيها بقوس قزح ، يعنى أن من يحسن تأمل الريع يجد أن ألونه لا تقتصر على الأحمر والأخضر ، بل هي متنوعة تنوع ألوان الطيف . والتعبير بالألوان المتعددة هنا يشير إلى تنوع احساسات البهجة والتفاؤل التي ينشرها الولي في نفوس مريديه .
 
( 1601 ) يبدأ الشاعر هنا رواية قصة بلقيس ملكة سبأ مع النبىّ سليمان . ويبدو من السياق أن تفسيره الصوفي لهذه القصة هو أن بلقيس تمثل المريد الطيع ، إذ سرعان ما أدركت أسرار دعوة سليمان من كلمات قليلة نقلها إليها الهدهد .
 
( 1602 ) ذكر القرآن الكريم نص كتاب سليمان على لسان مكلة سبأ قال تعالى : “ قالت يا أيها الملا انى ألقى إلى كتاب كريم . انه من سليمان وانه باسم الله الرحمن الرحيم . ألا تعلوا على وأتوني مسلمين “ .
( 27 : 29 - 31 ) .
 
( 1604 ) يشير الشاعر بهذا إلى أن المظهر المتواضع قد يحجب حقيقة عظيمة . وكثيرا ما أكد الشاعر هذا المعنى ، حين حديثه من الأنبياء الذين حسبهم الناس أفرادا عاديين ، ولم يفطنوا لما كان يدعمهم من تأييد الهى .
 
( 1605 ) ان العقل يكون دائما على خلاف مع الحس في مواجهة هذه الطلسمات ذات اللونين ، أي التي تفهم من جانبين ، جانبها الحسى ، وجانبها المعنوي . فالعقل ينفذ وراء الظاهر ، والحواس تقف عند ظاهر الحس ، فينشأ خلاف في الادراك . والشاعر قد ذكر الرسول بوصفه أسمى من تحقق له الادراك الروحي ، وأبا جهل بوصفه صورة للغفلة الناجمة من

 
“ 502 “
 
الخضوع الكامل لسلطان الحس .
 
( 1608 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها “ . ( 7 : 179 ) .
 
( 1610 ) “ سيد الغد والحال “ هو الخالق . أما قول الشاعر عن العين الحسية انها “ لا ترى من الكنز مثقال شعيرتين “ فمعناه : أن هذه العين لا تبصر من كنز العرفان الا أقل القليل .
 
( 1615 ) انشقاق السماء يكون يوم البعث . فلعل الشاعر يتحدث هنا عن بعث الروح الغافل ، وأن هذا البعث أيضا يجعل السماء تنشق فيرى الروح ما كمن وراءها من عالم الغيب . ويؤيد ذلك قوله عن الانسان في البيت التالي ( 1616 ) : “ تأمل ذلك التراب الذي جاوز العرش مسرعا “ .
 
( 1616 ) التراب - بطبيعته - يرسب في الماء ، ولكن الله صاغ من التراب كائنا تسامى إلى العرش . هذا المخلوق هو الانسان الكامل .
وشبيه بهذا المعنى ( تسامى التراب ) قول الشاعر : “ ان العشق جعل الجسد الترابى يعلو على الأفلاك “ ( مثنوى ، 1 ، 25 ) .
 
( 1624 ) قول الشاعر : “ وأنت يا إبليس ، أيها النارى ! اهبط إلى حضيض الثرى “ ، يمكن أن يفهم على ضوء قول الجيلى :
“ وأما الطبقة السابعة من الأرض فإنها تسمى أرض الشقاوة . وهي سطح جهنم ، خلقت من سفليات الطبيعة ، يسكنها الحيات والعقارب وبعض زبانية جهنم . . . وحياتها وعقاربها كأمثال الجبال ، . . . وهي محلقة بجهنم . . . أسكن الله هذه الأشياء في هذه الأرض لتكون أنموذجا لما في جهنم من عذابه “ . ( الانسان الكامل ، 2 ، 75 ) .
 
( 1625 ) يسخر الشاعر من الفلاسفة الذين ينسبون التحول في الأشياء إلى الطبائع الأربع ، الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة .
( انظر تعريف كل من هذه الطبائع عند ابن سينا : تسع رسائل في الحكمة الطبيعة ، الرسالة الرابعة “ في الحدود “ ، 95 - 96 ) .

 
“ 503 “
 
ويذكر الجيلى أن الطبيعيين عبدوا الطبائع الأربع مدعين أنها أصل الوجود ، إذ العالم مركب من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة . ( الانسان الكامل ، 2 : 81 ) .
ويسخر الشاعر هنا أيضا من بعض المتفلسفين الذين وصفوا الخالق بأنه “ العلة الأولى “ . ويعرف الشهرستاني العلة بقوله .
“ المبدأ والعلة يقال لكل ما يكون قد استتم له وجوده في نفسه ، ثم حصل منه وجود شئ آخر ، وتقوم به “ . ( الملل والنحل ، 2 : 186 ) .
 
( 1626 ) قول الشاعر : “ وليس بذى علة “ فيه تورية . فقد يعنى وصف فعل الخالق بأنه لا سبيل إلى أن ينسب اليه اعتلال ، وقد يعنى أن فعل الخالق ليس مبنيا على علل وأسباب ، إذ أنه يفعل ما يشاء . ويصدق هذا التفسير أيضا على قوله : “ وتقديرى لا علة فيه “ .
 
( 1630 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر “ . ( 75 : 8 - 9 ) .
( 1631 ) قول الشاعر ان الخالق يجعل بالقدرة “ عين الدم مسكا “ يعنى أن الخالق يستطيع أن يجعل عين الشمس الملتهبة الحمراء مظلمة سوداء كالمسك . ومع أن الشاعر يعبر هنا عن المعنى تعبيرا لونيا ، فليس هناك ما ينفى الإشارة إلى الحقيقة المعروفة ، وهي أن المسك يستنبط من دم ، هو دم الغزال ؛ فتحول الدم إلى مسك هو في ذاته صورة من صور القدرة الإلهية المشهودة .
 
( 1632 ) الشمس والقمر - عند قيام الساعة - يشرقان من المغرب ، فيصيران مظلمين ، ويمضيان على هذا النحو مسخرين ، كأنهما ثوران أثقل عنقاهما بالأعباء . ( انظر : الجيلى : الانسان الكامل ، 2 ، 57 ) .
 
( 1633 - 1640 ) يروى الشاعر في هذه الأبيات قصة وردت في تفسير قوله تعالى : “ قل أرأيتم ان أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين “ . ( 67 : 30 ) .
“ 504 “
 
يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية : “ وعن بعض الشطار أنها تليت عنده فقال : تجىء به الفؤوس والمعاول . فذهب ماء عينيه “ .
( تفسير الكشاف ، 4 ، 583 ) .
وأورد فروزانفر صورا أخرى لهذه القصة من مصادر متعددة .
( مآخذ قصص وتمثيلات ، 56 - 58 ) .
 
( 1646 ) شعيب هو النبي الذي أرسل إلى أهل مدين . يقول صاحب المنهج القوى : “ روى من معجزات سيدنا شعيب أن المحل الذي يسكنه كان جبلا محجرا لا يقبل الزراعة ، فدعا الله تعالى أن يبدله بأرض ذات تراب تقبل الزارعة ، ففعل “ . ( المنهج القوى ، 2 ، 378 ) . ولم أعثر على أصل ذلك فيما قرأت من سيرة شعيب . وليس في القرآن الكريم نص على معجزة شعيب ، بل فيه إشارة إليها . قال تعالى : “ وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم “ . ( 7 : 85 ) . يقول الزمخشري : “ فان قلت ما معجزته ؟
قلت : قد وقع العلم بأنه كانت له معجزة لقوله : ( قد جاءتكم بينة من ربكم ) . . . غير أن معجزته لم تذكر في القرآن ، كما لم تذكر أكثر معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم فيه “ . ويستطرد الزمخشري - بعد ذلك - بذكر معجزات رويت عن شعيب ، ليس من بينها ما أشار اليه الشاعر . ( الكشاف ، 2 ، 127 ) .
والشاعر يستاءل في هذا البيت عن ولىّ يكون له من الكرامة عند الله ما كان لشعيب ، فيجعل من الجدب خصبا .
 
( 1647 ) “ الأمر الصعب المستحيل “ الذي يشير اليه الشاعر هو خوض النيران من غير احتراق بها ، وهو ما حدث للخيل ، حين ألقى في النار ، فكانت عيه بردا وسلاما .
 
( 1648 ) أورد فروزانفر ما يمكن أن يكون أصلا لهذه القصة ، وذلك في نص نقله عن معجم البلدان لياقوت الحموي ، جاء به قوله :

 
“ 505 “
 
“ سال المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار ، فتعجب عمرو من ذلك ، وقال : أكتب بذلك إلى أمير المؤمنين ، فكتب بذلك إلى عمر ، فكتب اليه أن سله لم أعطاك به ما أعطاك ، وهي أرض لا تزرع ، ولا يستنبط فيها ماء ، ولا ينتفع بها ، فقال : انا نجد صفتها في الكتب وأنها غراس الجنة ، فكتب إلى عمر بذلك فكتب اليه عمر : انا لا نجد غراس الجنة الا للمؤمنين “ . ( مآخذ قصص وتمثيلات ، 59 ) .
 
[ شرح من بيت 1650 إلى بيت 1800 ]
 
( 1651 - 1652 ) ليست التوبة مجرد إرادة ينويها المرء ، فيقترف الذنوب ، معتمدا على أنه سوف يتوب يوما إلى الله ، فتُمحى ذنوبه .
ان التوبة هبة الهية . والقرآن ملىء بالآيات التي تذكر أن الله يتوب على الناس ، وتصفه بأنه هو التواب الرحيم . قال تعالى : “ فتلفي آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم “ . ( 2 : 37 ) . وقال :
“ ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات “ . ( 33 : 37 ) . وغير ذلك كثير . وهذه الهبة مقترنة بصدق اخلاص المرء في طلبها .
 
( 1653 ) قول الشاعر : “ لا بد للتوبة من لهيب وماء “ يعنى أنه لا بد للتوبة من حرقة القلب ودموع العينين .
 
( 1654 ) لا بد من الدمع ولهيب القلب لكي تحقق الحياة الروحية ثمارها . فثمار الحياة الروحية شبيهة بثمار البستان في حاجتها إلى الحرارة والماء .
 
( 1655 - 1664 ) انتقل الشاعر من حديثه من الحرارة والماء ، وضرورتهما لنضج الثمار ، إلى التوسع في بيان ما لهما من أثر على الحياة . وقد اتخذ الشاعر من الحرارة والماء رمزا لحرارة القلب المخلص ، ودموع الخوف والرجاء . وبيِّن ما يكون لهذين من الأثر على بستان الروح ، ثم صور هذا البستان حافلا بالورد والأزهار والأشجار ، مفعم الجنبات بشدو البلابل ، وهتاف الحمام .
 
( 1662 ) “ اللقلق طائر أعجمي طويل العنق ، وكنية - عند أهل

 
“ 506 “
 
العراق - أبو خديج . . وصوته اللقلقة . . ويوصف بالفطنة والذكاء “ .
( انظر : الدميري : حياة الحيوان ، ج 2 ، ص 319 ) .
 
( 1665 ) هذه الهبات الروحية التي يتلقاها العارف أدلة يهتدى بها ، وعلامات يقتفيها ، في سلوك السبيل إلى خالقه .
 
( 1666 ) من كان عارفا بالخالق سعد بتلك الآثار الروحية التي يتلقاها . أما من حُرم هذا العرفان فان هذه الآثار تحدث له فلا يفطن إليها ولا يدرك معناها .
 
( 1667 - 1668 ) ساعة “ ألست “ إشارة إلى قوله تعالى : “ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى “ . ( 7 : 172 ) . فالعارفون - قبل خلق العالم - تذوقوا خمر المحبة ، ولهذا فإنهم يعرفون هذه الخمر في الدنيا ، أما سواهم فلم تتحقق لهم مثل هذه النشوة من قبل ، فهم في هذه الدنيا غافلون عنها .
 
( 1669 ) في البيت إشارة إلى الحديث المشهور : “ الحكمة ضالة المؤمن “ . وقد أورده الترمذي بسند ينتهى إلى أبي هريرة .
ان الحكمة - بالنسبة للمؤمن - كالناقة الضالة ، يبحث عنها ويطلبها ، فإذا ما لقيها عرفها ، لأن روحه كانت قد تذوقتها قبل هذه الحياة . فالحكمة - التي هي ضالة المؤمن - تكون دلالة له على أصله الروحي . وينسب إلى الامام على أنه قال : “ الحكمة دلالة المؤمن “ .
أما الملوك - المذكورون في هذا البيت - فيقصد بهم الصوفية العارفون .
 
( 1670 - 1671 ) قد يُوحى للعارف بالبشائر الإلهية ابان النوم .
 
( 1673 ) قول الشاعر : “ ومن علاماته أنه سوف يطوى أمامك ساعديه “ ، يعنى أن “ من علاماته أن يقف أمامك مبديا احترامه لك ، وطاعته لأمرك “ .
 
( 1675 ) هذه الآيات التي يبديها الحق للعارفين شبيهة بالآية التي أبداها الحق لنبيه زكريا .

“ 507 “
 
( 1676 - 1677 ) النهى - في هذين البيتين - تفسير للنهي عن الكلام الذي وجهه الله إلى زكريا .
 
( 1678 ) عاد الشاعر هنا إلى الحديث عن العارف الذي يتلقى في منامه حلما ينبئه بآيات وعلامات لتحقق مراده .
 
( 1680 - 1686 ) يصور الشاعر في هذه الأبيات حال المحب الذي يطلب الحق باخلاص ، وما يقدم من تضحيات ، وما يصيبه من آلام في سبيل ذلك . فهو يبكى ويتضرع خلال الليالي والأسحار . وهو يشعر بالتعاسة أثناء النهار ، ويغدو عنقه - من كثرة المجاهدة - نحيفا كالمغزل .
وهو يجود بكل شئ ، ويتخلى عن كل ما يملك . ويخاطر في كل سبيل ، غير مبال بالأخطار .
 
( 1687 ) يصور الشاعر هذا المحب - الذي ضحى وبذل كل هذا الجهد - وقد استيقظ ذات صباح ، بعد ليل من الأنس ، تلقِّى فيه أثناء النوم بشرى بتحقيق مراده .
 
( 1688 - 1896 ) في الأبيات صور متعددة لهذا الحالم الذي تلقى البشرى ، فهو في الغداة يتلفت في كل اتجاه ، وينظر في كل جانب ، لعله يصادف تلك الآيات التي تبشره بتحقيق مراده .
 
( 1690 ) في البيت تعبير رمزى يشير إلى أن الحكمة ضالة تدفع العارف للبحث عنها ، كما تدفع الممتلكات الدنيوية الناس للبحث عنها ، والجد في طلبها .
 
( 1691 ) في البيت تعبير عن دهشة العوام لسعى العارف وراء شئ غير محسوس ولا ملموس .
 
( 1694 ) في البيت إشارة إلى تهمة الجنون التي كثيرا ما كان يُرمى بها من غلب عليه الوجد الصوفي .
 
( 1696 ) قوله : “ أيها الراكب “ يعنى : “ يا من أنت مستريح ناعم مغتر بأبهتك . . . “ .
( 1699 ) قول الشاعر : “ فيقول من لا خبر عنده : ان هذا لخداع

 
“ 508 “
 
ونفاق “ ، يعنى أن أحوال الصوفية لا يمكن أن يعرفها سواهم ، لأن هؤلاء لم يجربوها .
 
( 1700 ) المنكرون على الصوفية ظاهر حالهم لا يعلمون حقيقة الحال التي يكون عليها هؤلاء . وهكذا من حُرم من الآيات والعلامات الروحية ، لا يستطيع ان يفطن لما يفطن اليه من وهب هذه الآيات .
والأرواح منذ وقفت أمام خالقها ، قبل خلق الدنيا ، كان منها ما انتشى بهذا الموقف ، وكان منها اكتفي باظهار الطاعة .
 
( 1704 ) روح العارف سرعان ما تصدق الأنبياء ، لأنها تكون مدركة لما يظهرونه من آيات .
 
( 1706 ) “ وكيف يستطيع انسان أن يحصى ما لا يحصى من آيات الله . . “ .

* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: