الأربعاء، 5 أغسطس 2020

18 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1391 - 1706 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

18 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1391 - 1706 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

18 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1391 - 1706 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح كيف جاء الرفاق إلى البيمارستان من أجل ذي النون
قدس الله سره العزيز
“ 488 “
 
( 1391 ) “ ليس في الامكان وقف اندفاع الصوفي ، مهما ضاق العوام بما قد يظهر عليه من أحوال ، لا يروقهم ظاهرها .
 
( 1392 ) قول الشاعر : “ والملوك ليست لهم علامة ظاهرة “ ، يعنى أن العارفين لا يظهر عليهم ما يميزهم في نظر العوام .
 
( 1393 ) “ إذا كان الحكم في يد أسارى الحس الجهلاء ، فلا غرابة إذا أصبح السجن مصير العارفين “ .
 
( 1394 ) ان الصوفي مَلك بقوته الروحية وبعرفانه . لكن قوة الروح والعرفان لا يظهر انه في أبهة الملك التي يعرفها العوام . فكأنه ملك يمشى وحيدا ( مجردا من أبهة الملك ) ، فيعبث به الصبية . و “ الصبية “ هنا رمز لجلاء الناس وعوامهم . وهم في سوء تقديرهم للعارف الكامل كالأطفال إذ يعبثون بالدرة اليتيمة ، ولا يعرفون شيئا عن قيمتها .
 
( 1395 - 1397 ) سبق للشاعر أن وازن بين ظاهر الولي وبين حقيقة حاله ، وضرب مثالا لذلك بالنبي صالح الذي كان فردا واحدا فانتصر - بقدرة الله - على قبيلة بأسرها . والأبيات هنا قريبة المعنى من أبيات جاءت قبل ذلك في المثنوى ( ج 1 ، 2502 - 2508 ) .
 
( 1396 ) قد يبدو الولي في بداية الأمر بسيط المظهر ، لكن حقيقته - المحتجبة وراء مثل هذا المظهر - تنكشف بعد ذلك رويدا رويدا .
 
( 1397 ) “ إذ تجلى الانسان الكامل تلاشت في ضيائه الكائنات جميعا ، وسكوت بكماله ، ثم صحت على وجود أسمى “ . ( انظر :
الجيلى : الانسان الكامل ، ج 2 ، الباب 60 ، ص 47 وما يليها ) .
ومن أمثلة ما قاله عن الانسان الكامل : “ وقد جرت سنته صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يتصور في كل زمان بصورة أكملهم ، ليعلى شأنهم ويقيم ميلانهم “ . ( ص 50 ) . وكذلك قوله : “ والانسان ! الكامل أيضا مرآة الحق ، فان الحق تعالى أوجب على نفسه ألا ترى أسماؤه وصفاته لا في الانسان الكامل “ . ( ص 52 ) .


 
“ 489 “
 
( 1401 ) كيف يلتمس المسيحي الأمان من السيد الذي صلب . وما دام هذا السيد ذاته قد تعرض للصلب ، فكيف يستطيع أن يدفع عن غيره السوء . ويعتقد المسلمون أن السيد المصلوب ليس المسيح عيسى بن مريم .
 
( 1402 ) “ ان كان المسيح قد صلب على أيدي اليهود ، وفقا لاعتقاد ذلك المسيحي ، فكيف يستطيع أن يمده بالعون ؟ “ ( 1403 ) مهما كانت محبة ذلك الرسول الكريم ( عيسى ) لقومه ، وحرصه عليهم ، فلا سبيل اليه أن يتحقق لهم بعد الرتفاعه ما كان يتحقق لهم من الأمان ابان وجوده بينهم . ويستند هذا المعنى على آية كريمة خوطب بها الرسول في سورة الأنفال . قال تعالى : “ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون “ . ( 8 : 33 ) .
 
( 1404 ) انتقل الشاعر هنا إلى تصوير حياة الولي بين قومه . وقد قدم لها بالحديث عن حياة الأنبياء بين أقوامهم . فالرجل الكامل يكون دائما عرضة لزيف المزيفين ، وتزوير أهل الخيانة ، كما يكون الذهب وصائغه هدفا للمزيفين والمزورين .
 
( 1405 ) الحسد هو القوة التي تدفع الناس إلى محاربة أهل الكمال .
وهو قوة مدمرة ، تجعلهم يعيشون في لهيب مستعر ، وتدفعهم إلى الايذاء دفعا . ومن هنا كان ميل أهل الكمال إلى اخفاء حقيقتهم وانصرافهم عن الظهار مزاياهم .
 
( 1406 ) الجبّ الذي ألقى به يوسف كان نتيجة لحسد اخوته .
فالحسد هو الجبّ الحقيقي . وأهل الكمال هدف وضحية لهذا الجب الذي يكمن في طريقهم ، وهو الحسد . فالحاسدون يسعون إلى اهلاك كل من تفوق عليهم .
 
( 1407 ) الذئب الذي تحدث عنه اخوة يوسف وذكروا لأبيهم أنه أكل أخاهم ، لم يكن سوى ذئب الحسد الذي كمن له في الخفاء ، ذلك


 
“ 490 “
 
لأنه لم يكن هناك ذئب حقيقي . وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى ، حكاية عن اخوة يوسف : “ قالوا يا أبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب “ . ( 12 : 17 ) .
 
( 1408 ) حينما طلب اخوة يوسف من أبيهم أن يرسله معهم يرتع ويلعب عبر لهم يعقوب عن خوفه من أن يأكله الذئب وهم عنه غافلون قال تعالى حكاية عن يعقوب : “ قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأتتم عنه غافلون “ . ( 12 : 13 ) . فالذئب الذي خاف منه يعقوب هو في رأى الشاعر ذئب الحسد الذي كان يغلى في نفوسهم ، وكان من الممكن أن يدفعهم إلى ايذائه وهم في غفلة عما بينه وبينهم من إخاء . وفي آيات القرآن الكريم ما يوضح خوف يعقوب على يوسف من حسد اخوته له . قال تعالى : “ قال يا بنى لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا “ . ( 12 : 5 ) .
 
( 1411 ) آلاف الذئاب لا يكون لها من المكر ما يكون لذئب الحسد .
ذلك لأن ذئب الحسد يدبر كيده في الخفاء . لكنّ أمره لا بد أن يفتضح في النهاية .
 
( 1412 - 1415 ) ذكر الشاعر الصور التي يحشر عليها الحاسدون والحريصون والزناة وشاربو الخمر . أما أصحاب القلوب النتنة ، الذين لا يظهر في الدنيا نتن قلوبهم ، فسوف يصبح تنها - في آلآخرة - ظاهرا محسوسا .
 
( 1416 - 1417 ) في البيتين تصوير رائع للوجود الآدمي . فقد شبهه الشاعر بغابة كثيفة الأشجار ، لا يعرف أحد ما يجوس خلالها من الوحوش الضوارى . فالانسان لا ينبئ بظاهره عن حقيقة باطنه .
 
( 1420 ) الكيان البشرى قابل لا كتساب الصفات الجميلة والقبيحة .
فقد تنفذ اليه صفة غادرة شبيهة بصفات الذئب ، وقد تنفذ اليه صفة جميلة ، كأنها يوسف في جمال محياه .


 
“ 491 “
 
( 1422 ) لا يقتصر اكتساب الصفات على الانسان وحده ، بل ربما اكتسبها الحيوان من الانسان .
 
( 1427 ) الصدور يرتبط بعضها ببعض خلال طريق خفي يدركه العارفون . فالصدور تمد شباكها لتتصيد المعارف والخصال من سواها .
وقد رمز الشاعر إلى العارفين بالأسود . ولا داعى للأخذ بالتفسيرات القديمة ( انظر المنهج القوى ، 2 ، ص 332 ) ، كما أنه لا ضرورة لتفسير “ الأجمة العجيبة “ في هذا البيت بأنها “ أجمة الذات الإلهية المشتملة على كل إيوان الوجود والعقل الإلهي المتضمن لجميع الأفكار “ . فالشاعر هنا يتحدث في موضوع تعليمي ، هو امكان اكتساب المعارف من العارفين .
وفي البيت التالي لهذا يحث المريدين على سرقة جواهر المعرفة من صدور العارفين . “ فالأجمة العجيبة “ هنا ليست سوى صدر الانسان بما ينطوى عليه من عجائب .
 
( 1428 ) قول الشاعر : “ يا من أنت أقل من كلب “ توبيخ للمريد الذي لم يستطع أن يقتبس المعرفة من الشيخ العارف ، وبهذا لم يبلغ ما بلغه كلب أصحاب الكهف ، حين اكتسب الصلاح من أصحابه .
 
( 1429 ) في البيت إشارة إلى مثل عربى نصفه : “ إذا سرقت فاسرق الدرة “ . فالشاعر يخاطب المريد قائلا : “ ان كان لا بد لك أن تسرق ، فدرة العرفان هي أثمن شئ يسرق . وفي هذا المعنى دعوة إلى تحويل الرذائل الحسية إلى فصائل روحية .
 
( 1434 ) “ العقلاء “ هنا هم العقلاء الدنيويون .
 
( 1436 - 1441 ) تشير هذه الأبيات إلى قصة وردت في تفسير آيات من سورة البقرة . يقول الزمخشري : “ كان في بني إسرائيل شيخ موسر ، فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه ، وطرحوه على باب مدينة ، ثم جاءوا يطالبون بديته . فأمرهم الله أن يدبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبرهم بقاتله . . .

“ 492 “
 
وروى أنهم لما ضربوه قام بإذن الله وأو داجه تشخب دما ، وقال :
قتلني فلان وفلان لا بنى عمه ، ثم سقط ميتا ، فأخذا وقتلا “ . ( الكشاف ج 1 ، ص 148 ، 153 ) . وقد وردت هذا القصة في تفسير الآيات 67 ، 72 ، 73 من سورة البقرة . قال تعالى : “ وإذ قتلتهم نفسا فادَّار أتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون . فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون “ . ( 2 : 72 - 73 ) .
 
( 1442 ) هذا البيت يتضمن التفسير الصوفي للقصة السابقة . فحينما تقتل شهوات الجسد الغليظ ويقضى على تسلطه ، يبعث الروح حيا .
والبقرة في القصة السابقة رمز للكيان الجسدي الغليظ .
 
( 1443 ) حينما قتلت البقرة - رمز الكيان الجسدىّ الغليظ - تكشفت الأسرار ، وظهر ما كان خافيا . وهكذا الحال عندما يقُضى على الجسد ، فالروح يتحرر حينذاك ، ويطلع على عالم الغيب ، وخفىّ الأسرار .
 
( 1444 ) حينذاك يصبح الروح قادرا على كشف حقيقة الشياطين المستترين ، ولا يكون للخداع والمكر سبيل للايقاع به . وربما كانت “ الشياطين المستترة “ هنا رمزا لشهوات الحس التي تزين اللذات للناس ، كما يفعل الشيطان . ووصف الشياطين بأنها “ دائبة على سفلك الدماء “ رمز إلى أنها مثابرة على قتل الأرواح .
 
( 1445 ) “ قتل البقرة “ ، يعنى قتل رغبات الحس ، وشهوات الجسد .
 
( 1464 ) رُوى عن مجاهد أنه قال : “ كان لقمان عبدا أسود ، عظيم الشفتين مشقق القدمين “ . ( الثعلبي : قصص الأنبياء ، ص 391 ) .
 
( 1465 ) يبدأ الشاعر هنا رواية حكاية عن مَلك وصوفي . وتتضمن هذه الحكاية حكمة في الزهد نسبت إلى مصادر متعددة . ومن أقدم من نسبت إليهم ديوجانس الكلبي . يذكر الشهرستاني أن ديوجانس سئل :


 
“ 493 “
 
كم عبد لك ؟
قال : أربابكم ، يعنى الغضب والشهوة . ( الملل والنحل ، 2 ، 150 ) .
وقد بين نيكولسون ورود قصة الملك والصوفي في كشف المحجوب للهجويرى ، كما تتبع فروزانفر هذه القصة في مختلف مصادرها ( مآخذ قصص ، 53 - 55 ) .
وتروى القصة أن ملكا التقى بأحد الدراويش . فخاطب الملك الدرويش قائلا : “ سلني حاجة “ . فقال الدرويش : “ لست أريد شيئا ممن هو عبد العبيدي “ . فقال الملك : “ وكيف كان ذلك ؟ “ فقال الدرويش : “ ان لي عبدين كلاهما سيد لك ، أحدهما هو الحرص وأما ثانيهما فهو طول الأمل “ .
 
( 1469 ) الملك الحق هو الذي لا يكون للمُلك سلطان على نفسه ، فلا يتسرب إليها - من جرائه - الغرور والحرص .
 
( 1470 ) الكنز الحقيقي هو الروح اليقظ . وصاحب هذا الروح هو مالك الكنز ، لأنه ظفر بالوجود الحق . أما المعتد بوجوده الحسى فلا سبيل له إلى الوجود الحق .
 
( 1472 ) قول الشاعر : “ فالجوهر أدنى في نظرهم من القش “ ، يعنى أن الناس يقبلون على الزائف ويقدرونه ، على حين أنهم يعرضون على الجوهر الأصيل ، ولا يدركون قيمته .
 
( 1478 - 1479 ) جاء في رسالة القشيري ( ص 107 ) رواية عن أحمد بن عاصم الأنظاكى : “ إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق ، فإنهم جواسيس القلوب ، يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تحسون “ .
ويتصل هذا المعنى بملكة الفراسة التي تنسب إلى العارفين . ويبنى القول بها على حديث يروى عن الرسول قوله : “ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله “ . يقول القشيري ( ص 105 ) : “ وهي ( الفراسة ) على


 
“ 494 “
 
حسب قوة الايمان ، فكل من كان أقوى ايمانا كان أحد فراسة “ . وقد فُسِّر قوله تعالى : “ ان في ذلك لآيات للمتوسمين “ ( 15 : 75 ) ، بأن “ المتوسمين “ هم أهل الفراسة ، العارفون بالسمات .
ونقل القشيري عن الواسطي قوله : “ ان الفراسة سواطع أنوار لمعت في القلوب ، وتمكين معرفة حملت السرائر في الغيوب ، من غيب إلى غيب ، حتى يشهد الأشياء من حيث أشهده الله الحق سبحانه إياها ، فيتكلم على ضمير الخلق “ . ( الرسالة ، 105 ) .
 
( 1483 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير وألنَّا له الحديد “ . ( 34 : 10 ) .
فمن لان في كفه الحديد فما أهون الشمع في كفيه ، ومن كان عالما بأسرار الوحدانية فما أهون أسرار الخلق عليه .
 
( 1495 ) السيادة في الدنيا ليست دليلا على السيادة في الآخرة ، ولا ضعة الشأن مقدمة لحدوث ذلك في الآخرة ، بل كثيرا ما يكون الوضيع في الدنيا سيدا في الآخرة ، والسيد في هذا العالم وضيع المقام خاوى الوفاض في العالم الآخر .
 
[ شرح من بيت 1500 إلى بيت 1650 ]
 
( 1500 ) ليس كتمان السر عن الأشرار فعلا عظيما يستدعى الاعجاب ، فهذا من الأمور التي لا يقتصر ادراكها على خاصة العارفين . ان الفعل العجب يتجلى في مقدرة المرء على كتمان سره عن نفسه . و “ كتمان السرّ عن النفس “ ، يعنى الامتناع عن الاحساس بالذات ، لأن ذلك يبعث الغرور في النفس . وتهذيب النفس على هذا النحو يعُتبر - عند الصوفية .
- نهجا رفيعا من الاخلاص . روى عن أبي على الدقاق أنه قال :
“ الاخلاص هو التوقي عن ملاحظة الخلق وصدق التنقى من مطالعة النفس .
فالمخلص لا رياء له ، والصادق لا اعجاب له “ . ( رسالة القشيري ، 95 ) .
 
( 1502 ) “ اسلام النفس إلى شباك المثوبة “ ، كناية عن تقديمها إلى الله . وحنيما يتحقق هذا الموقف لا يبقى للمرء حرص ذاتي ، ويستطيع



“ 495 “
 
- في غمرة هذا الاخلاص - أن يقتلع الأنانية من ذاته .
 
( 1503 ) انتزاع الأنانية من النفس الحسية يهون ، حين يسلم المرء قلبه إلى الخالق . فمثل هذا التوجه يخرج النفس الحسية عن وعيها ، فيسهل حينذاك اقتلاع الشرور منها ، كما يسهل بالتخدير اقتلاع رأس الحربة من الجريح .
 
( 1505 ) إذا ركز فؤاد المرء في احدى الأفكار سُلب منه ما سواها فلو كان اهتمامه الكلى بمتاع الدنيا ، سُلبت منه معارف الروح .
 
( 1506 ) مهما يكن لك عن عرفان تعتقد أنه يقيك ، أو علم تركن اليه ، فان الشيطان يستطيع أن ينفذ إلى قلبك ساعة اشتغالك بما سواهما .
 
( 1507 ) لو اشتغل الانسان بما هو أهم - وهو العرفان الروحي - سُلب منه ما هو أدنى ، وهو التلعق بالمادة ، والحرص على مطالب الحس .
 
( 1508 - 1509 ) إذا كانت بعض الخواطر لا بد أن تضيع من المرء ، فخواطر الشر هي الأحرى بالضياع . فالتاجر حين تسقط بضائعه في الماء يسارع إلى استنقاذ أثمنها .
 
( 1510 - 1528 ) القصة التي يرويها الشاعر عن لقمان في هذه الأبيات وردت في مصادر متعددة ، لكن بطلها - طبقا لهذه المصادر - لم يكن لقمان . ولعل الشاعر قد وجد فيها من الحكمة ما يشبه حكمة لقمان فنسبها اليه . وقد بين فروزانفر بعض المصادر التي وردت بها هذه القصة ، وهي الامتاع والمؤانسة لأبى حيان التوحيدي ، وكذلك منطق الطير للعطار ، وجوامع الحكايات لمحمد عوفي ، وأسرار التوحيد .
( مآخذ قصص وتمثيلات ، 55 - 56 ) .
وفيما يلي ترجمة لأبيات العطار ، التي روى فيها هذه القصة “ يحكى أن ملكا طيب السيرة أعطى ذات يوم فاكهة لأحد غلمانه .
فأكل الغلام هذه الفاكهة ملتذا ، وكأنه لم يذق طعاما مثلها !

“ 496 “
 
فكان التذاد الغلام بالفاكهة ، على هذه الصورة ، مما أثار رغبة السيد في تذوقها .
فقال : “ هب لي نصفها أيها الغلام ، فإنك تبدى غاية التلذذ بهذا الطعام الطيب “ .
فناوله الغلام نصفها فلما تذوقه المليك ، وجده مرّا ، فقطب حاجبيه .
وقال : “ ما أكل أحد مثل هذا قط أيها الغلام . ومن ذا الذي يجد الحلاوة في مثل هذه المرارة ؟ “ فقال هذا السالك للملك : “ أيها المليك . ما دمت قد تناولت من يدك ألوفان من التحف ، فلست أسيع رد حبة من الفاكهة المرة ، أقلتت ذات مرة من يدك .
فما دام لي في كل لحظة كنز من يدك ، فكيف تزعجنب حبة واحدة من الفاكهة المرة ؟
 
 ( 1526 ) قول الشاعر : “ وما دمت غريق حَبِّك وشبابك “ يعنى :
“ وما دمت غريق فضلك أسير انعامك “ .
 
( 1527 ) قول الشاعر : “ فليُحث فوق كل أعضائي تراب مائة طريق “ : حثو التراب على رأس انسان يُعد صورة بالغة من صور الإهانة والتحقير . وكثيرا ما يرد هذا التعبير في المثنوى وغيره . وقد بالغ الشاعر هنا في هذه الصورة ، فجعل لقمان يرجو الله أن يُحثى فوق كل أعضائه تراب مائة طريق له أنه تنكر لسيده ، من جراء هفوة واحدة .
 
( 1532 ) العرفان يجعل من تحقق به محبا صادق الحب . ولا سبيل إلى الوصول إلى مقام المحبة ما لم يتحقق المرء بكامل العرفان .
 
( 1533 ) ان من نقص العرفان أن يتعلق الانسان بالجماد أو بالمادة .
ولو تحقق لانسان كامل العرفان ما ارتضى أن يشغل قلبه بشئ يصرفه عن


 
“ 497 “
 
الخالق . ذكر القشيري قولا منسوبا إلى يوسف بن علىّ جاء فيه : “ لا يكون العارف عارفا حقا حتى لو أعطى مثل ملك سليمان لم يشغله عن الله عز وجل طرفة عين “ . ( الرسالة ، 142 ) .
 
( 1537 ) روى في الجامع الصغير عن ابن مسعود أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : “ ذهاب إلى البصر مغفرة للذنوب ، وذهاب السمع مغفرة للذنوب ، وما نقص من الجسد فعلى قدر ذلك “ . ( المنهج القوى ، ج 2 ، 352 ) .
 
( 1542 ) بدون صفاء الرؤية لا يستطيع الانسان أن يميز بين النور الآفل وبين النور الخالد ؛ يبهره البرق الخلب ، فيتصور دوامه ، فلا يلبث البرق أن يختفى ويتركه للظلام . والعرفان الروحي هو النور الخالد ، أما المعارف الدنيوية فهي البرق الخلب .
 
( 1544 ) ان أنوار الفلك كسيحة مقطعة الأرجل ، تشرق وتغيب ، ومن الممكن حجبها . فأين هي من نور الله الخالد ، والذي لا يؤثر فيه شروق ولا غروب .
 
( 1549 ) “ المشترى “ كوكب سعد ، وأما زحل فهو كوكب نحس .
يقول البحتري ، في قصيدته عن إيوان كسرى .
عكست حظه الليالي وبابت المشرتى فيه وهو كوكب نحس .
 
( 1550 ) “ تأمل بنظرك العقلىّ هذا النحس الذي وقعت فيه ، لعلك بذلك تدرك حقيقة النفس الأمارة بالسوء ، وكيف أنها جرت عليك كل هذا النحس “ . هذا هو المعنى الواضح للبيت . وتفسير نيكولسون له فيه كثير من التكلف والتأويل البعيد عن النص .
 
( 1551 ) النظر المدرك الذي يشهد ما يصيب الانسان من جزر ومدّ ، قد استطاع أن يشق له سبيلا إلى السعد برغم ما يحيط به من حجب النحس .
 
( 1552 ) الله قادر على أن يحول الانسان من حال إلى حال . وهو


 
“ 498 “
 
يقوده إلى هذا التحول بما وهبه من ملكات ، منها ادراك الضد بضده فالموازنة والمقارنة المبنية على الادارك السليم تنقل الانسان من النحس إلى السعد ، أي من الحسية المظلمة ، إلى مشرق الروح .
 
( 1553 ) “ عندما يظهر لك الله الشر وأخطاره ، في مواجهة الخير ، يتولد الخوف في قلبك من أن تذهب ضحية الشر ، وتصبح من أصحاب الشمال . ويأتي حينذاك الأمل في لذة أصحاب اليمين ، وهم هنا العارفون الروحيون . ومثل هذا الأمل لا يطمح اليه سوى الرجال ، الذين صدقت رجولتهم بالاستقامة والايمان .
ووصف الشاعر للأشرار بأنهم “ أصحاب الشمال “ وكذلك وصفه للأخيار بأنهم “ أصحاب اليمين “ مقتبسان من القرآن الكريم . ( 56 :
27 ، 41 ) .
 
( 1554 ) “ الجناحان “ في البيت رمز للخوف والرجاء . فلا بد للانسان من هذين الدافعين ، يحركانه بصورة متوازنة . فالخوف بدون رجاء ، قنوط لا يرجى معه عمل . والرجاء بدون الخوف سذاجة وطمع لا يستندان إلى أساس . فالخوف والرجاء ضروريان لاتزان السلوك الانساني ضرورة الجناحين للطائر . يروى السلمى عن أبي عثمان المغربي أنه قال : “ من حمل نفسه على الرجاء تعطل ، ومن حمل نفسه على الخوف قنط ، ولكن من هذه مردة ومن هذه مرة “ . ( القشيري : الرسالة ، 63 ) .
 
( 1557 ) حكمة الله في أعماله لا يدركها حق ادراكها سوى الأنبياء والصديقين . وأصعب ما يكون ادراك الحكمة حينما تقترن ببلاء يقع فيه الانسان . ولا بد من روح شبيه بروح إبراهيم ليقدر على اختراق حجب البلاء ، ويبصر الحكمة الكامنة وراءها . فهذا الرسول - وهو في صميم النار - أبصرت روحه الفردوس .
 
( 1558 ) لا بد من الروح المبصر لكي يرقى الانسان في درجات الكمال
 
 
 
“ 499 “
 
والاشراق إلى القمر ثم إلى الشمس ، ولا يبقى أسير هذا الوجود المادىّ كما تبقى الحلقة أسيرة الباب . والمعروف عند الفلكيين العرب أن القمر أقرب الكواكب إلى الأرض ، وان الشمس في السماء الرابعة .
 
( 1559 ) ان الروح المكتملة بالعرفان لتتجاوز في تساميها السماء السابعة ، ولا يكون نور الأفلاك الآفلة شيئا بالقياس إلى ما تراه من النور الخالد . وهذا ما كان من إبراهيم ، ذلك الرسول الكريم ، الذي قال عنه الخالق : “ وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين “ . ( 6 : 75 ) . فقد ظلمت روح تنشد النور الخالد وتعرض عن النور الآفل ، وانتهى بها البحث والطلب إلى الاهتداء اليه .
 
( 1561 - 1562 ) رجع الشاعر هنا إلى قصة كان قد بدأ روايتها في البيت رقم 1047 ، ثم استطرد منها إلى سواها بعد أبيات قليلة .
 
( 1563 ) بستانىّ الملك هو العارف الكامل ، وهو الذي رمز الشاعر اليه بالملك في هذه القصة . والاستفهام هنا انكارىّ . فالمراد تأكيد عرفانه وقدرته على التمييز .
 
( 1574 ) قول الشاعر : “ كان يصفق بيديه ساخرا من هؤلاء الخزافين “ ، يعنى أن الملك كان يسخر من هؤلاء القوم الذين لم تكن لهم عناية الا بأبدانهم ، وهي الهياكل الترابية ، فكأنهم خزّ افون لا هم لهم الا تشكيل الطين وصقله .
 
( 1577 ) “ لقد كانوا يحيكون شبكة للمليك ، لكنهم عرفوا في النهاية كيف أن الملك كان أحكم منهم تدبيرا “ . ذلك كان على مقتضى قوله تعالى : “ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين “ . ( 3 : 54 ) .
 
( 1580 - 1581 ) ان عين الشيخ العارف تنفذ خلال الحجب ، وتطلع على ما يكتم التلميذ المريد في قلبه ، في حين أن التلميذ يسعى إلى أن يحجب حقيقته عن أستاذه بستار بال ، هو قلبه المهلهل .
 
( 1583 ) يخاطب الأستاذ تلميذه الخالي من الوفاء بقوله : “ يا أخس


 
“ 500 “
 
من كلب “ ، على أساس أنه لا يملك الوفاء ، مع أن الوفاء من صفات الكلب .
 
( 1585 ) قول الأستاذ لتلميذه : “ وبدونى ما كان ينساب من أجلك ماء “ ، يعنى “ بدون ارشادي ما كنت بمستطيع أن تتلقى أوى قبس من العرفان الروحي “ .
 
( 1587 ) يقول الأستاذ لتلميذه : “ أنت تقول : لقد كنت أقدح النار في الخفاء “ ، فالأستاذ هنا يوبخ تلميذه على اعتقاده بأن الظن الفاسد لم يتجاوز عنده الخفاء إلى العلن . ويؤكد له الأستاذ - بعد ذلك - أن القلب الصافي يطلع على خبايا القلوب .
 
( 1593 ) دخول الشمس في برج الحمل يكون من نتائجه قدوم الربيع . ( أنظر : نلينو : علم الفلك ، ص 127 ) .
 
( 1596 ) “ إذ رأيت الذبول يشيع في بستان روحك ، فاعلم أن ذلك قد أصابك لأن الشيخ غاضب عليك “ .
 
( 1597 ) لا معنى لتفسير “ برج العتاب “ هنا بأنه “ برج الجدى “ كما فعل ويلسون . وقد تبعه في ذلك نيكولسون . ( انظر تعليقه على البيت ) . ان التعبير هنا مجازىّ والمراد به أن الشيخ - الذي شبهه الشاعر بالشمس - لو دخل برج العتاب ، لا سودّ بذلك وجه المريد .
فالبروح التي يمكن أن يدخل بها الشيخ هي برج الرضا ، وبرج العتاب ، وبرج الغضب ، وما إلى ذلك . فحالاته النفسية ومشاعره نحو مريده يكون لكل منها أثر مختلف على المريد ، كما تختلف آثار الشمس بين برج وآخر .
 
( 1598 ) الشاعر هنا يشبه الشيخ بعطارد ، كاتب السماء . فالشيخ يخط في قلوب مريديه ما يشاء من قبض وبسط ، فيكون ما يتركه عيلها من سواد وبياض ميزان ترددها بين هاتين الحالتين .
 
( 1599 ) “ الأحمر والأخضر “ هنا كناية عن الربيع . فمعنى البيت


 
“ 501 “
 
 
أن الشيخ يعود فينشر في القلوب ربيعا من البهجة والبشر ، يخلصها من الكآبة والعجز .
 
( 1600 ) بين الشاعر في هذا البيت ما قصد اليه من الرمز باللون الأحمر والأخضر ، وهو الربيع . ثم قال إن الربيع يبدو - عند التأمل - شبيها بقوس قزح ، يعنى أن من يحسن تأمل الريع يجد أن ألونه لا تقتصر على الأحمر والأخضر ، بل هي متنوعة تنوع ألوان الطيف . والتعبير بالألوان المتعددة هنا يشير إلى تنوع احساسات البهجة والتفاؤل التي ينشرها الولي في نفوس مريديه .
 
( 1601 ) يبدأ الشاعر هنا رواية قصة بلقيس ملكة سبأ مع النبىّ سليمان . ويبدو من السياق أن تفسيره الصوفي لهذه القصة هو أن بلقيس تمثل المريد الطيع ، إذ سرعان ما أدركت أسرار دعوة سليمان من كلمات قليلة نقلها إليها الهدهد .
 
( 1602 ) ذكر القرآن الكريم نص كتاب سليمان على لسان مكلة سبأ قال تعالى : “ قالت يا أيها الملا انى ألقى إلى كتاب كريم . انه من سليمان وانه باسم الله الرحمن الرحيم . ألا تعلوا على وأتوني مسلمين “ .
( 27 : 29 - 31 ) .
 
( 1604 ) يشير الشاعر بهذا إلى أن المظهر المتواضع قد يحجب حقيقة عظيمة . وكثيرا ما أكد الشاعر هذا المعنى ، حين حديثه من الأنبياء الذين حسبهم الناس أفرادا عاديين ، ولم يفطنوا لما كان يدعمهم من تأييد الهى .
 
( 1605 ) ان العقل يكون دائما على خلاف مع الحس في مواجهة هذه الطلسمات ذات اللونين ، أي التي تفهم من جانبين ، جانبها الحسى ، وجانبها المعنوي . فالعقل ينفذ وراء الظاهر ، والحواس تقف عند ظاهر الحس ، فينشأ خلاف في الادراك . والشاعر قد ذكر الرسول بوصفه أسمى من تحقق له الادراك الروحي ، وأبا جهل بوصفه صورة للغفلة الناجمة من


 
“ 502 “
 
الخضوع الكامل لسلطان الحس .
 
( 1608 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها “ . ( 7 : 179 ) .
 
( 1610 ) “ سيد الغد والحال “ هو الخالق . أما قول الشاعر عن العين الحسية انها “ لا ترى من الكنز مثقال شعيرتين “ فمعناه : أن هذه العين لا تبصر من كنز العرفان الا أقل القليل .
 
( 1615 ) انشقاق السماء يكون يوم البعث . فلعل الشاعر يتحدث هنا عن بعث الروح الغافل ، وأن هذا البعث أيضا يجعل السماء تنشق فيرى الروح ما كمن وراءها من عالم الغيب . ويؤيد ذلك قوله عن الانسان في البيت التالي ( 1616 ) : “ تأمل ذلك التراب الذي جاوز العرش مسرعا “ .
 
( 1616 ) التراب - بطبيعته - يرسب في الماء ، ولكن الله صاغ من التراب كائنا تسامى إلى العرش . هذا المخلوق هو الانسان الكامل .
وشبيه بهذا المعنى ( تسامى التراب ) قول الشاعر : “ ان العشق جعل الجسد الترابى يعلو على الأفلاك “ ( مثنوى ، 1 ، 25 ) .
 
( 1624 ) قول الشاعر : “ وأنت يا إبليس ، أيها النارى ! اهبط إلى حضيض الثرى “ ، يمكن أن يفهم على ضوء قول الجيلى :
“ وأما الطبقة السابعة من الأرض فإنها تسمى أرض الشقاوة . وهي سطح جهنم ، خلقت من سفليات الطبيعة ، يسكنها الحيات والعقارب وبعض زبانية جهنم . . . وحياتها وعقاربها كأمثال الجبال ، . . . وهي محلقة بجهنم . . . أسكن الله هذه الأشياء في هذه الأرض لتكون أنموذجا لما في جهنم من عذابه “ . ( الانسان الكامل ، 2 ، 75 ) .
 
( 1625 ) يسخر الشاعر من الفلاسفة الذين ينسبون التحول في الأشياء إلى الطبائع الأربع ، الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة .
( انظر تعريف كل من هذه الطبائع عند ابن سينا : تسع رسائل في الحكمة الطبيعة ، الرسالة الرابعة “ في الحدود “ ، 95 - 96 ) .


 
“ 503 “
 
ويذكر الجيلى أن الطبيعيين عبدوا الطبائع الأربع مدعين أنها أصل الوجود ، إذ العالم مركب من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة . ( الانسان الكامل ، 2 : 81 ) .
ويسخر الشاعر هنا أيضا من بعض المتفلسفين الذين وصفوا الخالق بأنه “ العلة الأولى “ . ويعرف الشهرستاني العلة بقوله .
“ المبدأ والعلة يقال لكل ما يكون قد استتم له وجوده في نفسه ، ثم حصل منه وجود شئ آخر ، وتقوم به “ . ( الملل والنحل ، 2 : 186 ) .
 
( 1626 ) قول الشاعر : “ وليس بذى علة “ فيه تورية . فقد يعنى وصف فعل الخالق بأنه لا سبيل إلى أن ينسب اليه اعتلال ، وقد يعنى أن فعل الخالق ليس مبنيا على علل وأسباب ، إذ أنه يفعل ما يشاء . ويصدق هذا التفسير أيضا على قوله : “ وتقديرى لا علة فيه “ .
 
( 1630 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر “ . ( 75 : 8 - 9 ) .
( 1631 ) قول الشاعر ان الخالق يجعل بالقدرة “ عين الدم مسكا “ يعنى أن الخالق يستطيع أن يجعل عين الشمس الملتهبة الحمراء مظلمة سوداء كالمسك . ومع أن الشاعر يعبر هنا عن المعنى تعبيرا لونيا ، فليس هناك ما ينفى الإشارة إلى الحقيقة المعروفة ، وهي أن المسك يستنبط من دم ، هو دم الغزال ؛ فتحول الدم إلى مسك هو في ذاته صورة من صور القدرة الإلهية المشهودة .
 
( 1632 ) الشمس والقمر - عند قيام الساعة - يشرقان من المغرب ، فيصيران مظلمين ، ويمضيان على هذا النحو مسخرين ، كأنهما ثوران أثقل عنقاهما بالأعباء . ( انظر : الجيلى : الانسان الكامل ، 2 ، 57 ) .
 
( 1633 - 1640 ) يروى الشاعر في هذه الأبيات قصة وردت في تفسير قوله تعالى : “ قل أرأيتم ان أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين “ . ( 67 : 30 ) .

“ 504 “
 
يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية : “ وعن بعض الشطار أنها تليت عنده فقال : تجىء به الفؤوس والمعاول . فذهب ماء عينيه “ .
( تفسير الكشاف ، 4 ، 583 ) .
وأورد فروزانفر صورا أخرى لهذه القصة من مصادر متعددة .
( مآخذ قصص وتمثيلات ، 56 - 58 ) .
 
( 1646 ) شعيب هو النبي الذي أرسل إلى أهل مدين . يقول صاحب المنهج القوى : “ روى من معجزات سيدنا شعيب أن المحل الذي يسكنه كان جبلا محجرا لا يقبل الزراعة ، فدعا الله تعالى أن يبدله بأرض ذات تراب تقبل الزارعة ، ففعل “ . ( المنهج القوى ، 2 ، 378 ) . ولم أعثر على أصل ذلك فيما قرأت من سيرة شعيب . وليس في القرآن الكريم نص على معجزة شعيب ، بل فيه إشارة إليها . قال تعالى : “ وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم “ . ( 7 : 85 ) . يقول الزمخشري : “ فان قلت ما معجزته ؟
قلت : قد وقع العلم بأنه كانت له معجزة لقوله : ( قد جاءتكم بينة من ربكم ) . . . غير أن معجزته لم تذكر في القرآن ، كما لم تذكر أكثر معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم فيه “ . ويستطرد الزمخشري - بعد ذلك - بذكر معجزات رويت عن شعيب ، ليس من بينها ما أشار اليه الشاعر . ( الكشاف ، 2 ، 127 ) .
والشاعر يستاءل في هذا البيت عن ولىّ يكون له من الكرامة عند الله ما كان لشعيب ، فيجعل من الجدب خصبا .
 
( 1647 ) “ الأمر الصعب المستحيل “ الذي يشير اليه الشاعر هو خوض النيران من غير احتراق بها ، وهو ما حدث للخيل ، حين ألقى في النار ، فكانت عيه بردا وسلاما .
 
( 1648 ) أورد فروزانفر ما يمكن أن يكون أصلا لهذه القصة ، وذلك في نص نقله عن معجم البلدان لياقوت الحموي ، جاء به قوله :


 
“ 505 “
 
“ سال المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار ، فتعجب عمرو من ذلك ، وقال : أكتب بذلك إلى أمير المؤمنين ، فكتب بذلك إلى عمر ، فكتب اليه أن سله لم أعطاك به ما أعطاك ، وهي أرض لا تزرع ، ولا يستنبط فيها ماء ، ولا ينتفع بها ، فقال : انا نجد صفتها في الكتب وأنها غراس الجنة ، فكتب إلى عمر بذلك فكتب اليه عمر : انا لا نجد غراس الجنة الا للمؤمنين “ . ( مآخذ قصص وتمثيلات ، 59 ) .
 
[ شرح من بيت 1650 إلى بيت 1800 ]
 
( 1651 - 1652 ) ليست التوبة مجرد إرادة ينويها المرء ، فيقترف الذنوب ، معتمدا على أنه سوف يتوب يوما إلى الله ، فتُمحى ذنوبه .
ان التوبة هبة الهية . والقرآن ملىء بالآيات التي تذكر أن الله يتوب على الناس ، وتصفه بأنه هو التواب الرحيم . قال تعالى : “ فتلفي آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم “ . ( 2 : 37 ) . وقال :
“ ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات “ . ( 33 : 37 ) . وغير ذلك كثير . وهذه الهبة مقترنة بصدق اخلاص المرء في طلبها .
 
( 1653 ) قول الشاعر : “ لا بد للتوبة من لهيب وماء “ يعنى أنه لا بد للتوبة من حرقة القلب ودموع العينين .
 
( 1654 ) لا بد من الدمع ولهيب القلب لكي تحقق الحياة الروحية ثمارها . فثمار الحياة الروحية شبيهة بثمار البستان في حاجتها إلى الحرارة والماء .
 
( 1655 - 1664 ) انتقل الشاعر من حديثه من الحرارة والماء ، وضرورتهما لنضج الثمار ، إلى التوسع في بيان ما لهما من أثر على الحياة . وقد اتخذ الشاعر من الحرارة والماء رمزا لحرارة القلب المخلص ، ودموع الخوف والرجاء . وبيِّن ما يكون لهذين من الأثر على بستان الروح ، ثم صور هذا البستان حافلا بالورد والأزهار والأشجار ، مفعم الجنبات بشدو البلابل ، وهتاف الحمام .
 
( 1662 ) “ اللقلق طائر أعجمي طويل العنق ، وكنية - عند أهل


 
“ 506 “
 
العراق - أبو خديج . . وصوته اللقلقة . . ويوصف بالفطنة والذكاء “ .
( انظر : الدميري : حياة الحيوان ، ج 2 ، ص 319 ) .
 
( 1665 ) هذه الهبات الروحية التي يتلقاها العارف أدلة يهتدى بها ، وعلامات يقتفيها ، في سلوك السبيل إلى خالقه .
 
( 1666 ) من كان عارفا بالخالق سعد بتلك الآثار الروحية التي يتلقاها . أما من حُرم هذا العرفان فان هذه الآثار تحدث له فلا يفطن إليها ولا يدرك معناها .
 
( 1667 - 1668 ) ساعة “ ألست “ إشارة إلى قوله تعالى : “ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى “ . ( 7 : 172 ) . فالعارفون - قبل خلق العالم - تذوقوا خمر المحبة ، ولهذا فإنهم يعرفون هذه الخمر في الدنيا ، أما سواهم فلم تتحقق لهم مثل هذه النشوة من قبل ، فهم في هذه الدنيا غافلون عنها .
 
( 1669 ) في البيت إشارة إلى الحديث المشهور : “ الحكمة ضالة المؤمن “ . وقد أورده الترمذي بسند ينتهى إلى أبي هريرة .
ان الحكمة - بالنسبة للمؤمن - كالناقة الضالة ، يبحث عنها ويطلبها ، فإذا ما لقيها عرفها ، لأن روحه كانت قد تذوقتها قبل هذه الحياة . فالحكمة - التي هي ضالة المؤمن - تكون دلالة له على أصله الروحي . وينسب إلى الامام على أنه قال : “ الحكمة دلالة المؤمن “ .
أما الملوك - المذكورون في هذا البيت - فيقصد بهم الصوفية العارفون .
 
( 1670 - 1671 ) قد يُوحى للعارف بالبشائر الإلهية ابان النوم .
 
( 1673 ) قول الشاعر : “ ومن علاماته أنه سوف يطوى أمامك ساعديه “ ، يعنى أن “ من علاماته أن يقف أمامك مبديا احترامه لك ، وطاعته لأمرك “ .
 
( 1675 ) هذه الآيات التي يبديها الحق للعارفين شبيهة بالآية التي أبداها الحق لنبيه زكريا .



“ 507 “
 
( 1676 - 1677 ) النهى - في هذين البيتين - تفسير للنهي عن الكلام الذي وجهه الله إلى زكريا .
 
( 1678 ) عاد الشاعر هنا إلى الحديث عن العارف الذي يتلقى في منامه حلما ينبئه بآيات وعلامات لتحقق مراده .
 
( 1680 - 1686 ) يصور الشاعر في هذه الأبيات حال المحب الذي يطلب الحق باخلاص ، وما يقدم من تضحيات ، وما يصيبه من آلام في سبيل ذلك . فهو يبكى ويتضرع خلال الليالي والأسحار . وهو يشعر بالتعاسة أثناء النهار ، ويغدو عنقه - من كثرة المجاهدة - نحيفا كالمغزل .
وهو يجود بكل شئ ، ويتخلى عن كل ما يملك . ويخاطر في كل سبيل ، غير مبال بالأخطار .
 
( 1687 ) يصور الشاعر هذا المحب - الذي ضحى وبذل كل هذا الجهد - وقد استيقظ ذات صباح ، بعد ليل من الأنس ، تلقِّى فيه أثناء النوم بشرى بتحقيق مراده .
 
( 1688 - 1896 ) في الأبيات صور متعددة لهذا الحالم الذي تلقى البشرى ، فهو في الغداة يتلفت في كل اتجاه ، وينظر في كل جانب ، لعله يصادف تلك الآيات التي تبشره بتحقيق مراده .
 
( 1690 ) في البيت تعبير رمزى يشير إلى أن الحكمة ضالة تدفع العارف للبحث عنها ، كما تدفع الممتلكات الدنيوية الناس للبحث عنها ، والجد في طلبها .
 
( 1691 ) في البيت تعبير عن دهشة العوام لسعى العارف وراء شئ غير محسوس ولا ملموس .
 
( 1694 ) في البيت إشارة إلى تهمة الجنون التي كثيرا ما كان يُرمى بها من غلب عليه الوجد الصوفي .
 
( 1696 ) قوله : “ أيها الراكب “ يعنى : “ يا من أنت مستريح ناعم مغتر بأبهتك . . . “ .
( 1699 ) قول الشاعر : “ فيقول من لا خبر عنده : ان هذا لخداع


 
“ 508 “
 
ونفاق “ ، يعنى أن أحوال الصوفية لا يمكن أن يعرفها سواهم ، لأن هؤلاء لم يجربوها .
 
( 1700 ) المنكرون على الصوفية ظاهر حالهم لا يعلمون حقيقة الحال التي يكون عليها هؤلاء . وهكذا من حُرم من الآيات والعلامات الروحية ، لا يستطيع ان يفطن لما يفطن اليه من وهب هذه الآيات .
والأرواح منذ وقفت أمام خالقها ، قبل خلق الدنيا ، كان منها ما انتشى بهذا الموقف ، وكان منها اكتفي باظهار الطاعة .
 
( 1704 ) روح العارف سرعان ما تصدق الأنبياء ، لأنها تكون مدركة لما يظهرونه من آيات .
 
( 1706 ) “ وكيف يستطيع انسان أن يحصى ما لا يحصى من آيات الله . . “ .
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: